هبة محمدالمرأة في التنمية والسلام

في ظل التحديات الهائلة التي تواجه المرأة اليمنية، تتجلى أهمية دور المؤسسات النسوية في تعزيز الصحة الإنجابية كمحور أساسي للتنمية والاستقرار الاجتماعي، ويعدُّ تحقيق الصحة الإنجابية الجيدة للمرأة في اليمن تحدِّيًا كبيرًا؛ إذ تناضل هذه المؤسسات يوميًّا من أجل تقديم الخدمات الضرورية رغم العقبات الكبيرة التي تواجهها.

نتعرف في هذا التقرير على الواقع المعقّد الذي تعيشه المؤسسات النسوية في اليمن، مواجهةً تلك التحديات، وضعف الأدوار المتناقضة مع الطموحات العظيمة، وكيف تتعامل تلك المؤسسات مع هذا الواقع، وكيف تحاول الوقوف بقوة وإبداع في تعزيز الوعي، وتقديم الدعم للنساء في مجال الصحة الإنجابية في اليمن.

 

المؤسسات النسوية وخدمات الصحة الإنجابية

في مسعى لتعزيز الحقوق الصحية للمرأة في اليمن، تبرز دور الكيانات والمؤسسات النسوية كشريك أساسي في تسليط الضوء على أهمية الخدمات الصحية المتعلقة بالصحة الإنجابية، ممَّا يُسهم في تقديم الدعم الضروري والتوعية لتعزيز صحة المرأة ورفاهيتها في هذا السياق.

تقول الدكتورة ميادة فيصل، مستشار المنح والشراكات والأبحاث في المؤسسة الطبية الميدانية: “تلعب المؤسسات النسوية في اليمن دورًا محوريًّا في تسليط الضوء على واقع الرعاية الصحية للمرأة، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء في الحصول على خدمات صحية شاملة ومناسبة، وتعمل على تعزيز الوعي بحقوق المرأة الصحية، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية والأمومة الآمنة، كما تسعى إلى تقليص الفجوة في توفير هذه الخدمات في المناطق الريفية والمحرومة، عن طريق تنظيم حملات توعية، وتقديم الدعم المباشر، والمناصرة أمام الجهات الحكومية والدولية”.

وأشارت إلى أنّ المؤسسات النسوية تُسهم في تحسين وصول النساء إلى الرعاية الصحية اللازمة، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها اليمن؛ من نزاعات مسلحة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والبنية التحتية الصحية.

وأضافت: “تلعب هذه المؤسسات دورًا مهمًّا في دعم النساء المتأثرات بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، بتوفير خدمات الصحة النفسية والرعاية الطبية المتخصصة، ممَّا يعزز من قدرة النساء على الصمود والإسهام في تنمية المجتمع”.

وأكدت أيضًا أنّ المؤسسات النسوية في اليمن تلعب دورًا حيويًّا في تمكين المرأة، وتعزيز حقوقها الصحية، بتوفير منصات للدفاع عن حقوق النساء، وإيصال أصواتهنّ إلى صانعي القرار، كما تسعى إلى تمكين المرأة عن طريق التثقيف والتدريب على حقوقها الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، وتنظيم الأسرة، وتوفير المعلومات والموارد التي تتيح للنساء اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهنّ.

من جهتها أيضًا تقول صباح الظافري، رئيسة جمعية القابلات اليمنيات: “إنّ هناك كثيرًا من المؤسسات النسوية توقّفت عن تنفيذ المشاريع والأنشطة والبرامج الخاصة بالصحة الإنجابية في اليمن، بسبب تحديات وعراقيل كبيرة حالت دون استمرار نشاطها، وهذا ما حصل لجمعية القابلات اليمنيات، التي توقفت كل أنشطتها الصحية منذ بداية الصراع”.

 

أنشطة المؤسسات النسوية وبرامجها

“تعني المؤسسة الطبية الميدانية بشكل كبير بقضايا المرأة وتمكينها في المجتمع، والمساواة بينها وبين الرجل في الحصول على الخدمات المتنوعة، والتمكين الاجتماعي والاقتصادي، ولقد حددت المؤسسة في خطتها الإستراتيجية السابقة (2018-2022م) والحالية (2023-2027م) هدفًا إستراتيجيًّا يخص تمكين المرأة؛ إذ تسعى المؤسسة إلى تحقيق هذا الهدف، عن طريق تحريك الموارد وصياغة السياسات الداخلية للمؤسسة بما يخدم هذا الهدف الإستراتيجي”، وذلك وفقًا للدكتورة ميادة.

كما ذكرت ميادة مجموعة من الأنشطة والبرامج التي نفذتها المؤسسة في مجال الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل، منها تقديم خدمات الصحة الإنجابية للأمهات الحوامل والمرضعات، عبر مشاريعها الصحية بشكل عام، ومشاريع الصحة الانجابية بشكل خاص، عن طريق دعم المرافق الصحية الحكومية بميزانيات تشغيلية، وحوافز للعاملين الصحيين، واستقطاب مختصّين للعمل في المناطق النائية، وتوفير الأدوية والأجهزة والمعدات التي تسهم في استمرار عمل المرافق الصحية.

كما أشارت إلى أنّ المؤسسة نفذت تنظيم حملات توعية بشأن أهمية الصحة الإنجابية عبر متطوعي صحة المجتمع؛ إذ إنّ أغلبهم من النساء، وكذا عبر الشباب والشابات المتطوعين لدى المؤسسة، وعبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام.

وبيّنت أنّ المؤسسة حرصت على اتّباع الأفكار الإبداعية، عبر تأسيس غرفة مؤهلة لتقديم حوارات (بودكاست) مجتمعية وصحية وتغذوية مع المتخصصين والقادة المجتمعيين، وعرضها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأردفت أنّ المؤسسة قدّمت دعمًا للعيادات المتنقلة لتقديم خدمات صحية وتغذوية شاملة، بما فيها خدمات الصحة الإنجابية في المناطق النائية؛ إذ تحرص المؤسسة على وجود عناصر نسائية ضمن موظفي العيادات؛ لضمان تقديم الخدمة بنجاح للنساء والفتيات، وعملت على تدريب العاملين في القطاع الصحي لتحسين جودة الخدمات المقدمة، مع مراعات المساواة بين الجنسين.

فيما شاركت أيضًا ليلى الفقيه، رئيسة مؤسسة أجيال بلا قات التنموية، بالقول: “تسعى منظمة أجيال بلا قات للتوعية والتنمية إلى تعزيز الصحة الإنجابية للنساء، عبر مجموعة شاملة من الأنشطة والبرامج التي تهدف إلى توعية المجتمع بشأن أهمية الصحة الإنجابية، خاصة في مُدد الحمل والولادة”.

وتواصل: “عن طريق حملات التوعية المستهدفة في مخيمات النازحين والمجتمعات المضيفة في عدة محافظات، نسعى لتسليط الضوء على أهمية الرعاية الصحية الإنجابية، كما نسعى -أيضًا- إلى توفير المعدات الطبية اللازمة التي تعزز الصحة الإنجابية في المناطق المستهدفة، مثل مديرية الصلو، ومديرية المظفر، والقاهرة في محافظة تعز”.

وتضيف: “نعمل على بناء وحدات صحية متخصصة، وتجهيز غرف الولادة لخدمة النساء والفتيات المهمشات، كما ننظم ورش العمل والندوات التوعوية التي تسلط الضوء على أهمية حماية المرأة والطفل، بما في ذلك الصحة الإنجابية”.

من جهتها أيضًا أشارت الدكتورة حميدة زايد، مدير عام الإدارة العامة للمرأة والشباب، ورئيسة مؤسسة (نبض المرأة للإغاثة الإنسانية ــــ عدن) إلى أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان يعدُّ شريكًا أساسيًّا في توفير خدمات الصحة الإنجابية، بتوفير فرق طبية وعيادات متنقلة لضمان ولادة آمنة للمرأة، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة، وذلك لتقليل وفيات الأمهات التي زادت بعد الصراعات.

وأكدت ضرورة تفعيل نشر الوعي الصحي وسط الأمهات والحوامل؛ لتقليل مضاعفات الحمل، عبر المؤسسات النسوية في اليمن، التي لها دور كبير في تمكين المرأة في المجتمع من النواحي كافة، بما في ذلك النواحي الصحية.

وذكرت أنّ مؤسسة (نبض المرأة للإغاثة الإنسانية) تسعى دائمًا لرفع المستوى الصحي والثقافي والعلمي لدى النساء وبشكل دائم، عبر تنفيذ محاضرات علمية ودورات تدريبية في مجال الإسعافات الأولية، كما تطمح المؤسسة لعمل دورات تدريبية للفتيات خريجات الثانوية في برنامج القبالة في توليد المرأة في المنازل، وذلك وفق الإمكانيات المتاحة، ومتى يتطلب الأمر نقل الحالة إلى المستشفى.

 

نتائج ملموسة

عن النتائج التي وصلت إليها بعض المؤسسات النسوية في جهودها نحو تعزيز خدمات الصحة الإنجابية للمرأة، أشارت الدكتورة ميادة إلى أنّ مؤسسة المدينة الطبية قدّمت خدمات تكاملية في المناطق المستهدفة لمشاريع المؤسسة، التي تشمل: خدمات صحية، وتغذية، وحماية في عدة محافظات.

وتكمل: “أنّ تحسين جودة الخدمات المقدّمة في المرافق الصحية المحلية، والحدّ من الأمراض المرتبطة بالصحة الإنجابية، وتقليل معدل وفيات الأمهات ووفيات الأطفال، وتعزيز خدمات التغذية للأم والطفل، بما في ذلك الرضاعة الطبيعية – تعدُّ من أهداف المؤسسة، كما قامت بإنشاء زوايا لتقديم المشورة بشأن الرضاعة الطبيعية وتغذية الأطفال”.

وأكدت أنّ من النتائج لتلك الجهود المبذولة هو دعم تنفيذ مبادرات تقديم المشورة من أُمٍّ إلى أُمٍّ، عبر المشاريع الصحية والصحة الإنجابية والتغذوية، أيضًا دعم تنفيذ مبادرات تقديم المشورة بين الآباء لدعم وصول المرأة للخدمات.

أيضًا تشير الفقيه بالقول: “بالتأكيد، لعبت الجهود التي قمنا بتنفيذها بالتعاون مع المؤسسات الأخرى دورًا كبيرًا في زيادة الوعي بأهمية الصحة الإنجابية في المجتمعات المحلية، تمثلت هذه الجهود في تحسين الخدمات المقدّمة للنساء في المناطق المستهدفة، ممَّا أسهم في تقليل معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال”.

ولفتت إلى أنّه عن طريق تنظيم ورش العمل والندوات بحضور النساء والسلطة المحلية والمؤثرين في المجتمع، تمكنت المؤسسة من تمكين النساء للمشاركة في اتّخاذ القرارات المتعلقة بالصحة الإنجابية، وحماية النساء والأطفال.

 

تحدّيات 

تواجه المؤسسات النسوية في اليمن العديد من التحديات في نشر الوعي بشأن الصحة الإنجابية، وذلك بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة في البلاد.

ذكرت الدكتورة ميادة أحد أهم أبرز تلك التحديات وهي: ضعف البنية التحتية الصحية؛ إذ تفتقر العديد من المناطق الريفية إلى المراكز الصحية المؤهلة والخدمات الصّحية الأساسية، ممَّا يحدُّ من وصول النساء إلى المعلومات والرعاية الصحية الإنجابية.

وأضافت: “أنّ شحة الكادر المؤهل في المناطق الريفية نتيجة نقص الموارد والتمويل يعدُّ تحدّيًا كبيرًا، بالإضافة إلى ذلك، تعوق العادات والتقاليد المجتمعية، التي غالبًا ما تعدُّ مواضيع الصحة الإنجابية من المحرمات، جهود المؤسسات النسوية في نشر الوعي؛ إذ تتردّد بعض العائلات في مناقشة هذه المواضيع، أو السماح للنساء بالاستفادة من هذه الخدمات”.

فيما أضافت الظافري: “يؤثّر نقص التمويل والدعم الدولي والمحلي في قدرة هذه المؤسسات على الوصول إلى جميع المناطق المستهدفة، وتوفير برامج مستدامة، وعلاوة على ذلك، يشكل الصراع المستمر في اليمن تحدّيًا إضافيًّا؛ إذ تتسبب النزاعات في تدهور الأمن وزيادة عدد النازحين، ممَّا يصعب على المؤسسات الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والفتيات في مناطق النزاع”.

وأوضحت أنّه على الرغم من هذه التحديات، تواصل المؤسسات النسوية العمل بشغف، وجهود كبيرة للتغلب على هذه الحواجز ونشر الوعي بشأن أهمية الصحة الإنجابية.

وذكرت الفقيه أحد أهم التحديات التي تواجه مؤسسة أجيال بلا قات التنموية، المتمثلة في نقص التمويل للمجتمع المدني المتعلق بحماية النساء والفتيات، ومنها الصحة الإنجابية، وهذا بدوره يؤثر في استمرارية الأنشطة والبرامج والخدمات الصحية التي تقدّم للنساء والفتيات.

 

حلول ومقترحات

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها اليمن، تبرز الحاجة الملحة لتحسين الرعاية الصحية للأم والطفل وخدمات الصحة الإنجابية، التي تُعدّ من الركائز الأساسية لضمان صحة المجتمع، ويتطلب هذا الأمر جهودًا جماعية وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة، والمنظمات، والمجتمع المحلي.

وتشارك الظافري بالقول: “عن طريق تنفيذ الحلول والمقترحات الفعّالة، يمكننا أن نخطو خطوات كبيرة نحو تحسين صحة الأمهات والأطفال لضمان حصولهنّ على الرعاية الصحية اللازمة، وأنّ استثمارنا في القابلات يُعدُّ استثمارًا في صحة النساء ومصلحة المجتمع بأسره”.

وتكمل: “يجب تصميم برامج تدريبية شاملة تؤهل القابلات وفقًا لمعايير الممارسة الدولية، وينبغي أن تكون مدّة التدريب مناسبة، مع التركيز على المهارات العملية والنظرية، ويجب أن تتضمن هذه البرامج محاور تتعلق بالصحة النفسية والاجتماعية للنساء، ومن الضروري تقديم دورات تنشيطية دورية للقابلات، سواء العاملات أو غير العاملات، لتحديث معلوماتهنّ ومهاراتهنّ”.

وتؤكد أنّ مشكلة البطالة بين القابلات المؤهلات من أكبر التحديات التي تواجه خدمات رعاية الأُمّ والطفل، لذا وجب تدخل الحكومة والمرافق الصحية في العمل على توفير وظائف للقابلات المؤهلات، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي تفتقر إلى الخدمات الصحية، وتقديم حوافز مالية لهنّ للعمل في هذه المناطق، ممَّا يشجعهنّ على تقديم خدماتهنّ، ويعزز من وجودهنّ في المجتمعات المحتاجة.

ولفتت إلى ضرورة إنشاء مراكز تُقدِّم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء الحوامل والأمهات الجدد؛ لمساعدتهنّ في التعامل مع التحديات التي يوجهنَها، والتي ستساعد في تعزيز الصحة النفسية للأمهات، خاصة المصابات بالناسور الولادي، أو المتضررات من الصراع.

وأشارت الدكتورة ميادة إلى أنّ من الضروري دمج حملات توعية بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي مع برامج الصحة الإنجابية، لضمان تقديم الدعم الشامل للنساء المتأثرات بالعنف، وتعزيز وصولهنّ إلى الرعاية الصحية المناسبة.

وذكرت أنّ إنشاء فرق صحية متنقلة، وبرامج توعية مجتمعية تستهدف المناطق الريفية والمحرومة، ستسهم في وصول المعلومات والخدمات إلى النساء والفتيات اللواتي لا يستطعنَ الوصول إلى المراكز الصحية بسبب البعد الجغرافي أو الظروف الأمنية.