هبة محمد – المرأة للتنمية والسلام

تعد قصص النساء الناجحات في اليمن مصدرًا للإلهام والتحفيز للنساء الأخريات، وتعكس قوة الإرادة والقدرة العظيمة التي تمتلكها المرأة في تحقيق النجاح والتأثير الإيجابي في المجتمع، ويعد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من أهم المجالات التي شهدت تألقًا للقيادات النسائية المؤثرة على مر السنوات في اليمن.

تتميز هؤلاء النساء بإنجازاتهن الملموسة والمذهلة في مجالاتهن؛ إذ استطعن تحقيق نجاحات واضحة في مجالات التعليم والبحث العلمي، وعرفت القائدات والرائدات النسويات بالتفاني والاجتهاد الذي بذلنه لتحقيق رؤيتهن وأهدافهن العلمية.

 

قائدات في مجال العلم والبحث العلمي

من بين أروقة جامعة صنعاء، تتجلى شخصية الأستاذة الدكتورة محاسن منيباري، صاحبة الإنجازات العديدة والمسيرة العلمية المشرفة؛ إذ تمتع هذه المرأة بمكانة عالية في الجامعة وفي قلوب طلابها وزملائها.

بدأت رحلة العطاء العلمي عندما التقت بزوجها الدكتور المتخصص في أمراض الباطنية، فكوَّنا ثنائيًا قويًا في عالم الطب والتعليم، ورزقت بأربعة أبناء رائعين وعلى رأسهم ابنتهم الصغيرة التي تحمل درجة الماجستير في الطب، متتلمذة على يدي والديها الملهمين. وكانت علاقتهما مبنية دائمًا على التعاون العلمي والعمل الجاد، لرفع مستوى العلم والتعليم في جامعة صنعاء.

لم تكن الدكتورة منيباري معطاءة في القاعات الدراسية وحسب، بل كانت أيضًا مُشرفة على رسائل الماجستير والدكتوراة، بشغفها وخبرتها الواسعة، وكانت تدفع الطلاب نحو البحث العلمي وتحقيق التميز، وكانت لها علاقات واسعة بالمراكز العلمية الخارجية والجامعات، وقدمت العديد من الأبحاث والعمل المشترك مع الباحثين خارج اليمن. وهي تشغل الآن رئاسة مركز البيئة المحمية في جامعة صنعاء ورئاسة قسم في الجامعة نفسها.

وفيما يتعلق بمشاركة المرأة في مجال البحث العلمي، كان لمحاسن وجهة نظرها الخاصة؛
إذ عدته مجالًا جميلًا يسهم في تطوير المجتمع وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهي تؤمن أن العلم لا يفرق بين الذكر والأنثى، كما يمكن للجميع الإسهام في بناء مجتمع متقدم ومتوازن.

قدمت أهم الأبحاث البحثية في مجالات اقتصادية واجتماعية وزراعية، وخاصة في دراسة القات في اليمن، وكانت تتعاون مع مركز الدراسات والبحوث الكندي؛ إذ كانت تترأس فريق البحث تحت إشراف الدكتور شيبروا تيدلا من جامعة أديس أبابا.

محاسن منيباري كانت وما تزال قدوة للنساء في مجال العلم والتعليم، وهي تثبت يومًا بعد يوم أن المرأة قادرة على تحقيق النجاح والتفوق في مختلف المجالات. كما رمزت للقوة والعزيمة، وكانت تعمل بجد واجتهاد لخدمة مجتمعها ورفع مستوى العلم في اليمن.

 

المحاقري ورحلة الإصرار والتفاني

منى المحاقري شخصية بارزة في المجال الأكاديمي في اليمن، تميزت مسيرتها التعليمية منذ تخرجها بتقدير ممتاز ومرتبة الشرف من كلية التربية في جامعة حلوان، بجمهورية مصر العربية 1994، ثم عادت إلى وطنها لمواصلة الماجستير والدكتوراة.

انضمت المحاقري إلى جامعة صنعاء، وعينت مُعيدة في كلية التربية بمنطقة أرحب في الكلية حديثة التأسيس، وقد سعت إلى جذب الطالبات من الريف للالتحاق بالتعليم الجامعي، وكانت أرحب منطقة نائية وريفية، لكن هذا لم يكن عائقًا بالنسبة لمنى.

 قبلها واجهت المحاقري تحديًا آخر عندما رفضت كلية التربية بجامعة صنعاء تعيينها كأحد أعضاء هيئة التدريس، لكنها لم تستسلم وانضمت إلى كلية التربية بأرحب وأصبحت أول امرأة ومعيدة تعمل في الكلية، وكان تعليمها لطلاب السنة الأولى بدايةً لمسيرتها، ومع الوقت ازداد عدد الطلاب واستمر تأثيرها وتطورها.

تقول المحاقري: “طريق النجاح لم يكن مفروشًا بالورود، بل يحمل معه تحديات لا يستهان بها، فعلى الرغم من الفرص التي أتت في طريقي، مثل فرصة الدراسة والحصول على منحة حكومية لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مصر، واجهت صعوبات كبيرة في التعيين بجامعة صنعاء”.

وتواصل: “ورغم تفوقي العلمي على المستوى الخارجي والمحلي، تعرضت لرفض قاطع من كلية التربية بجامعة صنعاء لقبولي في برنامج الدراسات العليا بالكلية، لكن ذلك لم يثنِ عزيمتي، فقد قررت الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا في كلية الآداب، بقسم اللغة العربية”.

وأردفت: “واجهت تحديات جديدة إذ اشترطوا عليا إكمال المقاصة للمواد التكميلية التي استغرقت مني سنتين. بعد ذلك قررت القيام بجميع متطلبات كلية الآداب ونجحت في الحصول على درجة البكالوريوس في الآداب بتقدير جيد جدًا. اليوم، أشعر بالفخر والاعتزاز لأن عددًا من طالباتي أصبحن زميلات لي بعد حصولهن على درجة الدكتوراة بتفوق وتميز لا مثيل له. بعد أكثر من عشرين عامًا قضيتها في التدريس بكلية التربية – أرحب، انتقلت مؤخرًا للعمل في كلية التربية بجامعة صنعاء، وسأواصل العمل والتدريس بالدراسات العليا وتشجيع النساء على مواصلة التعليم، وتحقيق أعلى الدرجات العلمية والوصول إلى مواقع صنع القرار”.

وتتابع: “انضممت كباحثة إلى مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء منذ عام 2007، وقد كانت هذه التجربة مثمرة وإضافة قيمة لمساري المهني. لم أحصر نفسي في العمل البحثي والأكاديمي وحسب، بل قمت بمحاولة تحقيق التوازن بين الدور الأكاديمي والمجتمعي؛ ففي عام 2010 أسست مجلة “عروس اليمن” كأول مجلة متخصصة ومعنية بشؤون المرأة، وكانت تصدر بشكل فصلي. بالإضافة إلى ذلك، قمت بتأسيس مجلة المجمع العلمي اللغوي اليمني في عام 2014 وإدارتها”.

في العام نفسه، أسست المحاقري “مؤسسة شهرزاد الثقافية” كأول مؤسسة يمنية تهتم بالإبداع النسوي اليمني، وتعمل على تمكين المبدعات اليمنيات ثقافيًا واقتصاديًا وأكاديميًا من خلال ورش التدريب والندوات والمعارض، وما تزال مستمرة في العمل على تحقيق هذه الأهداف حتى الآن.

وعن السياسات والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتعزيز مشاركة المرأة في المجال الأكاديمي والبحثي العلمي في اليمن تقول المحاقري: “أبرز هذه الإجراءات تخفيض رسوم الدراسة، وتسهيل شروط الالتحاق بالدراسات العليا والتعليم العالي، وتقديم المنح المجانية للمتفوقات، وإعادة عملية الابتعاث بشكل موسع وتشجيع الفتيات على الالتحاق بالتخصصات العلمية، والدخول في قطاع تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي بقوة وبجدارة”.

وأشارت إلى أن الأوضاع السياسية وعدم الاستقرار السياسي وانقطاع المرتبات وإغلاق المطارات، جميعها قد أثَّرت على مسيرتها العلمية والعملية، ولم يعد هناك قدرة على المشاركة في معظم المؤتمرات العلمية التي تلقت دعوات للمشاركة فيها بسبب صعوبة السفر والتنقل، بما في ذلك مؤتمر المبدعة العربية في تونس الذي قدَّمت فيه ورقة عمل حول موضوع المواطنة في الرواية النسوية اليمنية، وللأسف لم تتمكن من المشاركة فيه.

 

نماذج نسائية ملهمة

في عالم يسوده طموح المرأة ورغبتها الشديدة في تحقيق أعلى المناصب القيادية وسط المجتمع اليمني، برزت أسماء مؤثرة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، أمثال الدكتورة وهيبة فارع الأكاديمية التي أسست جامعة الملكة أروى، وكانت أول رئيسة جامعة خاصة في اليمن، عام 1996، كما تم تعيينها عميدة للمعهد الوطني للعلوم الإدارية في اليمن المعني بتأهيل القيادات الإدارية العليا للدولة اليمنية 2011-2006. تعمل حاليًا أستاذةً باحثةً، وكاتبة سياسية ومحاضِرَةً في العديد من الجامعات، وتدير العديد من المراكز البحثية المتخصصة.

أما الأستاذة الدكتورة مُهجت أحمد علي فتعد أيضًا نموذجًا ملهمًا في اليمن؛ إذ تم تعيينها أول عميدة كلية في البلاد، وتحديدًا عميدة كلية طب الأسنان في جامعة عدن.

تألقت الدكتورة مهجت كأحد أبرز النساء الرائدات في مجال جراحة الفم والأسنان. وبفضل إرادتها القوية ورؤيتها الثاقبة، أسست أول كلية طب أسنان في الجمهورية اليمنية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تثبت فيها نفسها كأول امرأة في مجالها، فقد تم اختيارها أيضًا كأول امرأة عضوة في جراحة الفم والأسنان في منظمة دول العالم للجراحين في ألمانيا، وكذلك في منظمة التخدير الموضعي في الجراحة.

لم تكن الطريق سهلة بالنسبة إليها، فقد تعرضت لانتقادات وتحليلات مستفزة تتساءل فيها عن جدارتها بهذه الثقة والتميز الذي حظيت به، لكنها استخدمت تلك التحديات حافزًا للعمل الجاد والتفاني في تحقيق التفوق وتكوين نفسها كقوة مؤثرة ومسؤولة، وسخرت كل وقتها وجهدها لتكون على أتم الاستعداد لمواجهة المسؤولية الكبيرة التي أوكلت إليها.

تحدثت الدكتورة مهجت عن تجربتها؛ إذ أشارت إلى أهمية أن تتمتع المرأة بالكفاءة والمؤهلات العلمية والخبرات اللازمة للوصول إلى المناصب القيادية، مؤكدة أن الرجل والمرأة ليسا مختلفين في القدرات، لكن المرأة تعوقها العادات والتقاليد الاجتماعية.

عملت الدكتورة مهجت بجد وتفانٍ في تحقيق رؤيتها وتطوير مهاراتها القيادية والإدارية. وفي أحد حواراتها، حثَّت النساء الطموحات على الاعتقاد بقدراتهن والعمل الجاد على تطوير أنفسهن وتحقيق أهدافهن، فقد دعتهن إلى عدم الخوف من تحدي العادات والتقاليد، وطالبتهن بالسعي في تحقيق التميز والنجاح في حياتهن المهنية، وأكدت أنهن يستحقِقْن أن يكُنَّ في المقدمة ويتولين المناصب القيادية.

هناك كثير من النساء الرائدات في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، ممن أثبتن للعالم أن المرأة اليمنية تستحق الاهتمام والفرص المجتمعية مثلها مثل الرجل، وهنا تبرز الدكتورة رخصانة إسماعيل مثالاً ملهمًا للكثيرين، فقد تركت بصمة قوية في مجال التعليم والبحث العلمي.

بعد إتمام دراستها الجامعية وحصولها على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا البتروكيماويات، انضمت الدكتورة رخصانة إلى هيئة التدريس في جامعة عدن، وتم تعيينها أستاذةً في قسم الكيمياء بكلية التربية. لم تقتصر إسهاماتها على مجال التدريس وحسب، بل تجاوزت ذلك إلى تأسيس مراكز بحثية وجمعيات علمية تُعنى بتعزيز دور المرأة في المجتمع العلمي.