أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
الصحة الإنجابية تُعدُّ حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان لكل من المرأة والرجل، وهي ضرورية لصحة الأفراد والمجتمعات وسلامتهم على حدٍّ سواء. وفي اليمن، تتزايد أهمية هذا الموضوع بسبب الأزمات الإنسانية الناتجة عن النزاع المستمر، الذي أدّى إلى تدهور حادٍّ في النظام الصحي، بما في ذلك خدمات الصحة الإنجابية.
كما تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز خدمات الصحة الإنجابية بشكل أكبر نتيجة تفاقم الوضع الصحي في البلاد، وارتفاع معدلات الفقر، وتزايد المشكلات الصحية الناجمة عن نقص التوعية والخدمات الطبية، لهذا يتطلب تدخُّلًا دوليًّا عبر جهات متخصصة؛ لتحسين مستوى الخدمات الصحية بشكل عام، ومنها الصحة الإنجابية.
تلعب المنظمات الدولية والمحلية دورًا محوريًّا في تعزيز خدمات الصحة الإنجابية في اليمن؛ إذ تعمل على سدّ الفجوات الكبيرة التي تعاني منها البلاد نتيجة النزاعات المستمرة والأزمات الإنسانية، وذلك عبر تقديم الدعم المالي واللوجستي والتقني للجهات الصحية المحلية، وذلك لتحسين مستوى الخدمات الصحية، وخاصة تلك المتعلقة بالنساء والأطفال بشكل خاص.
علاوة على ذلك، تقوم هذه المنظمات بتنفيذ برامج توعويّة صحية، ومبادرات لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الصحة الإنجابية، وضرورة الحصول على الرعاية الطبية الوقائية، وخدمات تنظيم الأسرة، والعناية بالأمهات والأطفال، وفق ما أشار إليه العديد من المتخصصين، إلّا أنّ هناك تحديات تواجه هذه المنظمات في ظل الأوضاع الراهنة، قد تعرقل مدى الاستدامة والفعالية لهذه الجهود في تحسين الوضع الصحي والإنجابي بالبلاد.
دور المنظمات
وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 4 يونيو 2020م بعنوان: (منظمة الصحة العالمية تضمن بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان توفير خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة في اليمن)، تمكّنت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبفضل الدعم المقدّم من دولة الإمارات، من تعزيز (103) منشآت صحية، في (17) محافظة يمنية، في المدّة من أكتوبر 2019م إلى فبراير 2020م.
هذه الجهود أسهمت بشكل كبير في حماية نحو (200) ألف امرأة وفتاة، عبر توفير خدمات الصحة الإنجابية الضرورية، كما تلقّى أكثر من (60) ألف فرد خدمات تنظيم الأسرة.
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أنه بفضل التدخل الأممي، تمكنت نحو (74,000) امرأة من الولادة بأمان في اليمن في المدّة المذكورة، كما أُجريت أكثر من (4,000) عملية قيصرية ناجحة. وأكّد التقرير أنّ استمرار الدعم المقدّم من المنظمات الدولية والمؤسسات المانحة أمرٌ حيويٌّ لضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحية الضرورية للنساء والفتيات.
كما أقرَّ صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنّ هناك نحو (6) ملايين امرأة في سنِّ الإنجاب بحاجة إلى رعاية صحية، بالإضافة إلى أنّ أكثر من مليون امرأة حامل ومرضع يعانينَ من سوء التغذية، وهذه الإحصائيات تعكس حجم الأزمة الصحية في اليمن.
وفي السياق ذاته، عملت منظمة اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية بتنفيذ برنامج تدريبي لنحو (200) طبيب تمّ تعيينهم في المرافق والمنشآت الصحية، ويشمل البرنامج التدريبي أساسيات جودة الرعاية بما فيها الصحة الإنجابية، وصحة حديثي الولادة، وغيرها، الذي استمر (35) يومًا بتمويل من البنك الدولي، وذلك وفق ما ذكره الموقع الرسمي لليونيسف في تقرير نشر في 2024م، الذي جاء بعنوان: (جهود اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية لبناء قدرات (200) طبيب عام في اليمن).
وفي هذا الجانب، قالت الدكتورة تقوى بازنبور، رئيسة قسم الصحة بجمعية الوصول الإنساني للشراكة والتنمية فرع المكلا: “إنّ واحدًا من الأهداف التي تقوم عليها جمعية الوصول الإنساني رعاية المجتمع صحيًّا واجتماعيًّا، وتمثل الصحة الإنجابية جزءًا لا يتجزأ من تلك الأهداف؛ إذ أسهمت الجمعية في (33) سنة من العمل الإنساني والخيري في دعم الصحة الإنجابية للنساء، وزيادة الوعي فيها”.
وذكرت أنّ الجمعية لها إسهامات عديدة عبر مشاريع مختلفة، أهمها مشروع دعم خدمات الصحة الإنجابية في (7) محافظات مختلفة، وذلك ضمن (15) مرفقًا صحيًّا؛ إذ يقوم المشروع برفع الوعي بأهم مفاهيم الصحة الإنجابية، بالإضافة إلى تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة للنساء في سنِّ الإنجاب والحوامل.
بدورها، أكدت الدكتورة فاطمة العيدروس، مديرة إدارة الصحة الإنجابية في مكتب وزارة الصحة بساحل حضرموت، أنّ الإدارة تركّز على بعض المحاور المهمة ضمن خدماتها الصحية، ومن أبرز هذه المحاور الاهتمام بتنظيم الأسرة، عن طريق التشجيع على التباعد السليم بين الولادات؛ نظرًا لأهميته الكبيرة في الحفاظ على صحة الأم والطفل، وهذه الخدمات تُقدَّم بشكل مجاني في جميع المرافق الصحية، بدعم وتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وأضافت: “أنّ رعاية الأم الحامل تُعدُّ -أيضًا- من أولويات الإدارة؛ إذ يتم متابعة المرأة من بداية الحمل وحتى الشهور الأولى بعد الولادة، مع متابعة حالة الطفل، كما تنفذ الإدارة العديد من الأنشطة المتعلقة بتدريب الكوادر الصحية، وهو جزء أساسي من تحسين جودة الخدمات المقدّمة”.
وأشارت إلى أنّ إدارة الصحة الإنجابية في ساحل حضرموت تحظى بدعم من عدة جهات دولية وشركاء خارجيين لتنفيذ مشاريع متنوعة، سواء في مدينة المكلا أو في مديريات ساحل حضرموت، كما أنّ الإدارة تتلقى دعمًا لمشاريع محددة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ومنظمة اليونيسف، بالإضافة إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يُعدُّ الشريك والداعم الأساسي للصحة الإنجابية، ولأدوية الطوارئ التوليدية في اليمن بشكل عام.
في هذا السياق، قامت مؤسسة صلة للتنمية بتأهيل (70) فتاة كقابلات مجتمعيات في ثلاث مديريات بمحافظة حضرموت، وهي (الضليعة، يبعث، غيل بن يمين)، ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز خدمات الصحة الإنجابية في المناطق الريفية، وتوفير كادر مدرب يمكنه تلبية احتياجات هذه المديريات في هذا المجال. هذا ما أشار إليه المدير التنفيذي للمؤسسة، علي باشماخ، في تصريح له لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام)؛ إذ أكّد أهمية هذه المبادرة في تحسين مستوى الرعاية الصحية الإنجابية في المجتمعات المحلية.
الأنشطة والبرامج، (الوصول الإنساني أنموذجًا)
ذكرت الدكتورة بازنبور أنّ من أهم البرامج الحالية هي الشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، التي تتضمن مشروع دعم خدمات الصحة الإنجابية ضمن (15) مرفقًا صحيًّا، بالإضافة إلى ذلك، برنامج قسائم الصحة الإنجابية في (7) محافظات، ممّا يعزز الوصول إلى الخدمات الصحية الضرورية.
كما أشارت إلى دور جمعية الوصول الإنساني في دعم الصحة الإنجابية عبر مشروع مماثل، يهدف إلى توفير خدمات الطوارئ التوليدية ورعاية الحوامل، إلى جانب تقديم المشورة والإرشاد، وتنفيذ أنشطة توعوية تهدف إلى رفع الوعي بمفاهيم الصحة الإنجابية.
وأضافت: “أنّ من قصص النجاح التي تفخر بها الجمعية إسهامها في تقليل نسبة وفيات الأمهات والمواليد، بل والقضاء على هذه الظاهرة في بعض المحافظات، كما عززت الجمعية مستوى الوعي بأهمية تلقي الأمهات الحوامل للخدمات الصحية المقدمة في المرافق الصحية أثناء مدّة الحمل والولادة؛ إذ يبلغ عدد المرافق الصحية المدعومة من جمعية الوصول الإنساني ستة مرافق من محافظة حضرموت، ويبلغ عدد المستفيدات من خدمات الصحة الإنجابية فيها نحو (5,500) مستفيدة شهريًّا”.
واستطردت: “أنّ الخدمة تُقدّم عبر كادر صحي مؤهل، يتكون من طبيبات وقابلات وممرضات ومختبرات؛ إذ يتم تأهيلهنّ عن طريق إقامة دورات تدريبية تهدف إلى تنمية مهاراتهنّ وقدراتهنّ الصحية، وقد بلغ عدد المستفيدات من خدمات الصحة الإنجابية في محافظة حضرموت العام الماضي 2023م ما يقارب (13,843) مستفيدة”.
ورغم هذه النجاحات الكبيرة، فإنّ الجمعية تواجه العديد من التحديات، أبرزها صعوبة الوصول إلى المناطق البعيدة والنائية، والحاجة لوضع أساس قوي للصحة الإنجابية في المنطقة لضمان تقديم خدمات فعّالة، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ زيادة الإقبال على الخدمات يُشكل ضغطًا كبيرًا على المرافق المدعومة، ممّا يعطي مؤشرًا قويًّا بأنّ الاحتياج ما زال قائمًا.
وتلعب المنظمات الدولية والمحلية دورًا بالغ الأهمية في تعزيز الصحة الإنجابية في اليمن، سواء بتدخلاتها المباشرة أو غير المباشرة، فقد أسهمت هذه المنظمات في تحسين مستوى الصحة الإنجابية في كل من المدن والأرياف، عن طريق إنشاء المرافق والمراكز الصحية، وتوفير الأدوية اللازمة، وتدريب الكوادر المتخصصة.
هذا التعاون والتدخل المباشر ساعد في تقليل الأضرار التي تتعرض لها النساء والفتيات أثناء الحمل وبعد الولادة، فضلاً عن مدّة الرضاعة، في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها البلاد، أصبح دور المنظمات والجهات المانحة حيويًّا لتعزيز الجانب الصحي في اليمن، ممّا أسهم في تحسين حياة النساء والأطفال.