ياسمين عبدالحفيظالمرأة في التنمية والسلام

 

يمثل إدماج مفاهيم الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية خطوة حيوية نحو بناء مجتمع أكثر وعيًا وتقديرًا لصحة الأم والطفل، وذلك عبر توجيه هذه المناهج للفئة الشابة؛ إذ يُمكن تحفيز دورها في نشر التوعية المجتمعية وتغيير الأفكار التقليدية، وهذا يسهم في تحسين صحة الأمهات الحوامل، ويعمل على تعزيز المباعدة بين المواليد، وتقديم الرعاية اللازمة للأطفال حديثي الولادة، ممّا يضمن بدوره أسسًا صحية أقوى للأجيال القادمة، ويدعم رفاهية العائلات والمجتمع ككل.

كما أنّ تعزيز ثقافة الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية في اليمن يأتي كخطوة أساسية لمواجهة قلة الوعي المنتشر، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى البنية التعليمية اللازمة؛ إذ إنّ هناك مناطق عديدة ظلت محرومة لسنوات من المرافق التعليمية، ممّا أدّى إلى نقص المعرفة عن الصحة الإنجابية وأهمية العناية بصحة الأم والطفل، وإنّ إدماج هذه المفاهيم في التعليم سيساعد في تكوين جيل يدرك أهمية هذه الجوانب، وبالتالي يُسهم في تحسين الوعي الصحي المجتمعي بشكل عام.

إنّ الوضع الحالي في اليمن يظهر بوضوح تأثير النمو السكاني المتسارع على الخدمات العامة؛ إذ تفوق الاحتياجات قدرات هذه الخدمات على التغطية، مما ينعكس سلبًا على العائلات، خاصةً الفقيرة منها، وأنّ تقارب الولادات يزيد العبء على الأسر؛ إذ يُصبح من الصعب توفير الرعاية الصحية والتعليمية اللازمة للأطفال، ما يؤدي إلى إهمال صحتهم وتعليمهم وحقوقهم الأساسية.

كما أدّى عدم الوعي بالصحة الإنجابية إلى ارتفاع نسبة المواليد وانتشار الأمراض المعدية في صفوف الأطفال الرضع، ممّا يؤدي أحيانًا إلى الوفاة نتيجة الإهمال بصحتهم، إلى جانب انتشار أمراض في صفوف الأمهات الحوامل، منها أمراض سوء التغذية، والناسور الولادي، وغيرها من الأمراض.

لذلك، ينبغي على وزارة التعليم العالي، ووزارة التربية والتعليم في اليمن، تعزيز ثقافة الصحة الإنجابية ضمن المناهج الدراسية، مما يسهم في رفع الوعي بأهميتها، ويدعم تقديم خدمات الصحة الإنجابية للنساء الحوامل والأطفال الرضع، وهذا الجهد سيساعد في بناء مجتمع أكثر إدراكًا لأهمية الرعاية الصحية ودورها في تحسين جودة الحياة للأجيال القادمة.

 

مناهج التعليم الثانوي

التربوية دينا عبد الباري تشير إلى أنّ إدماج مفاهيم الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية في اليمن يكاد يكون غائبًا تمامًا، ولم يُمنح الاهتمام المطلوب؛ إذ اقتصر التعليم على المواد الأدبية والعلمية، في حين همِّشت الجوانب الصحية، بما فيها الصحة الإنجابية التي ينبغي لها أن تكون من أولويات المناهج.

وترى أنّ تعزيز مفاهيم الصحة الإنجابية في التعليم سيُسهم في ترسيخ الوعي الصحي لدى الأجيال، مما يجعلهم أكثر إدراكًا لصحة الأم وحديثي الولادة، ويؤدي إلى نشوء مجتمع يدرك أهمية صحة أفراده وسلامتهم.

فائزة محمد حسين، مديرة مدرسة (روضة صبر)، تؤكد أنّ تعزيز مفاهيم الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية له أهمية بالغة في نشر الوعي بين الشباب والشابات، بعدّهم الجيل المقبل الذي سيؤسس الحياة الأسرية.

وتضيف: “إذا تمّ تعريفهم بالأساليب الصحية في هذه المرحلة، فسيمتلكون في المستقبل القدرة على تأسيس أسر واعية وقادرة على الإسهام في تنمية المجتمع”.

من جانبه، يشير عبده خميسي، مدير عام مكتب الشباب والرياضة في الحديدة، إلى أنّ إدراج مفاهيم الصحة الإنجابية في مناهج التعليم، خاصة في المرحلة الثانوية، يعدُّ خطوة أساسية لترسيخها في أذهان الأجيال.

ويؤكد ضرورة توسيع مدارك الطلاب والطالبات عن أهمية الصحة الإنجابية لخلق وعي مجتمعي متكامل. ويقترح خميسي أن يكون هذا المفهوم جزءًا من المناهج الدراسية، إلى جانب تنظيم دورات وورش تدريبية عن مفاهيم الصحة الإنجابية تستهدف الطلاب.

وتؤكد هند سليمان، معلمة ثانوية، ضرورة توعية الطالبات وتثقيفهنّ بمفاهيم الصحة الإنجابية، خاصة في المرحلة الثانوية؛ إذ تكون معظم الطالبات مقبلات على تكوين حياة أسرية وإنجابية.

وتوضح أنّ هذا الوعي لا يتحقق إلا عبر إدماج مفاهيم الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية، مما سيمكن الفتيات من معرفة طرق الوقاية من الأمراض التي قد تصيب الأمهات والأطفال، بالإضافة إلى التعرف على وسائل تنظيم الأسرة، وأهمية المباعدة بين الولادات، وبذلك، يمكن خلق جيل مثقف وواعٍ في هذا المجال.

وفي السياق نفسه، تشدد المعلمة سامية الذاري على أنّ إدماج ثقافة الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية، خصوصًا في المرحلة الثانوية، أمر ضروري، نظرًا لوجود العديد من الشباب والفتيات الذين لا يتمكنون من إكمال تعليمهم الجامعي لأسباب اقتصادية أو اجتماعية.

وتوضح أنّه في حال تعذّر الالتحاق بالجامعة، قد يتزوج هؤلاء الشباب دون وعيٍ كافٍ بأهمية تقديم خدمات الصحة الإنجابية للأمهات الحوامل والأطفال الرضع، مما يؤثر سلبًا على حياتهم وصحتهم؛ إذ يرون أنّ هذه الخدمات ليست ضرورية.

 

مناهج التعليم الجامعي

في هذا السياق، أوضحت البروفيسور نجاة صائم خليل، أستاذة علم النفس الاجتماعي، أنّ جميع القضايا المتعلقة بالصحة الإنجابية موجودة بالفعل في المناهج الدراسية اليمنية، وتُدرّس للطلاب منذ المرحلة الابتدائية، وخصوصًا في مادة الفقه. وتابعت: “هذه القضايا، مثل الحيض والنفاس والاغتسال، تُطرح في إطار ديني، وتُعرّف على أنّها من مبطلات الوضوء والصلاة أو من ضمن النجاسات”.

وأكدت أنه لو أُدمِجت مفاهيم الصحة الإنجابية في مواد دراسية أخرى، فسيتسنى طرحها من منظور مكمِّل وموسّع، مما يتيح للطلاب والطالبات الحصول على المعلومات بشكل شامل ودقيق من مصدر موثوق، وهذا الإدماج سيساعدهم على تحقيق فهم أعمق لصحتهم الإنجابية وفق مراحل نموهم المختلفة، مما يعزز من صحتهم ووعيهم عبر تلك المراحل.

تابعت البروفيسور نجاة خليل: “ولتبسيط هذا الموضوع، أشير إلى مرحلة البلوغ كإحدى أهم قضايا الصحة الإنجابية، فقد أظهرت نتائج دراسات أجريناها على عينة من المراهقين والمراهقات أنّ التغيرات النفسية والجسدية والصحية المصاحبة لهذه المرحلة شكّلت صدمة كبيرة للغالبية العظمى منهم، بسبب جهلهم بطبيعة هذه التغيرات، كما أنّ تعاملهم معها كان غالبًا غير صحيح، نظرًا لاعتمادهم على الأصدقاء أو مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للمعلومات”.

وترى أنّ إدماج مفاهيم التغيرات النفسية والجسدية المصاحبة لمرحلة البلوغ في المناهج الدراسية يمكن أن يسهم في توعية الشباب بطرق الحفاظ على صحتهم وصحة أسرهم، ما يقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بالإنجاب، ويعزز العلاقات الأسرية والاجتماعية بشكل أفضل.

وتُضيف: “لكي تتمكن المرأة من الحمل والإنجاب بطريقة تحافظ على صحتها وصحة أبنائها، يجب أن يدرك الجميع، ذكورًا وإناثًا، أهمية رعايتها منذ الولادة، وتغذيتها السليمة، إلى جانب العناية بصحتها الجسدية والنفسية في مرحلة البلوغ، وهذا يشمل التأكد من مستويات الحديد والكالسيوم في جسمها، وتلبية احتياجاتها المتعلقة بالدورة الشهرية، كذلك، يجب أن يتعلم الذكور كيفية التعامل مع التغيرات الجسدية والنفسية التي يمررنَ بها، إضافة إلى الحفاظ على النظافة الشخصية، مما يسهم في إعدادهم لدور الأبوة والأمومة بطريقة آمنة”.

وأكدت أنّ إدماج مفاهيم الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية سيترك أثرًا إيجابيًّا على الأفراد والمجتمع، عبر تعزيز الصحة العامة والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ممّا يسهم في بناء مجتمع صحي ومستقر.

من جانبه، يقول فوزي محمد الشامي، أستاذ العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية: “تظهر على السطح بشكل مستمر قضايا متعددة، وكل المعنيين بها يرغبون في إدراجها في المناهج، سواء الجامعية أو المدرسية، وإذا ما حصرناها، ستطغى على المقررات الأساسية”.

ويتابع: “لذا، من الضروري أولًا دمج هذه القضايا بطريقة مناسبة، فعلى سبيل المثال، يمكن ابتكار مادة دراسية تحاكي المجتمع وتتناول قضاياه الراهنة، وتكون متطلبًا جامعيًا، أو تبني منهجيات تعليمية تفاعلية تعزز المشاركة، وتساعد على تغيير الاتجاهات والسلوك، كما يجب تحديد تخصصات تخدم هذه القضايا مع ضمان استيعابها من قبل سوق العمل”.

ويشير إلى أهمية الصحة الإنجابية في المجتمع اليمني، مؤكدًا أنّ التوعية بها تُعدُّ استثمارًا في مستقبل الأجيال القادمة، وأنّ استيعابها في المناهج أمرٌ مهم، لكنه لا يكفي بمفرده؛ بل يتطلب أيضًا وضع سياسات عامة اجتماعية تُعدُّ المحك الأساسي لدمجها في المناهج، وتحديد القوانين اللازمة، بالإضافة إلى التدخلات التي ستفرض رفع مستوى الوعي وتعزيز الالتزام.

يؤكد الأكاديميون على أهمية تعزيز مفاهيم الصحة الإنجابية منذ المراحل الإعدادية والثانوية في المدارس، لما لذلك من دور كبير في تنشئة جيل واعٍ بأهمية الاعتناء بالصحة الإنجابية في اليمن. ويشيرون إلى ضرورة وضع مناهج متخصصة في هذا الجانب، بدلًا من الانتظار حتى يصل الطالب إلى المراحل الجامعية لتثقيفه وتوعيته.

ومن بين هؤلاء الأكاديميين، أمين العلياني، أستاذ في جامعة لحج، الذي يقول: “يجب تعزيز مفاهيم الصحة الإنجابية، ليس فقط على مستوى المناهج الجامعية، بل قبل ذلك، عبر إدراجها في المناهج الدراسية للمراحل الأساسية والثانوية، مثل مادة القراءة وغيرها”.

ويضيف العلياني: “أنّ هذا الأمر يهدف إلى تثقيف أكبر عدد ممكن من الفتيات، اللواتي يتسربنَ من التعليم أكثر من الذكور، خصوصًا في المراحل الدراسية المتأخرة، مثل الثانوية أو الجامعات، نتيجة الأوضاع التي تمرُّ بها البلاد.