حنان حسين – المرأة في التنمية والسلام
تسببت الصراعات المستمرة في اليمن في آثار مدمرة على النساء والفتيات؛ إذ أصبحت حياتهنّ اليومية مملوءة بالتحديات التي تتراوح بين المخاطر الأمنية إلى النقص الحاد في الخدمات الأساسية، ونتيجة لهذا التدهور الإنساني، زادت بشكل كبير احتياجاتهنّ إلى الرعاية الصحية، وخاصة الصحية الإنجابية، والدعم النفسي والاجتماعي.
الصحة الإنجابية هي حالة من الصحة الكاملة التي تُمكّن المرأة والرجل من إنجاب أطفال أصحاء، وتحديد عدد الأطفال والمُدد الفاصلة بينهم، وتشمل الصحة الإنجابية -أيضًا- صحة الجهاز التناسلي، وقدرة المرأة على الحمل والولادة بأمان، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وبحسب ما قالت المختصة في طب النساء والولادة الدكتورة نبيلة إسماعيل: “الصحة الإنجابية تتضمن سلسلة متكاملة من الرعاية الصحية، منها الرعاية قبل الحمل عبر تقديم الفحوصات والنصائح الصحية للنساء والرجال الذين يخططون لإنجاب الأطفال، للتأكد من صحة الوالدين المستقبلية، وبعدها الرعاية أثناء الحمل عبر إجراء الفحوصات الدورية لضمان صحة الأم والجنين، ومعالجة أي مشاكل صحية تظهر أثناء الحمل، والرعاية بعد الولادة عن طريق دعم الأمهات الجدد لضمان تعافيهنّ، وتقديم النصائح عن الرضاعة والتغذية، والتدخلات الطبية إذا لزم الأمر، والاهتمام بالمواليد”.
وتضيف: “يأتي كذلك من مهام الصحة الإنجابية، تنظيم الأسرة الذي يتضمن: توفير وسائل منع الحمل الملائمة، وتقديم المشورة لمساعدة الأزواج على اختيار الوسيلة التي تناسب احتياجاتهم وأهدافهم الأسرية، ولا ننسى أهمية التوعية الجنسية، وذلك بتعليم الأشخاص الصحة الجنسية، والعلاقات الجنسية السليمة، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًّا”.
الفئات المستهدفة
تركز برامج الصحة الإنجابية في اليمن بشكل أساسي على دعم المرأة أثناء مراحل الزواج، والحمل، والولادة، إضافة إلى استهداف الأزواج عبر حملات تقدّم استشارات وتوجيهات متخصصة في تنظيم الأسرة، وتخطيط الحمل لضمان صحة أسرية متكاملة ومستدامة.
الدكتورة نبيلة تقول: “تشمل برامج الصحة الإنجابية في اليمن جميع الأفراد الذين يؤثرون أو يتأثرون بها؛ إذ تضم الفئات المستهدفة؛ النساء في سنِّ الإنجاب، من عمر المراهقة حتى سنِّ اليأس، والرجال في سنِّ الإنجاب من الشباب إلى البالغين المشاركين في اتخاذ القرارات الإنجابية، بالإضافة إلى الشباب والمراهقين من الجنسين الذين يحتاجون إلى تعليم وتوعية عن الصحة الجنسية والإنجابية، والأزواج الذين يخططون لتكوين أسرة، ويحتاجون إلى استشارات تنظيم الأسرة، والنساء الحوامل والمرضعات اللواتي يحتجنَ إلى رعاية صحية مستمرة لضمان سلامتهنّ وسلامة أطفالهنّ”.
إحصائيات
بحسب تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنّ ما يقارب 5.5 مليون من النساء والفتيات في سنّ الإنجاب في اليمن، يحتجنَ الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية.
وفي السياق ذاته، تبين الجمعية اليمنية للصحة الإنجابية في تقرير لها عام 2019م، أنّ 520 ألف امرأة حامل يعانين من مشاكل صحية، و78 ألف امرأة يوجد خطر مباشر على حياتهنّ، في حال عدم الحصول على رعاية صحية، كما أنّ هناك 400 حالة وفاة بين كل 100 ألف حالة ولادة.
وقد أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) عن إسهامات تبلغ 2.4 مليون دولار من حكومة اليابان تهدف إلى تحسين خدمات الصحة الإنجابية وحماية النساء والفتيات في اليمن، ومن المتوقع أن تفيد هذه التمويلات أكثر من 120,000 من النساء والفتيات الأكثر ضعفًا في البلاد التي مزقتها الصراعات.
تأثير الصحة الإنجابية على النساء
ذكرت الدكتورة نبيلة أنّ الصحة الإنجابية تؤثر في العديد من الجوانب؛ إذ تُسهم في تحسين الصحة العامة، وتوفير الرعاية المناسبة قبل الحمل وأثناءه وبعده، مما يقلّل من معدلات الوفيات والأمراض بين النساء والأطفال، كما تعزّز حقوق المرأة وتمكنها من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتها الإنجابية، مما ينعكس على تحسين جودة حياتها.
وأوضحت أنّ التعليم والعمل من العناصر المهمة؛ فالنساء المتعلمات والصحيحات يتمتعنَ بفرص أفضل في التعليم والعمل، ممّا يعزّز من وضعهنّ الاقتصادي والاجتماعي، وينتج عن هذا الاستقرار الأسري الذي تدعمه صحة إنجابية جيدة، مما يسهم في بناء أسر مستقرة وصحية، ويعزز استقرار المجتمع ككل.
نظام الرعاية الصحية
أشارت الدكتورة نبيلة إلى أنّ نظام الرعاية الصحية في اليمن يتميز بتنوعه؛ إذ يتضمن مجموعة من المؤسسات الصحية، والبرامج الحكومية، والمنظمات الخاصة التي تقدّم خدمات الصحة الإنجابية.
وأوضحت أنه على الرغم من توفر المستشفيات والمراكز الصحية التي تقدُّم هذه الخدمات، فإنها غالبًا ما تكون محدودة وغير متاحة في جميع المناطق، خصوصًا الريفية، وتعمل وزارة الصحة العامة والسكان بالتعاون مع منظمات دولية على تحسين خدمات الصحة الإنجابية عن طريق برامج مخصصة، كما تسهم العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية في تقديم الخدمات والتوعية في هذا المجال.
عانت (سلوى محمد) ذات الـ 25 عامًا صعوبات شديدة في حملها الأول؛ إذ إنها لم تعلم أهمية متابعة حالتها الصحية في مركز صحي متخصص، فقد تزوّجت في عمر الـ 18 عامًا، ولم تمتلك المعلومات الكافية من أسرتها أو حتى محيطها بأهمية متابعة حالتها صحيًّا، خاصة وهي تعيش في إحدى القرى البعيدة، التي تفتقر إلى وجود مراكز أو خدمات صحية مناسبة.
وتضيف: “حاليًا لديّ أربعة أطفال، لكني لم أعاني كثيرًا بقدر معاناتي في الحمل الأول، لأنني انتقلت مع زوجي لمنطقة قريبة من المدينة، وهذا ما ساعدني على متابعة مراحل حملي، وتلقي العناية اللازمة من إحدى المراكز التخصصية التي أدّت إلى حصولي أنا وأطفالي على رعاية صحية متواصلة”.
تحديات الحمل والولادة
تواجه المرأة اليمنية العديد من التحديات في مدّة الحمل والولادة، وتلعب العادات والتقاليد دورًا كبيرًا في ذلك؛ إذ تُفرض بعض المعتقدات والتقاليد قيودًا على النساء، ممّا يمنعهنّ من طلب الرعاية الصحية اللازمة، أو المشاركة في برامج التوعية الصحية، بالإضافة إلى نقص الوعي بأهمية الرعاية الصحية أثناء الحمل.
وهذا ما تحدثت عنه (أم علي) التي تسكن في إحدى القرى؛ إذ تقول: “زوجي يرفض ذهابي لأي طبيب؛ لأنّه يرى أنه من المعيب أن أتعالج عند رجل، الأمر الذي يجبرنا على انتظار رجوع دكتورة القرية من إجازتها حتى أتابع معها مراحل حملي، ولا أجد مانعًا في هذا إلَّا في حالة حدوث تقلصات طارئة لديَّ، أضطر أثناءها إلى اللجوء للطب الشعبي كبديل، ونصائح أمي وجدتي للمرور بهذه المرحلة التي كانت تستدعي حصولي على دواء مهدئ فقط”.
“ومن التحديات التي قد تواجه المرأة اليمنية، المشاكل الاجتماعية مثل العنف الأسري أو عدم الدعم المناسب من الشريك أو الأسرة، مما يزيد من الضغوط النفسية لدى المرأة، ويشكل تحدّيًا أمام النساء في اليمن، مما يؤثر على صحتهنّ الإنجابية، ولا ننسى أنّ الفقر المدقع والنزاعات المسلحة والصراعات المستمرة قد يزيدان من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية اللازمة”. وذلك حسب قول الدكتورة نبيلة.
من جانبها، تقول الدكتورة حاكمة عبد الله (مختصة نساء وولادة): “هناك تحديات تؤثر على صحة المرأة في مدّة الحمل والإنجاب، منها نقص التغذية، وفقر الدم، ونقص العناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد وحمض الفوليك، ويمكن أن يؤثر سلبًا على صحة الأم والجنين، كذلك وجود القلق والتوتر، الذي يؤثر سلبيًّا على الصحة النفسية والجسدية للمرأة وحملها، بالإضافة إلى عدم ممارسة الرياضة التي قد تؤدي بصحة المرأة إلى زيادة الوزن ومشاكل صحية أخرى أثناء الحمل، مثل الأمراض المزمنة؛ كالسكري وارتفاع ضغط الدم”.
وتردف بالقول: “إنّ عدم الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الجيدة يمكن أن يؤثر على عملية متابعة الحمل والولادة، ولا نغفل أنّ التدخين يعدُّ من التحديات التي قد تواجه الأمهات، فهذه العادات يمكن أن تزيد من المخاطر (complications) أثناء الحمل، ووجود المشاكل المالية قد تؤثر على القدرة على الحصول على الرعاية الصحية والتغذية المناسبة للحوامل، فمن المهم أن تتلقى النساء الدعم والرعاية اللازمة للتغلب على هذه التحديات، وتعزيز صحتهنّ وصحة أطفالهنّ”.
المعالجات المقترحة
يقترح عدد من المتخصصين أن يكون هناك توعية كبيرة وواسعة لأهمية الصحة الإنجابية، ومنها التوعية الإعلامية، عن طريق تنظيم حملات إعلامية عبر التلفزيون والراديو بشكل واسع، إضافة إلى الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بأهمية الصحة الإنجابية، وإدماج مواضيع الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية لتعزيز وعي الشباب، وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للمجتمعات المحلية عن الصحة الإنجابية، وإشراك الشخصيات المحلية والدينية في نشر التوعية بأهمية الصحة الإنجابية.
في السياق ذاته، تضع الدكتورة نبيلة مجموعة من المعالجات والمقترحات؛ إذ تقول: “يجب تحسين البنية التحتية الصحية، عن طريق بناء المزيد من المراكز الصحية وتجهيزها، وتزويدها بالكوادر الطبية المدربة والمعدات اللازمة، وهذا يشكل تحديًّا في ظل هذه الظروف”.
وتتابع: “لتوفير وسائل تنظيم الأسرة، لا ننسى تدريب الأطباء والممرضين والعاملين في المجال الصحي على تقديم خدمات الصحة الإنجابية بشكل فعّال، كما لا نغفل أنه يجب تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية لدعم برامج صحة الأُم والطفل وتمويلها، وضمان استمرارية هذه الجهود لفائدة المجتمع ككل”.
وتختم الدكتورة نبيلة مقترحاتها بضرورة الوصول إلى مناطق الصراع، وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية للنساء في المناطق المتضررة من النزاع، عن طريق فرق متنقلة أو إنشاء مراكز صحية مؤقتة لضمان حماية الأمهات ومواليدهنّ.
وتقول الدكتورة حاكمة: “إنه يجب عمل مبادرات مجتمعية ومنتديات في التوعية بأهمية الصحة الإنجابية، وتنظيم ورش عمل في المدارس والمراكز الصحية لتعريف الشباب والشابات بأساسيات الصحة الإنجابية، وتوعية الرجال بمسؤولياتهم ودورهم في الرعاية الصحية للمرأة، ودعوتهم للمشاركة في النقاشات، وتنظيم أيام صحية تقدّم فيها فحوصات وتوعية مجانية عن الصحة الإنجابية، والعمل على تطوير تطبيقات أو مواقع إلكترونية توفّر معلومات وموارد عن الصحة الإنجابية، مما يشجع على تبادل المعرفة والخبرات بين الأمهات”.