مجلة المرأة للتنمية والسلام – هبة محمد
تمتلك المرأة اليمنية دورًا استثنائيًا وحضورًا قويًّا في مجال الإعلام؛ إذ تعكس تاريخًا ثريًّا من الإلهام والتحديات والانتصارات، من خلال صوتها وكتاباتها وتقاريرها. وشكلت المرأة اليمنية العديد من التغييرات والتأثيرات في المجتمع والمشهد الإعلامي، منذ الأيام الأولى للإعلام في اليمن أثبتت المرأة الإعلامية نفسها كقوة لا يمكن تجاهلها، تسعى لتغيير النظرة السائدة وتُعزز الوعي العام.
يهدف هذا التقرير إلى إلقاء نظرة تاريخية على المرأة الإعلامية اليمنية وإسهامها في تطور الإعلام في اليمن، سنتتبع رحلة النساء الإعلاميات اليمنيات منذ الأيام الأولى للإعلام في اليمن وحتى الوقت الحاضر، مستعرضين التحديات التي واجهتهنّ والإنجازات التي حققنَها.
تاريخ المرأة اليمنية في مجال الإعلام
تاريخ المرأة اليمنية في مجال الإعلام يشكل قصةً ملهمةً للتحدي والتغيير في مجتمع يمتلك تراثًا ثقافيًّا غنيًّا وتقاليد قويّة على مرّ العقود، استطاعت المرأة اليمنية أن تتجاوز الحواجز والصعوبات، وتحقق تقدّمًا ملحوظًا في مجال الإعلام. إنّ رحلتها نحو التمكين والتغيير تعكس قوة إرادتها ورغبتها في المشاركة الفعّالة في صناعة الإعلام، وتأثيرها الإيجابي على المجتمع.
أكدت د. سامية الأغبري في كلية الإعلام جامعة صنعاء أنّه في مدّة الاستعمار البريطاني في اليمن (1839-1967م)، بدأت المرأة اليمنية في الظهور في المجال الإعلامي بشكل أكبر في عدن؛ إذ شاركت في تأسيس المجلات والصحف التي تناقش القضايا الاجتماعية والسياسية، ولعبت المرأة اليمنية دورًا مهمًّا في نشر المعرفة والوعي بين النساء والمجتمع اليمني.
وتواصل الحديث: “كان هناك كثير من النساء شاركنَ في مجال الصحافة وتلفزيون عدن، مثل: عديلة بيومي، وأمل بالجون، وعدد كبير من المذيعات عملنَ في تلفزيون عدن وإذاعتها منذ نشأتها الأولى منتصف الخمسينات والستينات، وكانت أول امرأة رائدة في مجال الصحافة هي ماهية نجيب، عام 1960م، والدها عبد الرحمن جرجرة، صاحب مجلة النهضة واليقظة، ماهية كانت متزوجة ولها أطفال، وبعد وفاة زوجها أطلقت اسمها على اسم زوجها ماهية نجيب”.
فيما أفادت د. أسماء الريمي (أستاذ في الحركة النسوية في اليمن) أنّه في مدينة عدن شهدت صحيفة (فتاة الجزيرة) انخراط نساء إعلاميات منذ وقت مبكر؛ أربعينات القرن الماضي، ويحدث من خلالها مناظرات ساخنة وجدل فكري في قضايا المرأة، منها: تعليم الفتاة، ومنع الزواج المبكر، وحقها في العمل.
وعن أول مجلة نسائية أصدرت في اليمن والجزيرة العربية، تقول الأغبري: “أسستْ ماهية نجيب أول مجلة نسائية في الوطن والجزيرة اسمها (فتاة شمسان)، وهي مجلة شهرية نشأت في واحد يناير 1960م، وأبرز العناوين التي تتناولها المجلة هي: قضايا المرأة اليمنية المتمثلة في التعليم والعمل، وحجاب المرأة اليمنية، ومشاركتها في المجال السياسي، لدرجة أنّ الشيخ أحمد باحميش (إمام جامع، ورئيس تحرير صحيفة الذكرى الدينية) هاجمها واتّهمها بالكفر في صحيفته. وفي عام 1966 م توقفت مجلة فتاة شمسان كبقية الصحف التي كانت أيام الاستعمار البريطاني”.
وأفادت الأغبري بالقول: “بعد ذلك نشأت مجلة نساء اليمن بقيادة نادرة عبد القدوس، ورضية شمشير، وعائدة محمد سعيد. بالنسبة لشمال اليمن أيام الحكم الإمامي لم يكن هناك أيّ مشاركة تذكر للمرأة اليمنية إطلاقًا، لكن بعد ثورة 26 سبتمبر بدأت عاتكة الشامي تعمل في إذاعة صنعاء، بعدها أَمَة العليم السوسوة، ورؤفة حسن في تلفزيون صنعاء، وغيرهنّ”.
وأشارت الأغبري أنّ مدّة السبعينات وبداية الثمانينات كانت المدّة الذهبية للمرأة التي فعلًا ظهرت فيها المرأة اليمنية في مجال الإعلام بقوة، وتولّت مناصب قيادية، مثل أَمَة العليم السوسوة التي كانت وكيلة وزارة الإعلام، وهناك كثير من النساء في تلك المدّة اقتحمت مجال الإعلام، وكان هناك صفحات للمرأة اليمنية في صحيفة الجمهورية في تعز، كتبتْ فيها عدد من الصحفيات، منها: فكرة حمود، وعائدة محمد سعيد التي كانت أول مذيعة في إذاعة تعز.
وأشارت أنّه بعد استعادة اليمن لوحدته في عام 1990م، شهدت المرأة اليمنية تطورًا كبيرًا في مشاركتها في الإعلام، تأسست العديد من المنظمات النسائية والمراكز الإعلامية التي تهدف إلى تمكين المرأة، وتعزيز دورها في الإعلام، وزادت نسبة مشاركة النساء في العمل الإعلامي، سواء كصحافيات أو مذيعات أو منتجات أو مديرات للمؤسسات الإعلامية.
تاريخ إذاعة صنعاء: المرأة اليمنية في البث الإعلامي
يقول الدكتور أحمد عقبات (عميد كلية الإعلام سابقًا في جامعة صنعاء): “اقترنَ نشاطُ المرأة اليمنية الإعلامي بإذاعة صنعاء التي وسّعت بثَّ إرسالِها في عام 1957م، عبر محطة من نوع جنرال إلكتريك، وموجة قصيرة بقدرة 25 كيلووات ببث محدود للقرآن الكريم، وفواصل موسيقية عسكرية، وأحاديث دينية”.
ويواصل الحديث: “بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م تتوسع مدة البث لتضمَّ برامج جديدة، منها برامج بين عهدين، والصحافة في أسبوع، وشعب وثورة، وبيني وبينك، وطريق النور، ومجلة الفكر والأدب، وبرامج الأسرة، وما يطلبه المستمعون، وغيرها، بمشاركة المذيعات الأوائل، مثل: كوكب حمود عيسى، وفاتن اليوسفي، وفوزية عموش، وجميلة العزب، بجهود فردية في الإعداد والتقديم مع زملاء الإذاعة”.
وأفاد في سياق حديثه أنّه مع تشكيل وزارة الإعلام، ومؤسستي الإذاعة والتلفزيون، ووكالة سبأ، توسع نشاط المرأة تدريجيًّا، برغم النظرة القاصرة لمشاركتها في مجال الإعلام، وتحفظ بعض الأسر من عمل بناتهم في الإعلام، ولعلّ الأعراف والعادات والتقاليد قد شكّلت عائقًا أمام مشاركة فاعلة للمرأة إعلاميًّا، لذلك فإنّ المشاركة ظلّت متواضعة لتضيف فيما بعد أسماء جديدة التحقت في الإذاعة والتلفزيون، مثل أمة العليم السوسوة، ورؤوفة حسن، وزهراء طالب، وسامية العنسي، وهدى الضبة، وإخلاص القرشي، وأخريات.
محطات في تاريخ المرأة الإعلامية في اليمن
“إنّ العاملين في الإعلام عمومًا لم يتخصّصوا في هذا المجال أكاديميًّا إلَّا في نهاية القرن الماضي، عندما درس بعضهم خارج الوطن في كليات الإعلام، وتمكنت الدكتورة رؤوفة حسن مع زملائها من تأسيس قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة صنعاء عام 1991م، الذي تحول إلى كلية نهاية عام 1996م، وافتتاح أقسام إعلام في محافظات أخرى؛ الأمر الذي أتاح الفرصة للمرأة بالدراسة فيها بأقسامها الثلاثة؛ إذاعة وتلفزيون وصحافة، وعلاقات عامة، وفنون جميلة، لتتواصل بعد ذلك مشاركة المرأة الفاعلة في وسائل الإعلام بالمحافظات المختلفة، كما أصبحت بعض طالبات الدفع الأولى مدرسات في الكلية” وفقًا للدكتور أحمد عقبات.
وأشار عقبات بالقول: “ومع تعدد القنوات الفضائية التلفزيونية والإذاعية، فقد غدت مشاركة المرأة من خريجات جامعات صنعاء وعدن وتعز والحديدة وغيرها أكثر توسعًا في البث الإذاعي والتلفزيوني والصحفي”.
ويوضح ذلك قائلًا: “فمثلًا أصبحت الإذاعات الرئيسية؛ كإذاعة صنعاء البرنامج العام، وإذاعة عدن البرنامج الثاني، وإذاعة الشباب، وإذاعات المكلا، وإب، والحديدة، وغيرها، لا تستغني عن خدمات المرأة في بثّها البرامجي، خاصةً إذا أخذنا في الأهمية الإذاعات المجتمعية؛ كيمن تايمز في صنعاء، وسلامتك في حضرموت، وإذاعة لنا في عدن، وإذاعة سام إف إم، ويمن إف إم، وصوت الشعب، وغيرها”.
وختم حديثه: “أنّ المرأة الإعلامية اليمنية أصبح لها مكان واسع في القنوات الفضائية اليمنية في الداخل والخارج، وأنّها طرقت أيضًا باب التمثيل المسرحي والإذاعي والتلفزيوني، وأصبحت كادرًا مهمًّا في هذا المجال، وأنّ الطفرة الإعلامية لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة، قد فتحت آفاقًا رحبة أمام المرأة اليمنية للمشاركة دون تحفظ”.
المرأة الإعلامية في اليمن صوت يستحق التقدير
تقول الإعلامية والصحفية سامية العنسي لمجلة المرأة: “إذا تذكرنا الماضي قليلًا وتحديدًا عند نهاية الستينيات، وفي لحظة ميلاد الكلمة الإعلامية والثقافية والخدمية الموجهة للوطن والمواطن آنذاك، ومن خلال وسيلتي الصحافة والإذاعة، فقد استُقطِب الصوت النسائي في ذلك الوقت القادم من رحم الموهبة والشغف والمحبة في عمر الزهور والطفولة والبراءة، وفي حدود عشر سنوات تقريبًا”.
وحسب ما ذكرت العنسي” أنّ أوائل الزميلات اللاتي عملنَ في عمر الطفولة، الأستاذة أمة العليم السوسوة، والدكتورة صفية العنسي، والأستاذة أنيسة محمد سعيد، ومن بعدهنّ في منتصف السبعينات تقريبًا، هدى صالح، وسامية العنسي، وعايدة الشرجبي، في إذاعة تعز، وغيرهنّ، أيضًا اللائي التحقنَ في المجال الإعلامي صغارًا في إذاعة صنعاء، الأستاذة فاتن اليوسفي، والأستاذة فايدة اليوسفي، وسيدة الإعلام المرحومة رؤوفة حسن”.
وتواصل: “أنّ الحاجة للعنصر النسائي في الإعلام استدعت هذا الاحتواء من أجل اكتمال معادلة العمل الإذاعي تقديمًا وأداءً، وهكذا كان للمرأة الإعلامية منذ ذلك الوقت البعيد دورها المجتمعي المؤثر إيجابًا في تشكيل ذآئقة الناس بكل جوانبها الفنية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية”.
وعن تفاصيل مشاركة المرأة الإعلامية للرجل توضح العنسي: “شاركت المرأة زميلها حركة النضال والوطنية من خلال الكلمة، ورسمت معه خطوات الانطلاق الأولى للشعب والوطن نحو التحرر والمدَنِيّة والعلم والتعليم، وكسر قيود الجهل والتخلف والعادات البالية، التي كانت تُحرّم على المرأة العديد من الممارسات الاجتماعية والاندماج في الحياة العامة”.
وترى العنسي أنّه برغم هذه الأدوار اللافتة للمرأة الإعلامية حتى اليوم في تشكيل مسار الإعلام في بلادنا، فإنّها ظلت تعمل تحت غبن التجاهل وغض الطرف من قبل القائمين على الإعلام، وأصحاب القرار في كل الوزارات المتعاقبة استغلالًا لعمرها القاصر عن إدراك حقوقها القانونية المكتسبة آنذاك، وإنكارًا لقدراتها وإمكانياتها المهنية في المنافسة بحسب المعايير التي تمكنها من استحقاقاتها المادية والقيادية أُسوة بزميلها الإعلامي.
تحديات
“تواجه المرأة اليمنية تحديات عديدة في مجتمع ذكوري متشدد في الماضي، لم تكن المرأة قادرة على حضور اجتماعات العمل التي تقام في مدة جلسات الظهيرة، أو المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية؛ وذلك بسبب عدم إتاحة فرصة المشاركة لها، ولم تُرقَّ كثيرٌ من النساء الإعلاميات برغم المدّة الطويل من العمل والخبرات المتراكمة” وفقًا للدكتورة سامية الأغبري.
وتواصل: “أنا شخصيًا عملت في وزارة الإعلام منذ عام 1989م إلى عام 2009م، وعملت في صحيفة الثورة والوحدة، وحاصلة على دكتوراه في الإعلام، ومع ذلك لم أتمكن من الحصول على ترقية وظيفية. المرأة الإعلامية في اليمن على مدى سنوات طويلة من العمل المتواصل ما زالت إلى اليوم تتعرض للتهميش”.
من جانبها تشارك د. أسماء الريمي بالقول: “الواضح أنّ مساحة مشاركة المرأة اليمنية في وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية كمقدمة برامج – ضئيلةٌ، مقارنةً بظهور الرجل، وخاصة كمتحدثات في قضايا سياسية أو اقتصادية مهمة؛ إذ تغيب المرأة الإعلامية من التأهيل ورفع قدراتها بعد التخرج من كلية الإعلام، وإذا نظرنا للمرأة الإعلامية كصحفية أو كمراسلة فنسبتها ضئيلة مقارنة مع زميلها الصحفي الإعلامي”.
وتكمل الحديث: “وهذا ما يشير إلى أنّ المرأة اليمنية في الإعلام تواجه العديد من التحديات، وأهمها غياب عملية التأهيل والتدريب بعد التخرج من الجامعة، كما تستغني وسائل الإعلام عن توظيف المرأة الإعلامية بحجة سلامتها الشخصية، وأنّها لا تستطيع تغطية الأحداث، وخاصة في بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، أو بيئات خطرة وغير آمنة”.
نماذج نسائية
تقول الأغبري: “برزت نماذج نسائية كثيرة في الجنوب، منها: نادرة عبد القدوس، وعديلة بيومي، وأمل بالجون، وفي تلفزيون صنعاء جميلة علي رجاء، وهي من الإعلاميات التي كانت تدير حوارات إعلامية متميزة، وانتقلت للقاهرة، وأصبحت أول ملحقة إعلامية للسفارة اليمنية في مصر”.
وتكمل: “أيضًا عائدة الشرجبي في إذاعة صنعاء، ورؤوفة حسن؛ كمذيعة وكاتبة أيضًا، وممثلة في المسرح، وصحفية في صحيفة الثورة، وهي أول من أسست قسم الإعلام في جامعة صنعاء، وعملت مركزًا للنوع الاجتماعي في الجامعة الجديدة”.
وأشارت أيضًا أنّ أمة العليم السوسوة حققت إسهامات بارزة؛ فقد كانت مذيعة في التلفزيون اليمني، بعدها أصبحت وكيلة وزارة، بعدها سفيرة، فتولت مناصب وفرصًا أكبر. وأوضحت أنّ عدد النساء اللائي عملن في مناصب قيادية محدودٌ جدًّا، وبعض من النساء الرائدات في مجال الإعلام اليمني سافرنَ خارج البلاد؛ بسبب عدم إتاحة الفرص المتساوية أمامهنّ مقارنة بالذكور في اليمن.