حنان حسين – المرأة في التنمية والسلام
تعدُّ الصحة الإنجابية إحدى القضايا الأساسية التي تؤثر مباشرة على صحة المرأة ودورها الفعّال داخل الأسرة والمجتمع، إلى جانب أهميتها في ضمان إنجاب أطفال يتمتعون بالصحة، ومع ذلك، تواجه النساء تحديات كبيرة في الحصول على خدمات الصحة الإنجابية الكافية، لا سيّما في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها اليمن.
في هذا التقرير، سعينا إلى استكشاف آراء المجتمع عن أهمية برامج الصحة الإنجابية والخدمات المقدمة في هذا المجال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التحديات التي تعترض هذه الخدمات، وآثار تردّي الوضع الصحي الإنجابي على المرأة والأسرة والمجتمع بشكل عام في اليمن.
أسعار غالية
أشارت الدكتورة منيرة عبد الله، المتخصصة في طب النساء والتوليد، إلى أنّ الفقر وضعف الحالة الاقتصادية للزوج من العوامل التي تمنع المرأة من متابعة حملها بشكل سليم. وأوضحت قائلة: “غالبًا ما تتراجع النساء عن متابعة العلاج بسبب عدم توفر المال الكافي، وغياب الوعي الكامل بأهمية المتابعة والالتزام بتوصيات الطبيبة المختصة”.
وأوضحت (أم حسن)، وهي إحدى العملاء في إحدى الصيدليات، ضرورة فرض رقابة صارمة من الجهات المعنية على الصيدليات فيما يتعلق ببيع الأدوية. وقالت: “لا بُدَّ من وجود رقابة على الصيدليات عند بيعها للأدوية؛ فبعد انعدام بعض المستلزمات من المراكز، اضطررت، رغم وضعي الاقتصادي الصعب، إلى الذهاب إلى الصيدلية لشرائها، وهذا ما قد يجعلني أتراجع مستقبلًا عن زيارة المراكز، خاصة أننا لا نملك دخلًا ثابتًا”.
وتابعت قائلة: “أجد، كغيري من المواطنين، أنّ هناك صيدليات تفتقر للضمير وترفع الأسعار بلا رقابة، مستغلة حالة الصراع، فقد أشتري دواءً بمبلغ معين وأجده في صيدليات أخرى بسعر مختلف، وهذه مشكلة تحتاج إلى معالجة”.
تجارب سابقة ومضاعفات خطرة
تؤكد نجوى ياسين، وهي حامل في الثلاثين من عمرها، أنّ تأثير الأمهات والجدات لا يزال قويًّا على بعض النساء الحوامل؛ إذ يكررنَ مقولات مثل: “هذا ما وجدنا عليه أمهاتنا”، مما يدفع بعضهنّ لعدم الالتزام بنصائح الطبيبة.
وأوضحت نجوى أنّ بعضهنّ ما زال يشجع على الولادة في المنزل دون إشراف طبي أو أدوات معقمة، ممّا يعرض الأم والمولود لمخاطر كبيرة. وأضافت: “لا بُدّ من اتّباع أساليب حديثة وتوفير أدوات معقمة لتجنب هذه المخاطر على الأم والمولود”.
من جهة أخرى، تحدثت ليلى عبد الرحمن، البالغة من العمر 24 عامًا، عن تجربتها في متابعة صحتها الإنجابية، مشيرة إلى أنّ هذه المتابعة منحتها شعورًا بالأمان طوال مدّة الحمل. وأكدت أنّ التزامها بالمراجعات الطبية ساعدها على تجنب المخاطر التي واجهتها بعض صديقاتها، اللواتي لم يكنَّ يعتنين بمتابعة صحتهنّ، ممّا أدّى ببعضهنّ إلى مضاعفات خطيرة كادت تصل إلى استئصال الرحم.
وفي السياق ذاته، تروي نسيم علي (أم حامل) تجربتها مع الحمل الثاني؛ إذ تقول: “بسبب الحملات الإعلامية في الراديو، تشجعت لمتابعة الطبيبة بانتظام حملي الثاني، مما ساعدني على تجنب المضاعفات التي واجهتها في حملي الأول”.
وتضيف: “هناك فرق كبير؛ ففي هذا الحمل تابعت الطبيبة بانتظام، وعرفت ما يجب تجنبه وما هو مسموح، على عكس حملي الأول، حين لم أكن على دراية كافية، وكان شعوري بالتعب أكبر بكثير”.
الخدمات المقدمة وتأثيرها
وعن أبرز الخدمات التي تقدّمها مراكز الصحة الإنجابية، أشارت نور يوسف (ممرضة في مستشفى متخصص بالأم والطفل) إلى أنّ الخدمات تشمل تقديم المشورة الطبية، ومتابعة صحة الأم والطفل، وتحديد مواعيد الولادة، وتقديم نصائح في التغذية، إضافة إلى رعاية الأم من لحظة الحمل حتى الولادة.
من جانبها، تروي أم يوسف (ربة منزل) تجربتها قائلة: “عندما تزوجت، كان أول ما قمت به هو البحث عن كيفية تنظيم الحمل، وتوجهت إلى المستشفى واستفدت من إرشادات الطبيبة المتخصصة، التي أرشدتني إلى كيفية التخطيط المناسب لأطفالي حتى أتمكن من تلبية احتياجاتهم بشكل يناسب وضعي”. وأكدت أهمية هذا التنظيم قائلة: “هذا الأمر مهم للغاية”.
وأشارت أم يوسف إلى تجربة جارتها، قائلة: “إنّ أطفالها جاءوا بشكل متتابع، مما أثّر سلبًا على صحتها وقدرتها على تربيتهم، وتوفير احتياجاتهم، وعلّقت: “هذا هو الأثر السلبي لعدم الوعي بأهمية المتابعة والصحة النفسية”.
تردي الخدمات
تروي سوسن يحيى (أم حديثة) تجربتها مع الحمل والولادة في ظل تردّي الخدمات الصحية، قائلة: “إنّ ضعف مستوى الخدمات في بعض المراكز دفعها منذ الشهر الرابع إلى البحث عن مستشفى يضمن ولادة آمنة بعيدة عن المخاطر الناتجة من الإهمال وسوء النظافة والتعقيم”. وتضيف: “بعد وفاة زوجة أخي بسبب تلوث في عمليتها القيصرية وإصابتها بفيروس خطير أدّى إلى وفاتها، أصابني الخوف من الحمل والولادة لمدّة طويلة، ولكن مع إصرار زوجي على رغبته في إنجاب طفل، بدأت في البحث المكثف عبر أخواتي وصديقاتي عن طبيبة متخصصة وموثوقة لمتابعتي، ومستشفى أكون مطمئنة لنظافته وقدرته على إجراء ولادة آمنة”.
من جهتها، توضح جميلة مسعد (مقدمة الخدمة والمشرفة على صحة الأم والوليد في أحد المراكز التخصصية) أنّ الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن نتيجة الصراعات والأزمات المتتالية أدت إلى انقطاع بعض الأدوية الخاصة بتنظيم الحمل، مما صعّب الحصول عليها حتى بالشراء، فضلًا عن عدم توفر الدعم اللازم من المنظمات. وتضيف: “هذا النقص تسبب في ظهور بعض المشكلات لدى بعض الحالات”.
تضيف: “أنّ الصراع الدائر في اليمن أدّى إلى تزايد حالات الحمل في ظروف صحية غير مناسبة لبعض النساء، واللاتي لم يستطعنَ منع الحمل أو التمتع بمتابعة صحية مستمرة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية؛ إذ شكلت النزاعات المسلحة عائقًا كبيرًا أمام الحركة، وخاصةً للنساء اللواتي يقطنّ في مناطق نائية، مما جعل المسافة الطويلة تحدّيًا إضافيًّا”.
وتوضح أن تردي الوضع الاقتصادي أسهم في انخفاض مستوى المعيشة إلى ما دون خط الفقر، مما حال دون تمكن العديد من النساء من الحصول على الدعم اللازم والرعاية الصحية المطلوبة.
وأشارت إلى أنّ انعدام دعم المنظمات للمواد والأدوية الضرورية التي كانت تتوفر سابقًا سبّب أزمة كبيرة في مراكز الصحة الإنجابية. ومع ذلك، ذكرت أنه نهاية العام 2024م وُفّرت بعض الوسائل، في حين لا تزال بعض المواد الأخرى غير متوفرة لأسباب غير معلنة.
وفي السياق ذاته، أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن (UNFPA Yemen) تقريره لعام 2024م، الذي أشار إلى الأثر المدمر للصراع على نظام الرعاية الصحية في اليمن، وذكر التقرير أنّ ما يقارب 5.5 مليون امرأة في سن الإنجاب، بما في ذلك الحوامل والمرضعات، خصوصًا في المديريات الريفية والقريبة من خطوط المواجهة، يواجهنَ تحديات كبيرة في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية.
وأوضح التقرير أيضًا أنّ أقلّ من نصف الولادات تكون بمساعدة طواقم طبية مؤهلة، وأنّ ولادة واحدة فقط من كل ثلاث ولادات تحدث في مرافق صحية، ويرجع ذلك إلى النقص الحاد في الأدوية والإمدادات الصحية الأساسية، إضافة إلى النقص الكبير في الكوادر المتخصصة.
أهم المعالجات
تتحدث الدكتورة منيرة عبدالله عن المقترحات والمعالجات اللازمة لتطوير مراكز الصحة الإنجابية ودعمها، مشيرة إلى أهمية زيادة الوعي بضرورة وجود هذه المراكز الطبية، وتؤكد ضرورة دعمها وتطويرها، وتأهيل العاملين فيها للحصول على معرفة الأدوية الحديثة، وأهمية تكثيف الوعي لدى الزوج والزوجة بشأن الصحة الإنجابية وأهمية المتابعة الطبية.
وتقول: “يجب أن يكون لدى المجتمع وعي بضرورة حصول الأم الحامل على متابعة شهرية، وإذا لزم الأمر، أسبوعية، لتفادي المخاطر المرتبطة بمدّة الحمل، وأخيرًا، يجب أن نُدرك قيمة الحصول على طفل جديد كنعمة يجب الحفاظ عليها والعناية بها من جميع النواحي”.
من جانبها، تشير جميلة مسعد إلى أنّ أبرز المعالجات تتمثل في توفير الدعم والمساندة للحصول على الوسائل والأدوية الضرورية التي تساعد على الحفاظ على صحة المرأة وطفلها، وتنظيم الحمل، مما يسهم في تأهيل الطفل وتربيته بشكل جيد، بالإضافة إلى الاستعداد النفسي والعملي لإنجاب أطفال آخرين في المستقبل.
وختامًا، توضح هذه الآراء الحاجة الملحّة لتبني إستراتيجيات شاملة لتحسين خدمات الصحة الإنجابية، مما يعزّز من صحة الأم والطفل، ويخفف من الأعباء المرتبطة بالحمل والولادة؛ إذ تعد الصحة الإنجابية حقًا أساسيًا لكل امرأة، إلا أنّ النساء في اليمن يواجهنَ تحديات كبيرة في الوصول إلى هذه الخدمات الضرورية، تتراوح بين الصعوبات المجتمعية والأمنية. ومع ذلك، من الضروري اتخاذ خطوات فعّالة لتفادي أي أضرار قد تلحق بالأجيال المستقبلية من أبناء اليمن.
ويتطلب ذلك تضافر الجهود من قبل الجهات المعنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، لتوفير الخدمات الصحية اللازمة، وتعزيز الوعي بأهمية الصحة الإنجابية، والعمل على تغيير السلوكيات السلبية المحيطة بهذا الموضوع عن طريق برامج توعوية شاملة تصل إلى شرائح المجتمع كافة، وإذا تحققت هذه الأهداف، نأمل أن نشهد أمهات المستقبل يواجهنَ تحدّيات أقل، ويخضن تجارب ولادة آمنة، مما يسهم في تحسين الصحة العامة ورفاهية الأجيال القادمة في اليمن. فهل نحن على استعداد للعمل معًا لضمان هذا المستقبل الأفضل؟