ياسمين عبدالحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
أصبحت الهجرة خيارًا لا مفر منه للعديد من الأسر اليمنية، وخاصة النساء اليمنيات اللواتي يواجهن تحديات كبيرة في بلادهن؛ فالنزاعات المسلحة المستمرة والفقر والصراع الدائم على الموارد، كل ذلك دفع بهن إلى مغادرة ديارهن بحثًا عن مستقبل أفضل، تسعى من خلال الهجرة إلى الحصول على تعليم جيد وفرص عمل لها ولأسرتها.
وقد دفعت الظروف الصعبة في اليمن مئات النساء إلى الهجرة القسرية؛ بحثًا عن فرص تعليمية أفضل وسبل عيش أكثر استقرارًا؛ إذ تسبب الصراع الدائر في تدمير البنية التحتية التعليمية وهجرة الكوادر الأكاديمية، مما أضعف جودة التعليم بشكل كبير، وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة، مما أجبر الكثير من النساء على البحث عن عمل في الخارج لمساعدة أسرتهن.
كما أن هناك نساء أخريات غادرن اليمن مكرهات؛ خوفًا من الملاحقة بسبب آرائهن ومواقفهن الاجتماعية والسياسية، مما دعاهن لتقديم طلب اللجوء في العديد من الدول، ومنهن من تلقت الدعم والتشجيع، سواء من المنظمات الدولية أو من السفارات أو من الجهات اليمنية المعنية بخدمة اليمنيين في المهجر، وأخريات واجهن مصيرهن بمفردهن دون أي مساعدة، بحسب إفادات الكثير من اليمنيات في دول مختلفة لمعدة هذا التقرير.
الكثير منهن حققن نجاحًا لافتًا في بلاد المهجر، واستطعن أن يصنعن لهن تاريخًا حافلًا بالانتصارات في عدة مجالات، وإنجازات كبيرة رسمن من خلالها انتصارات المرأة اليمنية في الشتات رغم التحديات والصعوبات. كما عكسن شغف المرأة اليمنية ومدى إصرارها على التميز والإبداع.
وقد تعددت المجالات التي برزت فيها المرأة اليمنية في بلاد المهجر، منها الفن التشكيلي، وفن الطبخ، وفن النقش، وعرض الأزياء العصرية والشعبية، وفي الشعر والأدب والغناء، ومختلف العلوم مثل المحاماة والإعلام والصحافة والابتكار، ومجال الحقوق وغيرها من المجالات.
رائدات يمنيات في بلاد المهجر
نسلط الضوء على نموذج نسائي من النماذج المتميزة، التي استطاعت أن تتحدى ظروف الغربة وتكوِّن لنفسها كيانًا خاصًا، إنها الفنانة التشكيلية ومصممة الجرافيك ميادة الورافي، المتخرجة من تخصص الفنون بقسم الآداب بجامعة تعز، والأولى على دفعتها.
أجبرتها الظروف الصعبة التي تعيشها اليمن، بسبب الصراع الحالي على مغادرة البلاد، للبحث عن فرصة عمل جديدة لها ولأسرتها، خاصة أن البلد أصبح لا يشجع الفنانين والمبدعين.
وفي مدينة تعز، أكملت الورافي دراستها الثانوية، ثم الجامعية في قسم الفنون التشكيلية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها فإنها استطاعت أن تقنع أهلها بالالتحاق بهذا التخصص الذي كان مرفوضًا من قبل الأهل والمجتمع؛ بحجة أنه غير مناسب للمرأة في مجتمع تسوده ثقافة العيب.
أكملت دراستها وتخرجت بدرجة امتياز في الفنون الجميلة (جرافيك) عام ٢٠١٩م، وكانت الأولى على دفعتها، لكنها مع مرور الوقت أيقنت أنه لا توجد فرصة للعمل نتيجة الأوضاع الصعبة التي تمر بها المدينة واليمن بشكل عام نتيجة الصراع والتداعيات الاقتصادية والأمنية؛ الأمر الذي ولد لديها فكرة الهجرة والحصول على فرصة لتحقيق طموحها.
سافرت ميادة إلى مصر ضمن فرص منح التبادل الثقافي بين جامعة تعز والجامعات المصرية. ومع مرور الوقت استقرت هناك وبحثت عن فرصة لها لإظهار قدراتها، ولم تظل مكتوفة اليدين بل عملت على تطوير مهاراتها أكثر عبر تلقيها دورات تدريبية متعددة في التصميم والرسم الإلكتروني، واضطرت إلى البحث عن عمل يعينها على تحقيق هدفها.
بدأت ميادة العمل في إحدى المدارس اليمنية في مصر، ومن ثم تشجعت للعمل في مجال تخصصها، وهو التصميم في أحد مكاتب الشركات اليمنية. وفي الوقت ذاته، استمرت في مسيرتها العلمية عبر الالتحاق ببرنامج الماجستير تخصص فنون شعبية بجامعة القاهرة، واستطعت أن تدرس وتعمل في الوقت نفسه، ومن ثم تطور الأمر لديها لتشارك في أعمال فنية خاصة بالفن التشكيلي داخل مصر وخارجها.
في رحلة محفوفة بالتحديات، استطاعت ميادة أن تتخطى صعوبات التأقلم مع حياة جديدة بعيدًا عن وطنها وعائلتها، وبدعم من أهلها تمكنت من تحقيق نجاحات باهرة في مجالها؛ إذ شاركت في العديد من الفعاليات المحلية والدولية، وحصلت على جوائز تقديرية، كما أسهمت في إثراء المشهد الثقافي في بلدها من خلال فنها، واستخدمت الجرافيك للتعبير عن قضايا السلام والحب والتكافل.
تعد قصة ميادة مثالاً ملهمًا للشابات اليمنيات اللاتي يسعين لتحقيق أحلامهن في بلاد المهجر، فرغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلادها، استطاعت ميادة أن تثبت أن الإرادة والعزيمة هما مفتاح النجاح.
الشاعرة جهاد الجفري
الشاعرة اليمنية جهاد الجفري تعد صوتًا أدبيًا متعدد الأوجه يثري الساحة الثقافية داخل البلد وخارجها؛ إذ حققت الشاعرة اليمنية جهاد الجفري، المنحدرة من مدينة عدن، نجاحًا لافتًا في عالم الأدب، وبرزت كروائية وشاعرة وقاصة وناشطة مجتمعية في بلاد المهجر. وتعد روايتها “أين أبي؟” ومجموعتها القصصية “امرأة خاوية الفراش”، وديوانها الشعري “معجزة الظل” من أبرز أعمالها التي لاقت استحسان النقاد والجمهور.
لقد تمكنت من فرض حضورها بقوة في الساحة الثقافية العربية، ورغم انتقالها إلى بلاد المهجر، فإنها لم تقطع صلتها ببلدها، واستمرت في الإنتاج الأدبي، مؤكدةً بذلك على موهبتها الفذة وعزيمتها القوية، وقد تناولت في أعمالها العديد من القضايا الاجتماعية التي تهم المرأة، مما جعلها صوتًا مؤثرًا للمرأة اليمنية والعربية.
وأثبتت الكاتبة اليمنية جهاد الجفري، العضو في اتحاد الكتاب العرب في أوروبا، قدرتها على تقديم سرديات اجتماعية عميقة في كل من القصة القصيرة والرواية. وقد حظيت أعمالها بتقدير كبير في الأوساط الأدبية، مما أهلها لتكون صوتًا مسموعًا في الساحة الثقافية العربية، كما حصدت الكاتبة تكريمًا دوليًا في الملتقى العالمي لثقافة السلام ببروكسل، ويأتي هذا التكريم تتويجًا لمسيرة أدبية حافلة بالإنجازات، تمكنت من خلالها من فرض حضورها بقوة في الساحة الأدبية العربية.
تتميز أعمال الكاتبة بواقعيتها وقدرتها على تناول القضايا الاجتماعية بعمق وحساسية، وقد نجحت في أن تكون مرآة عاكسة لمجتمعها، مما جعل أعمالها تحظى بشعبية واسعة بين القراء.
المحامية أسماء علي
المحامية اليمنية أسماء علي، يمنية أمريكية حققت نجاحًا لافتًا في مجال القانون، خاصة في شؤون الهجرة؛ إذ تتميز بمسيرتها المهنية الحافلة بالإنجازات والتكريم، مما جعلها نموذجًا يحتذى به للشباب العربي بشكل عام، واليمني بشكل خاص.
كُرِّمت المحامية أسماء علي بجائزة أفضل محامٍ للهجرة للعام 2023 عن ولاية مسيسيبي الأمريكية، وقد سافرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة لتمثل رعايا أجانب. كما مثلت العديد من كبار المسؤولين الحكوميين من مختلف البلدان بمحكمة الهجرة وUSCIS وICE.
كما تعد أسماء نموذجًا يحتذى به للشباب العربي؛ إذ أثبتت قدرتها على تحقيق النجاح والتألق في مجال عملها، وتعد قصة نجاحها دليلًا على أن الإصرار والاجتهاد هما مفتاح تحقيق الأحلام.
تتميز أسماء بذكاء حاد وقدرة على تحليل القضايا المعقدة بدقة، مما يمكنها من إيجاد أفضل الحلول القانونية لموكليها، كما تتمتع بمهارات تواصل ممتازة تمكنها من شرح الأمور القانونية المعقدة لموكليها ببساطة ووضوح.
في عام 2022، تم اختيار أسماء علي كواحدة من أفضل 40 محاميًا تحت سن الأربعين في مجال الهجرة بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصدت العديدَ من الجوائز والتكريم، منها جائزة المحامي المتميز، وجائزة المحامي النخبة، وجائزة قانون النسور، وجائزة محامي العام، وأكثر من ذلك بكثير. بالإضافة إلى حصولها على لقب “المحامية النجمة الصاعدة في الوسط والجنوب الأمريكي” في عام 2024، تقديراً لكفاءتها وأدائها المتميز.