حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

للمرأة اليمنية تأثير قويّ وفعّال في أي مجتمع تعيش فيه، فهي تعدُّ من أساسيات تكوين المجتمع وتقدمه، ولها القدرة على أن تتحمل الكثير من أجل تحقيق طموحها في ضمان العيش الكريم لها ولأسرتها، وصولًا إلى تحقيق ذاتها في كل مجالات الحياة. وهناك كثير من الشخصيات النسائية اليمنية تطورت على مستوى عالمي في العديد من المجالات، وأصبحنَ أيقونات لكثير من النساء في العالم؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الدور الذي تلعبه النساء اليمنيات في هذه المجتمعات الجديدة. هذا التقرير يوضح الآراء المجتمعية حول دور النساء اليمنيات في بلاد المهجر، والأسباب التي أدّت إلى هجرتهنّ، والتحديات التي يواجهنَها، وكيفية معالجتها.

 

العيش الكريم

الدكتورة نجود هاشم الوليدي )المدير التنفيذي لقطاع التدريب وبناء القدرات باتحاد شباب العرب للإبداع والابتكار، العامل ضمن نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية)، تتحدث عن أبرز الأسباب التي قد تدفع اليمنيات إلى مغادرة الوطن نحو المهجر؛ إذ تقول: “إنّ هجرة اليمنيين إلى الخارج كانت نتيجة أسباب متنوعة، لعلَّ أهمها الهروب من الصراعات المستمرة، وكذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وضعف قطاع التعليم والصحة الذي يجبر المواطن اليمني على السفر إلى الخارج للعلاج، وقد تكون الهجرة دائمة أو مؤقتة، فاليمنيون اليوم يبحثون عن العيش الكريم في أصقاع العالم”.

ضياء محيرز (مستشارة وزير التعليم العالي والبحث العلمي بعدن) ترى أنه في الآونة الأخيرة كان الصراع في مقدمة الأسباب المؤدية إلى هجرة اليمنيين إلى الخارج، والبحث عن العيش الآمن أو الدخل المادي المناسب، نظرًا لقلة فرص العمل في اليمن، بالإضافة إلى أسباب أخرى؛ منها تدني الخدمات الاجتماعية، ونقص الحريات؛ من مخاطر أمنية تستهدف حياتهم لأسباب سياسية أو قبلية أو اجتماعية.

فرص جديدة لليمنيات

إكرام ثابت (مقيمة في هولندا) تتحدث من وجهة نظرها أنّ السبب الرئيسي الذي دفع النساء إلى الهجرة خارج الوطن انعدام فرص العمل لليمنيات في الداخل، بالإضافة إلى نظرة المجتمع التي ما زالت ضيقة في بعض الأمور الاجتماعية والسياسية للمرأة، التي عادت بنا إلى الوراء سنوات، وكانت السبب الرئيسي للخروج من الوطن، وبالكاد تحصل المرأة في اليمن على بعض حقوقها كإناث، أما بعد الصراع فأصبحت مهمشة في المشاركة السياسية، وحتى في عمليات بناء السلام.

وتضيف: “أيًّا كان المجتمع الذي لجئنا إليه فإنّه يعدُّ أفضل خيار في الوقت الحالي؛ إذ إنّ الخارج فتح لنا ذراعيه، وأعطانا فرصة جديدة لنبدأ من جديد، وأصبحنا من المُسهمين في بناء المجتمع الذي لجئنا إليه، وأصبح هو المعيل لنا ولعائلاتنا في الوطن”.

وتؤكد: “نحن خير من يمثل بلادنا في الدول الأخرى؛ لأنّنا ولدنا ونحن نحارب في بلدنا من أجل فكرة البقاء وتقاسم المجتمع مع الرجل، وها هي الفرص تتاح لنا هنا خارج أوطاننا، وأصبحنا نمثل نصف المجتمع، ونمارس حقوقنا كنساء لا نقل عن الرجل بشيء في الحقوق والواجبات، ونؤدّي أعمالنا بكل إخلاص وتفانٍ، ونجني ثمار اجتهادنا بالمقابل”.

 

إسهامات نسائية

من جهتها تقول نجود الوليدي: “إنّ وجود النساء في بلاد المهجر يمثل أهمية كبيرة على عدة مستويات (اجتماعية، اقتصادية، وثقافية)، وإنّ هناك انعكاسًا لأهمية وجود النساء خارج اليمن، وإنّ دور النساء اليمنيات في بلاد المهجر يحمل أهمية كبيرة لهنّ ولمجتمعهنّ؛ من خلال ما يقمنَ به من إسهامات في مختلف المجالات والتخصصات؛ سواء في التعليم أو الطب أو الاقتصاد أو العلوم أو غيرها”.

وتضيف: “لدى المرأة القدرة على الإسهام لتعزيز المجال الاقتصادي، سواء في بلاد المهجر أو وطنها؛ من خلال الأنشطة التجارية التي تحققها في مسيرتها العملية في مجال ريادة الأعمال، بالإضافة إلى إسهامها في الحفاظ على الهوية الثقافية؛ عن طريق تعليم اللهجة اليمنية للأطفال في المهجر؛ ممّا يساعد في الحفاظ على الارتباط بالهوية الوطنية لليمن”.

وتردف بالقول: “ولا ننسى المشاركة المجتمعية والسياسية؛ فالمرأة اليمنية أثبتت جدارتها في هذا المجال، وهي تؤدّي دورًا لا يُستهان به، وتحديدًا في المشاركة المجتمعية، كذلك السعي نحو التطوير المهني، وذلك من خلال اكتساب مهارات جديدة، وتطوير أنفسهنّ مهنيًّا، وتسهم النساء في تقديم نموذج إيجابيّ عن المرأة اليمنية القادرة على النجاح والتأثير في أيّ مجتمع، من خلال الاشتراك في الدورات التدريبية المتخصصة، واكتساب مهارات جديدة في مجال الحاسوب والتسويق الإلكتروني وغيرها”.

 

 في الغربة

أميمة محمد (مقيمة في السويد) تذكر أنّ الغربة لا تعدُّ هي الأفضل من جميع النواحي، لكن الوضع في اليمن والصراعات دفعت إلى قبول هذا الواقع، والبحث عن الأمان لها ولأطفالها، فالمجتمعات الخارجية رُبّما لا تتدخل في الخصوصية وحريات الفرد الشخصي (رغم كل مساوئها).

وتضيف: “المجتمع الخارجي يوفر للمرأة كلَّ ما تحتاجه من أمن واستقرار، وتستطيع أن تبدأ فيه من نقطة الصفر كدارسة أو عمل، ولكن لا تستطيع أن تصبح من أبناء البلاد الأصليين، فأنا شخصيًّا ما زلت أشعر بداخلي بالضياع في الغربة؛ لأن الغربة لا تتجزأ ولا تستبدل بوطنك الأُم، فقط جاءت فكرة الاغتراب حتى نضمن لأطفالنا حياة كريمة ومستقبلًا أفضل في الدراسة”.

وتوضح أميمة أنّ أكبر مخاوفها أن ينشأ أطفالها على العادات والتقاليد الخاطئة، وأنّها تعمل كلَّ ما بوسعها من أجل ضمان بيئة يمنية سليمة رغم الغربة.

 

أسماء لامعة

ضياء محيرز، تتحدث عن دور الجالية اليمنية عامة في المجتمع الخارجي؛ إذ تقول: “لا شك أنّ المهاجرين واللاجئين اليمنيين قد انخرطوا في المجتمعات التي هاجروا إليها وتأثروا بها، وأصبحوا أيضًا مؤثرين في المجتمعات المضيفة، وأضافوا إليها من علومهم وخبراتهم”.

مؤكدةً أنّ العديد منهم برزت أدوارهم وأعمالهم على واقع المجتمع المضيف، وتبدو فرص التعلم والنجاح في الخارج أكثر منها في داخل اليمن، فجميع سُبُل التعلم في الخارج متوفرة للمهاجرين وفرص الحصول على وظائف تلائم مؤهلاتهم؛ إذ يقل نسبة الاعتماد على الوساطات والرشاوى والمحسوبيات للحصول على الوظائف.

وترى إكرام أنّ أكبر التحديات تتمثل في كسر حاجز الخوف لدى النساء بأنهنّ لن يستطعنَ العيش دون سند أو معيل أو رجل يأخذ بيدهنّ للحياة.

ومن وجهة نظر نجود الوليدي أنّ التحديات تتمثل في وجود مجموعة من الصعوبات الاقتصادية، والحواجز الثقافية واللغوية، كذلك التمييز، وعدم الاندماج الاجتماعي، والصعوبات القانونية، إضافة إلى عدم وجود توعية بالصحة النفسية والجسدية، بالإضافة إلى مشاكل الحجاب والقوانين الرافضة له.

 

رأي أكاديمي

من جهتها، الدكتورة ضياء محيرز، توضح أنّ سبب هجرة النساء إلى الخارج عادة ما يكون بسبب الزواج أو الدراسة أو الهروب من تهديد أو واقع صعب نتيجة تداعيات الصراع، وفي حالات قليلة للعيش والعمل في دول المهجر، وتحمل المهاجرة اليمنية وطنها بين جوانحها؛ لذلك يلازمها شعور الغربة وتتعايش معه، وتحاول أن تخفف من حدته بالاختلاط بالمجتمع اليمني والعربي في المهجر.

وتضيف: “ومع ذلك فقد اختلطت المهاجرة اليمنية بالمجتمعات المضيفة، وشاركت في العديد من مجالات الحياة، وبالتأكيد هناك بعض المشكلات تواجهها ويقابلها عقبات، منها العنصرية والتمييز العرقي في بعض المجتمعات الغربية، والنظر إلى المهاجر -رغم كونه مواطنًا كغيره – بارتياب، وأنه عبء على المجتمع، وضيف ثقيل يجب أن يرحل”.

بالإضافة إلى تعرض بعضهنّ للتنمر والإقصاء والتهميش والنظرة الدونية للنساء المهاجرات، وتؤكد الشعور بالغربة، وصعوبة اندماج بعضهنّ في المجتمع المضيف؛ لاختلاف العادات والتقاليد وعائق إتقان اللغة والثقافة، إذا كانت الهجرة إلى مجتمع غربي، واختلاف نظام الدول المضيفة عن النظام في اليمن بالنسبة لنظام العمل وكثرة الواجبات المفروضة، إضافة إلى معاناة الأم اليمنية المهاجرة في تنشئة الأطفال خاصة في المجتمعات غير المسلمة.

وتوضح أن هناك تحديات معيشية هائلة، فقد يكون لديهن صعوبة في الحصول على السكن، العمل، والتعليم. كما قد يتعرضن لظروف معيشية غير آمنة وغير مستقرة، مما يؤثر على استقرارهن النفسي وصحتهن العامة، إضافة إلى صعوبات تتعلق بالحفاظ على الهوية اليمنية والتوازن بين الحرية الواسعة المتاحة في الغرب، وبين الإرث الثقافي الذي تمليه عليه النشأة اليمنية العربية.

 

حياة جديدة

مها الحكيمي، أكاديمية يمنية مقيمة في مصر، تقول: “يواجه اليمني، أكان رجلًا أو امرأة، كثيرًا من الصعوبات والمعوقات، عندما يتخذ قرارًا بالسفر للهجرة أو الاغتراب لأي سبب كان؛ فالحياة خارج بلداننا تعد مغامرة بكل ما تعنية الكلمة، وهناك تحديات ومخاوف وإنجازات وإخفاقات على حد سواء، يشعر الشخص وكأنه يبدأ الحياة من الصفر، رغم أنه كانت له حياة ومجتمع وأصدقاء”.

وتضيف الحكيمي: “يستطيع أيُّ شخص أن يتخيل ما تواجهه المرأة اليمنية عند الخروج من مجتمعاتنا إلى مجتمعات مختلفة بكل ما فيها من تحديات وعادات وتقاليد مختلفة، ومتطلبات يفرضها عليها المجتمع الجديد، فتواجه المرأة صعوبة في فهم المجتمع والاندماج فيه، ومن ثم عليها الإيفاء بمتطلبات هذا المجتمع من عدة نواحٍ؛ (تعليمية، اجتماعية، سلوكية، خبرات عملية، وغيرها الكثير)”.

ومن ناحية أخرى، ترى الحكيمي أنّ هناك من يكتفينَ بعيش حياتهنّ الاجتماعية البسيطة في أوساط يمنية أو عربية تتشابه في عاداتنا، وفي الحالتين تظل المرأة اليمنية تحمل في داخلها الحنين لوطنها ومجتمعها وكل مَن فيه.