أفراح بورجي – المرأة في التنمية والسلام
أكد تقرير لمجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أنّ الصحة الإنجابية في اليمن تعاني من تحديات خطيرة تفاقمت حدّتها مع استمرار الصراعات المسلحة؛ إذ كان نظام الرعاية الصحة الإنجابية قبل الصراع يعاني من ضعف حادٍّ، وأدّى الصراع إلى انهيار النظام الصحي تقريبًا، وأنّ هناك ما يزيد عن 3.75 مليون امرأة وفتاة في سنّ الإنجاب معرضات لخطر الوفاة.
ومع استمرار النزاع، هناك ما يقارب 12.6 مليون من النساء بحاجة إلى خدمات منقذة للحياة في الصحة الإنجابية والحماية، وذلك وفقًا لتقرير الأمم المتحدة بعنوان: (تفشى العنف ضد النساء والفتيات وسط الصراع المستمر في اليمن – 2023م).
إنّ واقع الصحة الإنجابية في اليمن يعاني من تحديات كبيرة بسبب الصراعات المستمرة، ممّا يؤثر سلبًا على صحة النساء والأطفال، ومن تلك التحديات نقص الخدمات الصحيّة؛ إذ أدّت الصراعات إلى تدمير العديد من المرافق الصحية، مما جعل الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية صعبًا.
ونتيجة الصراعات والنزوح المستمر فقدت كثير من الأسر عائلها، وتشرّد الأطفال، وتعرضت النساء لأوضاع مأساوية، وإنّ هذا الواقع المرير يدعو الجميع إلى العمل على إيجاد حلول سلمية وعادلة لإنهاء المعاناة.
صراع بعد صراع
تعيش اليمن حالة من الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة للصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مما أثّر بشكل كبير على حياة المواطنين في جميع جوانبها؛ إذ أدّت الصراعات المستمرة إلى انقسام المجتمع وزيادة التوترات، مما خلق بيئة غير آمنة، هذا الشعور بعدم الأمان أثّر على الحياة اليومية، وخاصة بالنسبة للنساء والأطفال، بالإضافة إلى فقدان كثير من المواطنين لفرص العمل وقطع الرواتب، مما جعلهم يعانون من الفقر المدقع، كما تعاني النساء بشكل خاص من تداعيات هذه الأزمة التي زادت من المخاطر النفسية والجسدية التي تتعرض لها، مما يجعلها عرضة لمشكلات صحية ونفسية متزايدة.
يسلط المهندس أحمد محمد الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه المواطن اليمني في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تعكس واقعًا مؤلمًا يتطلب اهتمامًا عاجلًا؛ إذ قال: “لم تكن الأزمة السياسية فقط هي المؤثر على المواطن اليمني، بل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هذه الصراعات، التي أدّت إلى انقطاع الرواتب على العديد من القطاعات الحكومية، وتدهور مستوى معيشة كثير من الأسر، كما أسهم النزوح الناتج عن الصراعات في إلحاق الضرر بالتعليم، خصوصًا على الأطفال في المرحلة الابتدائية”.
كما ذكر المهندس أحمد الواقع الصعب الذي تواجهه النساء النازحات في اليمن؛ إذ تبرز عدة نقاط مهمة تتعلق بالتحديات التي يواجهنَها؛ إذ تعاني النساء النازحات من تدهور في صحتهنّ العامة، مما يجعلهنّ أكثر عرضة للإصابة بأمراض مختلفة، وأسهمت الظروف المعيشية السيئة ونقص الخدمات الصحية في هذا التدهور، وتشير المعاناة في الصحة الإنجابية إلى عدم القدرة على مراجعة المراكز الصحية والمتابعة اللازمة، مما يؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة أثناء مُدد الحمل والولادة.
وأوضح أنّ فقدان الآباء لوظائفهم نتيجة للصراع يضيف عبئًا آخر على الأسر، مما يضطرهم إلى البحث عن عمل في بيئات جديدة وغير مألوفة، وهذا البحث غالبًا ما يكون غير مضمون، ممّا يزيد من القلق وعدم الاستقرار، وأنّ النزوح لا يؤثر فقط على الجوانب الصحية، بل أيضًا على الاستقرار الاجتماعي والنفسي للنساء؛ إذ إنّ الانتقال إلى بيئات جديدة قد يكون مصحوبًا بعدم الأمان وفقدان الدعم الاجتماعي.
تأثير الصراع
كشفت الطبيبة نهى أحمد، استشارية نساء وولادة، عن تدهور حاد في خدمات الصحة الإنجابية في اليمن أثناء سنوات الصراع؛ إذ أدّى الصراع إلى نقص الأدوية والمعدات الطبية، وقطع الطرق، وانعدام الوعي الصحي.
وأوضحت الدكتورة نهى في تصريح خاص لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام) أنّ نقص وسائل منع الحمل والأدوات الطبية الخاصة بالحامل أدّى إلى زيادة مضاعفات الحمل، مثل تسمم الحمل والنزيف، مشيرة إلى أنّ العديد من النساء يضطررن للولادة في المنزل؛ بسبب عدم قدرتهنّ على الوصول إلى المستشفيات، مما يعرض حياتهنّ وحياة أطفالهنّ للخطر.
وأضافت: “أنّ الفقر المتزايد نتيجة للصراع أدّى بشكل كبير إلى تفاقم الأزمة؛ إذ زادت حالات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، نتيجة لنزيف ما بعد الولادة وانفجار الرحم، وغيرها من المضاعفات التي لم يُتعامَل معها في الوقت المناسب”.
وأشارت الطبيبة إلى أنّ الوضع بدأ يتحسن بشكل طفيف في عام 2023م مع إعادة فتح الطرق في معظم المحافظات، وزيادة عدد مراجعات الحوامل، إلّا أنّ الخدمات الصحية الإنجابية لا تزال بعيدة عن المستوى الذي كانت عليه قبل الصراع.
وبحسب تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان يحمل عنوان: (بعد ثماني سنوات من النزاع، ورغم الهدنة الهشة، ما زالت الولادة مسألة حياة أو موت في اليمن) في 2023م.
قبل ثماني سنوات، في خضم الصراع الدامي الذي اجتاح اليمن، كانت هناك امرأة حامل يعاني جسدها من سوء التغذية الحاد نتيجة تداعيات الصراعات، وأصبحت تواجه مصيرًا مجهولًا، في تلك الظروف القاسية كانت المرافق الصحية شبه مشلولة، الأمر الذي جعلها تدخل مخاضًا مبكرًا لطفلها الثالث، مما زاد من خطر وفاتها، وتجسد معاناة تلك المرأة نموذجًا حيًّا لما يعانيه ملايين النساء اليمنيات في ظل غياب الرعاية الصحية الأساسية نتيجة الصراع.
وأكد التقرير الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ اليمن تعاني من أزمة إنسانية متفاقمة؛ إذ يحتاج أكثر من 21 مليون يمني إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وتفاقمت الأزمة بسبب النزاع المستمر والانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وأشار التقرير إلى أنّ 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ولا يستطيعون تأمين الغذاء الكافي، كما يعانون من نقص حادٍّ في الرعاية الصحية الأساسية.
التحديات
تقول الخبيرة في الصحة الإنجابية، إشراق المساح: “إنّ الصراع الدائر في اليمن منذ سنوات قد تسبب في أزمة إنسانية حادّة، وهدّد حياة آلاف النساء الحوامل وأطفالهنّ، وأنّ سوء التغذية، ونقص الرعاية الصحية، والعنف، والنزوح قد أدّى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال، وزيادة حالات الولادات المبكرة، والأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية”.
وأضافت: “أنّ النساء الحوامل في اليمن يعانين من ظروف لا إنسانية؛ إذ يواجهنَ صعوبات كبيرة في الحصول على الغذاء الكافي والرعاية الصحية اللازمة، كما أنّ القلق والتوتر الناتجينِ عن الصراع يؤثران سلبًا على صحتهنّ النفسية والجسدية”.
وأشارت إلى أن انعدام الأمن الغذائي، ونقص المياه النظيفة، وتدمير البنية التحتية الصحية، قد أدّى إلى تفشي الأمراض المعدية، مما يزيد من معاناة النساء والأطفال، كما أنّ انعدام الوصول إلى وسائل منع الحمل يزيد من عدد المواليد في ظل ظروف معيشية صعبة.
ودعت المساح المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لليمن، وتوفير الدعم اللازم للقطاع الصحي، وحماية المدنيين، وخاصة النساء والأطفال.
حلول مقترحة
أكدت إشراق المسّاح أنّ الصراع الدائر في اليمن قد فاقم الوضع الصحي المتردّي، مما أدّى إلى معاناة كبيرة على الشعب اليمني، خاصة النساء والأطفال، وتسبّب في نقص حادٍّ في الأدوية والمعدات الطبية، وتدمير البنية التحتية الصحية، وزيادة انتشار الأمراض.
وأشارت إلى ضرورة إنهاء العنف ووقف الصراعات، وتوفير بيئة آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، وتقديم الخدمات الصحية خاصة للنساء.
كما بينت أنّ زيادة حجم المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية والحكومات تعدُّ حلولًا واقعية لأجل التخفيف من حدّة أزمة الصحة الإنجابية، إلى جانب التركيز على توفير الأدوية والمعدات الطبية، وإعادة تأهيل المرافق الصحية، وفي دعم برامج التغذية للأمهات الحوامل والمرضعات والأطفال، ولا بُدّ من تعزيز الرعاية الصحية الأولية، من توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية في المناطق المتضررة، وتدريب الكوادر الصحية، وتجهيز المراكز الصحية بالأدوات اللازمة، إلى جانب توفير خدمات التطعيم والوقاية من الأمراض.
وفي ظل هذه الظروف التي تعيشها اليمن نتيجة الصراع وتداعياته، يصبح من الضروري توفير دعم صحي ونفسي واجتماعي للنساء وخاصة النازحات، لضمان حصولهنّ على الرعاية اللازمة، ولتعزيز قدرتهنّ على التكيف مع التحديات الجديدة، وإلى الحاجة الملحة للجهود الإنسانية والمساعدات للتخفيف من آثار النزاع، وتقديم الدعم للأسر المتضررة.