أحمد باجعيم – المرأة في التنمية والسلام
تعدُّ الصحة الإنجابية من أهم القضايا الحيوية التي تمس حياة المرأة بشكل مباشر، لا سيما في الدول النامية مثل اليمن؛ إذ تواجه المرأة اليمنية تحديات صحية جسيمة بسبب ضعف الخدمات الطبية والبنى التحتية، ما يؤدّي إلى ارتفاع معدلات الوفاة للأمهات والأطفال على حدٍّ سواء، وتعدُّ عوامل الصراع والفقر وانعدام الاستقرار السياسي من الأسباب الرئيسية التي تسهم في تدهور الصحة الإنجابية.
ولأنّ الشباب يعدون المحرك الرئيسي للتغيير والتطوير في المجتمعات، يمكن أن يكون لرؤيتهم أهمية كبيرة في تطوير سياسات صحية ملائمة تعزّز من واقع الصحة الإنجابية في اليمن، وتسهم في التغلب على الصعوبات، ووضع مقترحات تساعد في تحسين سبل الرعاية الصحية، وتقديم خدمات صحية شاملة وآمنة للنساء.
وفي هذا التقرير سنرصد آراء شبابية فيما يتعلق بخدمات الصحة الإنجابية في اليمن، مع تسليط الضوء على تقييمهم لجودة هذه الخدمات وكفاءتها في الوقت الحاضر، فضلًا عن اقتراحاتهم لتحسينها بما يلبي احتياجات المرأة اليمنية في ظل الظروف الراهنة وكذا مستقبلًا.
نظرة شبابية لواقع المراكز الصحية
ترى قابلة المجتمع في مخيم النزوح بمحافظة تعز، عواضة قائد، أنّ واقع المراكز الصحية في الوقت الحالي متدهور، ولا يقدّم الرعاية الصحية اللازمة، خصوصًا في مناطق النزوح؛ إذ لا تتوافر فيها الإمكانات الصحية الأساسية للنازحين كافة، بل إنّ كثيرًا من النساء لا يجدنَ الخدمات الصحية الضرورية بما يتعلق بالصحة الإنجابية، مما يعرض النساء الحوامل والأطفال والمرضى لخطر الأمراض المعدية، مثل الكوليرا وسوء التغذية والدفتيريا، وغيرها من الأمراض التي تنتشر في المخيمات.
وأضافت: “أنّ الوضع الصحي في اليمن، سواء في مخيمات النزوح أو في المدن والمناطق الريفية، يعاني من تحديات جسيمة نتيجة النزاع المستمر، وتدهور الاقتصاد، وارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذي جعل الأوبئة والأمراض تجد بيئة خصبة للانتشار، ممّا جعل النازحين وغيرهم من الفئات المهمشة عرضة لمخاطر صحية متعددة، ومع افتقار المراكز الصحية إلى الإمكانات الضرورية لتقديم الرعاية الأساسية للنساء والأمهات المرضعات، أسهم في ارتفاع حالات الوفاة أثناء الولادة وبعدها”.
من جانبها، تسلط الضوء الصحية (فهيمة عبد الرحمن) على التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع الصحة الإنجابية في حضرموت واليمن عمومًا؛ إذ تعاني المناطق الريفية والنائية بشكل خاص نقصًا في المرافق الصحية الضرورية، ويشمل هذا النقص: المعدات الطبية الأساسية، والأدوية، والإمدادات الصحية التي تحتاجها النساء، مثل وسائل تنظيم الأسرة، وعلاجات الإنجاب، التي تعدُّ غير متوفرة بالشكل المطلوب، كما تفتقر إلى الكوادر الطبية المدربة.
وتتابع: “إلى جانب ضعف البنية التحتية، هناك -أيضًا- نقص في الوعي المجتمعي بشأن أهمية الصحة الإنجابية وسبل الوصول إلى الخدمات المتاحة، وأنّ ما يزيد من تدهور الأوضاع الصحية على النساء، ويؤدي إلى مشاكل جسمية – خطورةُ الزواج المبكر الذي يشكّل خطرًا صحيًّا كبيرًا على الفتيات أثناء الحمل والولادة، سواء في الأرياف والمناطق النائية أو حتى في المدن، بالإضافة إلى استمرار الصراع الذي يزيد من تعقيد هذه التحديات، ويجعل الوصول إلى الخدمات الصحية أكثر صعوبة، ويعرقل الجهود الرامية إلى تحسين البنية التحتية الصحية وتطوير الخدمات”.
وفي السياق ذاته، أشارت أروى السقاف (طالبة طب بشري) إلى أنّ المراكز الصحية قد تكون موجودة في كل المدن وبعض المديريات، لكنها غير كافية، ولا تستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة أو تنوع الحالات، كما أنّ هناك نقصًا في الكوادر الصحية المدربة والمختصة بالصحة الإنجابية، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى تقديم خدمات دون المستوى المطلوب، لهذا تجد النساء أنفسهن مجبرات على التعامل مع قابلات غير مؤهلات؛ بسبب عدم وجود بديل آخر، أيضًا، غياب الرعاية المتكاملة للمرأة؛ إذ إنّ النساء لا يحصلنَ على الفحص الشامل أو التوعية الكافية أثناء الحمل وبعده، وهذا يزيد من مخاطر مضاعفات الحمل أو الولادة، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من نقص أكبر في الخدمات الصحية اللازمة.
الصحة الإنجابية وتحدياتها
توضح عواضة قائد أنّ الصحة الإنجابية في مخيمات النزوح تواجه تحديات جمة تؤثر على حياة النساء بشكل مباشر؛ إذ يفتقر المخيم إلى عيادات خاصة توفر الرعاية الصحية اللازمة للحالات الطارئة وتنقذ الأرواح، كما أنّ غياب الدعم الصحي يحرم النساء من الحماية ضد الأمراض المنقولة جنسيًّا، ويزيد من مخاطر المضاعفات الصحية الناجمة عن الحمل غير المخطط له والإجهاض، خاصة بين الفتيات الصغيرات نتيجة الزواج المبكر، كما أنّ هناك نقصًا في خدمات الإجهاض الآمن، مما يعرض العديد من النساء لمخاطر صحية خطيرة، ونقص في تلبية الاحتياجات النسائية الضرورية.
(عواضة) قامت بجهود كبيرة لتعزيز الوعي الصحي في مخيمات النزوح بمحافظة تعز؛ إذ ركزت على تقديم التوعية الصحية والتثقيف بشأن الصحة الإنجابية، ونشر الوعي بأهمية اتخاذ التدابير الوقائية، ودعم الولادة الطبيعية، والتأكيد على الكشف المبكر عن المضاعفات التي قد تتعرض لها الأم أو الطفل في مدة الحمل والولادة والرضاعة، كما عملت على تدريب النساء بشأن كيفية التعامل مع الحالات الطارئة أثناء الحمل، وأهمية الرعاية الصحية الدورية، مما أسهم في تمكين النساء من فهم أساسيات الصحة الإنجابية، وكيفية حماية أنفسهنّ وأطفالهنّ من المخاطر.
في السياق ذاته، تؤكد (فهيمة عبد الرحمن) أنّ الصراع المستمر أثّر بشدة في تقديم الخدمات الصحية ووصولها إلى العديد من المناطق، خاصة التي تشهد مواجهات، أو تقع على خطوط التماس، مما يجعل الصحة الإنجابية أكثر هشاشة في هذه المناطق، ويزيد الوضع سوءًا النقصُ الحاد في التمويل والموارد الضرورية، بما في ذلك الأدوية، والمعدات، والكادر المتخصص، وهو ما تفاقمَ بعد إعلان العديد من المنظمات الدولية تقليص مساعداتها.
وأضافت: “إلى جانب ذلك، يمثل نقص الوعي والتثقيف المجتمعي تحدِّيًا كبيرًا؛ إذ تغيب المعرفة بأهمية الصحة الإنجابية، خاصة في المناطق الريفية التي تنتشر فيها الأمية، ويغلب الجهل بالمخاطر الصحية التي تواجه النساء والفتيات، وهذه العوامل تجعل الفجوة في الرعاية الصحية الإنجابية عميقة، وتزيد من احتمالية التعرض لمضاعفات صحية خطيرة، مما يستدعي ضرورة دعم الجهود لزيادة الوعي، وتوفير خدمات صحية شاملة ومستدامة”.
تحسين مستوى الخدمات
في سبيل تحسين مستوى خدمات الصحة الإنجابية في اليمن مستقبلًا، تضع فهيمة عبد الرحمن مجموعة من التوصيات، منها زيادة التمويل والدعم الدولي من قِبَل المنظمات الدولية والحكومات المانحة؛ لضمان استمرارية خدمات الصحة الإنجابية وتوسيعها، سواء عن طريق توفير الأدوية، أو إنشاء مراكز صحية جديدة في المناطق الريفية، يرافق ذلك تنفيذ حملات تستهدف جميع الفئات العمرية؛ لتعزيز فهم المجتمع بأهمية الصحة الإنجابية، هذا يتضمن تحسين المعتقدات المجتمعية السلبية المرتبطة بالصحة الإنجابية، وتدريب المزيد من الكوادر الطبية المحلية وتأهيلهم، لضمان استدامة الخدمات الصحية في المستقبل.
ترى (أروى السقاف) أنّه من الضروري تعزيز دور المراكز الصحية، خاصة في المناطق الريفية والنائية، والتركيز على تعليم الشباب والشابات كيفية تقديم الخدمات الصحية اللازمة التي تتعلق بالصحة الإنجابية، وذلك عبر المناهج التعليمية في المدارس والمعاهد، والعمل المشترك في تطوير جودة الصحة في البلاد عمومًا، فمن دون تطويرها كلُّ الرؤى ستحطّم، وستكون في مهب الريح، لهذا على الدولة والجهات المعنية ألّا تتخذ من الصراع والوضع القائم حجة للركود والضعف، بل وجب التحرك لإيجاد منافذ وشراكات مع الجهات المانحة لدعم تطوير القطاع الصحي على مختلف الأصعدة.
وأشارت إلى أنّ من الرؤى المستقبلية التي وجب تحقيقها، دعم المرأة القيادية وتمكينها في المرافق الصحية؛ إذ إنها تسهم بشكل كبير في تحسين الصحة الإنجابية للمرأة، إضافة لذلك، العمل على توفير طرق وصول آمنة وسهلة إلى المراكز الصحية، وهذا يتطلب تحسين البنية التحتية، والتخطيط للنقل؛ لضمان وصول النساء إلى الرعاية الصحية دون عوائق.
وأضافت: “ينبغي تشجيع المجتمع على دعم جهود تحسين الصحة الإنجابية، عن طريق تعزيز الوعي بأهمية هذه الخدمات والتثقيف بشأن الحقوق الصحية للمرأة، وعقد شراكات مع المنظمات الدولية؛ إذ يمكن أن تُسهم الشراكات مع المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة الإنجابية في توفير التمويل اللازم والخبرات لتحسين مستوى الخدمات الصحية، ومن المهم أن تُقتَرَن هذه الجهود برقابة وتقييم ميداني للمرافق الصحية؛ لضمان التطوير المستمر وفعالية البرامج المقدّمة”.
وتعتقد أنّ تحقيق هذه الرؤى يحتاج إلى تعاون جماعي وإسهامات فعّالة من جميع الأطراف المعنية في المجتمع، ممّا يسهم في تحسين مستوى خدمات الصحة الإنجابية، وتحقيق نتائج إيجابية للنساء والأسر في اليمن.
إنّ تعزيز الصحة الإنجابية في اليمن يتطلب جهدًا جماعيًّا وتكاملًا بين جميع الجهات الفاعلة؛ إذ يجب أن يبدأ هذا الجهد من المجتمع المحلي، عبر التوعية والتثقيف الذي له دور حاسم في تغيير المعتقدات والسلوكيات المرتبطة بالصحة الإنجابية، كما ينبغي أن يشمل التعاون مع الجهات المعنية والمسؤولة، مثل وزارة الصحة والهيئات الحكومية؛ لضمان وضع السياسات المناسبة، وتخصيص الموارد اللازمة، ويأتي دور المنظمات الفعّالة والمانحة، التي يمكن أن توفر التمويل والخبرات والدعم اللوجستي لتحسين مستوى الخدمات الصحية، عبر هذا التعاون الشامل، يمكن تحقيق تحسينات ملموسة في الصحة الإنجابية، مما يسهم في رفع مستوى الرعاية الصحية للنساء والفتيات في اليمن، ويعزّز من جودة حياتهنّ.