أفراح بورجيالمرأة في التنمية والسلام

 

في ظل التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية، نتيجة استمرار الصراعات وتداعياتها المؤثرة على كل مناحي الحياة، تبرز قصص نجاح نسائية تلهم الأجيال وتعيد الأمل. واحدة من هذه القصص هي قصة الدكتورة وهيبة فارع، التي أثبتت أن التعليم هو أقوى سلاح يمكن للمرأة أن تمتلكه.

من محافظة تعز مديرية التربة، بدأت الدكتورة وهيبة مسيرتها التعليمية حتى وصلت إلى أعلى المراتب العلمية بعد حصولها على ليسانس آداب، وماجستير ودكتوراه في أصول التربية والتخطيط التربوي، لتكون بذلك قدوة للكثير من الفتيات اليمنيات.

وتعد الدكتورة وهيبة فارع نموذجًا مشرقًا للمرأة اليمنية التي حققت نجاحات كبيرة في مجالات متعددة، فبالإضافة إلى كونها أول وزيرة لحقوق الإنسان في اليمن، فقد أسست جامعة الملكة أروى، وأسهمت بشكل كبير في تطوير التعليم والنهوض بالمرأة، وعملت في التدريس والإدارة، وانخرطت في المجالات الاجتماعية والأنشطة النسوية والحقوقية داخليًا وخارجيًا، ولها العديد من الكتب التعليمية والسياسية والتنموية، وكتب عن دور المرأة في المجتمع اليمني.

وهناك أيضًا الدكتورة هدى عمر باسليم، بروفيسورة في طب المجتمع والصحة العامة، ونائب عميد كلية الدراسات العليا في جامعة عدن، ومدير مركز تسجيل وأبحاث السرطان في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة عدن، تمثل نموذجًا يحتذى به للمرأة العربية العاملة في المجال العلمي؛ إذ تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة على المستويين الوطني والدولي.

تعد شخصية بارزة في المجال العلمي والنسوي؛ إذ تركت بصمة واضحة خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لعشرين عامًا، وتتميز مسيرتها بتنوع المناصب التي شغلتها على المستوى الوطني والدولي، مما يعكس اهتمامها الواسع بالعديد من القضايا العلمية والاجتماعية.

وقد شغلت الدكتورة هدى مناصب قيادية مهمة على المستوى الإقليمي والدولي، مثل نائبة رئيسة منظمة النساء في مجال العلوم للعالم النامي عن الإقليم العربي (OWSD)، وعملت خبيرة في منظمة الصحة العالمية عن إقليم شرق المتوسط، وعضوًا في لجنة الخبراء في ترصد الأمراض غير السارية، كما مثلت اليمن في العديد من المحافل الدولية، وعضوية مجلسها الاستشاري لشبكة أخلاقيات البيولوجيا حول قضايا المرأة العربية التابع لليونيسكو، وعملت عضوًا في المجالس العلمية لعدة مراكز بحثية، مثل مركز أخلاقيات العلوم والتكنولوجيا، وعضوًا في مجلس إدارة مركز المرأة للبحوث والتدريب في جامعة عدن.

نشرت الدكتورة هدى ما يزيد عن 70 بحثاً في المجلات العلمية المحلية والعربية والعالمية، وكتبًا من دور نشر عالمية، ولها مشاركة واسعة في مؤتمرات وندوات وورش عمل دولية وعربية وداخلية في مجال الصحة العامة والوبائيات وإستراتيجيات مكافحة السرطان ورعاية الطفولة والشباب والصحة الإنجابية والدراسات النسوية.

وهي تعد باحثة رئيسية ومستشارة في عدد من المنظمات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، واليونيسف، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الهجرة الدولية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومؤسسة المستقبل، ومنظمة سول للتنمية، والمؤسسة الطبية الميدانية، وغيرها.

 

دور إيجابي لتحقيق العملية الأكاديمية

يُعدُّ إسهام المرأة اليمنية في تطوير التعليم الأكاديمي في البلاد قصة كفاح وإصرار؛ فرغم التحديات الثقافية والاجتماعية التي واجهتها المرأة على مر السنوات، تمكنت المرأة اليمنية من تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال، وأسهمت بشكل فعال في رفع مستوى التعليم الجامعي على مستوى البلاد.

ولعل من أهم الأدوار التي لعبتها النساء في تطوير التعليم الأكاديمي في اليمن المشاركة في التدريس والبحث العلمي؛ إذ شغلن مناصب تدريسية في مختلف التخصصات، وأسهمن في تطوير المناهج الدراسية وإجراء العديد من البحوث العلمية الهامة في المجتمع، وأسسن العديد من المؤسسات التعليمية، مثل المدارس والجامعات، وساعدن في توفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب والطالبات، وشاركن في وضع السياسات التعليمية على المستوى الوطني، بالإضافة إلى دورهن البارز والمؤثر في عملية التوعية بأهمية التعليم للفتيات والنساء، وحثهن على مواصلة الدراسة والالتحاق بالجامعات.

تشهد الساحة التعليمية في اليمن تحولات كبيرة، وتبرز فيها دور المرأة بشكل متزايد. وفي هذا الصدد، تؤكد الدكتورة حورية الغيل أن المرأة تلعب دورًا إيجابيًا في تطوير البرامج التعليمية، ولا يقل أهمية عن دور الرجل، وأن لكلا الجنسين دورًا فاعلًا في تحقيق التنمية وتطوير البرامج التعليمية بما يتوافق مع ما تتطلبه سوق العمل.

وذكرت الغيل أن هناك الكثير من الكوادر النسائية التي كان لهن دور إيجابي في العمل الأكاديمي، أمثال الدكتورة أمة العليم السوسوة، التي كان لها دور مؤثر في تطوير البرامج التعليمية، وكانت لها بصمتها الواضحة في تأسيس مركز النوع الاجتماعي في جامعة صنعاء، فقد تخرج من هذا المركز العديد من الكوادر العلمية المتميزة.

كما أوضحت أن الكوادر النسائية الأكاديمية تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل المجتمع، فبفضل خبراتهن الواسعة ومهاراتهن المتعددة، فإنهن يسهمن بشكل فعال في بناء مجتمعات واعية قادرة على مواجهة التحديات المعقدة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتسمح للمرأة بامتلاك قدر كبير من المهارات والمعارف والقدرات التي تجعلها أكثر مرونة في تحقق التنمية المستدامة للمجتمع.

 

تطوير المرأة في مختلف المجالات

تؤكد العديد من التقارير أن المرأة الأكاديمية تتميز بقدرتها على تحليل القضايا المجتمعية المعقدة واقتراح حلول مبتكرة، كما أنها تلعب دورًا حيويًّا في تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع، وإن إسهاماتهن لا تقتصر على المجال الأكاديمي فحسب، بل تمتد لتشمل مختلف القطاعات، مما يجعلهن شريكات أساسيات في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي السياق ذاته، تشير شريهان مكرد (مديرة إدارة التوعية والبيئة في صندوق النظافة) إلى أنه في السنوات الأخيرة، شهدت المرأة اليمنية تطورًا ملحوظًا في دورها وتفاعلها في المجتمع، ويتمثل ذلك في المشاركة الفاعلة في التأليف والكتابة، سواء على المستوى الأكاديمي أو التقني، لدعم العملية التعليمية وتطويرها، وتحديد احتياجات المرأة وتلبيتها من خلال إنشاء مؤسسات ومبادرات تدعم تمكين المرأة وتطوير مهاراتها.

وتوضح مكرد أن ارتفاع نسبة المرأة في الدراسات العليا، كالماجستير والدكتوراه، يعكس مدى تطويرها ومواكبتها للتطورات العالمية في مجال التعليم وجودته، وكذلك تأسيس العديد من المؤسسات والمبادرات النسائية التي تعمل على دعم المرأة وتطويرها في مختلف المجالات، وهذه المبادرات تسهم في تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، وتعزز من ثقتها بنفسها وقدراتها. وبشكل عام، يظهر أن دور المرأة وتفاعلها في المجتمع العربي قد تطور بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في مختلف التخصصات بدءًا من العلوم والتكنولوجيا ووصولاً إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية.

 

التحديات

حققت المرأة اليمنية تقدمًا ملحوظًا في مجال التعليم العالي؛ إذ باتت تشغل مناصب أكاديمية مرموقة في مختلف الجامعات والمعاهد. ورغم التحديات الكثيرة التي واجهتها، فإنها تمكنت من كسر العديد من الحواجز التقليدية.

أوضحت الدكتورة حورية الغيل أنه لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه المرأة الأكاديمية اليمنية، خاصة في بعض التخصصات التي تتطلب عملاً ميدانياً مكثفاً، فالتوقعات المجتمعية والأعراف الثقافية قد تحد من قدرة المرأة على العمل في مجالات مثل الهندسة المدنية والهندسة المعمارية؛ إذ يتطلب الأمر التعامل مع العمال والنزول إلى مواقع البناء.

من وجهة نظر العديد من الأكاديميات اليمنيات، فإن التحديات الحالية تختلف عن تلك التي كانت تواجهها الأجيال السابقة. فاليوم، أصبحت المرأة قادرة على الوصول إلى التعليم العالي والحصول على المؤهلات العلمية اللازمة، ولكنها تواجه تحديات جديدة تتعلق بالتوفيق بين متطلبات العمل الأكاديمي والأسرة، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بالبيئة السياسية والاقتصادية في البلاد.

عن تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي بعنوان “المرأة اليمنية: الريادة نحو المستقبل”، 2023، أشار إلى أن “نسبة وصول النساء والفتيات إلى التعليم بلغ 35%، ولا يحصل سوى 6% على فرص عمل مدفوعة الأجر، وأنه غالباً ما يكون صوت النساء محدوداً ولا وجود ملحوظ لهن على طاولة صنع القرار، ويشكلن 4.1% فقط من المناصب الإدارية ومناصب صنع القرار في اليمن”.

كما أشار تقرير بعنوان: “تعليم المرأة مفتاح التقدم في اليمن”، 2024 إلى أن هناك إحصائيات حديثة صادرة عن وزارة التربية والتعليم اليمنية، بالتعاون مع البنك الدولي، أوضحت أن نسبة التحاق الفتيات بالتعليم العالي في اليمن متدنية للغاية؛ إذ تبلغ 5.7% فقط، مقابل 18% للذكور، وتزداد هذه الفجوة اتساعًا كلما ارتفع المستوى التعليمي.

 

مقترحات تعزيز دور المرأة الاكاديمية

تواجه المرأة اليمنية العاملة في المجال الأكاديمي تحديات عديدة، ولكن هناك العديد من الحلول التي يمكن تطبيقها لتطوير إسهاماتها وتعزيز دورها في المجتمع التي تتمثل في التشجيع على مواصلة دراساتهن العليا والحصول على درجات علمية أعلى، مما يزيد من كفاءتهن ويسهم في تطوير مسيرتهن الأكاديمية، وإنشاء شبكات دعم بين الأكاديميات اليمنيات لتبادل الخبرات والمعرفة، وتقديم الدعم المعنوي والعملي.

وتقديم برامج تدريبية لتطوير المهارات القيادية لدى النساء الأكاديميات، وتمكينهن من تولي مناصب قيادية في المؤسسات الأكاديمية، وخلق بيئة عمل آمنة ومحفزة للنساء الأكاديميات، وتوفير التسهيلات اللازمة لمزاولتهن لأعمالهن بفعالية، وتطبيق سياسات واضحة للتكافؤ بين الجنسين في التعيين والترقية، وضمان تمثيل عادل للمرأة في اللجان والمجالس العلمية، وتوفير الدعم المالي واللوجستي للباحثات اليمنيات، وتشجيعهن على المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية الدولية.

يمكن القول إن تطوير إسهامات المرأة اليمنية في المجال الأكاديمي يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف، بدءًا من الفرد، ووصولاً إلى الحكومة والمنظمات الدولية.