أفراح بورجيالمرأة في التنمية والسلام

 

يشهد المجتمع العربي تغيرات ملحوظة في طريقة تقبله للعلاقات الثنائية بين الرجل والمرأة، التي تبدأ عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل (فيسبوك والواتس والإنستجرام) وغيرها، وهذا التغير يأتي نتيجة للتطورات التكنولوجية والانفتاح الثقافي التي تُعزّز عن طريق الإنترنت، وفي اليمن، تؤثر منصات التواصل الاجتماعي بشكل مزدوج على قضية العنوسة؛ إذ يمكن أن تكون وسيلة للتواصل وتبادل الأفكار، ولكنها أيضًا قد تؤدي إلى تضخيم الضغوط الاجتماعية بالنسبة للمرأة.

إن اللجوء المتزايد للفتيات إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية لاختيار الزوج يعدّ من الظواهر التي تعكس تغيرات اجتماعية كبيرة في المجتمع العربي، وخاصة في اليمن، وهذه المنصات تُقدّم كبديل للعلاقات التقليدية، لكن استخدامها يأتي مع تحديات وفرص قد تؤدي إلى تجارب إيجابية أو سلبية، خاصة للنساء اللواتي يتعرضنَ لضغوطات اجتماعية كونهم “عانسات”.

 

تأثيرات إيجابية وسلبية

تحدث الخبير التقني (فضل عدم ذكر اسمه) عن دور التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي في ظاهرة العنوسة، مبرزًا تأثيراتها الإيجابية والسلبية، وفي هذا السياق، ركّز الخبير على أنّ هذه المنصات لها تأثيرات متعددة، بعضها يساعد على تخفيف مشكلة العنوسة.

وقد بيّن أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تمكّن الأفراد من الوصول إلى شريحة أكبر من الناس، ممّا يزيد من فرص الزواج عبر التعارف المباشر، كما تتيح المنصات معرفة خلفيات الأشخاص من حيث التعليم والوظيفة، وتساعد النساء في دخول مجالات جديدة، مثل الأسواق الرقمية، والتعليم، والعمل، وتعزّز من وعي المرأة بقدراتها، وزادت من قدرتها على اتخاذ قرارات أكثر استقلالية بشأن حياتها الشخصية والمهنية، بما في ذلك قرارات الزواج.

كما ذكر الخبير التأثيرات السلبية المحتملة التي سببتها منصات التواصل الاجتماعي بشكل مباشر في زيادة معدلات العنوسة في اليمن، التي تتمثل في رفع وعي المرأة أكثر بحقوقها، وتغير المفاهيم التقليدية عن الزواج، الذي يعدُّ من الوهلة الأولى تأثيرًا إيجابيًّا، إلّا أنه يمكن عدّه أيضًا تأثيرًا سلبيًّا ويسهم في زيادة معدلات العنوسة.

وتابع: “ومع الوعي الزائد بالحقوق ارتفع سقف التوقعات لدى المرأة بشأن العلاقات والحياة الزوجية، وهذا أثّر بشكل سلبي وزاد من معدلات العنوسة؛ إذ إنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في تعزيز معايير غير واقعية عن الشريك المثالي والعلاقات الزوجية، وإنّ الصورة المثالية للعلاقات الزوجية التي تعرض عبر الإنترنت تؤدي إلى فشل العلاقات الموجودة، فضلًا عن بناء علاقات جديدة بسبب ارتفاع سقف التوقعات من الشريك”.

كما أشار إلى أنّ المحتوى الذي يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة على إنستغرام، الذي يركّز على السفر ورفاهية الحياة، قد أسهم في تأجيل فكرة الزواج لدى كثير من الرجال والنساء.

ويواصل: “أنّ المحتوى السلبي الذي يعرض على المنصات الاجتماعية بشأن العلاقات الزوجية والمسؤوليات أدّى إلى زيادة المخاوف والقلق لدى الفتيات من فكرة الزواج والمسؤولية، وعزّز الإنترنت من العلاقات الافتراضية على حساب اللقاءات الاجتماعية التقليدية، وهذا الانتقال من التواصل الواقعي إلى الافتراضي قلّل من فرص التعارف الشخصي، واللقاءات الحقيقية التي تنتهي بالزواج”.

 

دوافع الاستخدام للتكنولوجيا.

أشارت الأستاذة عائشة علي (اسم مستعار)، العاملة في إحدى المدارس الخاصة، إلى ظاهرة تأخّر الزواج لدى الفتيات في المجتمع اليمني، موضحة أنّ هذه الظاهرة ازدادت في السنوات الأخيرة بفعل عوامل متعددة ومتداخلة، منها زيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للتعارف والزواج، وتغيير الأدوار الاجتماعية للمرأة، وارتفاع توقعات الشباب تجاه الزواج.

 

وأوضحت الأستاذة عائشة أنّ الاعتماد المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي في البحث عن شريك الحياة قد يؤدي إلى عدة مشكلات وتحديات، تتضمن تكوين علاقات سطحية، وزيادة فرص الاحتيال، فضلًا عن صعوبة تقييم الشخصيات بشكل دقيق عن طريق هذه الوسائل.

وأشارت إلى أنّ الاعتماد على جلسات النساء في ترتيب (الزيجات)، وهو أسلوب تقليدي شائع، قد يضع الفتيات تحت ضغوط اجتماعية كبيرة، وفي هذه الحالات، تشعر الفتيات أنّهنّ مضطرات للقبول بشريك قد لا يكون مناسبًا لهنّ؛ فقط من أجل التوافق مع التوقعات الاجتماعية، مما يقلّل من فرصهنّ في اتخاذ قرارات شخصية مدروسة بشأن الزواج.

وبحسب رأيها فإنّ التغيرات الاجتماعية والثقافية تتطلب إعادة النظر في الطرق التقليدية للزواج، وتطوير آليات جديدة تساعد الشباب على بناء علاقات زوجية مستقرة وسعيدة؛ إذ يجب أن يكون هناك توازن بين استخدام الوسائل الحديثة؛ مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والاحتفاظ بجوانب من الأساليب التقليدية التي تضمن توجيهًا ورعاية اجتماعية للأفراد في عملية اختيار الشريك.

كما كشفت عائشة عن الوجه القبيح لظاهرة الزواج عبر الإنترنت والخطابات، مستندة إلى قصص حقيقية لفتيات تزوجنَ عن طريق هذه الوسائل، وانتهت بهنّ التجربة إلى الفشل والطلاق.

وأوضحت أنّ العديد من الفتيات يقُمنَ بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الزواج، على أمل العثور على شريك حياة مناسب، إلّا أنّ هذه الطريقة غالبًا ما تؤدي إلى تجارب فاشلة؛ إذ لا يتمكن الطرفان من أن يتعرف بعضهما على الآخر بشكل كافٍ قبل الزواج، ممّا يؤدي إلى صدمات كبيرة بعد الزواج في أغلب الأحيان.

ومن الأمثلة التي ذكرتها عائشة، قصة فتاة في نهاية الثلاثينات من عمرها، وافقت على الزواج من رجل يكبرها بسنوات ويعيش في بلد آخر، فقط للهروب من الضغوط الاجتماعية، إلا أنها بعد الزواج اكتشفت أنّ زوجها لا يتناسب مع طموحاتها وأحلامها، ممّا أدّى إلى فشل العلاقة وانفصالهما، وهذا المثال يوضح كيف يمكن أن تكون التوقعات غير المتوافقة عاملًا كبيرًا في انهيار الزواج.

وأكدت أهمية الحذر عند الدخول في علاقات زواجية عبر الإنترنت، داعية الفتيات إلى التحقق جيدًا من هوية الشريك المحتمل، والتأكد من جدية نواياه، كما نصحت بضرورة اللجوء إلى الأهل والأصدقاء الموثوق بهم للحصول على المشورة قبل اتخاذ أي قرار مصيري.

كما بينت أنّ شبح العنوسة يعدُّ تهديدًا كبيرًا للفتيات في المجتمع، ولكنها أكّدت أنّ الزواج الخاطئ يحمل وجعًا أكبر بكثير على الفتاة؛ إذ عندما ترتبط بشخص يفتقد الإنسانية والاحترام، تفقد الفتاة ذاتها واستقلاليتها، مما يؤثر سلبًا على حياتها النفسية والاجتماعية.

 

مخاطر محتملة

في حين قد تكون مواقع الزواج على الإنترنت وسيلة فعّالة لتوسيع خيارات التعارف، وتقديم فرص جديدة، يجب التعامل معها بحذر ووعي لتجنب المخاطر المحتملة، مثل الاحتيال والابتزاز، والتأكد من المعلومات، والتفاعل بحذر يعدُّ مفتاحًا لحماية الأفراد من التعرض للضرر في هذه المنصات.

أوضح الخبير التقني أنّ مواقع الزواج وصفحات عروض الزواج على الإنترنت تحمل دوافع متباينة بين الإيجابي والسلبي. مؤكّدًا أنّ هذه المنصات تسهم في توسيع دائرة الاختيار للأفراد، خاصة في المجتمعات التي تفرض قيودًا اجتماعية قد تحدّ من فرص التعارف والزواج.

وذكر أنّ هذه المواقع تتيح فرصة التعرّف على أشخاص من خارج البيئة الجغرافية، أو حتى من نفس البيئة، ولكن بخلفيات وثقافات مختلفة، مما يتيح فرصة إيجاد توافق في الاهتمامات والقيم المشتركة، كما حذر من أنّ هذه المواقع قد تتحول إلى كابوس إذا لم يُتَعامَل معها بحذر؛ إذ زادت معدلات النصب والاحتيال، وكذلك الابتزاز الرقمي من أصحاب الصفحات، التي تعمل على إيقاع ضحاياها، وخاصة من الفتيات الباحثات عن شريك الحياة.

أسباب تأخّر الزواج

وقد ذكر الصحفي محمد الصلوي مجموعة من الأسباب التي تسهم في تأخُّر الزواج لدى المرأة؛ إذ إنّ التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي ليست العامل الأساسي، بل يربط الأمر بأوضاع أعمق وأكثر تعقيدًا، مثل الفقر، والصراعات، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها اليمن منذ عام 2011م، إلى جانب غلاء المهور من قبل أولياء الأمور، وعزوف الشباب عن الزواج بسبب هذه التحديات.

ويُعدُّ الصلوي التكنولوجيا سلاحًا ذا حدين، تلعب دورًا ثانويًا في هذه المشكلة، وفي الوقت نفسه، يرى أنّ الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض النساء قد أثّر سلبًا على حياتهنّ الاجتماعية وأسهم في تأخُّر الزواج.