علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام
تُعدُّ الصحة الإنجابية والجنسية من العناصر الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على جودة حياة الأفراد والمجتمعات. فهي لا تقتصر على الصحة البدنية فقط، بل تشمل أيضًا الجوانب النفسية والاجتماعية التي تؤثر على رفاهية الفرد، ومن أهم مقومات الصحة الإنجابية والجنسية تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة تتعلق بالإنجاب، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم، إضافة إلى ضمان حقهم في التمتع بحياة جنسية آمنة ومرضية.
وتعرّف منظمة الصحة العالمية الصحة الإنجابية والجنسية بأنها: “حالة من الرفاه البدني والنفسي والاجتماعي في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي”، كما يشمل هذا التعريف القدرة على الإنجاب، والتمتع بحياة جنسية مرضية، وحرية اتّخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب دون إكراه أو ضغط.
في اليمن، تتأثر صحة النساء والفتيات الإنجابية والجنسية بشكل كبير نتيجة للظروف الإنسانية والسياسية المعقدة، ويؤثر الصراع القائم على إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، بما في ذلك خدمات الصحة الإنجابية، كما تواجه النساء تحديات في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة في مُدد الحمل والولادة وبعدها.
دراسات وتقارير
أظهرت الدراسات أنّ الاهتمام بالصحة الجنسية والإنجابية يلعب دورًا أساسيًّا في تقليل معدلات وفيات الأمهات والمواليد، ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، يمكن لتوفير خدمات الرعاية الصحية الإنجابية أنْ يقلل بشكل كبير من المضاعفات المرتبطة بالحمل والولادة، مما يسهم في تعزيز صحة الأمهات وسلامة الأطفال حديثي الولادة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنّ توفير خدمات الصحة الإنجابية والجنسية تعدُّ من الأولويات الأساسية التي تؤثّر بشكل مباشر على التنمية الاقتصادية، فعندما يتمتع الأفراد والأزواج بصحة إنجابية وجنسية جيدة، يكونون أكثر قدرة على التخطيط لمستقبلهم الأسري والتعليمي والاقتصادي.
كما تعدُّ الصحة الإنجابية جزءًا لا يتجزأ من حقوق المرأة الأساسية؛ إذ أظهرت دراسات من منظمات حقوقية أنّ انتهاك هذه الحقوق سلبًا على حياتها يؤدِّي إلى تفاقم العنف ضدها وزيادة معدلات الفقر بين النساء، وأنّ الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية يُعدًّ عاملًا حاسمًا في حماية المرأة من أشكال العنف المرتبطة بالصحة والإنجاب.
وأشارت هيئات اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة إلى أنّ حق المرأة في الصحة يشمل صحتها الجنسية والإنجابية، وأنّ على الدول الالتزام باحترام حقوق النساء في هذا المجال وحمايتها، ويُعدُّ ضمان هذه الحقوق أمرًا أساسيًّا في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.
وتظهر الأبحاث أيضًا أنّ تقديم خدمات الصحة الإنجابية للنساء اللواتي تعرضنَ للعنف يُعدُّ خطوة مهمة نحو تعزيز تعافيهنّ؛ إذ تساعد هذه الخدمات في تحسين حالتهنّ الصحية، وتمنحهنّ القدرة على اتّخاذ قرارات أفضل بشأن حياتهنّ الشخصية والمهنية.
وينص منهاج عمل (بيجين)، الذي يعدُّ وثيقة تاريخية انبثقت عن المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة تحت شعار (العمل من أجل المساواة والتنمية والسلم) والذي عقد في بيجين، الصين، ويعدُّ كذلك مرجعًا أساسيًّا في حماية حقوق المرأة – ينصُّ على “أنّ حقوق الإنسان للمرأة تشمل حقّها في التحكم والبت بحرّية ومسؤولية في المسائل المرتبطة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، دون أي شكل من أشكال الإكراه أو التمييز أو العنف”.
وفي سياق متصل، أوصت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بإعطاء الدول الأولوية “لمنع الحمل غير المرغوب فيه، عن طريق تنظيم الأسرة والتثقيف الجنسي”.
تحديات ثقافية واقتصادية
تعدُّ معدلات الاعتلال والوفيات المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية من أكبر التحديات أمام الصحة العامة عالميًا، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يواجه الأشخاص الذين يعيشون في أوضاع إنسانية صعبة مخاطر متزايدة وعوائق متعددة تحول دون الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، ممّا يعمّق من معاناتهم، ويزيد من تدهور أوضاعهم الصحية.
في اليمن، تواجه المرأة تحديات وصعوبات كبيرة في مجال الصحة الإنجابية والجنسية؛ إذ تفتقر العديد من النساء إلى الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الرعاية الضرورية قبل الولادة وبعدها، ويؤدي هذا النقص إلى ارتفاع كبير في معدلات وفيات الأمهات؛ إذ يبلغ معدل الوفيات في اليمن 385 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
توضح الإعلامية والناشطة لمياء الضيفي أنّ الصراع المستمر في اليمن أدّى إلى تدمير البنية التحتية الصحية، ما حرم كثيرًا من النساء من الحصول على الرعاية الصحية الضرورية.
وتضيف: “أنّ الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن تجعل من الصعب على النساء الوصول إلى خدمات صحية ملائمة، وهو ما يزيد من معاناتهنّ بشكل كبير”.
وتؤكد في حديثها أنّ النساء في المناطق الريفية على وجه الخصوص يواجهنَ تحديات إضافية؛ إذ تعاني تلك المناطق من نقص في المرافق الصحية المؤهلة، وندرة في المعدات والموارد الأساسية، كما أنّ هناك نقصًا كبيرًا في عدد الأطباء والممرضين المدربين على تقديم خدمات الصحة الإنجابية، ممّا يحدُّ بشكل كبير من قدرة النساء على الحصول على الرعاية اللازمة في مُدد الحمل والولادة وبعدها.
من جانب آخر، تشير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، إلى أنّ الانتهاكات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للمرأة تتخذ أشكالًا متعددة، تشمل هذه الانتهاكات حرمان المرأة من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية التي تحتاج إليها، وتدني جودة هذه الخدمات، واشتراط موافقة طرف ثالث لتمكينها من الحصول على الرعاية الصحية.
كما تشمل الانتهاكات تنفيذ إجراءات متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية دون موافقتها، مثل التعقيم القسري، وفحص العذرية القسري، والإجهاض القسري، وتعدُّ هذه الممارسات انتهاكات صارخة لحقوق المرأة، وتضعها في موقف ضعيف يؤثر على صحتها الجسدية والنفسية.
بالإضافة إلى ذلك، تتعرض حقوق المرأة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للخطر عبر ممارسات أخرى، مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والزواج المبكر، وهما من الممارسات التي تنتهك كرامة المرأة، وتؤثر سلبًا على صحتها.
وتعتقد الإعلامية جيهان عبد الحكيم أنّ القضايا المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنسية تعدُّ من المواضيع غير المقبول مناقشتها علنًا في المجتمع اليمني، مما يُضعف التوعية والتعليم في هذا المجال.
وترى أنّ بعض الممارسات الثقافية السائدة تسهم في زيادة المضاعفات والمخاطر الصحية المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنسية؛ إذ تواجه النساء ضغوطًا اجتماعية لتلبية توقعات المجتمع التي تحدد دور المرأة في الإنجاب فقط، ويؤدي ذلك إلى الزواج المبكر للفتيات، ممّا يعرضهنّ لخطر الحمل المبكر ومضاعفاته الصحية الخطيرة والوفاة.
كما أشارت إلى أنّ العديد من النساء يُجبرنَ على الحمل المتكرر بمُدد متقاربة لتحقيق رغبة الأسرة في إنجاب الذكور، ما يرهق صحة المرأة، ويعرض حياتها للخطر.
وتؤكد جيهان أنّ نقص الوعي والمفاهيم الثقافية الخاطئة عن الصحة الإنجابية والجنسية، إلى جانب غياب برامج تعليمية شاملة عن هذه القضايا في المدارس والجامعات، يمثل تحديات أساسية تمنع الشباب من اكتساب المعرفة الضرورية لصحتهم في اليمن.
الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة
تنظيم الأسرة هو قضية حيوية تؤثر بشكل مباشر على صحة المرأة والمجتمع؛ إذ يُعرف بكونه مجموعة من الوسائل التي تساعد على التحكم في عدد الأطفال وتوقيت إنجابهم، ويشمل ذلك استخدام وسائل منع الحمل، والتثقيف عن الصحة الإنجابية، وتوفير الرعاية الصحية الضرورية.
ويساعد تنظيم الأسرة على تقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالحمل والولادة، مثل المضاعفات الناجمة عن الحمل المتكرر أو المبكر، كما يقلل من حالات الإجهاض والوفيات المرتبطة بها.
بالإضافة إلى الفوائد الصحية؛ يتيح تنظيم الأسرة للمرأة فرصة استكمال تعليمها، وتحسين فرصها في سوق العمل، ما يسهم في تعزيز الوضع الاقتصادي للأسرة والمجتمع، عبر التخطيط الجيد لعدد الأطفال؛ إذ تستطيع الأسر تحسين مستوى معيشتها، وتوفير الموارد الكافية لتعليم الأطفال ورعايتهم، ممّا ينعكس إيجابيًّا على النمو الاقتصادي والاجتماعي.
في اليمن، يعاني العديد من الأفراد من نقص الوعي عن أهمية تنظيم الأسرة، ممّا يؤدي إلى تداعيات صحية واجتماعية واقتصادية خطيرة. كما تُعدُّ العادات والتقاليد في بعض المجتمعات اليمنية عائقًا أمام قبول فكرة تنظيم الأسرة؛ إذ يُنظر إلى الإنجاب كرمز للقوة والنجاح، مما يجعل كثيرين يمتنعون عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة أو التخطيط المستقبلي.
وتؤكد أم كلثوم ناصر، ممرضة في إحدى القرى النائية، أنّ الموروثات الاجتماعية في اليمن تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل القيم والعادات السائدة في المجتمع، وغالبًا ما تؤثر هذه الموروثات على كيفية نظرة المجتمع لتنظيم الأسرة. وتضيف: “أنّ هناك إجماعًا مجتمعيًّا على أهمية كثرة الأبناء؛ إذ يُنظر إلى الإنجاب كعلامة على القوة والثراء، مما يعزز من هذه الفكرة في الأذهان”.
كما تشير إلى أنّ نقص الوعي والتعليم عن فوائد تنظيم الأسرة يسهم أيضًا في رفض هذه الأفكار التقليدية. وبهذا، فإنّ الجهل بمفهوم تنظيم الأسرة يزيد من المخاطر الصحية، ويرفع معدلات وفيات الأمهات بسبب المضاعفات الصحية الناتجة عن الحمل المتكرر أو غير المخطط له.
تأثيرات سلبية
يؤكد تقرير خاص لمنظمة الصحة العالمية أنّ “إهمال الصحة الجنسية والإنجابية في حالات الطوارئ يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك الوفيات التي يمكن تجنبها بين الأمهات والمواليد، فضلًا عن زيادة حالات العنف الجنسي والصدمات النفسية المرتبطة به، والحمل غير المرغوب فيه، والإجهاض غير الآمن، وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المعدية المنقولة جنسيًّا”.
ويشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أنّ مشكلات الصحة الإنجابية تُعدُّ من الأسباب الرئيسية لاعتلال الصحة والوفاة بين النساء والفتيات في سنِّ الإنجاب، وتواجه النساء المحرومات معاناة كبيرة بسبب الحمل غير المقصود، والإجهاض غير الآمن، والوفيات والعجز المرتبط بالأمومة، فضلًا عن العدوى المنقولة جنسيًّا، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغيرها من العوائق المرتبطة بالحمل والولادة.
كذلك، تُعاني الشابات بشكل خاص من عقبات عديدة تعوق وصولهنّ إلى المعلومات والرعاية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، مما يزيد من خطورة الوضع.
حلول مقترحة
تؤكد العديد من التقارير المحلية والدولية ضرورة تحسين الوضع الصحي للمرأة في اليمن؛ إذ يُعدُّ جزءًا أساسيًّا من تحقيق التنمية المستدامة، ويجب أن تُدرج حقوق المرأة في الصحة الإنجابية والجنسية ضمن الخطط والإستراتيجيات الوطنية لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ويدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تعزيز خدمات الصحة الإنجابية والجنسية عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، بدءًا من القوى العاملة الصحية وصولًا إلى أنظمة التعليم ونقل الخدمات المطلوبة.
في اليمن، يُظهر وضع الصحة الإنجابية والجنسية الحاجة الملحة إلى تدخلات عاجلة من الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، والمجتمع ككل.
ومن الضروري أن تتعاون الحكومة مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي لتوفير الخدمات الصحية اللازمة بشكل مجاني أو بأسعار معقولة، وينبغي دعم السياسات المناسبة لتحسين الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، عبر إنشاء مراكز صحية في المناطق النائية، وتنفيذ برامج توعوية تستهدف النساء والرجال، عن أهمية تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، ووضع سياسات تدعم حقوق الصحة الإنجابية والجنسية، وتعزز البنية التحتية الصحية؛ لضمان تقديم خدمات فعّالة وشاملة تلبي احتياجات المجتمع.