أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
بعد اندلاع الصراع في اليمن منذ نحو عشر سنوات، تسبب بموجة نزوح كبيرة خصوصًا في المناطق التي تقع على خطوط التماس بين الأطراف المتناحرة أو على مقربة منها، وقد أدّى هذا النزوح إلى تأثيرات واسعة على جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية، خاصة بين الفئات الأكثر هشاشة، ومن بينها النساء اللواتي حُرمنَ من الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية بما فيها الصحة الإنجابية، وفي ظل تدهور البنية التحتية الصحية المتضررة من النزاع الحالي بات الأمر أكثر تعقيدًا.
ولهذا، تواجه النساء النازحات تحديات صحية متعددة تتراوح بين عدم توفر الرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال، إلى جانب تفاقم مشاكل الصحة النفسية والعقلية بسبب الظروف القاسية التي يواجهنها في المخيمات ومناطق النزوح التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ومع كل هذه الصعوبات، توجد جهود حثيثة من قبل المنظمات الدولية والجهات المانحة، بالتعاون مع الجهات الرسمية، لتحسين أوضاع الصحة الإنجابية للنساء النازحات، التي تشمل: توفير الرعاية الصحية الأساسية، وتعزيز التوعية عن أهمية الصحة الإنجابية، وتحسين بيئة المخيمات، بما يسهم في تقليل المخاطر الصحية على هذه الفئات الهشة، وخصوصًا النساء والفتيات اللاتي يُعددْنَ من بين الأكثر تضررًا.
تقارير دولية
ذكر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2024م أنّ هناك ما يقدر بـ 18 مليون من السكان في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أكثر من نصف العدد من الفتيات والنساء، كما تشكل النساء والأطفال نحو 80% من 4.5 مليون نازح داخل اليمن.
كما أشار الصندوق في تقرير آخر له في فبراير 2023م إلى أنّ هناك أكثر من 12,6 مليون من النساء في اليمن بحاجة إلى خدمات الحماية والصحة الإنجابية المنقذة للحياة.
وفي تغريدة حديثة على منصة (إكس) نشرها الصندوق في أكتوبر 2024م، أكد أنّ الصندوق ومنذ بداية عام 2024م وصلت خدماته إلى أكثر من (19,256) ألف امرأة وفتاة، وذلك في إطار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وصندوق الطوارئ المركزي، كما عمل (12) فريقًا متنقلًا على إيصال خدمات الصحة الإنجابية المنقذة لحياة النساء اليمنيات في المناطق النائية ومخيمات النزوح التي يصعب وصول الخدمات الطبية إليها، لبعدها عن المستشفيات الكبيرة والمتخصصة.
وبالصدد ذاته، أوضح تقرير للأمم المتحدة في مارس 2020م أنّ الصراع تسبب بنزوح كثير من العوائل؛ إذ تشكل نسبة النساء والأطفال ما يقارب (76٪) من إجمالي النازحين، ونشرت الأمم المتحدة عبر جهاتها المختصة فرقها المتنقلة لتقديم الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية، وقد استفادت أكثر من (4400) امرأة نازحة في مخيم النزوح بمأرب لرعاية الصحة الإنجابية الأساسية، وذلك وفق ما أشار إليه التقرير الذي يحمل عنوان “اليمن: مع اشتداد الأزمة الإنسانية، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية يوفر صندوق الأمم المتحدة للسكان احتياجات النساء وخاصة النازحات”.
الآثار الصحية
ممثلة اللجنة المجتمعية في مخيم النزوح بتعز، وطبيبة نساء وولادة، الدكتورة ارتزاق بجاش تسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجه النساء والفتيات في مخيمات النزوح بتعز؛ إذ تشير إلى أنّ هناك العديد من الآثار الصحية التي تؤثر على النساء والفتيات في مخيمات النزوح، ومنها الصحة الإنجابية، فقد تسبب النزوح بالعديد من الصعوبات للنساء أبرزها: ضعف الجانب المادي أو غيابه، وفقدان المأوى، وظروف المعيشة الصعبة.
وأوضحت أنّ كثيرًا من النساء النازحات يعِشنَ في خيام مكونة من (الطرابيل) التي لا تقيهم من الأمطار، إضافة إلى أنّ المخيم غير آمن للسكن، وقد أصبحت المرأة النازحة عرضة لكثير من المخاطر؛ منها العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب نقص الخدمات الصحية الأساسية والمستلزمات الضرورية؛ كالماء والصابون والفوط الصحية، التي أدّت إلى تدهور الحالة النفسية والجسدية للنساء، وحدّت من جودة الرعاية الإنجابية المتاحة.
وترى الدكتورة ارتزاق أن تحسين الصحة الإنجابية في هذه الظروف يتطلب دعمًا مكثفًا من المنظمات المانحة، لضمان توفير مرافق صحية، وتأمين الأدوية الضرورية، وتزويد المخيمات بمختصين للرعاية الصحية، خاصة للنساء الحوامل اللواتي يُعددنَ من الفئات الأكثر عرضة للأمراض والمخاطر.
تلفت النظر الدكتورة إلى التحديات الصحية التي تواجهها الفتيات في سنِّ البلوغ في مخيمات النزوح؛ إذ تؤدي الضغوط النفسية وعدم الأمان المستمر إلى تفاقم المشاكل الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية. وأشارت إلى أن النقص في المرافق الصحية يزيد من صعوبة الوضع؛ إذ تحتاج الفتيات إلى خدمات صحية تدعمهنّ في هذه المرحلة الحساسة من حياتهنّ.
وأضافت: “أن النساء النازحات يعانينَ من تحديات صحية تمتد من الدورة الشهرية إلى الحمل؛ إذ تكون حالات الولادة المتعسرة شائعة بسبب نقص الرعاية الطبية، مما يشكل تهديدًا كبيرًا لحياة الأمهات وأطفالهنّ، وبناءً على ذلك، تؤكد الدكتورة ضرورة تكثيف جهود توفير المرافق الصحية، وتقديم الرعاية الشاملة للنساء والفتيات في هذه الظروف الصعبة”.
في السياق ذاته، تشير الدكتورة نبيلة العيال، مديرة الصحة الإنجابية بمكتب وزارة الصحة بمحافظة مأرب، إلى أنّ النساء والفتيات النازحات في مخيمات مأرب يعانينَ من نقص الرعاية الصحية الأساسية والخدمات الطبية والإنجابية؛ إذ تتعرض النساء والفتيات لمخاطر صحية جسيمة، كما أنّ الظروف الصحية المتدهورة تزيد من مخاطر الزواج والحمل في سنٍّ مبكرة، بالإضافة إلى تحديات الولادة الآمنة وسوء التغذية وانتشار الأمراض المعدية، وتعاني النساء من صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية، نظرًا لقلة المرافق الطبية القريبة، وندرة وسائل النقل العام، فضلًا عن نقص الكوادر الطبية المدربة داخل المخيمات.
الدكتورة نبيلة العيال تؤكد أنّ محافظة مأرب تُعدُّ من أكثر المحافظات استقبالًا للنازحين في اليمن؛ إذ تضم أكثر من 203 مخيمات تؤوي أكثر من 68,000 عائلة نازحة، وتعاني هذه المخيمات من نقص شديد في الخدمات الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية والصحة الإنجابية، ما يؤدي إلى معاناة كبيرة للنساء الحوامل، وخاصة أثناء الولادة، وقد يواجهنَ مضاعفات صحية خطيرة قد تهدد حياتهنّ وحياة مواليدهنّ، وتؤدي في حالات عديدة إلى الوفيات أو إعاقات أو مشاكل صحية دائمة.
وبحسب الوحدة التنفيذية للنازحين، بلغ عدد النازحين في حضرموت نحو 66,000 نازح من مختلف المحافظات اليمنية، حتى عام 2023م، وتحتاج النساء النازحات إلى خدمات صحية متعددة، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات، وهي خدمات أساسية للمحافظة على صحة الأم والطفل، وعلى الرغم من أنّ هذه الخدمات متوفرة في المراكز الصحية العامة، فإنّ المخيمات تفتقر إليها بشكل كبير، مما يزيد من معاناة النساء ويحدُّ من الخيارات الصحية المتاحة لهنّ في ظروف النزوح الصعبة.
قصص من المخيمات
الدكتورة ارتزاق بجاش، ممثلة اللجنة المجتمعية في مخيم النزوح بتعز، أوضحت لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” أنّ الطفلة منال وُلدت بتشوهات خلقية نتيجة نقص الخدمات الصحية والرعاية الإنجابية في المخيمات؛ إذ إنّ والدتها عانت من مضاعفات متعددة، مثل ضعف الدم، وسوء التغذية، وبعض من الآلام المصاحبة لها مدّة الحمل، مما أثّر سلبًا على حالة منال الصحية، ورغم حاجتها إلى مراجعة طبية دورية بعد إجراء عملية قسطرة دماغية، فإنّ وضع العائلة الاقتصادي والمعيشي يحول دون توفير هذه الرعاية، ممّا فاقم من صعوبة وضعها الصحي.
التحديات ومعالجات
الدكتورة ارتزاق بجاش توضح أنّ النساء في مخيمات النزوح بتعز يواجهنَ تحديات كبيرة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية، بدءًا من نقص الغذاء الكافي أثناء الحمل والولادة، وحتى انعدام الرعاية الطبية المتكررة، بسبب الظروف المادية الصعبة، كما تواجه الأمهات صعوبة في الذهاب للمراكز الصحية المتخصصة للمعاينة، كما أنّ الأطفال حديثي الولادة يفتقرون إلى الحضانة والرعاية الخاصة في المخيمات، مما يعرضهم لمخاطر صحية مستقبلية.
واسترسلت في حديثها قائلة: “وتعد المخيمات أماكن غير مهيأة للطفل الحديث الولادة؛ إذ يتعرض لعدة مخاطر قد تسبب له مضاعفات مستقبلية، ويحتاج أثناء الولادة إلى حضانة وعناية خاصة، ألّا أنّ ذلك لن يكون متوفرًا بالشكل السليم في مخيمات النزوح.
وأشارت إلى أنّ اللجنة المجتمعية تعمل على تنفيذ مبادرات توعوية تشمل: التثقيف الصحي في الصحة الإنجابية والإسعافات الأولية، إضافة إلى تشجيع النساء على الاهتمام بالنظافة الشخصية والعناية بالأطفال أثناء الولادة وبعدها؛ لتحسين ظروفهم الصحية.
الدكتورة نبيلة العيال تشير إلى أن التحديات الصحية التي تواجه المرأة النازحة تتجاوز نقص الخدمات الطبية، لتشمل -أيضًا- تحديات بيئية واجتماعية معقدة، فبالإضافة إلى الازدحام، وبُعد المخيمات عن المرافق الصحية، وتعاني النساء من ضعف الحصول على التغذية المناسبة، خاصة للأم الحامل والمرضعة، وانتشار الأمراض والأوبئة، وغلاء المعيشة، إلى جانب السكن غير الصحي، وضعف الوعي الصحي.
في الختام، تواجه المرأة النازحة في اليمن تحديات جسيمة تؤثر بشكل مباشر على صحتها الإنجابية بسبب البيئة القاسية في المخيمات، ولا يكفي توفير الخدمات الطبية وحدها، بل هناك حاجة إلى تدخلات شاملة تتناول الجوانب النفسية والاجتماعية، وتؤمّن حقوق المرأة النازحة وتدعمها في مواجهة هذه الظروف، وإنّ تحسين الظروف الصحية للنساء في مخيمات النزوح، سواء عن طريق جهود الجهات الرسمية أو المنظمات المتخصصة، يعدُّ أملًا للنساء النازحات وسط تحديات النزاع الطويل الذي أنهك المجتمع اليمني.