حنين الوحش – المرأة في التنمية والسلام
تعد النساء في اليمن الحلقة الأضعف في الصراع الدائر؛ إذ يتحملن العبء الأكبر من تداعيات الأوضاع غير المستقرة؛ فإلى جانب المعاناة الإنسانية الشاملة، يتعرضن لأشكال متعددة من العنف والانتهاكات للحقوق، وهو ما دفع البعض إلى اتخاذ قرارات صعبة مثل الهجرة أو اللجوء.
تقول الصحفية سحر محمد، وهي مهاجرة يمنية خارج الوطن، أنها في اليمن بقيت مُبعدة قسرًا عن الواقع السياسي في البلد مع نشوب الصراع المسلح، وأصبح عملها كصحفية خطرًا عليها، إلى جانب أنها أصبحت مهنة ذكورية تقتصر على تغطية الاشتباكات المسلحة في خطوط النار، على حد وصفها.
وتؤكد سحر أنها تعرضت للكثير من الاقصاء والتهميش عبر قولها: “معيار التوظيف يخضع للمحسوبية، وهو مسيطر منذ أمد طويل، غير أن الصراع زاده تفاقمًا، وكان هذا السبب إلى جانب تداعيات أخرى كفيلًا بدفعها إلى البحث عن فرص للهجرة والعمل في الخارج، وهو ما وفقت إليه”.
الحلم المهاجر
شكلت ظروف سيطرة النزاع على مختلف مناحي الحياة في اليمن دافعًا قويًا لدى نساء يمنيات لاتخاذ قرار الهجرة بحثًا عن موطئ قدم جديد؛ لتشكيل حياة تتفق مع أحلامهن وتطلعاتهن، ينعمن من خلالها بأقل مستويات التقدير وضمان الحقوق لهن ولأسرهن.
“الهجرة حلم كل يمني، رجلًا أو امرأة”، هذا ما تقوله ليلى الهمداني، لتؤكد أن حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل الصراع المسلح قد دفع الكثير من الأحلام اليمنية للهجرة والبحث عن حياة آمنة وعيش كريم وفرص عمل مناسبة.
هاجرت ليلى في السنوات الأولى للصراع إلى خارج الوطن، وبوصف أدق تقول: “السنوات الأولى للصراع كانت نذير شؤم مبكر، إذ تحطمت كل مشاريعنا الصغيرة وما من طريقة لتعويضها ولا أمل يلوح في الأفق بانحسار رقعة الصراع، وهو ما تطلب منها التفكير بالهجرة إلى الخارج وتأسيس مشروع صغير”.
استقرت ليلى في عُمان، ومنها بدأ مشروعها ولادته الثانية -إن لم تكن ولادته الحقيقية- بعد أن وأده النزاع في اليمن؛ إذ تقول: “لقد واجهت الكثير من التحديات في الكثير من المطارات بسبب جنسيتي وانتمائي إلى بلد يعيش حالة صراع واقتتال ضار، غير أنني لاقيت تعاملًا خاصًا في مسقط، وهو ما دعاني لتأسيس مشروعي التجاري هناك”.
اقتحمت ليلى سوق الأعمال في مسقط بخبرة وحنكة ملحوظة؛ إذ تقول: “إن دعم الناس في عُمان، إلى جانب دعم الحكومة العمانية، ساعدني على الاستمرار في تنفيذ مشروعي، وأخذني نحو تحقيق الكثير من النجاحات”، وتضيف: “خلال أربعة أعوام تمكنت من افتتاح ثمانية فروع لبيع العطور والبخور، وأخطط لفتح المزيد”.
تسللت ليلى إلى عالم التجارة من عملها في التسويق كخريجة في مجال الإعلام، ورغم ما يتطلبه منها عملها التجاري الذي يتمدد بتسارع فإنها تحافظ على شغفها الإعلامي؛ إذ تقول: “ما زلت استخدم خبرتي في صناعة المحتوى عبر عمل إعلانات مرئية للكثير من المحلات هنا باستخدام حساباتي الشخصية في إنستجرام والتيك توك وغيرها”.
لعنة النزاع
غادرت رشا أحمد مدينة تعز إلى مصر محملة بأحلام استكمال تعليمها العالي هناك بدعم شخصي وفرته عائلتها، ويحدوها الأمل بإيجاد رفقة جديدة في بيئة مثالية، غير أن لعنة النزاع المسلح في بلدها ظلت تلاحقها، تقول: “تعرفت على زميلات من مختلف الجنسيات، غير أنني ألمح بوضوح علامات توجسهن مني كوني قادمة من بلد يأكل بعضه بعضًا”.
تؤكد رشا أنها تلقت اعترافًا من إحدى زميلاتها في المهجر، قائلة: “قالت لي زميلتي إن أسرتها حذرتها حين أخبرتهم أن لديها صديقة يمنية، وكان مبررهم لذلك أننا شعب عنيف ومثير للمشاكل”.
تعود رشا لتؤكد أنها تتلقى تعاملاً خاصًا من الغالبية لاعتبارات شتى أبرزها أنها قادمة من بلد الشتات، في المقابل يوصف هذا البلد بأنه “أصل العرب” كلقب تطلقه الشعوب العربية المجاورة على اليمن.
ما تصفه رشا بلعنة النزاع، تعيش ظروفه هيام محمد بطريقة أخرى. هيام التي وافقها الحلم بالحصول على وظيفة عمل خارجية أصبحت العودة إلى أرض الوطن إحدى موانع واشتراطات الجهة التي تعمل لديها.
توضح هيام قائلة: “مهمتي هي قراءة وتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية في اليمن بناء على المتغيرات، وذلك لدى أحد المراكز البحثية؛ إذ أعمل على ذلك بشغف وأتلقى راتبًا مجزيًا، غير أن الجهة التي أعمل لديها تشترط عدم العودة إلى أرض الوطن في هذه الظروف حرصًا على سلامتي”.
بالنسبة لهيام تبدو هذه ضريبة مجحفة، غير أنها تستدرك أن هذا أهون من عض أنامل الفراغ والفاقة في البلد.
تحديات التكيف
سافرت أروى كامل (اسم مستعار) مطلع العام الماضي رفقة أسرتها إلى كندا حيث يعمل والدها، وكان ذلك بعد تخرجها من كلية الطب في إحدى الجامعات اليمنية الخاصة بتقدير ممتاز، وكانت آمالها معقودة على تميزها قبل أن تكتشف أن لدى البلد المضيف تقديراته الأخرى.
“كنت أبحث عن عمل، والآن أصبحت أبحث عن اعتراف بشهادتي الجامعية”، تقول أروى وتؤكد أن شهادتها الجامعية لم تتلقَ أي اعتراف أو قبول يؤهلها للعمل تحت التجربة. وأثناء تنقلها بحثًا عن الوظيفة تأكدت أن تحديات أخرى تواجهها، من ذلك عدم التكيف مع الاختلافات في العادات والتقاليد وأسلوب التواصل؛ وهو ما شكل حاجزًا أمام محاولاتها للاندماج في مجتمعها الجديد.
تواجه المرأة اليمنية المهاجرة تحديات كثيرة، أبرزها حواجز اللغة وظروف التكيف الثقافي والاجتماعي، وبناء شبكات علاقات تمكنهن من الاندماج مع المجتمعيات المضيفة، وإيجاد فرص عمل تتفق مع تخصصاتهن التعليمية.
وكما مثلت هذه التحديات عائقًا للبعض، فإنها لم تنجح في عزل تطلعات نساء يمنيات أخريات تمكن من الاندماج مع السوق العالمية وحققن نجاحات مثالية. بينهن نساء تمكَّن من امتلاك مشاريعهن الخاصة والمستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحن من الروافد الاقتصادية للبلد المضيف وللوطن الأم.
تؤكد التقارير الصحفية أن الصراع الدائر في اليمن قد أثر بشكل كبير على حياة النساء اليمنيات، مما دفعهن إلى اتخاذ قرار الهجرة؛ بحثًا عن الأمان والحياة الكريمة. ومع استمرار الصراع، من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة؛ مما يؤثر بشكل سلبي على واقع المرأة اليمنية في داخل البلد في مختلف المجالات، وعلى مختلف القطاعات الخدمية والتنموية.