علياء محمد المرأة في التنمية والسلام

 

شهدت اليمن بسبب الصراع القائم أوضاعًا سياسية وأمنية واقتصادية مأساوية، دفعت كثيرًا من اليمنيين للهجرة واللجوء إلى بلدان أُخرى؛ للبحث عن فرص أفضل للحياة والتعليم. وقد نجد من بين هؤلاء عددًا متزايدًا من النساء اليمنيات اللاتي اخترنَ إكمال تعليمهنَّ في بلاد المهجر، وبعضهنّ تحمّلنَ مسؤولية تعليم أبنائهنّ في الخارج، مواجهة كل التحديات التي تتعرض لها في التكيف مع البيئة التعليمية الجديدة.

يتناول هذا التقرير أهمية التعليم للنساء وأسرهنّ في بلاد الشتات، كما يستعرض أبرز التحديات والصعوبات التي تواجهها النساء اليمنيات المهاجرات أثناء دراستهنّ في الخارج.

 

  التكيف مع بيئة ثقافية وتعليمية مختلفة

ترى إنتصار طه (إحدى النساء اليمنيات الدارسات في الهند) أنّ للتعليم أهمية كبيرة للمرأة اليمنية على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية، نظرًا لما يوفّره من مهارات وخبرات تمكنهنّ من الحصول على فرص للعمل، الأمر الذي يحقق الاستقلال المادي لها.

وأضافت: “يزيد التعليم في بلاد الشتات نسبة الوعي بحقوق المرأة، الأمر الذي يعزز مشاركة النساء في صنع القرار على المستوى الأسري والمجتمعي، كما يؤهلهنّ للقيام بأدوار قيادية فاعلة في المجتمع الذي يعِشنَ فيه، إضافة إلى ذلك فإنّ التعليم يُسهم في تغيير الثقافات الاجتماعية السائدة عن المرأة اليمنية، ويرفع من مكانتها اجتماعيًّا، الأمر الذي يوثر على الأسرة والمجتمع بشكل إيجابي”.

وأشارت إلى أن التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية في مجال التعليم في بلاد الشتات متعددة، وأبرزها التكيف مع بيئات وثقافات هذه الدول.

أمل ناصر إحدى النساء اليمنيات اللاتي اخترنَ العيش في السويد، كان انتقالها إلى مكان جديد يختلف عن بيئتها وثقافتها اليمنية تحدّيًا كبيرًا بالنسبة لها، وكان أبرز هذه التحديات التكيف مع النظام التعليمي السويدي؛ إذ إنّها تدرس الحقوق هناك، وكانت اللغة أكبر عائق بالنسبة لها، ولكن بفضل برامج التأهيل والدعم استطاعت أن تحسِّن من مهاراتها اللغوية والتكيف مع البيئة الجديدة، وتفوقت في دراستها.

وبشأن تكيف الأسر اليمنية في بلاد الشتات، تقول أمل: “تعدُّ اللغة واختلاف الثقافة من أبرز التحديات التي أواجهها في مجال التعليم؛ فهناك كثير من النساء والأسر ينتقلنَ إلى دول المهجر ولا يتقُنَّ اللغة المحلية لها، ونتيجة لذلك تظهر صعوبة التكيف مع البيئة التعليمية الجديدة، إضافة إلى ذلك تشكل الاختلافات الثقافية صعوبة في التكيف، الأمر الذي يحتاج إلى وقت كبير للاندماج مع ثقافات البيئة الجديدة.

في سياق متصل تؤكد (ع . أ) إحدى الطالبات اليمنيات الدارسات في أمريكا، أنّ التعليم في بلاد الغربة ودول الشتات له ميزة إيجابية من ناحية قوة الأساليب التعليمية المستخدمة، التي تقدّم بطريقة ممتعة وسهلة وبأساليب حديثة، عكس الطرق التي تستخدم في اليمن.

وبشأن التحديات التي قد تواجهها النساء بشكل عام في مجال تعليمهنّ أو تعليم أبنائهن في بلاد الشتات فهي كثيرة، أبرزها الحواجز الثقافية، وعدم التكيف مع المناهج الدراسية الجديدة التي قد تكون منافية للعادات العربية واليمنية على وجه الخصوص.

وتقول: “التعليم في بلاد الغربة بشكل عام يحتاج إلى كثير من الجهد للتكيف مع الثقافات المختلفة، وأكثرُ ما يواجه أبناءنا الأطفالَ التكيفُ مع هذه الثقافات بسهولة والمناهج الدراسية؛ إذ تختلف المناهج الدراسية المتبعة في بلد المهجر عن تلك السائدة في اليمن، من حيث المحتوى والمنهجية، إضافة إلى ذلك تختلف اللغة المستخدمة في المناهج الدراسية عن اللغة العربية المألوفة في اليمن، الأمر الذي يضع الطلاب والطالبات أمام فجوة معرفية كبيرة، تتطلب مجهودًا إضافيًا للاندماج في النظام التعليمي الجديد حتى وإن كان في بلد عربي”.

وأضافت: “أن تربّينا على مبادئ وقيم وثقافات مختلفة قد لا تتوافق مع مبادئ وقيم وثقافات بلاد المهجر، وأحيانًا تسبب بعض الإشكاليات في التعامل. كما تنطوي المناهج الدراسية على قيم ومفاهيم اجتماعية وثقافية قد تختلف عن تلك السائدة في المجتمع اليمني، وتواجه الأسر اليمنية صعوبة في إيجاد التوازن بين الحفاظ على هويتها الثقافية، والتكيف مع المناهج الجديدة، وهذه أكبر التحديات التي تواجه الأسر اليمنية في بلاد المهجر”.

وأشارت إلى أن بعض الدول تفرض أفكارًا وثقافات قد لا تتناسب مع ديننا وقيمنا، الأمر الذي يجبر الأسر على منع أبنائهم مواصلة التعليم، وقد يكتفون بالتعليم عن بعد، أو البحث عن مدارس تناسب القيم والثقافة.

 

محدودية فرص الوصول إلى التعليم:

أشارت أروى محمد (إحدى النساء اليمنيات التي هاجرت هي وأسرتها إلى السويد جراء الصراع) إلى أنّ هناك كثيرًا من التحديات والصعوبات التي تواجه النساء اليمنيات وأسرهنّ في مجال التعليم، أبرزها التكاليف الباهظة للتعليم، وعدم توفر الوثائق الرسمية اللازمة للقبول، إضافة إلى التمييز والعنصرية.

وتقول: “تشكّل تكاليف الدراسة بالخارج حاجزًا كبيرًا يحدُّ من فرص الحصول على التعليم، الأمر الذي يتطلب البحث لتوفير التمويل اللازم للدراسة في الخارج، وإن توفرت عدد من المنح الدراسية للطالبات اليمنيات تظل هذه المنح محدودة لا توفر الاحتياجات كافة أمام مواصلة التعليم”.

وأضافت: “غالبًا ما تفرض بلدان المهجر قيودًا صارمة على الهجرة والإقامة، ممّا يحدُّ من فرص حصول المرأة اليمنية المهاجرة على التعليم بشكل مستمر في بعض الدول المستضيفة؛ إذ تفرض أنظمة وقيودًا تحرم النساء اليمنيات من الوصول إلى الجامعات والبرامج التعليمية المتخصصة في تلك الدول، الأمر الذي يؤثر على عملية استكمال تعليمهنّ العالي، وتحقيق طموحاتهنّ الأكاديمية. إضافة إلى ذلك، قد تواجه بعض النساء اليمنيات تحديات ما بعد التخرج؛ تتمثل في صعوبة استخراج أوراقهنّ الجامعية إلّا بعد إجراءات معقدة”.

كما أوضحت أروى أنّ التمييز والعنصرية التي تُمارس ضد النساء اليمنيات في بعض الدول، تعدُّ من التحديات التي تحدُّ من فرص الحصول على التعليم السليم، وتؤثر على حياتهنّ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وتقول: “على الرغم من التقدم الملحوظ في حقوق المرأة في بعض البلدان، فإنّ النساء اليمنيات ما زلنَ يعانينَ من التمييز والعنصرية بسبب جنسهنّ، ويتعرضنَ لمعاملة تمييزية، وغالبًا ما يتم تجاهل احتياجاتهنّ الخاصة. إضافة إلى ذلك تجد كثير من النساء والأسر اليمنية صعوبةً في إلحاق أبنائهنّ إلى المدارس والجامعات؛ بسبب القيود المفروضة على الطلاب الموفدين، ويكون التمييز في المعاملة والتقييم داخل الفصول الدراسية بسبب الانتماء الثقافي والعرقي”.

 

حلول ومعالجات للتحديات التعليمية

إن توفير برامج الدعم والتمكين يسهم في إتاحة الفرصة للنساء في دول المهجر من إكمال تعليمهنّ؛ من خلال توفير منح دراسية متنوعة للطالبات مع ضمان التمويل اللازم، وإنشاء برامج للتدريب المهني يستهدف النساء اليمنيات المهاجرات في مختلف المجالات الفنية والمهنية، ومنح لتعلم اللغات خاصة في الدول غير العربية، إضافة إلى توفير خدمات الإرشاد والتوجيه لمساعدتهنّ في التكيف مع البيئة الجديدة، والحصول على الفرص المتاحة.

من جانب آخر، تعدُّ المنظمات والمؤسسات الدولية شريكًا أساسيًّا في معالجة مشكلات التعليم للنساء في بلاد المهجر، فيمكن لهذه الجهات توفير الدعم المالي والفني وتبادل الخبرات والممارسات الناجحة؛ عن طريق تعزيز التعاون بين الدول المستضيفة والجهات المعنية في اليمن، عبر التوقيع على مذكرات تفاهم وبروتوكولات تضمن وتسهل عملية سفر النساء لغرض مواصلة التعليم في العديد من التخصصات، وتوفير الدعم اللازم لهنّ، والاعتراف بمؤهلاتهنّ التعليمية، وإنشاء برامج تبادل أكاديمي وتدريبي، يسهم بشكل كبير في تمكين النساء اليمنيات من الاستفادة من الفرص التعليمية كافة في الخارج، وعكسها بشكل إيجابي على الوطن.