حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

في حين أنّ بعضًا من المجتمع اليمني يرفضون تعليم المرأة بشكل عام، ويؤمنون أنّ دورها يقتصر على المنزل وتربية الأبناء، ويزعمون أن تعليم المرأة العالي قد يؤدي إلى خروجها من نطاق العائلة، وتغيير قيم المجتمع، يتيقن بعضهم الآخر أنّ هناك أهمية للمرأة وتؤدي دورًا مهمًّا وضروريًّا في قطاع التعليم العالي؛ إذ تستطيع الإسهام في تنمية مجتمعها عبر تعليم الأجيال وتنشئتهم، ووجودها في الأوساط الأكاديمية يكسر الصورة النمطية عن المرأة، ويجعلها شريكة في نجاح شقيقها الرجل.

 

وجود المرأة في الأوساط الأكاديمية

منيرة النمر (تخصص علاج نفسي إكلينيكي)، تتحدث عن أهمية وجود النساء في هذا القطاع؛ إذ تقول: “هناك أهمية للمرأة في الأوساط الأكاديمية في اليمن؛ فحيازتها على شهادة التعليم العالي تعزز من وعيها، وتسهم في تنمية قدراتها في مختلف المجالات التي تنعكس إيجابًا على تعاملها مع أطفالها مستقبلًا، وكيف تكون ردود أفعالها إيجابية تجاه مواقفها الحياتية المختلفة حسب خبراتها العملية”.

ومن جانبها تقول ألحان الشيباني (ناشطة مجتمعية): “المرأة في الأوساط الأكاديمية لها مشاركات نوعية ومهمّة، وهي شريكة في بناء العملية التعليمية في جميع مستويات التعليم”.

وتتحدث الإعلامية بسمة نواس حول أهمية وجود المرأة في الأوساط الأكاديمية، وترى أن لها دورًا في إثراء المعرفة وتُنوع وجهات النظر، وتطوير أفكار وطُرق جديدة، كما أنّ وجودهنّ يُلهم الأجيال القادمة، ويصنع قدوة يُحتذى بها للفتيات الشابات، إذ يُشجعهن على متابعة أحلامهنّ وطموحاتهنّ في التعليم والبحث، إضافة إلى أنّهنّ يُسهمنَ في التنمية المجتمعية عبر مشاركتهنّ في مجالات مختلفة؛ مثل التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمي”.

وتضيف نواس: “هناك أهمية لحصول المرأة على شهادة تعليم عالٍ؛ منها تحسين فرص العمل والدخل، وتعزز الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، كما يُتيح للمرأة الإسهام بشكل أكبر في المجتمع من خلال مهاراتها ومعارفها، وبشكل عام تُعدُّ مشاركتها في المجال الأكاديمي وحصولها على شهادة تعليم عالٍ أمرًا ضروريًّا لتحقيق المساواة والعدالة والتنمية المستدامة”.

 

تأثير المرأة في المجال الأكاديمي

أنجزت المرأة اليمنية العديد من النجاحات في المجال الأكاديمي؛ إذ حصلت على درجات علمية عليا، وتقلدت مناصب قيادية في الجامعات، كما أنّها أسهمت في إثراء المعرفة من خلال الأبحاث والدراسات العلمية، وعلى الرغم من ذلك لا تزال المرأة في الأوساط الأكاديمية قليلة مقارنة بالرجل، ذلك قد يعود لعدة عوامل؛ منها الفقر، والأعراف والتقاليد، ونقص فرص التعليم، والتمييز ضد المرأة، هذا حسب رأي عدة مختصين في المجال.

أمّا بسمة نواس، فتتحدث عن التأثير الذي تفرضه النساء في هذا المجال المهم، إذ تقول: “المرأة الأكاديمية تُعد عنصرًا مهمًا في المجتمع، ولها دور كبير في تقدمه وتطوره، فلها تأثير كبير وواسع النطاق على المجتمع، وفي تعليم الأجيال القادمة وتنشئتهم، وغرس القيم والمبادئ فيهم وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للنجاح في حياتهم”.

وفي السياق نفسه تضيف منيرة النمر: “وجود المرأة الأكاديمية في المجتمع يحقّق نوعًا من التوازن في بيئة التعليم بين الجنسين، ويسهم في فهم المعنى الحقيقي والمعنى الإيجابي للمساواة في المجتمع، فدور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل في التعليم الأكاديمي والتنشئة الأكاديمية”.

وترى عاتقة الحبابي (أستاذ مساعد) أنّ المرأة الأكاديمية تبرز أهميتها في القدرة على التأثير في المجتمع حولها، وتوعيته وإفادته من الخبرات العلمية والعملية التي اكتسبتها طوال حياتها، لذلك تحوز على مكانة مرموقة في المجتمع، وخاصة إذا قامت بطرح موضوعات تلامس احتياجات المجتمع”.

 

اختلاف وجهات النظر

في إطار الحديث عن تعليم النساء وعملهنّ يرى صالح علي (ربُّ أسرة) أنّ للتعليم دورًا وتأثيرًا في وجود المرأة في مجال التعليم العالي؛ إذ يقتصر على مهنة التدريس فقط ولا يتجاوزه، على خلاف ما ترى سلوى الأدران (طالبة جامعة من إحدى المحافظات) أنّ النساء بإمكانهن تبوُّؤ مناصب إدارية وقيادية كبيرة في الجامعات.

من زاوية أخرى تذكر عاتقة الحبابي أنّ بعضهم يرى أنّ مكان المرأة المنزل وتربية الأطفال، وأعمال الزراعة والرعي، خاصة في المناطق الريفية، وهناك من يمدُّ لها يد العون، ويسهم في تشجيعها للوصول إلى مكانة مرموقة. وتضيف: “من النادر أن نرى المرأة تواجه المجتمع وتستمر في العمل والدراسة والاجتهاد حتى تصل للمكانة التي تحلم بها وتسعى إلى تحقيقها”.

نجلاء حسين (ممرضة في إحدى العيادات) تتحدث عن التعليم العالي للنساء اليمنيات؛ إذ تقول: “يظل التعليم والمجال الوظيفي في نظر الأغلبية من المجتمع غير ضروري، فنجد الأهالي يشجعون الفتيان على حساب الفتيات بعد استكمالهم مرحلة الثانوية فضلًا عن البكالوريوس”.

وتضيف: “نجد كل هذا الدعم للذكور؛ لأنّهم سوف يعيلون أسرهم مستقبلًا، لكن النساء حسب زعمهم سيتزوجنَ وينتهي بهنّ الأمر في المنزل وفي المطبخ وبرفقة الأبناء”.

وتخالفها ناصرة محمد (ممرضة زميلة لها) بقولها: “أنا أرى أنّ الفتيان والفتيات في هذ العصر أصبحوا على درجة واحدة في الكسب والعمل، لذلك يجب الاستثمار في الطرفين، ومساعدتهم في إكمال تعليمهم حتى وإن كان للخارج”.

 

تجارب أكاديمية

عاتقة الحبابي ترى أنّ هناك نساء وصلنَ إلى درجة علمية مرموقة، واستدلت بمثال لدكتورة كانت تعرفها تزوجت بعد الثانوية مباشرة، وثابرت وجاهدت وعملت على تحقيق طموحها حتى وصلت للدكتوراة، واليوم لديها أربعة أطفال، جميعهم أوائل ومتميزون في دراستهم وناجحون.

مثال آخر تذكره الحبابي لدكتورة أخرى تزوجت في الصف التاسع وواصلت وسافرت مع زوجها إلى العراق وإندونيسيا، وتنقلت بين عدة بلدان، لكنها اجتهدت وواصلت تعليمها حتى مع إنجاب خمسة أبناء.

 

دعم المجتمع

بسمة نواس ترى أنّ المجتمع داعم للنساء في جميع المجالات ومنها الأكاديمي؛ إذ تقول: “هناك اتجاه متزايد لتشجيع النساء على التعليم، وذلك لأسباب مختلفة، منها زيادة الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمع، وتغيير النظرة الاجتماعية لها، وأصبحت تُرى كشريكة للرجل في بناء الأسرة والمجتمع، وأصبح بإمكان أغلب النساء الوصول إلى فرص تعليمية أفضل”.

وتضيف: “قرأت عن كثير من الأكاديميات في الصحف والمقالات الإلكترونية، وأيضًا في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: الدكتورة أمل باشا الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم الأحياء الدقيقة من جامعة أكسفورد، وهي باحثة بارزة في مجال مقاومة المضادات الحيوية، وتعمل حاليًا على أبحاثها بجامعة تورنتو الكندية”.

وتعتقد ألحان الشيباني أنّه في الآوانة الأخيرة أصبحت المجتمعات تشجع النساء لنيل حقوقهنّ في التعليم، وأيضًا الاجتهاد في نيل أعلى درجات التعليم.

وتشدّد أمل فؤاد (ماجستير علوم مصرفية) على ضرورة دعم المجتمع للنساء لمواصلة تعليمهنّ العالي ومنحهنّ فرصًا عديدة عند الاحتياج، وتقول: “صحيح أنّ المرأة خلقت للإنجاب وتكوين عائلة، وتنشئتها نشأة سليمة، ولكن لا ننسى أنّ لديها كثيرًا من الطموحات والرغبات في تحقيق ذاتها والإحساس بالنجاح وتحقيق الذات، ويجعلها تحقق دخلًا ماديًّا جيّدًا في المستقبل حين تحتاج للعمل”.

وتضيف: “أصبح احتياج المرأة للعمل أكثر من احتياجها لتكوين عائلة، وما زال بعضهم لا يفضل تعليم ابنته مرحلة الثانوية، فضلًا عن دعمها لحيازة شهادات عليا”.

 

التحديات

حول الصعوبات والتحديات ترى بسمة نواس أنّ هناك بعض التحديات التي تواجه النساء في سبيل الوصول إلى التعليم العالي ونيل درجات علمية ممتازة، منها الفقر؛ فبعض الأُسر لا تستطيع تحمل تكاليف التعليم، وكذلك من التحديات هي العادات والتقاليد في مجتمعنا الذي يسلب المرأة حقها في التعليم، وما زالت بعض الأُسر متمسكة بهذه العادات.

وتضيف: “على الرغم من هذه التحديات، فإنّ هناك العديد من النجاحات التي حققتها النساء في مجال التعليم؛ لذا من المهم أن تستمر الجهود الرامية إلى تعزيز تعليم الفتيات والنساء، وذلك لتمكينهنّ من تحقيق إمكاناتهنّ الكاملة والإسهام في بناء مجتمعات أفضل”.

وتؤكد أمل فؤاد أنّ المعوقات التي قد تواجه النساء في مرحلة إكمال تعليمهنّ عدم وجود تقدير لوجودهنّ وحيازتهنّ على هذه المكانة العلمية، سواء من مجتمعهنّ، أو أماكن عملهنّ، ولا يُمنحنَ أيَّ امتياز، وهذا يعدُّ تحديًّا كبيرًا يقف أمام طموحهنّ ورغبتهنّ بالتطور”.

وتقول منيرة النمر: “من أكبر المعوقات عدم وجود وعي لدى الأسرة بأهمية استكمال المرأة تعليمها في الدراسات العليا، إضافة إلى الجانب المادي، ومتطلبات البحث العلمي التي قد تواجهها الباحثة، وكما نعلم أنّ الجانب الاقتصادي والمالي حاليًا أصبح متدهورًا بشكل كبير للغاية عن السابق”.
وتتابع: “من التحديات أيضًا النظرة القاصرة من المجتمع نحو المرأة وتصنيفها على أنّها أم وزوجة وتربي أولادها، وأنّ حدودها يقتصر في هذا الجانب فقط، لذلك يجب على المرأة أن تُثبت نفسها حتى تصل”.

أما ألحان الشيباني فترى أنّ أبرز المعوقات ضعف الجانب المادي لدى بعض الأكاديميات، خصوصًا في وضع الصراع المسلح والنزاعات، فقد ارتفعت نفقات التعليم العالي في أغلب الجامعات، فلم يعُد باستطاعتهنّ دفع هذه التكاليف.

وتضيف: “أبرز التحديات التي تواجهها المرأة بعد زواجها هي اعتقادهم أنّها لا تستطيع مواصلة تعليمها، ويجب عليها البقاء في البيت وتلبية متطلبات عائلتها فقط، وهذا ناتج عن قلة الوعي لدى المجتمع بدور المرأة.

ومن جانبها تقول الحبابي: “قد يرى بعض الرجال دراسة المرأة ووصولها لمستويات علمية عالية يمثل تهديدًا لحقوقه ولمكانته في العمل أو الأسرة والمجتمع”.

المعالجات

بسمة نواس ترى أن هناك كثيرًا من الخطط والمعالجات لدعم النساء وتصحيح أوضعهنّ في مجال التعليم العالي؛ منها ما تحدثت عنه حول تشجيع الفتيات على التعليم وزيادة التوعية المجتمعية، وإعطاءهنّ قدوة إيجابية من النساء المتعلمات، إضافة إلى معالجة العقبات التي تواجهها النساء في التعليم؛ مثل مكافحة الفقر والزواج المبكر، وتشجيع مشاركة النساء في البحوث وتمويل مشاريع بحثية تقودها النساء، خاصةً التي تُركز على قضايا المرأة، ودعم وتوجيه النساء؛ كعمل برامج التوجيه والإرشاد للطالبات والباحثات”.

وتفيد منيرة النمر أنّ لديها آراء ووجهات نظر قد تعالج بعض المشاكل إلى تواجه المرأة في التعليم العالي؛ منها ضرورة دعم المرأة كي تكون مسهمة أكاديمية فعّالة، فيجب عليهم تشجعها ودعمها ماديًّا ومعنويًّا.

وتتابع: “يجب أن تعمل الجهات المعنية على نشر الوعي بأهمية دور الأكاديمية في الجهات المختلفة، ويجب أن يكون هناك دعم ولو بجزء بسيط، خصوصًا في مجال الدراسات العليا التي أصبحت حاليًا أسعارها عالية، فكثير من النساء يعانينَ طبعًا من تكاليف الدراسات العليا، وكذا متطلباتها وأنا أولهنّ”.

كما تقدم أمل فؤاد مجموعة من النصائح؛ إذ تقول: “يجب على المرأة أن يكون لديها الرضا بحياتها، لكن لا تتنازل عن أحلامها في الحصول على تعليم عالٍ وتبوُّؤ أفضل المناصب، وأن تتجاهل المحبطين في المجتمع”.

“يجب على المرأة أن تنظر إلى المستقبل نظرة مشرقة، وعليها الثقة بنفسها، والالتزام بقواعد المجتمع وروابطه وعاداته وتقاليده، ويجب عليها القيام بالمساعدة العلمية لمن هم أدنى منها، أو لكل شخص طلب منها المساعدة؛ لأنّ ذلك يعدُّ زكاةً للعلم” كما ذكرت عاتقة الحبابي في جانب أبرز الحلول لتمكين المرأة في الأوساط الأكاديمية.