علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام
في تقرير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2023م بعنوان (وفيات الأمهات) أظهر زيادة غير مقبولة في وفيات الأمهات؛ إذ تُوفيَ نحو 287,000 امرأة في مدّة الحمل والولادة وبعدها في عام 2020م، وكان نحو 95% من هذه الوفيات في البلدان ذات الدخل المنخفض، والشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، وكان بالإمكان منع معظم هذه الحالات عن طريق الرعاية الصحية الملائمة.
كما بيّن التقرير ذاته، أنّ النساء تواجه في الدول ذات الدخل المنخفض خطرًا مرتفعًا من الوفاة المرتبطة بمضاعفات الحمل أو الولادة على مدار حياتهنّ، ويعبّر عن هذا الخطر باحتمالية وفاة امرأة تبلغ من العمر 15 عامًا لأسباب تتعلق بالولادة، ففي الدول ذات الدخل المرتفع، تبلغ هذه النسبة 1 من كل 5,300 امرأة، في حين ترتفع في الدول ذات الدخل المنخفض إلى 1 من كل 49.
في اليمن، تواجه النساء العديد من المخاطر الصحية الإنجابية التي تؤثر بشكل كبير على حياتهنّ وصحتهنّ، وترتبط هذه المشاكل بمراحل الحمل والولادة، بالإضافة إلى الصحة الجنسية وتنظيم الأسرة.
يُستعرض في هذا التقرير الآثار الصحية الناتجة عن هذه المخاطر، مُسلطًا الضوء على التحديات التي تعاني منها النساء في اليمن، وما يتطلبه تحسين ظروفهنّ الصحية.
أبرز مخاطر الصحة الإنجابية
إنّ مخاطر الصحة الإنجابية في اليمن من القضايا الحساسة والمعقدة؛ إذ تتعدد العوامل التي تؤدي إلى تفاقمها، وتؤثر على حياة النساء وصحتهنّ بشكل مباشر، وقد تشمل هذه المخاطر جوانب متعددة، منها الحمل والولادة، والأمراض الجنسية، ونقص خدمات تنظيم الأسرة، ولعلَّ من أبرز المخاطر: زيادة في نسبة المضاعفات الصحية أثناء الحمل والولادة؛ بسبب نقص الرعاية الصحية الملائمة، وغياب الوعي والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة؛ يؤدي إلى ارتفاع معدل الولادات المتقاربة، ونقص التوعية عن الصحة الجنسية والإنجابية، والتغذية غير السليمة وسوء التغذية وغيرها.
كما لتلك المخاطر تأثيرات سلبية على صحة الأم والطفل؛ كونها تزيد من احتمالية وفاة الأمهات أثناء الولادة، وارتفاع معدل الولادات، وتكرار الحمل الذي يزيد من الأعباء الاقتصادية على الأسر، وقلة الرعاية الصحية والتغذية السليمة التي تؤدي إلى مشكلات صحية طويلة الأمد.
توضح الدكتورة أشواق محرم، مختصّة نساء وولادة، أنّ مفهوم الصحة الإنجابية يُعرّف بأنّه: “حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية المتعلقة بجوانب الإنجاب من بداية البلوغ وحتى الوصول إلى سن اليأس”.
وتضيف: “أنّ هذا المفهوم يشمل عدة عناصر رئيسية، من بينها القدرة على تحقيق الحمل والإنجاب دون صعوبات، وإمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الجيّدة، بما في ذلك الفحوصات الدورية والعلاج عند الحاجة”.
وتبيّن أنّ الصحة الإنجابية في اليمن تواجه تحديات جسيمة، وذلك مع تدهور الوضع الصحي؛ إذ تفاقمت المخاطر التي تهدد النساء الحوامل والأمهات، وأصبحنَ يعانينَ من نقص حادٍّ في الرعاية الصحية الأساسية، ممّا يجعلهنّ عرضة لمضاعفات صحية خطيرة.
وتوضح الدكتورة أشواق أنّ الفحوصات الدورية والكشف المستمر يضمنان أمان الحمل، ويسهمان في حماية المرأة من المخاطر والمشكلات الصحية المرتبطة به، وعبر هذه الفحوصات، يمكن الكشف المبكر عن أيّ مشكلات قد تؤثر على الحمل، مثل العدوى، والاضطرابات الهرمونية، أو السرطانات؛ كسرطان الثدي وعنق الرحم، عن طريق المسحات الطبية”.
لكنها تضيف: “أنّ العديد من النساء اليمنيات لا يراجعنَ المراكز الصحية قبل الولادة، مما يحرمهنّ من فرصة الكشف المبكر عن هذه المخاطر، ويعرض حياتهنّ للخطر، كما في أغلب الأوقات قد تتعرض المرأة الحامل إلى العديد من المضاعفات الخطيرة أثناء الحمل، مثل النزيف الحاد، وارتفاع ضغط الدم، والتسمم الحملي، وغيرها من المشكلات الصحية”.
كما تؤكد أنّ الزواج المبكر من أكثر القضايا التي تؤثر سلبًا على الصحة الإنجابية للمرأة؛ إذ إنّ الفتيات القاصرات غالبًا ما يواجهنَ مضاعفاتٍ خطيرة أثناء الحمل والولادة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وسكري الحمل، وصعوبة الولادة.
وترى الدكتورة محرم أنّ عدم توفر وسائل تنظيم الأسرة يعدُّ أحد العوامل التي تزيد من المخاطر الصحية للمرأة؛ إذ يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الحمل غير المخطط له، مما يفرض عليها ضغوطًا نفسية وجسدية كبيرة، تزيد من احتمالية حدوث مضاعفات صحية.
الإجهاض وآثاره
الإجهاض، الذي يُعرَّف بفقدان الحمل قبل أن يتمكن الجنين من العيش خارج الرحم، يُعدّ من أهم المخاطر التي قد تواجه الأمهات، وقد يؤدي إلى نتائج صحية خطيرة.
الدكتورة أشواق محرم توضح أنّ الإجهاض يُجرى في بعض الحالات لأسباب صحية، مثل مشكلات صحية لدى الأم، أو تشوهات جنينية، لكن يظل الإجهاض من الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات نتيجة الإرهاق الجسدي والنفسي الذي تتعرض له المرأة أثناء العملية.
وفيما يتعلق بأسباب الإجهاض، توضح الدكتورة أشواق محرم أنّ بعضها قد يكون طبيعيًّا بسبب السقوط، أو صحيًّا نتيجة النزيف أو الإصابة بالالتهابات والعدوى الفيروسية أو البكتيرية، أو بسبب سوء التغذية وضعف جسم الأم.
وتضيف: “إجراء عملية الإجهاض قد يترافق مع عدد من المخاطر والمضاعفات، مثل فقر الدم، والتسمم، والالتهابات، خصوصًا إذا لم يُنظّف الرحم بشكل سليم من بقايا الحمل، ممّا قد يؤدّي إلى نزيف حادٍّ، وأحيانًا إلى الوفاة في حال عدم التدخل الطبي السريع، بالإضافة إلى ذلك، قد تتسبب العدوى الناتجة عن الإجهاض في مضاعفات مستقبلية، بما في ذلك التأثير على القدرة على الحمل في المستقبل”.
الفحوصات قبل الزواج وأهميتها
تُعدُّ الفحوصات الطبية قبل الزواج خطوة حيويّة لتعزيز الصحة الإنجابية وضمان سلامة الأفراد؛ إذ تُسهم في الكشف عن الأمراض الوراثية والحالات الصحية التي قد تؤثر على صحة الأبناء.
وتؤكد الدكتورة أشواق على أهمية هذه الفحوصات، واصفة إياها كخطوة أساسية لتحقيق صحة إنجابية سليمة.
وتوضح أنّ إجراء الفحوصات قبل الزواج يساعد في الكشف على المخاطر الوراثية المحتملة التي قد تنتقل من الأبوين إلى الأبناء، خاصة إذا كانت هناك عوامل أسرية مشتركة أو جينات مرتبطة بتشوهات خلقية.
وذكرت أنّ هذه الفحوصات يمكن أن تكشف عن احتمالية إنجاب أطفال مصابين بأمراض مثل: التليف الكيسي، وفقر الدم المنجلي، والتلاسيميا، كما تساعد في حماية الأزواج من الأمراض المنقولة جنسيًّا، وتعزز الصحة العامة والنفسية للزوجين، ما يتيح لهما اتّخاذ قرارات واعية فيما يتعلق بالإنجاب مستقبلًا.
حلول ومعالجات
أشارت الدكتورة أشواق إلى مجموعة من الحلول المهمة لتقليل مخاطر الحمل ومضاعفاته، مؤكدة ضرورة التخطيط للحمل، واختيار المُدد المناسبة له، والمباعدة بين الولادات باستخدام وسائل مناسبة لمنع الحمل.
وترى أنّ هذه الخطوات تسهم في الحفاظ على صحة إنجابية جيدة للمرأة، وأنّ إجراء الفحوصات الطبية الدورية، وزيارة الطبيب بانتظام لمراقبة صحة الأم والجنين، واتباع نظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات والمعادن الأساسية، هي إجراءات أساسية لحماية الأم والجنين من المخاطر الصحية.
كما شددت الدكتورة على أهمية رفع الوعي، وتطوير التعليم، مع تشريع قوانين لمنع زواج الصغيرات؛ بهدف الحد من مضاعفات الحمل، وتقليل نسب الوفيات، وضرورة وضع آلية تلزم الفئات ذات القرابة من الدرجة الأولى، أو الذين لديهم تاريخ عائلي بأمراض جينية، بإجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج.
وأكدت ضرورة تنفيذ برامج توعية تثقيفية تعرّف النساء بحقوقهنّ الصحية، والمخاطر المحتملة وكيفية تجنبها، وإدراج مواضيع الصحة الإنجابية في مناهج التعليم الثانوي، وعقد دورات تدريبية، والسماح للمثقفين الصحيين بالنزول إلى المدارس لتوعية الشباب، كلّها خطوات ضرورية. كما دعت إلى تدريب الكوادر الصحية وتأهيلها لتقديم الرعاية المناسبة في مجال الصحة الإنجابية.
وبشكل عام، تتطلب اليمن جهودًا شاملة لتعزيز الرعاية الصحية والتوعية بالصحة الإنجابية، وتقديم خدمات تنظيم الأسرة، بالإضافة إلى تحسين التعليم والتمكين الاقتصادي للنساء، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المحلية والدولية كافة.