علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام
تعدُّ الصحة الإنجابية أحد أهم جوانب الحياة الصحية التي تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والرفاهية العامة. في اليمن، يواجه هذا القطاع تحديات جسيمة نتيجة التدهور الاقتصادي والصراعات المستمرة، مما يؤدي إلى تراجع خدمات الصحة الإنجابية.
وتشير التقديرات إلى أنّ 47% من النساء الحوامل لا يتلقين الرعاية الصحية الكافية، مما يفاقم من المخاطر الصحية المرتبطة بالحمل والولادة، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ معدل وفيات الأمهات في اليمن يصل إلى 385 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية، وهو من أعلى المعدلات على مستوى العالم.
هذا الوضع يُظهر الحاجة الملحة لتدخلات عاجلة لتحسين خدمات الصحة الإنجابية في اليمن، عن طريق تعزيز الرعاية الصحية المقدمة للنساء الحوامل، وتوفير الخدمات اللازمة لضمان سلامتهنّ وسلامة أطفالهنّ.
وتؤثر العديد من العوامل الاقتصادية بشكل كبير على الصحة الإنجابية في اليمن؛ إذ يعاني البلد من صراعات مستمرة وتدهور اقتصاديّ حادّ، ومن تلك العوامل الاقتصادية الفقر وارتفاع معدلات البطالة، ونقص الخدمات الصحية، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وسوء التغذية؛ إذ تؤدي الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلى نقص الغذاء، مما يزيد من معدلات سوء التغذية بين النساء الحوامل والمرضعات، وتراجع خدمات تنظيم الأسرة، وصعوبة الوصول إلى المعلومات، وزيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
واقع القطاع الصحي
مرت اليمن منذ عام 2015م بمرحلة تدهور كبير؛ إذ عانى القطاع الصحي من تدهور حادّ في البنية التحتية، هذا التدهور أدّى إلى خروج عدد من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، مما جعلها غير قادرة على تقديم الخدمات الصحية اللازمة للأفراد بسبب نقص التمويل والعاملين، وقلة الإمدادات والمستلزمات، والعجز عن تغطية تكاليف التشغيل.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يحصل 5.5 مليون امرأة وفتاة في سنّ الإنجاب في اليمن على خدمات الصحة الإنجابية بشكل محدود؛ إذ إنّ واحدة فقط من بين كل خمسة مرافق صحية متبقية يمكنها تقديم رعاية الأمهات وحديثي الولادة، كما يُقدر “أنّ تموت امرأة واحدة أثناء الولادة كل ساعتين في اليمن”، وفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2023م.
علاوة على ذلك، تراجعت خدمات تنظيم الأسرة بشكل كبير، ممّا أثّر على قدرة النساء على الوصول إلى وسائل منع الحمل.
في سياق متصل، أشار نجيب غانم في دراسته الصادرة عن مركز أبعاد للدراسات والأبحاث بعنوان: (تحديات القطاع الصحي في الجمهورية اليمنية؛ المواجهة غير المتكافئة) إلى محدودية حصول النساء الحوامل والمرضعات على خدمات الصحة الإنجابية وانعدامها، بما في ذلك الرعاية قبل الولادة وبعدها، ورعاية الطوارئ وقت الولادة، ورعاية الأطفال حديثي الولادة.
صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية
أدّى التدهور الاقتصادي في اليمن إلى تراجع الناتج المحلي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، ممّا جعل العديد من الأسر تواجه تحدياتٍ وصعوباتٍ في توفير الموارد المالية للوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وهذه الظروف زادت من معاناة النساء والأمهات أثناء الحمل والولادة؛ إذ أصبحت العديد منهنّ غير قادرات على الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
ووفقًا لمنظمة الأغذية العالمية، يحتاج 6 ملايين شخص يمني إلى مساعدات إنسانية، مما يجعل اليمن من أكثر البلدان معاناة على مستوى العالم؛ إذ تعاني كثير من الأسر اليمنية من صعوبات كبيرة في توفير الغذاء، مما يؤثر بشكل خطير على ما يقارب 1.5 مليون امرأة حامل ومرضع في البلاد.
تروي أم جنى وضاح، إحدى النساء الحوامل، معاناتها مع سوء التغذية الحاد ونقص الوزن، وهو أحد الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات. تقول أم جنى: “عانيت من مضاعفات صحية أثناء حملي، وكشفت الفحوصات أنني أعاني من سوء التغذية وفقر حادّ في الدم، ممّا أثّر على صحتي وصحة الجنين، ونصحتني الطبيبة بالاهتمام بصحتي وتغذيتي لضمان صحّة الجنين، ولكن الوضع الاقتصادي الذي أمرُّ به أنا وعائلتي بعد تسريح زوجي من عمله كان أكبر عائق لي”.
وأضافت: “أنا وكثير من الأسر نعيش في مستوى معيشي متدنٍ، ولا نستطيع تلبية أكثر الأشياء أهمية”.
ارتفاع تكاليف خدمات الصحة الإنجابية
أشارت تقارير خاصة لمنظمة الصحة العالمية إلى النقص الحاد في خدمات الصحة الإنجابية في اليمن؛ إذ أوضحت أن تكلفة هذه الخدمات، بما في ذلك الرعاية قبل الولادة وبعدها، تجاوزت قدرة العديد من الأسر، كما أن ارتفاع أسعار الأدوية والمكملات الغذائية اللازمة للحوامل قد زاد من معاناة النساء.
تؤثر هذه التكاليف تأثيرًا سلبيًا على صحة النساء الحوامل، مما يضطر العديد منهنّ إلى التخلي عن الرعاية الصحية الروتينية، مما يعرضهنّ لمخاطر صحية كبيرة أثناء الحمل والولادة، ووفقًا لتقارير محلية ودولية، فإنّ نسبة عالية من الوفيات بين الأمهات والأطفال حديثي الولادة تُعزى إلى نقص الرعاية الصحية المناسبة.
تروي حالة ع. م. ع، التي شُخصت بحمل خارج الرحم بعد شهرها الرابع؛ إذ أُجبرت على الإجهاض للحفاظ على سلامتها، ومع ذلك، لم تتمكن من إجراء عملية الإجهاض بسبب تكلفة العملية الباهظة، وظلت حياتها مهددة بالخطر حتى تمكّن زوجها من تدبير المبلغ المطلوب من فاعلي الخير.
تتحدث أم ألين فواد (أم لثلاثة أطفال وتنتظر مولودها الرابع) عن معاناتها قائلة: “لا أستطيع تحمل تكاليف زيارة الطبيب أو شراء الأدوية اللازمة، وأشعر بالقلق على صحة جنيني، لكن لا يوجد خيار أمامي”. تعكس هذه الكلمات الضغوط الكبيرة التي تواجهها العديد من النساء الحوامل في اليمن بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وفي هذا السياق، تشير إحدى القابلات العاملات في مستشفى خاص، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إلى أنّ تكاليف الرعاية الصحية الخاصة بالصحة الإنجابية قد ارتفعت بشكل كبير، وتختلف هذه التكاليف من مرفق إلى آخر؛ فالمرافق الحكومية تقدم خدمات بتكاليف أقل، ولكن هذه التكاليف قد تكون فوق قدرات محدودي الدخل، في حين تقدّم المستشفيات والعيادات الخاصة خدمات بتكاليف باهظة جدًّا.
وتضيف: “تفضل كثير من الحوامل الولادة في المنزل وعلى يد قابلات؛ تجنبًا للتكاليف المرتفعة المفروضة في المراكز والمستشفيات”. وأكّدت أنّ بعض النساء يزُرنَ الطبيب مرة واحدة فقط ولا يمكنهنّ متابعة حالة حملهنّ شهريًا بسبب عجزهنّ عن دفع تكاليف الأدوية والفحوصات اللازمة للحفاظ على صحتهنّ.
وأوضحت أنّ ضعف الرعاية الصحية وانعدامها يؤثر سلبًا على صحة المواليد؛ إذ يولد الأطفال في ظروف غير مستقرة ويعانون من مشاكل صحية عديدة، مثل سوء التغذية والأمراض المعدية.
وفيما يتعلق بالأسباب التي أدّت إلى زيادة تكلفة خدمات الصحة الإنجابية، تشير التقديرات إلى أن اليمن تفتقر إلى نظام صحي متكامل بسبب الصراع القائم، الذي أدّى إلى إغلاق عدد من المراكز نتيجة نقص الموارد والمعدات الطبية والأدوية، كما أسهم التدهور الحاصل في العملة المحلية في ارتفاع أسعار المواد الأساسية المستخدمة في الرعاية الخاصة للأمهات والحوامل.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ اليمن يسجل أحد أعلى معدلات وفيات الأطفال في المنطقة، مما يعكس الحاجة الملحة لتحسين خدمات الصحة الإنجابية، وهذا الوضع يتطلب تدخلات عاجلة من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان توفير الرعاية الصحية الأساسية والمناسبة للنساء والأطفال، وإنّ تحسين صحة الأم والطفل يعد من أولويات التنمية المستدامة، ويتطلب تعزيز الخدمات الصحية، وزيادة الوعي بأهمية الرعاية قبل الولادة وبعدها، وتوفير الموارد اللازمة لدعم الأسر في الحصول على هذه الخدمات الحيوية.
حلول ومعالجات
تؤكد العديد من التقارير الصحفية أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن قد أدّى إلى تحديات وصعوبات كبيرة تؤثر على حياة النساء والأطفال، ومن الضروري اتّخاذ حلول عاجلة لضمان حق النساء في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، والحفاظ على حياة الأمهات والأطفال.
ومن أبرز هذه الحلول تعزيز الخدمات الصحية الإنجابية من قبل الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني عبر تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية، وتوفير الموارد اللازمة، وتدريب الكوادر الطبية، وتوسيع نطاق الخدمات في المناطق الريفية والنائية، وتعزيز الوعي بأهمية الرعاية الصحية للنساء والحوامل عبر تنفيذ برامج التوعية والتثقيف عن الصحة الإنجابية وحقوق النساء، تشمل هذه البرامج جميع الفئات العمرية، وتستهدف المجتمعات المحلية لتغيير المفاهيم الثقافية السلبية.
كما ينبغي العمل على توفير خدمات صحية مجانية أو بأسعار معقولة لضمان إمكانية الوصول إليها، خاصة للفئات الأكثر ضعفًا، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لتوفير المساعدات اللازمة وتحسين الخدمات الصحية.
في الختام، يجب أن تكون الصحة الإنجابية حقًا مكفولًا لكل امرأة، وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل في تضافر الجهود المحلية والدولية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة للنساء والأطفال، مما يسهم في تحسين جودة حياتهم وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.