أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
تخطت الإسهامات الإبداعية للمرأة اليمنية في المهجر الحدود الجغرافية؛ إذ برزت كقوة دافعة في إثراء الحركة الثقافية والفنية العالمية، متجاوزة كل التحديات لبناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة، فمن خلال الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية والمطبخ اليمني، نجحت اليمنيات في نقل هوية بلادهنّ وتقاليدهنّ إلى العالم، مؤكدات على قدرتهنّ على الابتكار والإبداع في بيئات جديدة.
وبروح مبتكرة، تجاوزت المرأة اليمنية في المهجر القوالب التقليدية، لتقدم رؤى جديدة للتراث الثقافي والفني اليمني، من خلال مبادراتهنّ الثقافية ومشاريعهنّ المجتمعية، التي أسهمت في تعزيز الوعي الثقافي ودعم المواهب الشابة عبر تنفيذ معارض، وورش عمل، وعروض فنية لهنّ؛ للإسهام في تحديث التراث الثقافي والفني ونقله إلى الأجيال القادمة بطرق عصرية، كما تثري المرأة اليمنية النسيج الثقافي للمجتمعات التي تعيش فيها، وتجعلها أكثر حيوية وأقوى تأثيرًا.
الأنشطة النسائية (سحر اللوذعي أنموذجًا)
أقامت الفنانة التشكيلية اليمنية سحر اللوذعي معرضًا تشكيليًّا ضخمًا في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية بجهود فردية، ضم أعمال (27) فنانًا يمنيًا مقيمًا في المهجر. ويهدف المعرض إلى تغيير النظرة النمطية السلبية عن اليمن في دول المهجر وخاصًا في أمريكا، وعرض وجهها الحضاري والثقافي الغني، وذلك من خلال لوحات تعكس جمال الطبيعة اليمنية وتراثها العريق.
وقد هدف المعرض إلى تحسين صورة اليمن عبر اللوحات الفنية لدى الأجانب؛ إذ تتميز بإرث حضاري وتاريخي عريق، كما أنّ المعرض حوى أعمالًا للفنانة التشكيلية اللوذعي، ولعدد من الفنانين البالغ عددهم ما يزيد عن (30) فنانًا وفنانة من المهاجرين، وتضمن المعرض تقديم فقرات فنية متنوعة من جميع الألوان اليمنية، وأجواء معطرة بالبخور المحلي، كما قدم على هامش المعرض المأكولات الشعبية والقهوة اليمنية، وتستقبل الفتياتُ المرتدياتُ اللباس التراثي اليمني الزوارَ، كل ذلك أسهم بنقل التراث المحلي للعالم عبر تلك الأعمال النسوية.
وفي الصدد ذاته تقول اللوذعي: “إن مشاركتي لم تقتصر على المعرض الذي أقمته في نيويورك فحسب، بل هناك العديد من المشاركات الفنية التي شاركت فيها في مختلف دول العالم، منها تركيا والإمارات وليبيا والجزائر”.
وأشارت إلى أنّ اليمن بحاجة إلى نشر الثقافة المحلية عبر الأعمال الفنية والثقافية في كل مكان في العالم، لنرفع من شأن الوطن، وإزالة الصورة النمطية التي لا تليق باليمن، ولا بمكانته العريقة التي قدّمها الإعلام الغربي عن البلاد، كما أنّ الرسم التشكيلي يعدُّ رسالة تحمل على عاتقها تعريف العالم بالقيم والمبادئ العريقة عبر الريشة، وتعمل على إيصال صوته الفني وأصوات كل اليمنيين للعالم.
وأضافت سحر (مؤسِّس مؤسسة قمرية الدولية للفنون): “أنّ المؤسسة تهدف إلى عمل معارض بصورة دورية بمختلف ولايات أمريكا والعديد من الدول الأخرى، وذلك لنقل التراث والفنون اليمنية المشرفة إلى جميع أنحاء العالم، وتشجيع فناني الوطن في الشتات لعرض أعمالهم بالمهجر”. كما أكّدت أنّ اليمن بحاجة ماسة لتفعيل مجال الثقافة والفن لتنشيط السياحة والنهوض بها؛ إذ إنّ الفن يمكن أن يعمل على إزالة التشوهات التي عرضت عبر وسائل الإعلام العالمية عن اليمن واليمنيين، التي مثلت البلاد كوطن صراع يحمل أفكارًا متشددة راغبة عن السلام.
نجاحات
لعبت الفنانة التشكيلية سحر اللوذعي دورًا كبيرًا في التعريف عن اليمن؛ عن طريق تعريف المجتمعات الغربية على التراث الثقافي والفن اليمني، وأسهمت في تقليل تأثير الصورة النمطية السلبية عن اليمن التي رُسمتْ في أذهان العالم على أنّ اليمن بلد النزاعات المسلحة على مدى العقود الماضية، ولهذا فإنّها حققت نجاحات منقطعة النظير، وتوجت تلك النجاحات بالعديد من التكريمات والجوائز؛ أبرزها جائزة من المؤسسة التركية “تجمع لون الورود الدولي للثقافة والفنون”. وقد صنفت اللوذعي كأحد أفضل الشخصيات الفنية في العالم لعام 2021م، تلتها جائزة الكفاءة العالمية، كما قدمت لها حكومة ولاية نيويورك شهادة تقديرية نظرًا لإنجازاتها الكبيرة في المجال الفني، وكرمت من قبل عضوة الكونغرس الأمريكي (نتاليا فرنانديز) في عام 2021م، حسبما أفادت الفنانة اللوذعي.
أما على الصعيد الأكاديمي، فقد حصلت الفنانة التشكيلية (سحر) على درجة الماجستير في الفن التشكيلي (MFA) من جامعة بروكلين بولاية نيويورك، سبقتها درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في اللغة الإنجليزية من جامعة صنعاء، وتلقت العديد من الدورات المتنوعة في مجال الفن التشكيلي، فضلًا عن تحقيق العديد من الشهادات في التصميم والجرافيكس، وتعد اللوذعي مثالًا يحتذى به من قبل النساء اليمنيات في الشتات لما نقلته عن اليمن من عادات وفن وثقافة للمجتمع الغربي، عبر جهود جبارة ومشرفة في استعادة الصورة الذهنية عن الحضارة اليمنية ومكانتها العريقة.
الطاهية اليمنية سلوى بادحمان
أما عن الطبخ والمأكولات التقليدية في بلاد المهجر، فقد أثبتت الطاهية اليمنية سلوى بادحمان، المعروفة بأم الطلاب والمغتربين، أنّ المطبخ اليمني قادر على بناء جسور التواصل بين الناس، فمن خلال مشروعها (متجر واحة سلوى) في إسطنبول، التي تقدّم فيها لليمنيين والعرب في تركيا تجربة أطعمة يمنية أصيلة، لاقت أطباقها التقليدية، مثل بنت الصحن، رواجًا واسعًا، مما جعل مطبخها ملاذًا يذكّرهم ببلدهم وأهليهم، بالإضافة إلى العديد من الأطباق الأخرى الذي يفوق عددها (15) طبقًا وصنفًا من المعجنات وورق العنب، وغيرها من المأكولات الشعبية.
ومع بُعدها عن وطنها اليمن لمدّة طويلة، نجحت الطاهية سلوى بادحمان في نقل روح اليمن إلى قلوب المغتربين في تركيا؛ من خلال مشروعها (واحة سلوى)، وقد حرصت على تعلُّم أشهى الأطباق اليمنية وتقديمها بأعلى جودة، ليشعر المغترب اليمني وخاصة الطلاب بطعم الوطن في كلِّ لقمة. كما لاقى مشروعها نجاحًا كبيرًا، وأصبح مقصدًا رئيسيًّا لليمنيين والعرب في إسطنبول؛ إذ إنّ المشروع ينفذ العديد من طلبيات الأعراس وحفلات التخرج، وهذا يدل على أن الطبق اليمني التقليدي موجود بالمناسبات سواء للجالية اليمنية أو غيرها من الجاليات الأخرى خاصة الخليجية، الأمر الذي يؤكد عمق الانتماء إلى الوطن والتراث.
أصدرت المهاجرة بادحمان كتابًا يحمل اسم (يجتبيك عندما يبتليك) الذي كان حاضرًا في الركن اليمني بمعرض إسطنبول للكتاب العربي الذي أقيم نهاية العام المنصرم، وأكدت أنّها عملت في ريادة الأعمال منذ أكثر من عشرين عامًا، كما عملت معلمة ورسامة وخياطة، ومؤخرًا أصبحت مؤلفة، وهذه النجاحات التي حققتها في المهجر نقلت من خلالها العديد من التراث المحلي؛ سواء في الأكلات أو في الخياطة والتطريز وغيرها، كما لُقبت بأم الطلاب والمغتربين؛ نظرًا لإحساسها بوضع المغترب والطالب اليمني، وتقديم لهم النصائح.
وعن تأليف الكتاب قالت سلوى بادحمان: “إنّ الغرض من تأليفه هو العلاج لي شخصيًّا؛ إذ إنّ الغربة في المهجر تسبب أزمات نفسية وضيقًا وتعبًا، كما أنّ الهدف الرئيسي من الكتاب هو عرض مراحل الإنسان والتنقل في حياته بين أسرته إلى المهجر، وكيفية التأقلم مع هذا الوضع المفروض عليه، سواء أكان طالبًا أم مغتربًا، حتى أنّ غلاف الكتاب كان من إبداعاتنا في الرسم، لذلك حقّق الكتاب مبيعات جيدة بين أوساط المغتربين، ولاقى رواجًا كبيرًا بين زوار المعرض”.
ولهذا فإنّ إسهامات النّساء في المهجر تتجاوز حدود الفن التقليدي، لتشمل مبادرات ثقافية ومشاريع مجتمعية أسهمت في تعزيز الوعي الثقافي ودعم الفنانات الناشئات في مختلف دول العالم، كما تواصل النساء نقل التراث الثقافي اليمني بطرق حديثة ومبتكرة، ممّا يثري النسيج الثقافي للمجتمعات التي يعشنَ فيها، ويعرّفنَ العالم بمكانة اليمن وإرثها الحضاري العريق.
