أحمد باجعيمالمرأة في التنمية والسلام

 

 

تعد المرأة اليمنية المهاجرة أحد المحركات الأساسية في التنمية الاقتصادية على المستويين المحلي والدولي، فقد لعبت دورًا محوريًّا إلى جانب الرجل في تعزيز النمو الاقتصادي للبلد، عن طريق إسهاماتها الفعّالة في أسواق العمل العالمية، وإرسال الحوالات المالية التي تسهم بشكل كبير في دعم الأسر والمجتمعات المحلية، لا سيما بعد اندلاع الصراع، وتراجع الاقتصاد المحلي إلى أدنى مستوياته، وارتفاع معدلات البطالة، فساعدت المرأة في الشتات بتحسين وضع كثير من الأسر، وردف الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة، كل هذه يعدُّ دورًا مهمًّا عملت عليه المهاجرة بالتنمية الاقتصادية للبلاد.

 

وفي هذا التقرير نستكشف دور المرأة اليمنية المهاجرة في التنمية الاقتصادية؛ إذ أثبتنَ أنّ المرأة اليمنية قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على المستوى المجتمعي في البلد، وأصبحنَ محفزات للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، كما سنسلط الضوء على الإسهامات القيمة التي تقدمها المرأة اليمنية المهاجرة، وكيف استطاعت التغلب على الصعاب والإسهام في تطوير المجتمعات التي استقررن فيها، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها، وكيفية تجاوزها لتحقيق التنمية المستدامة.

 

دورهنّ اقتصاديًّا

الصفحة الرسمية (للمغتربات اليمنيات) في موقع الفيسبوك، ذكرت العديد من الإنجازات التي حققتها نساء اليمن في دول المهجر بمختلف المجالات، وكان للجانب الاقتصادي الحيز الأكبر من الإنجازات؛ إذ ذكر التقرير، الذي جاء بعنوان: (نماذج نجاح المرأة اليمنية في مجال المال والأعمال في أمريكا – 2022م)، نماذج نسائية يمنية استطعنَ أن يُثبتنَ أنفسهنَّ اقتصاديًّا في بلاد المهجر، ومن هذه النماذج السيدة (أمل العودي) التي تعدُّ مؤسسًا ورئيسًا لشركة أوديا (AUDIA) المتخصصة بمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، التي غزت منتجاتها الأسواق الأمريكية والكندية، والعديد من الأسواق الأوروبية والعربية، كما أنّ الشركة ابتكرت تكنولوجيا خاصة بالعناية بالبشرة، وأصبح يُدرس هذا الابتكار في SKYLINE COLLEGE.

وتعدُّ سيدة المال والأعمال أمل العودي من النماذج المشرفة للنساء اليمنيات في دول المهجر، في كيفية التصدي للتحديات، وصناعة النجاح والتفوق، ولم تقتصر على ذلك، بل أصبح ابتكار شركتها يُدرس في أرقى الجامعات العالمية، ومنتجاتها تجتاح الأسواق العالمية، ممّا لا يدعُ مجالًا للشك أنّ مردودها اقتصاديًّا سيكون له تأثير كبير في تعزيز التنمية الاقتصادية للمرأة اليمنية المهاجرة، وسيعود ذلك بالنفع على بلدها بشكل أو بآخر.

لم ينتهِ تقرير (المغتربات اليمنيات) عند هذا القدر من النجاحات، فقد استطاعت سيدة الأعمال (أنيسة مثنى) هي الأخرى أن تكوّن لنفسها اسمًا يليق بمكانة المرأة اليمنية الرائدة، وهي سيدة أمريكية من أصل يمني تعيش في ولاية كاليفورنيا الأمريكية وتنحدر إلى مديرية يافع جنوب البلاد. استطاعت أن تمتلك مصنعًا يُدعى Pioneer service inc، وهو متخصص في “تقطيع الحديد، وإنتاج مواد سميكة، وألمنيوم، ونحاس أصفر، وفولاذ كربوني، وفولاذ مقاوم للصدأ”؛ إذ تدخل هذه المواد في إنتاج العديد من الصناعات أبرزها صناعة الطائرات والسيارات والأجهزة الهندسة وغيرها.

وأشار التقرير أيضًا إلى أنّ سيدة الأعمال أنيسة حصدت العديد من الجوائز؛ نظرًا لتفوق مصنعها في تلك المجالات؛ إذ حصلت عام 2017م على جائزة woman business، وجائزة بيزنس أورادس، كما ساعد مصنع السيدة أنيسة على تجهيز قطع من الحديد أثناء مجابهة فيروس كورونا 19، وتستخدم تلك القطع في المستشفيات المخصصة في مكافحة الفايروس.

 

نماذج اقتصادية من النساء

في السياق ذاته توضح رائدة الأعمال فاطمة بن ثابت، المقيمة في مصر العربية منذ عام 2014م أنها تدير مشغل خياطة في دولة مصر، وقد تمكّنت من تحقيق نجاحات وإنجازات متميزة في مجال الأزياء؛ بفضل موهبتها في تقديم تصاميم عصرية تلبي أذواق العملاء، ويعمل تحت إشرافها عدد من النساء، منهنّ يمنيات، كما ساعدت في تحسين وضع أسرتها اقتصاديًّا، وكذا أسر النساء العاملات في مشغلها.

وأشارت إلى أنّ نتيجة ازدياد نسبة الجالية اليمنية الموجودة في مصر بشكل ملحوظ، ساعد في تحسين مشروعها وتطويره بشكل مستمر؛ إذ إنّ النساء من الجالية اليمنية يفضلن اقتناء ملابسها وأعمالها من التصاميم العصرية، وأيضًا الزي اليمني الذي يأخذ حيّزًا من منتجاتها.

وتضيف: “أنّ المرأة اليمنية المهاجرة التي لديها مشروع تستثمر به اقتصاديًّا، تسهم بدرجة رئيسية في تحسين وضع ذويها في خارج اليمن وداخله، عبر إرسال الحوالات المالية، لهذا فإنّ هذه الإسهامات التي تعزز من مستوى المعيشة لعائلتها لها تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي، وتحسين الظروف الاقتصادية للعديد من الأسر اليمنية”.

وترى مختصة في الهندسة البترولية، التي فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب خاصة، أنّها بعد مغادرتها الأراضي اليمنية عام 2021م، وحطت رحالها في دولة الصومال، عملت على فتح شركة خاصة تهتم بخدمة العملاء، قائلة: “إن كان المشروع بعيدًا كل البعد عن تخصصي الجامعي، فقد حققت نجاحًا متصاعدًا في الثلاث سنوات الماضية، وأسهمت في توظيف مجموعة من الشباب والشابات اليمنيين بنظام (أون لاين)، وتحسين دخلهم المالي، وتطوير مهاراتهم في هذا المجال، ولم يكن الأمر سهلًا وأنا في بلد غير بلدي، ومجال غير المجال الذي تخصصت فيه؛ فأقاربي القاطنون في الصومال كان لهم الفضل في الدعم المعنوي”.

وتتابع: “الكثير من المشاريع في المهجر يمكن أن تعمل فيها المرأة، خصوصًا في البلدان الأكثر استقرارًا وتطورًا، ومع هذا فإنّ الهدف الأسمى للمرأة في المهجر تحسين وضعها المادي وأسرتها في اليمن بعيدًا عن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تقيد حرية المرأة في العمل الاقتصادي؛ إذ حققت المرأة إسهامات كبيرة خارج وطنها. وما زالت تبذل كثيرٌ من النساء في المهجر جهودًا جيدة في تحسين ذويها اقتصاديًّا، ورفد البلاد بالعملات الصعبة من خلال الحوالات النقدية لأسرهنّ، كل هذا ساعد على التنمية الاقتصادية للبلاد ولو بالشيء اليسير، نظرًا للوضع الراهن الذي تمر به اليمن، وقد أنهك الاقتصاد الوطني إلى مستويات مقلقة”.

 

التحديات والصعوبات

توضح فاطمة بن ثابت أنّ هناك بعض التحديات واجهتها في بداية مشوارها العملي، وتمثل في الإجراءات المحلية في البلد المضيف، ممّا أثّر سِلبًا في إدارة مشروعها في البداية، كما يعدُّ عدم توفر الضمانات الكافية لترخيص المشروع والتواصل مع الموردين إحدى التحديات التي واجهتها؛ إذ أدّى إلى تأخير انطلاق المشروع لمدّة وجيزة.

وتبيّن أنه في المهجر تفتقد المرأة لشبكة دعم الأصدقاء والعائلة معنويًّا أو ماديًّا، إلّا أنّ تلك المنعطفات بالنسبة لها تذللت بفضل الإصرار والعزيمة، والعمل على تكوين شبكة علاقات جيدة بعد البدء في المشروع، والتحفيز المتواصل من الأصدقاء المحدودين في تلك المدّة.

وواصلت حديثها بقولها: “التحديات دائمًا ما تكون في البدايات، وحاليًا أصبح المشروع يمتلك قاعدة عملاء جيدة، ومن الناحية الاقتصادية استطاع المشروع تحقيق أرباح متفاوتة؛ إذ كان في بداياته، وربما بعض الأوقات هناك خسائر محدودة، واليوم وبعد نحو (10) سنوات من العمل والخبرة تمكّن المشروع من تحقيق أرباح كبيرة، واستوعب العديد من النساء؛ منهنّ المصريات، وكذا اليمنيات، الأمر الذي ساعدهنّ على تحسين وضعهنّ المعيشي وأسرهنّ”.

وتضيف مختصة الهندسة البترولية: “أنّ أهم تحدٍّ يواجه المرأة في الشتات يكمن في إنشاء مشروع مختلف تمامًا عن التخصص العلمي، وهذا نتيجة الصراع الدائر في البلاد الذي ألقى بظلاله على انعدام العمل للشباب في مجال تخصصاتهم، إضافة إلى ذلك تغير البيئة من بلد إلى آخر، وهذا يحتاج إلى وقت للتأقلُم عليه؛ إذ إنّ مشروع خدمة العملاء يحتاج إلى قاعدة بيانات للعملاء وتقديم الحلول لهم، وهذا تحدٍّ جديد يضاف لفكرة المشروع، وكيفية توفير كل هذه المتطلبات، والعمل المستمر على تقديم جودة أفضل ومنافسة أقوى في بلد آخر، ومع انطلاق المشروع وخلال مدّة يتحسن أداء العمل بشكل فعلي”.

 

التوصيات والمعالجات

ترى (بن ثابت) أنّ من أهم التوصيات التي تسهم في رفع قدرات النساء في المهجر اقتصاديًّا، متابعة السفارات والقنصليات اليمنية للمرأة في المهجر، وتقديم الدعم والتأهيل المهني، والحرص على وضع حلول للعقبات التي تمر بها في عملها؛ كونها تسهم في تحسين التنمية الاقتصادية لليمن، وذلك إما بإرسالها للحوالات النقدية والاستفادة من العملة الأجنبية، أو عبر توفير فرص عمل للشباب والشابات اليمنيين الموجودين في تلك البلدان.

وأوضحت أنّ الاهتمام بالمهاجرة ليس من أجل مصلحتها الشخصية فحسب، بل إنّ المرأة وكذلك الرجل اليمني المستثمر في الخارج يوفر العملة الصعبة للبلد التي هي في أمس الحاجة لتعزيز اقتصادها المنهار.

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه المرأة اليمنية في الشتات، فإنّ هناك نماذج نسائية أسهمنَ بعزيمتهنّ وقدرتهنّ على التكيف في تحقيق نتائج إيجابية ملموسة، وذلك من خلال توفير الموارد المناسبة لهنّ في بلد الشتات؛ الأمر الذي أسهم في تنمية دورهنّ الحيوي في تعزيز الاقتصاد المحلي والدولي، كما أنّ دعمها وتقدير إسهاماتها من قبل الجهات الرسمية يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق تنمية مستدامة وشاملة للبلاد.