حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

بقدر ما كان تردي الظروف الأمنية والسياسية في اليمن دافعًا لعدد من الصحفيين والصحفيات للعمل من خارج البلاد، بقدر ما أسهمت بشكل إيجابي في ظهور عدد من الأصوات الإعلامية النسائية التي برزت بشكل لافت في مختلف دول العالم، وأصبحت عضوًا مؤثرًا في صناعة القرار وتوجيه الرأي العام.

لقد أدى تفاقم النزاع المسلح إلى نمو معدل الهجرة في اليمن بشكل كبير، وكان للصحفيين والصحفيات والعاملين في المجال الحقوقي النصيب الأوفر من الهجرة؛ بحثًا عن الأمان والاستقرار والحياة الكريمة.

تقول وعد محمد (إعلامية يمنية تعيش في القاهرة) إنها وجدت في المهجر المساحة التي تفتقدها في الداخل اليمني بعد تزايد حدة المضايقات التي تعرضت لها في اليمن، وذلك للتعبير عن آرائها والوقوف على مفترق طرق الأزمة اليمنية دون مخاوف.

وتضيف أنها في الخارج بقيت في منأى عن المضايقات الاجتماعية التي أفرزتها العادات والتقاليد المغلوطة في مجتمع ذكوري استطاع أن يفرض سلسلة من القواعد الزائفة والاشتراطات الإلزامية المجحفة بكل ما يتعلق بتحركات المرأة ودورها المجتمعي.

 

بحثًا عن الأمان

تعد منار الحكيمي (صحفية يمنية مهاجرة في القاهرة) مثالًا حيًا للأصوات اليمنية المهاجرة التي تدعو إلى نبذ الخلافات والعمل على الإصلاح الاجتماعي والسياسي في البلد، واللجوء إلى الحوار وتفعيل آليات الحوكمة والحكم الرشيد، وإشراك المجتمع -والنساء خصوصًا- في صنع القرار.

وتنادي الحكيمي إلى المساواة بين الرجل والمرأة وإعطاء النساء استحقاقاتهن الاجتماعية؛ للقيام بدورهن في تعزيز الوعي المجتمعي بقيم السلام والحرية، وتغليب المصلحة العامة، والتوجه نحو مصالحة شاملة وعدالة انتقالية حقيقية.

وتقول إن دوافعها نحو العمل في الخارج أتى من نضالات كبيرة خاضتها في سبيل البحث عن حقوقها الشخصية كامرأة، إلى جانب حقها في العمل والتوظيف والمشاركة المجتمعية وتفعيل آلية رقابية على أداء السلطات بوصفها أحد أبرز وظائف الإعلام الذي تنتمي إليه.

أما نجوى الأثوري فصحفية يمنية أخرى، غادرت البلاد في العام 2018 متواجهة إلى جمهورية مصر، وذلك عند اشتداد الصراع المسلح. وهي توضح أن التهميش الذي تعرضت له الصحفيات اليمنيات في اليمن، فضلًا عن صعوبة الحصول على المعلومة، دفعهن إلى التفكير بمغادرة البلد والبحث عن مظلة توفر لهن استحقاقات في التأثير والنضال، وتقول: “عليك أن تكون محررًا أو مراسلاً لوكالة أو صحيفة أو موقع أجنبي؛ لتحصل على قدر من حقك في الوصول إلى المعلومة والتنقيب في أحداث حساسة تعرضك للخطر، على عكس ما لو كنت مراسلاً لجهة إعلامية من الداخل”.

 

قصص ملهمة مغيبة إعلاميًا

“تبرز التحديات التي تعيشها النساء اليمنيات في المهجر من خلال وسائل الإعلام. غير أن حضورهن في وسائل الإعلام المحلية يكاد يكون مقتصرًا على التغطية الموسمية النادرة لأخبار الجاليات”، هكذا يقول الناشط الصحفي عبدالملك النمري.

ويعتقد النمري أن ضلوع وسائل الإعلام اليمنية في استضافة الصحفيات اليمنيات في المهجر لا يكاد يذكر أمام نسبة استقبال الصحفيين من الذكور، وهو ما يلمسه المراقب العام في اعتقاده، معيدًا ذلك إلى سيطرة النمط الذكوري على مجريات الأحداث في اليمن.

ويرى أن وسائل الإعلام اليمنية قد تحقق أثرًا إيجابيًا من تغطية قصص اليمنيات في المهجر بوصفها تجارب وقصص نجاح ستفيد اليمنيات من مختلف الشرائح والتكوينات الاجتماعية.

 

ومن وجهة نظر الصحفي عبد العالم بجاش، فإن الصحفيات اليمنيات في المهجر أسهمن في إثراء الساحة الثقافية والإعلامية في اليمن بالكثير من الإنتاجات الثقافية والأدبية والفكرية؛ لأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية كانت مواتية لهن، ما أن هربن من بؤر الصراع الدائر في اليمن الذي ألقى بظلاله على النساء، إلى فضاءات رحبة ومستقرة تشجع على الانطلاق.

ويؤكد أن إسهاماتهن بدت واضحة في إيصال أصوات غيرهن من النساء عبر حساباتهن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا تبني عددٍ من قضايا النساء التي أخفقت وسائل الإعلام المحلية في تبنيها ومعالجتها.

في تقرير صحفي نشر في موقع للأمم المتحدة عام 2018، أظهر الصحفية اليمنية أفراح ناصر المقيمة في السويد، أثناء مشاركتها في برنامج “داغ همرشولد للزمالة الصحفية في نيويورك”، أنها نموذج إيجابي للمرأة اليمنية المتحدية لكل الظروف التي تعاني منها البلاد لتحقيق هدفها في أن تكون صحفية مستقلة.

وتعمل أفراح مراسلة صحفية ومدونة مهتمة بموضوع انتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا المرأة وحرية الصحافة. وقد حصلت على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة لجنة حرية الصحافة الدولية عام 2017.

تحمل أفراح درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة صنعاء، وشهادة الماجستير في الاتصال من جامعة غوتنبرغ – السويد، وقد عبرت عن سعادتها في حصولها على هذه الجوائز بقولها: “منذ أكثر من عشر سنوات مثلت لي الصحافة جواز سفر، أشعر أني خلقت لأكتب”.

وحول ما كانت تعانيه من تحديات داخل اليمن ذكرت أنها عانت من عدم تقدير كتاباتها وإنجازاتها الصحفية من قبل محيطها في اليمن، وخاصة من أستاذٍ لها في الجامعة قلل من قدرها.

 

أزمة الإعلام الجديد

يعتقد الناشط علي جعبور أن وسائل الإعلام الجديدة نجحت في توفير مساحة خصبة للنساء للتعبير عن آرائهن الاجتماعية والسياسية فيما يخص الشأن العام والدفاع عن حقوق المرأة، خصوصًا للنساء المهاجرات، بما يوفر لهن المجتمع المضيف من فرص آمنة للتعبير.

ويستدرك أن الإعلام الجديد كان سلاحًا ذا حدين، فكما مكن النساء من إيصال أصواتهن فإنه أصبح منصة للأصوات المتطرفة للنيل من حقوق المرأة وتعريض النساء المهجرات لصنوف التهم بابتذال أخلاقي، منع غالبيتهن من العودة إلى أرض الوطن؛ خوفًا من الاستهداف.

ويذهب جعبور للاعتقاد أن ما يعيشه الإعلام الجديد من أزمة قد يسهم في تضييق مساحة الخطاب للنساء، وإعلاء خطاب الكراهية الذي يتعارض مع حقهن في التمثيل والتعبير والاعتقاد، والحق في الوصول للمعلومة والمشاركة في الحياة السياسية.

ويرى أن الخارطة البرامجية لوسائل الإعلام اليمنية تخلو من أي تغطية جادة لقصص نجاح النساء اليمنيات المهاجرات، مؤكدًا أن ذلك يقتصر على بعض صفحات التواصل الاجتماعي، كصفحة “المغترب اليمني في أمريكا” التي تفردت بنشر تقرير عن قصص نجاح لسيدات أعمال يمنيات في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويؤكد أن تعاطي الإعلام الإيجابي مع قصص النجاح هذه سيسهم في تخفيف الاعتقادات الاجتماعية المغلوطة بشأن المرأة وحقها في العمل؛ وهو ما يدفع نحو الحد من البطالة وتوظيف الكثير من الأيادي العاملة عبر تنويع المشاريع بما تمتلكه النساء من أدوات وقدرات.

كما يؤكد بلال المريري (سكرتير صحيفة الجمهورية) أن العديد من الصحفيات اليمنيات المهاجرات، على الرغم من التحديات التي يواجهنها، حققن إنجازات ملحوظة في بلدان المهجر، ويقول: “ثمة نماذج كثيرة لزميلات يعملن في وسائل إعلام عالمية مرموقة، وينتجن محتوىً صحفيًا عالي الجودة يسلط الضوء على قضايا مهمة”.

وأضاف أنهن أسهمن في بناء جسور التواصل بين المجتمعات اليمنية والمجتمعات التي يعشن فيها. كما أكد أن دعم الصحفيات اليمنيات المهاجرات ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو استثمار في مستقبل اليمن، معتقدًا أن “عودة هذه الكفاءات إلى الوطن يمكن أن يسهم في تطوير القطاع الإعلامي اليمني وتعزيز حرية التعبير.”

ودعا وسائل الإعلام اليمنية والمؤسسات المعنية إلى تضافر الجهود؛ لتوفير الدعم اللازم لهؤلاء الصحفيات، وتشجيعهن على المشاركة في بناء مستقبل أفضل لليمن.