أفراح بورجيالمرأة في التنمية والسلام

 

واجهت المرأة اليمنية في الشتات تحديات مختلفة، تتجاوز مجرد التكيف مع بيئة جديدة، لتشمل مواجهة الصور النمطية، والتمييز، والحفاظ على هويتها الثقافية. ومع ذلك، تمكنت العديد من النساء من فرض وجودهن وتأثيرهن في المجتمع الجديد، رغم كل المعوقات الاجتماعية والثقافية والقانونية التي واجهتهن. في هذا التقرير سيسلط الضوء على آراء المجتمع اليمني حول الأسباب التي دفعت المرأة اليمنية إلى الهجرة، والتحديات التي واجهتها، ودورها الفاعل في المجتمع الجديد.

 

دور بارز ومشاركة فاعلة

يقول الإعلامي ياسر مقبول: “المرأة اليمنية في المهجر تلعب دورًا بالغ الأهمية في مختلف المجالات والتخصصات، وهو دور يمتد تأثيره بشكل كبير إلى الواقع المحلي في اليمن، من خلال مشاركتها الفعالة في المجتمعات التي تعيش فيها؛ إذ تمكنت من تحقيق إنجازات ملحوظة، عززت فيها صورتها أمام العالم، وأسهمت في تقوية روابطها مع وطنها”.

وأوضح أن التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية تختلف من بلد لآخر؛ إذ تختلف الثقافات والقوانين والعادات والتقاليد. وكلما امتلكت المرأة مؤهلات تعليمية ومهنية أعلى، كانت فرصها في التكيف والنجاح في الخارج أكبر.

وأشار إلى أن المرأة اليمنية في المهجر تُعد سفيرة لوطنها، وتحمل على عاتقها مهمة تحسين صورة اليمن في الخارج والإسهام في تنميته.

وفي السياق ذاته يبين الصحفي محمد عبده أن المرأة اليمنية في المهجر تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية وتعزيزها، من خلال المحافظة على التقاليد والعادات والتراث اليمني في أوساط المجتمعات التي تنتشر فيها، وتسهم في الحفاظ على الرابط الوطني عبر تنشئة الأجيال الجديدة على القيم والمبادئ اليمنية، مما يساعد في استمرار الارتباط بالوطن الأم.

ويعزز حديثه بالإشارة إلى أن النساء اليمنيات في الشتات لهن دور في الجانب الاقتصادي أيضًا، عبر فتح مشاريعهن الخاصة في بلاد الشتات؛ الأمر الذي يسهم في تعزيز التنمية المحلية خارج الوطن. وكذلك يشاركن في إنشاء مشاريع وأعمال تجارية تربط اليمن بالخارج، وينخرطن النساء في مشاريع اجتماعيه خيرية وإغاثية، وتقديم الدعم والمساعدة للمجتمع المحلي في اليمن.

من وجهة نظر مختلفة، يرى المذيع عبد الوهاب شبيل أن نسبة هجرة النساء اليمنيات قليلة مقارنة بالدول الأخرى، وعزى ذلك إلى العادات والتقاليد المحافظة التي تحد من تحركات المرأة. موضحًا أن هذه العادات والتقاليد تجعل من الصعب على المرأة اليمنية الخروج من دائرة ضيقة، وبالتالي فإن تأثيرها على الواقع المحلي محدود.

من جانبه يوضح المواطن أحمد علي أن المرأة في بلاد الغربة تعد الحلقة الأضعف إذا قُورنت بالرجل، خاصة المتزوجة هناك؛ فعندما يهجرها زوجها أو يموت تجد نفسها في واقع صعب؛ إذ تتعرض للمضايقات والتحرش والعنف من قبل المجتمع المضيف وصعوبة تطبيق القوانين، سواء في الشارع أو في العمل أو في أي مكان؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا عليها -نفسيًا واقتصاديًا- على المدى البعيد.

ويشير إلى أن استمرار المرأة في ممارسة العمل بمختلف أشكاله في بلاد الغربة يجعلها تفكر بالانتحار أو بالسير نحو طرق غير أخلاقية؛ لتحسين وضعها والهروب من واقعها، ما يستوجب مضاعفة الجهود في سبيل تقديم الدعم النفسي والمساندة الاجتماعية للمرأة اليمنية من قبل السفارات أو المنظمات اليمنية العاملة في بلاد المهجر.

 

دورها في المهجر

حول الأسباب التي ساعدت في هجرة اليمنيات للخارج، يوضح ياسر مقبول أن الأسباب كثيرة، منها: الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تطوير الجانب العلمي، الهروب من الصراعات وتداعياته، وحتى الجوانب الاجتماعية تعد من أهم الأسباب التي تجبر النساء على الهجرة خارج الوطن، كما أن هناك عائلات يمنية غادرت اليمن منذ وقت مبكر؛ بحثًا عن تحسين وضع معيشي واقتصادي.

وذكر الصحفي محمد أن الصراع المسلح -بشكل عام- أهم الأسباب التي أسهمت بدرجة رئيسية في الوقت الراهن في هجرة الكثير من النساء إلى خارج الوطن، والبحث عن فرص أفضل للحياة، والشعور بالأمن والاستقرار في الخارج.

وأوضح أن تردي الأوضاع الأمنية وانعدام الاستقرار في بعض المناطق اليمنية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر، جعل الكثير من النساء يضطررن إلى الفرار والبحث عن مناطق آمنة للاستقرار، هي وعائلتها.

وأضاف: “إن القيود التي يفرضها المجتمع اليمني على المرأة في بعض المناطق اليمنية، وتفشي العنف الأسري في اليمن نتيجة تداعيات الصراع، جعل بعض النساء يلجأن إلى الخروج من البلاد للهروب من هذه الممارسات التي تمارس ضدهن”.

كما أكدت في السياق ذاته المحامية ابتهاج أحمد أن عدد اليمنيات اللاتي لجأن إلى الخارج أو انتقلن للدراسة أو مع أهاليهن يشهد ارتفاعًا ملحوظًا، وأن الأسباب الرئيسية وراء هذا الشتات يعود إلى الصراع الدائر في اليمن منذ عشر سنوات.

وأضافت أن هناك شريحة من اليمنيات لجأن إلى طلب اللجوء في الدول الأوروبية، وذلك بسبب التهديدات التي يتلقينها نتيجة مواقف اجتماعية أو أسرية أو إعلامية أو غيرها، وبينت أن بعضهن اتخذن قرار الهجرة والبدء بحياة جديدة في الخارج بدعم من أسرهن.

تتحدث المغتربة في الأردن منذ أكثر من 25 سنة، أزهار أحمد، عن تجربتها في الغربة مع أسرتها قائلة: “لي في الغربة سنوات عدة، وقد أعطتني أكثر مما كنت أتوقع؛ إذ حققت فيها الكثير من طموحاتي من حيث التعليم والأمان والوضع المعيشي؛ إذ فتحت مشروعي الخاص (صالون تجميل)، وأصبحت أعيل أسرتي وأطور من نفسي. كذلك شاركت في بعض الأعمال التجارية الخاصة، والتحقت ببعض الدورات التدريبية الفعالة، ووجدت في الغربة ما لم أجده ولم يتوفر في بلدي، من أمن وخدمات حياتيه ضرورية”.

 

التحديات

وحول التحديات الأخرى التي تواجه المرأة في الخارج، يشير الإعلامي ياسر مقبول إلى وجود الكثير من التحديات، ومن ضمنها التمييز؛ إذ تتعرض المرأة اليمنية للتمييز على أساس جنسها، أو عرقها، أو دينها، وهذا التمييز قد يأخذ أشكالاً مختلفة، من التحرش اللفظي إلى التمييز في الأجور، بالإضافة إلى صعوبة الاندماج الاجتماعي والتأقلم مع الثقافات الجديدة.

وتابع ياسر: “إن العوائق اللغوية وصعوبة تعلم لغة البلد الجديد المُهَاجَرِ إليه يعد من التحديات الكبيرة. وأيضا هناك تحديات اقتصادية؛ إذ تجد المرأة اليمنية في المهجر صعوبة في الحصول على فرص عمل بصورة سريعة تمكنها من مجابهة متطلباتها اليومية”.

وبخصوص التحديات النفسية الناجمة عن شعور النساء في المهجر، فإنهن يشعرن بالحنين إلى وطنهن وأسرهن وحياتهن في اليمن، وقد يعانين من حالات نفسية، أو توتر أو ضغط نفسي، قد يطرأ عليهن نتيجة ممارستهن لعادات وتقاليد جديدة يصعب تقبلها والتكيف معها بسهولة.

وفي السياق ذاته يقول الصحفي محمد عبده: “تتمثل التحديات في صعوبة التكيف مع البيئة الجديدة، والتعامل مع اللغات والثقافات المختلفة؛ إذ تعاني الكثير من النساء من التمييز والعنصرية في بلدان المهجر، خاصة إذا لم يستطعن إتقان لغة الدولة”.

وأضاف: “كما أن بعض النساء يعانين من مشاكل نفسية وعاطفية نتيجة انفصالهن عن أسرهن وبيئتهن الاجتماعية في اليمن، مما يؤثر على فرص العمل ومواصلة التعليم في بلاد المهجر”.

وأوضحت المعلمة فاتن الدغيش أن من أبرز التحديات التي تواجه المرأة اليمنية، إذا قررت الهجرة أو اللجوء إلى الخارج، عدم وجود محرم عند سفرها، بالإضافة إلى عدم قبول المجتمع بقيام المرأة بطلب اللجوء أو الدراسة في الخارج دون موافقة أسرتها؛ وهذه القيود تشكل عائقًا كبيرًا أمام المرأة اليمنية، وتحد من فرصها في تحقيق ذاتها وتطوير مهاراتها خاصة عند وجود فرص تطويرية تعليميًا ومهنيًا.

 

لمحة قانونية

تذكر المحامية أنغام سيد أن في القانون اليمني ما يؤكد وجوب تقديم كل المساعدات اللازمة من قبل الجهات الرسمية لليمنيين في الخارج دون استثناء؛ ففي المادة رقم (6) “أن وزارة شؤون المغتربين تقوم برعاية المغتربين في الخارج من خلال تحقيقها لعملية توثيق العلاقات الثنائية وتطويرها مع الدول الشقيقة والصديقة التي يقيم بها المغتربون، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لمساعدة الجاليات اليمنية؛ لتسيير مهامها وتحقيق أهدافها، بما يعزز من رابطتها بالوطن، وذلك وفقاً للإمكانيات والظروف المتاحة، ودعم مدارس الجاليات وأنشطتها وتزويدها بالكتب والمناهج والوسائل التعليمية والإشراف عليها وتأهيل التربويين فيها، ورعاية المنكوبين المغتربين الذين يتعرضون لظروف طارئة وقاهرة وتقديم المساعدة اللازمة لهم”.

 

المعالجات المقترحة

يرى كثير من اليمنيين في الخارج أن المعالجات والحلول التي من يمكن أن تخفف من معاناة النساء في الخارج العمل على الاستقرار السياسي في الوطن الذي ينعكس بشكل إيجابي على المغتربين -خاصة النساء-، وفتح المجال للاستثمار وتحسين التعليم؛ حتى تتوفر فرص عمل كثيرة تستقطب الشباب، ويتحسن مستوى معيشتهم.

وأكد الصحفي محمد عبده ضرورة توفير برامج دعم واستشارات نفسية واجتماعية للمرأة اليمنية في المهجر؛ لمساعدتها على التأقلم والتكيف، تقدمها الجهات الرسمية والمنظمات العاملة في الخارج. إلى جانب العمل على تعزيز التواصل والتنسيق بين المؤسسات الحكومية واللجان النسائية في اليمن والجاليات اليمنية في الخارج؛ لتقديم الدعم والخدمات اللازمة، وإنشاء مراكز ثقافية ومجتمعية للحفاظ على الهوية والتراث اليمني وتعزيز الارتباط بالوطن.

وتابع حديثه قائلاً: “من الضروري تشجيع المرأة اليمنية في الشتات على المشاركة في الأنشطة التنموية والخيرية في اليمن. وكذلك يجب العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرأة في اليمن؛ للتقليل من دوافع الهجرة”.

كما أكد الإعلامي عبدالوهاب شبيل ضرورة العمل المشترك من كل أطراف الصراع على تعزيز الاستقرار السياسي والأمني، لوقف هجرة اليمنيات؛ إذ إن السبب الرئيسي وراء ذلك يكمن في عدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد، من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وأشار إلى أهمية توفير الاستقرار المادي والوظيفي، وتحسين الظروف المعيشية، التي من شأنها أن تردع كثير من النساء عن اتخاذ قرار الهجرة.