حنين الوحش – المرأة في التنمية والسلام
تداولت مواقع صحفية نشرة بيانية أعدّها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث في العام 2021م، بشأن ظاهرة العنوسة في الوطن العربي؛ إذ وضحت النشرة ترتيب الدول وفقًا لتأخّر سنّ الزواج، وبحسب النشرة تأتي اليمن في المرتبة 14 بين الدول العربية من حيث نسبة العنوسة، وتقدر نسبتها بنحو 30%، وهو معدل منخفض مقارنة بدول عربية أخرى تعاني من تفشي أكبر لهذه الظاهرة، مثل لبنان وتونس والعراق.
وعلى الرغم من أنّ اليمن تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، فإنّ هذه النسبة قد تعكس عوامل ثقافية واجتماعية معينة، مثل التقاليد والممارسات المتعلقة بالزواج.
غير أنّ دراسة استطلاعية أجريناها أكدت، بحسب شهادات مختصين اجتماعيين، أنّ العنوسة تشهد ارتفاعًا في بعض المدن اليمنية مع زيادة معدل الإناث في مقابل الذكور الذين انخرط كثير منهم في الصراع المسلح، وتشير الشهادات التي حصلنا عليها أنّ العنوسة أكثر ارتفاعًا في أوساط النساء العاملات، وهو ما يثير كثيرًا من الأسئلة!
عزوف بعض الشباب عن الزواج من نساء عاملات أو موظفات يمكن أن يُعزى إلى مجموعة من الأسباب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولعلَّ أهمها الأفكار التقليدية في بعض المجتمعات اليمنية؛ إذ لا تزال هناك أفكار تقليدية ترى أنّ دور المرأة يجب أن يكون في المنزل، ممّا يؤدي إلى تفضيل الزواج من النساء غير العاملات.
كما أنّ بعض الشباب قد يشعرون بالقلق من أن تكون المرأة العاملة أكثر استقلالية، ممّا قد يؤدي إلى شعورهم بعدم الأمان أو التنافس في العلاقة، وأنّ في بعض الثقافات، قد يُنظر إلى النساء العاملات بشكل سلبي؛ إذ يُعتقد أنّهنّ أقل قدرة على القيام بالأدوار التقليدية في المنزل.
حرمان من العمل
أسهمت عوامل مجتمعية عديدة في حرمان المرأة اليمنية من حقها في العمل، ومع غياب الإحصائيات وتباينها فإنّ تقديرات نشرتها منظمة العمل الدولية قبل عام من النزاع المسلح تؤكد أنّ “نسبة مشاركة النساء اليمنيات في سوق العمل 6% فقط، في حين كانت 7% فقط من الوظائف تشغلها النساء”.
إنّ حرمان المرأة من العمل في اليمن يعكس مجموعة من التحديات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ويُعدُّ نتيجة للعديد من العوامل أهمها السيطرة الذكورية على سوق العمل، التي تعكس عدم وجود فرص متكافئة للنساء، وغياب الوعي المجتمعي بأهمية حضور المرأة كشريك يمتلك من المواهب والقدرات ما يحرك الراكد في السوق المحلي، ويسهم في دعم الاقتصاد الوطني للبلاد والحد من البطالة.
بالإضافة إلى العادات والتقاليد المغلوطة التي تحظر عمل المرأة أو تقلل من قيمتها في صورة سلبية عنها، ممّا يحدّ من فرصها في تحقيق الاستقلال المالي والمشاركة الفعّالة في المجتمع، ومع وجود ثلثي المجتمع تحت خط الفقر، فإنّ حرمان النساء من العمل يؤثر سلبًا على القدرة الاقتصادية للعائلات، ممّا يزيد من حِدّة الفقر والمعاناة.
ويعدُّ الخوف من العنوسة أحد أسباب حرمان المرأة من العمل، كما تؤكد المختصة النفسية والاجتماعية شيماء العزعزي؛ إذ تقول: “فئة كبيرة من المجتمع يمنعون بناتهم من الذهب للعمل خوفًا من أنّ يجعلهنَّ عرضة للرفض المجتمعي، وبالتالي يقلل من احتمالات حصولهنّ على زوج مناسب؛ فكثير من الرجال، خصوصًا المغتربين، يرفضون عمل المرأة بحجة اختلاطها بالرجال، أو لأنّ عملها سيحدُّ من وظيفتها كربة بيت أو أُمًّ مناسبة للأطفال ورعايتهم”.
وتضيف: “كنت شاهدة على كثير من هذه القصص؛ إذ إنّ إحدى صديقاتي اضطرت لأخذ علاج للاكتئاب؛ بسبب ما تتعرض له من ضغوط أسرية تطالبها بمغادرة العمل؛ حتى لا يلغي ابن عمها خطوبته منها، الذي اشترط أن تغادر عملها لاستكمال إجراءات الزواج”.
وتعتقد أنّ رفض الرجال الزواج بامرأة عاملة تراجع مؤخرًا بسبب التدهور الاقتصادي، الذي جعل كثيرًا من الأسر تدفع ببناتها إلى سوق العمل مثلها مثل الذكور؛ لتحسين وضع الأسرة المعيشي. وتستدرك شيماء: “غير أنّ رفض الزواج من المرأة العاملة لا يزال حاضرًا وبقوة في مجتمعاتنا التي يعمل أكثر ذكورها في الغربة، بمبرر أنّ الرجل المغترب يريد ربة بيت لا أكثر”.
كما تشير بعض التقارير الصحفية أنّ بعض الشباب يعاني من مشاعر الغيرة عندما يرون الفتيات يحققنَ نجاحات تعليمية ومهنية، ممّا قد يثير مشاعر عدم الأمان وعدم القيمة الذاتية، ويعتقد بعض الرجال المتعلمين أو أنصاف المتعلمين أنّ تعليم المرأة قد يُقلل من دورهم التقليدي كمعيلين، ممّا يدفعهم إلى التفكير في أنّ المرأة المتعلمة ستسعى للاستقلال، وبالتالي سيصبح دور الرجل هامشيًّا، لذا يميل إلى البحث عن شريكة أقل تعليمًا، يشعرون بأنهم يستطيعون السيطرة على العلاقة، ممّا يوفر لهم شعورًا بالقدرة على التحكم في مجريات الأمور.
عدو الزواج
تتفق نتائج دراستنا الاستطلاعية مع ما رمت إليه المختصة النفسية شيماء العزعزي؛ فالنتائج الاستطلاعية تشير إلى أنّ ما نسبته 70% من الذكور يفضلون الارتباط بامرأة غير عاملة، ويبررون ذلك بالقول: “المرأة عملها بيتها” كقول شائع لا يزال محط إجماع لدى المجتمعات المتأثرة بالخاطئ من العادات الدخيلة على المجتمع اليمني، الذي عاش أزهى مراحله التاريخية والحضارية حين تربعت على عرش سلطته نساء؛ كالملكة بلقيس، وأروى الصليحي، وأخريات صنعنَ تحوّلًا حقيقيًّا في التاريخ اليمني القديم والمعاصر.
ويعتقد عدد ممّن قابلناهم أنّ الرجال العاملين في القطاع الوظيفي يفضلون الارتباط بنساء عاملات، في حين أنّ المغتربين وأصحاب المهن الأخرى يخشون من أن يؤثر عمل المرأة على تربية الأطفال، والاهتمام بما يسمونه بـ(واجبات منزلية)؛ كإعداد الطعام، وتربية الأبناء، والاهتمام بأراضيهم الزراعية، وقطعان الماشية أثناء غياب الزوج.
بسمة أحمد (اسم مستعار) قالت أنّها أُجبرت على مغادرة سوق العمل؛ حتى تتمكن من الارتباط بشريك حياتها، وفي وصفها للأسباب تقول: “يخشى بعض الرجال من أن تتنافس زوجاتهم العاملات معهم في العمل، ممّا يؤثر على مكانتهم الاجتماعية، إلى جانب النظرة التقليدية للمرأة التي ترى أنّ دورها الأساسي هو رعاية المنزل والأطفال”.
وتؤكد أنّ الرجل قد يتعرض لضغوط اجتماعية من عائلته أو مجتمعه إذا ما فكر الارتباط بامرأة عاملة.
وتُشير ظاهرة هروب الشباب إلى القرية لاختيار شريكة حياتهم إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ومنها اعتقاد كثير من الشباب أنّ الفتاة العاملة ستكُون مشغولة بعملها أو دراستها، ممّا قد يؤثر سلبًا على قدرتها على الالتزام بالمسؤوليات الأسرية، وأنّ الزواج من فتاة موظفة يتطلب ميزانية أكبر بسبب المهور والمصاريف المرتبطة بحفل الزفاف، كما قد يواجه الشاب ضغوطًا اجتماعية من أسرته أو المجتمع تتعلق باختيار شريكة الحياة، مما يجعله يتجه نحو خيارات تعدُّ أقل تكلفة أو أقل تعقيدًا.
“أخطاؤنا تحاكِمُنا”
يؤكد أنور سرحان (طبيب نفسي) أنّ كثيرًا من زملائه أعطوا أمهاتهم مهمة اختيار شريكات حياتهم، وهكذا ارتبطوا بنساء غير عاملات؛ لأنّ الأمهات يعارضنَ تزويج أولادهنّ من نساء عاملات، ويبحثنَ عن إناث يتفرغنَ للعناية بشركاء حياتهنّ.
ويرى أنّ هذه الأحكام المغلوطة تسببت في دفع كثير من الأسر إلى حياة التشرد بمجرد إصابة ربّ الأسرة بسوء؛ كالوفاة أو تسريحه من العمل، وهو ما يضاعف مخاطر البطالة في اليمن، ويعزز التداعيات السيّئة للتدهور الاقتصادي.
ويختتم حديثه بالقول: “كمجتمع نحن نُحاكم من قِبل أخطائنا”، مشيرًا إلى المخاطر النفسية والمجتمعية التي يحدثها عزوف الرجال من الزواج بالنساء المتعلمات إلى جانب المخاطر الاقتصادية، كـتراجع معدلات الزواج بشكل عام، مما يؤثر على استقرار الأسرة والمجتمع، وتعميق الفجوة بين الجنسين، وزيادة التوتر والصراع بينهما”.
ويقترح عددًا من المحددات لمعالجة هذه الظاهرة، أبرزها تغيير النظرة المجتمعية للمرأة العاملة، وتشجيع مشاركتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع الزوجين على التعاون في إدارة المنزل والأطفال، وتقاسم المسؤوليات، وتوفير خدمات الرعاية النهارية للأطفال، لتسهيل عمل المرأة، وتعديل التشريعات لتضمن المساواة بين الرجل والمرأة في العمل والأسرة.
ويدعو سرحان جميع المنظمات والمكونات الاجتماعية والسياسية والإنسانية إلى توعية المجتمع بأهمية عمل المرأة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد حلول شاملة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ويقول: “يجب العمل على تغيير العقليات والأعراف الاجتماعية، وتوفير بيئة داعمة للمرأة العاملة”.
وتعيش كثير من النسوة العاملات صراعًا داخليًا؛ لعدم قدرتهنّ على المواءمة بين رغبتهنّ في الزواج وبين تحقيق طموحاتهنّ المهنية، وهو ما يتسبب بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق في المجتمع ككل وفي النساء على وجه الخصوص، كما يترتب على هذه الظاهرة مجموعة من المخاطر التي تؤثر سِلبًا على الفرد والمجتمع.