أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
يجد العديد من الشباب اليمني أنفسهم أمام تحديات معقدة تحول دون تحقيق حلم الاستقرار الأسري، هذه الظاهرة بدأت تبرز بعد سقوط البلاد في مستنقع النزاع المسلح لما يقارب عشر سنوات، في حين كانت التقاليد الاجتماعية تفرض إيقاعًا مختلفًا على مسألة الزواج، أصبحت تداعيات الصراع أكثر تأثيرًا على الشباب الذين يواجهون كثيرًا من التحديات يقفون في مواجهة واقع أكثر تعقيدًا من التقاليد؛ إذ تتشابك الظروف الاقتصادية وظروف الصراع مع المعايير المجتمعية المعقدة في أغلب المناطق اليمنية.
تتباين رؤية الشباب بشأن أسباب هذه الظاهرة واستفحالها، فبعضهم يعدّها نتيجة حتمية للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المجتمع المحلي بسبب الصراع، فيما يرى آخرون أنّ الظاهرة ناتجة عن مغالاة أولياء الأمور والمطالبات المكلِّفة في المهور، وما تتبعه من احتياجات أخرى، يقابل ذلك بطالة بين الشباب، وضعف المرتبات، وقلة فرص العمل، ويذهب بعضهم إلى العمل على إعادة التفكير في التقاليد والتوعية بأهمية تسهيل شروط الزواج بما يتناسب مع الأوضاع الراهنة.
رؤية وتحديات
تحدثت الشابة بيان أحمد بشأن رؤيتها لظاهرة العنوسة المتزايدة في اليمن؛ إذ تشير إلى أن هذه الظاهرة تعكس واقعًا معقدًا تعيشه البلاد في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وأن ظاهرة العنوسة ليست مجرد مسألة شخصية أو اجتماعية بسيطة، بل تعد نتيجة حتمية للضغوط الاقتصادية التي يوجهها الشباب من الجنسين، سواء من حيث تكاليف الزواج الباهظة، أو غياب الفرص الاقتصادية المناسبة للاستقرار، كما أنّ هناك كثيرًا من العوامل التي تسهم في تفاقم هذه الظاهرة، مثل الأعراف الاجتماعية الصارمة التي تفرض معايير عالية للزواج، مما يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار العاطفي والاجتماعي للشباب.
وأضافت بيان: “أنّ النزاع القائم فاقم المشكلة وعقّدها أمام الشباب المقبلين على الزواج؛ إذ نتج عنه عدة تحديات وعراقيل تسببت بزيادة العنوسة في اليمن، منها ضعف الأمن والاستقرار، وانعدام فرص العمل، وازدياد موجة النزوح في أوساط المجتمعات اليمنية، وهجرة كثير من الشباب خارج الوطن بحثًا عن فرص العمل، وغيرها من التحديات، كل هذه الأسباب قللت من مستوى تفكير الشباب من الجنسين بالزواج في الوقت الحالي والعزوف عنه، وأصبح همهم الوحيد العيش وتخطي العقبات الاقتصادية التي تتفاقم يومًا بعد آخر، خاصة أن لا بوادر لانفراج الوضع الحالي، ممّا يعني أنّ العنوسة في تزايد مستمر”.
من جانبه يقول الشاب زكريا الكثيري: “إنّ ظاهرة العنوسة لها عدة أسباب جعلت منها في تزايد مستمر؛ إذ إنّ اليمن فيها تعدد مختلف للمجتمعات والقبائل التي تمارس عادات وتقاليد غير حميدة، وإنّ بعض القبائل والمجتمعات لا تسمح بالزواج من خارج قبيلتها، ولو كانت ذا أقلية في تعدادها السكاني، وكون الإناث أكثر من الذكور، يتسبب في حرمان الفتيات من الزواج، حتى وإن كان هناك إقبال من خارج القبيلة، فإنّ أرباب تلك العوائل يرفضون الفوارق الطبقية بينهما، وهذا الشيء جعل كثيرًا من الفتيات تواجه ظاهرة العنوسة، إضافة إلى بعض التحديات التي فرضتها الأوضاع الحالية في البلاد”.
وبيّن أنّ هناك أسبابًا أخرى تقف عائقًا أمام الشباب في اليمن، منها متطلبات الزواج الجانبية؛ إذ يشترط عليه توفير مسكن مستقل، وولائم كبيرة، وصالات أفراح، وغيرها، يقابل ذلك ضعف فرص العمل للشباب وتردي الأوضاع الاقتصادية، ولا توجد أي تسهيلات لمكافحة العنوسة، إلّا عن طريق مبادرات مجتمعية تُقيم زوجات جماعية تسهم في التخفيف من التكاليف الباهظة على عاتق العريس، قبل ذلك وجب توفر عمل للشباب قبيل تزويجهم حتى يكونوا مستعدين ماديًّا لمرحلة الزواج.
أما الشاب محمد يوسف فيرى أنّ التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت مع تداعيات الصراع شكّلت كثيرًا من المنعطفات والتحديات على الفرد في المجتمع اليمني، وأنّ ظاهرة العنوسة تعدّ أحد التحديات التي تؤثر على استقرار الشباب والمجتمع بشكل عام، وتحتاج إلى دراسة شاملة من جميع العناصر، كما تؤخذ في الحسبان العوامل الاجتماعية والثقافية التي تلعب دورًا كبيرًا في تفاقمها، ولهذا فإنّ الشاب اليمني يواجه صعوبة في تحقيق الاستقلال المالي، فضلًا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها كثيرون في ظل الأزمة الراهنة.
وتابع قائلًا: “إنّ هذه العوامل إلى جانب التقاليد الاجتماعية التي تفرض شروطًا معينة على الزواج، تجعل من الزواج أمرًا بعيد المنال لكثير من الشباب والشابات؛ إذ إنّ العنوسة ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي قضية تؤثر على استقرار المجتمع ككل، يتوجب علينا أن نعمل جميعًا، شبابًا وحكومةً ومجتمعًا للتصدي لهذه الظاهرة وإيجاد حلول مستدامة لها؛ كون تزايد الظاهرة سيخلق نوعًا من المشاكل الاجتماعية وغير أخلاقية، وغيرها من المشاكل الذي لا تحمد عقباها على الفرد والمجتمع بصورة عامة”.
قصص واقعية
“ثلاث بنات شقيقات أصغرهنّ في سنّ الثلاثين، عانسات في نظر المجتمع”، كما يحكي القصة أحد جيرانهنّ القاطنين في أرياف حضرموت؛ إذ قال: “لقد تقدّم لهنّ كثير من الشباب من غير طبقتهنّ الاجتماعية للزواج، التي تعدُّ طبقةً صغيرة في المجتمع، ومع ذلك يرينَ أنفسهنّ من الطبقات العليا، وأنّ العوائق الاجتماعية والتمسك بالعادات والتقاليد حالت بينهنّ وبين الزواج”.
وتابع قوله: “إنّ البنات في طريقهنّ إلى العنوسة دون التمتع بحقهنّ الشرعي من الزواج، والسبب التفرقة والاختلاف بين طبقات المجتمع منذ زمن بعيد؛ إذ إنّ بعضًا من تلك الطبقات الاجتماعية لا تتزوج إلّا من نفس الطبقة، وتلك الطبقة أو القبيلة التي تنتمي إليها الثلاث الفتيات صغيرة، أغلب ذويها غادروا المنطقة منذ سنوات، وترفض هذه العائلة تزويج بناتها من غير طبقتها الاجتماعية، لكون هذا يعدُّ من المعيب بحق العائلة، وكل هذه العادات حرمت كثيرًا من الفتيات من الزواج، وجرفَهُنّ قطار العمر إلى حياة العنوسة، ومنهنّ الفتيات الثلاث اللاتي ليس لهن ذنبٌ إلا أنّهنّ وقعنَ في مجتمع يقدس تلك العادات والتقاليد”.
القصص والروايات هنا كثيرة على مثل هذا النوع، ولكن من الناحية الاقتصادية، يقول عمر أحمد: “أنا خاطب لفتاة منذ عام 2013م، على أن تكون مدّة الخطوبة سنتين ونصفًا، حتى أتمكن من تجهيز لوازم العرس، بعد الخطوبة غادرت حضرموت إلى عدن لمزاولة عملي في بقالة مواد غذائية وكماليات، ومع الأزمة التي شهدتها البلاد ونشوب الصراع والانهيار الاقتصادي وتراجع العملة المحلية، تكبد مشروعي خسارة فارقة، والمال الذي كنت أجهزه للعرس اضطررت أن أنقذ به المشروع، فانعكس بشكل سلبي على مشروع الزواج، الذي تأخر سنتين إضافيتين بعد مشاورة والد الخطيبة”.
يضيف عمر: “بعد انتهاء السنتين ارتفعت تكاليف الزواج بشكل كبير من ذهب ومجوهرات وغيرها قرابة النصف بعد تراجع قيمة الريال اليمني كثيرًا، تواصلت مع والد الخطيبة، فطلب تكاليف إضافية، وهذا الأمر في غير مقدوري، ممّا أدّى إلى فسخ الخطوبة بعد قرابة الست سنوات”. ويكمل عمر حديثه: “لا أنا قدرت أتزوج ولا البنت كذلك؛ لعزوف الشباب عن العرس للأسباب المادية نفسها التي مررت بها”.
مقترحات لمعالجات
اختتمت بيان تصريحها بالقول: “علينا كمجتمع أن نتعاون للتخفيف من الضغوط التي تثقل كاهل الشباب، وأن نعمل على خلق بيئة تتيح لهم الفرصة لبناء أسرة مستقرة دون الانجراف نحو عادات تعقد من فرص الزواج، وتزيد من ظاهرة العنوسة داخل المجتمع المحلي اليمني”.
كثيرون يرون أنّ من أهم المعالجات التي تحدُّ من ظاهرة العنوسة من ناحية الأعراف والتقاليد، تكمن في التوعية بنبذ تلك المعتقدات الخاطئة، وإعطاء مساحة للزواج بين فئات المجتمع، ونبذ الطبقية على الأقل في الفئات المتقاربة في الحسب والنسب.
أما محمد يوسف فيقول: “على الجهات المختصة والمعنية، تحديد المهور والتكاليف الأساسية للزواج، وفرض عقوبات لكل من يحاول تجاوزها، والأهم من ذلك تحديد الجهات المختصة والموثوقة من قبل المجتمع، خاصة مع التشظي السياسي والاقتصادي والاجتماعي الكبير الحاصل في الوقت الراهن، ولن تتحقق أي بوادر إيجابية إلّا بوجود الأمن والاستقرار وإنهاء الصراع”.
أصبحت قضايا الزواج والقدرة على تكوين أسرة مرتبطة بشكل كبير بمتغيرات عديدة، مثل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، لذلك يرى كثير من الشباب ضرورة بذل جهود جماعية مضاعفة تشمل المجتمع والأسرة والدولة لتحقيق بيئة ملائمة تساعدهم في تحقيق طموحاتهم العائلية والشخصية.