حنين الوحشالمرأة في التنمية والسلام

 

في بلد يعدُّ الأسوأ بالنسبة للنساء في العالم، كما تصفه التقارير الأممية، يزداد الوضع سوءًا وتعقيدًا في كل مناحي الحياة، أبرزها خدمات الصحة الإنجابية التي تعاني تحديات كبيرة نتيجة تدهور المنظومة الصحية التي تعاني من انهيار شبه كامل بسبب الصراع المستمر منذ سنوات.

وتعدُّ النساء أكثر الفئات تضرُّرًا من انهيار القطاع الصحي وتردي الخدمات الصحية، خصوصًا في مجالات الصحة الإنجابية والرعاية الصحية للأمهات، الذي أدّى إلى ارتفاع نسبة الوفيات من الأطفال حديثي الولادة؛ بسبب نقص الخدمات الأساسية والأدوية والمعدات الطبية، وتفاقم الحاجة إلى تقديم خدمات صحية كاملة للأمهات والحوامل والفتيات في سنّ الإنجاب.

إنّ واقع الصحة الإنجابية في اليمن يعكس صورة مأساوية نتيجة الصراع المستمر منذ سنوات، الذي أدّى إلى تدهور شامل في القطاع الصحي، وتفاقمت معاناة النساء بشكل خاص بسبب انهيار البنية التحتية الصحية، ونقص الكوادر الطبية، وانعدام الأدوية والمعدات الأساسية.

ولعل من أبرز ملامح واقع الصحة الإنجابية في اليمن ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال؛ إذ تعاني اليمن من واحدة من أعلى معدلات وفيات الأمهات في المنطقة، وذلك وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، بالإضافة إلى نقص الخدمات الصحية الأساسية، والمستلزمات الطبية، وضعف الصحة الإنجابية في المناطق الريفية، وتفاقم سوء التغذية للمرأة الحامل وغيرها.

 

تقارير دولية

وأفاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية في العام 2020م أنّ هناك 3.75 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، و600000 امرأة ستحمل أو تلد معرضات لخطر الوفاة.

كما أكّد تقرير أممي حديث أنّ ما يقارب 18 مليون شخص في اليمن سيكونون بحاجة ماسة للمساعدة الصحية المنقذة للحياة؛ إذ إنّ 50% منهم أطفال، و%24 من النساء اللاتي يحتجنَ إلى الوصول إلى مختلف خدمات الرعاية الصحية الطبية والإنجابية، بما في ذلك 4% من الحوامل اللاتي يحتجنَ إلى رعاية التوليد الطارئة.

وحذّر التقرير من أنّ نقص التمويلات المقدمة للعام الجاري ستؤدي إلى إغلاق ما بين 500 إلى 700 منشأة للرعاية الصحية، بسبب نقص الإمدادات الأساسية والأدوية والدعم التشغيلي، وبحسب التقرير، لن تتمكن ما يقارب من 500 ألف امرأة محتاجة من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية الحيوية.

 

الأرياف الأكثر تضرُّرًا

في قرية نائية ضمن ريف تعز توشك أسماء علي (اسم مستعار) أن تصبح أُمًّا، غير أن بشارة اقتراب الولادة لا تخلو من القلق، بمشاعر مضطربة؛ إذ تقول: “سعيدة لأنني سأتخلص من متاعب الحمل لأصبح أُمًّا، غير أنني أتخوف من حالة الولادة، خصوصًا لو تعسرت ولادتي الطبيعية”.

لأسماء مخاوف وجيهة؛ فهي تقطن في قرية تفتقد لأدنى خدمات الرعاية الصحية الإنجابية العادية، ويبعد منزلها مسافة ساعتين بالسيارة عن أقرب مركز صحي، وترى أنّه يفتقد هو الآخر لأبسط الخدمات.

ويتعين على أسماء في الأشهر الأولى والأخيرة من الحمل أن تسلك طرقًا وعرة على قدميها حتى تصل إلى الخط الرئيسي حيث تنتظرها سيارة استعارها زوجها من أحد أصدقائه، لتؤكد أنّ الوضع الخدمي المعقد أجبرها على تحجيم زياراتها للطبيب المختص إلى زيارتين في الأشهر الثمانية الأولى من الحمل، رغم ما تكابده من أوجاع يومية.

وتؤكد الطبيبة سمية الكمالي أنّ نساء الريف وفتياته هنّ الأكثر تضرُّرًا من تراجع خدمات الصحة الإنجابية مع ما تعيشه من تردّي، وتوضح: “هناك وحدة صحية واحدة في المديرية التي أعمل فيها، وهي أقل من مركز، ويفترض أنها تقدّم خدماتها لأكثر من 150 ألف مواطن، غير أنها في الواقع تفتقد لأبسط المقومات الطبية؛ من الأدوية والمعدات الطبية اللازمة ووسائل الصحة الإنجابية”.

وتشير إلى أنّها عن طريق تواصلها مع زميلاتها في المدينة تبيّن لها أنّ نساء الريف هنّ الأكثر عرضة لخطر مضاعفات الولادة والوفيات، وليس الوضع في المدن أقل سوءًا، باستثناء وجود بدائل أخرى؛ كتعدد المرافق الصحية الخاصة.

في السياق ذاته تؤكد منى فرحان أنّ ارتفاع تكاليف خدمات الصحة الإنجابية في المرافق الخاصة يقف حائلًا أمام حصول غالبية النساء الحوامل على أهم الخدمات الصحية الضرورية.

وتؤكد منى، وهي فتاة حامل في الشهر السادس، تسكن في إحدى المدن اليمنية التي تأثرت من الصراع، أهمية الحاجة إلى مواصلة دعم المرافق الصحية الرسمية لمساعدتها على تقديم الرعاية الصحية الأساسية في مجال الإنجاب وصحة الأم والوليد.

 

التغذية والصحة الإنجابية

تعدُّ التغذية من العوامل الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على الصحة الإنجابية على المرأة، وذلك بحسب متخصصين صحيين، لا سيما في اليمن؛ إذ يعاني السكان من أزمة غذائية حادّة كأحد تداعيات النزاع والتدهور الاقتصادي.

ووفقًا لتقارير أممية يعيش ما يزيد من نصف سكان اليمن في حالة من انعدام الأمن الغذائي، ممّا يؤثر على النساء الحوامل والمرضعات والأطفال.

وتعتقد الطبيبة سمية الكمالي أنّ هناك أسبابًا معقدة ومتشابكة تقف وراء أزمة سوء التغذية في اليمن، فبعد أكثر من عقد من النزاع والانهيار الاقتصادي المتسارع، فقدَ كثير من الناس في اليمن سبل عيشهم. كما تسببت معدلات التضخم المرتفعة إلى انخفاض القوة الشرائية للناس خصوصًا مع تراجع عمليات توزيع المساعدات الغذائية.

وتؤكّد أنّ ثلاثًا من كل خمس نساء في سنّ الإنجاب ممّن زُرْنَ عيادتها كُنَّ يعانين من سوء التغذية، وهو ما يضاعف خطر الإجهاض، والولادة المبكرة، وولادة أطفال مصابين بسوء تغذية حادّ، الأمر الذي يعرضهنّ لمضاعفات صحية طويلة الأمد.

آسيا غالب، إحدى الأمهات الحوامل المعرضات لخطر سوء التغذية، توضح أنّ الفحوصات الطبية في عيادة خاصة كشفت إصابتها بفقر دم شديد، وافتقادها الكبير للفيتامينات الأساسية، وهو ما دعا الطبيبة المعالجة لملء الورقة الطبية بقائمة من الفيتامينات الواجب تعاطيها.

وتتابع: “حين وضعت قائمة العلاجات المسجلة بين يدي الصيدلي، قال لي قبل أن يأتي بها من الرفوف: كلفة العلاجات خمسون ألف ريال؛ أي ما يقارب 30$”، الأمر الذي جعلني أعود أدراجي إلى المنزل دون الالتفاف إلى الصيدلاني أو الحديث معه”.

ارتفاع تكاليف شراء العلاج أجبر آسيا على العودة إلى المنزل دون أدوية، ورغم المضاعفات المرضية التي ترزح تحت وطأتها، تسعى جاهدة للحصول على سلة غذائية تؤمّن لأطفالها فرصة تناول الخبز والشاي، تقول: “هما كل ما نتناوله في الغالب”.

 

ظروف قاتمة

يقول مختصون في المجال الصحي إنّ النزاع المسلح يمثل أبرز التحديات في طريق تحسين خدمات الصحة الإنجابية؛ إذ أجبر آلاف اليمنيين على النزوح الداخلي ممّا زاد من صعوبة وصول النساء إلى الرعاية الصحية.

وأكّد الباحث مختار جميل أنّ النزاع تسبب في انقطاع سلاسل الإمداد بين فينة وأخرى، ممّا أدّى إلى نقص حادٍّ في الأدوية والمستلزمات الضرورية للصحة الإنجابية، بما في ذلك أدوية منع الحمل، وأدوية رعاية الحمل والولادة.

وحذر من مغبة إيقاف وسائل تنظيم الأسرة كإجراء دبّره أحد أطراف النزاع، مؤكّدًا أنّ المضايقات التي يتعرض لها العاملون الصحيون المختصون في مراكز الأمومة والطفولة تقف وراء ارتفاع أعداد الوفيات من المواليد والنساء الحوامل.

من جانبه يقول الطبيب إلياس عبدالله: “إنّ نقص التمويل اللازم لتحسين البنية التحتية الصحية وتقديم الخدمات الصحية، وعدم استقرار الأوضاع، وقلة الوعي بالصحة الإنجابية لدى النساء، وهجرة الكادر الطبي، تعدُّ من أشد التحديات وراء ضعف خدمات الصحة الإنجابية”.

 

دعم وتوعية

ومع ما تمثله الصحة الإنجابية من تحدٍّ كبير في اليمن مع تفاقم تردّي الأوضاع الإنسانية، فإنّ ثمة فرصًا متاحة لتحسين الواقع- وفقًا لمختصين- عن طريق تعزيز الجهود المحلية والدولية.

ويُجمع عدد من الأطباء على أهمية زيادة الدعم الدولي المتعلق بخدمات الرعاية الصحية الإنجابية، وتطوير المرافق الصحية ومدّها بالأدوية والمستلزمات، وتوسيع دائرة النشاط وصولًا للقرى النائية.

ويؤكد الأطباء ضرورة تنفيذ برامج توعوية تستهدف النساء، لا سيما في المناطق الريفية في الصحة الإنجابية، خصوصًا في التغذية السليمة للأم الحامل والأطفال المواليد.