المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ

نسرين قشيمة، تهامية قوية استطاعت أن تتغلب على القيود التي يفرضها المجتمع على العديد من الفتيات الطموحات اللائي لديهن شغف العمل في مجالات يراها المجتمع حكرًا على الرجال دون النساء، ومن هذه المجالات الإعلام.

نسرين من مواليد مديرية السخنة بمحافظة الحديدة، التحقت بكلية الفنون الجميلة بجامعة الحديدة وتخصصت في قسم الفنون الإذاعية والتلفزيونية. متزوجة وأم لطفلين، كنان وفراس.

 تعمل نسرين في العديد من المجالات، منها التصوير والإخراج؛ إذ بدأت مشوارها بعد تخرّجها من الجامعة عام 2017 في مجال التصوير في توثيق المناسبات، كالأعراس وحفلات التخرج وأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات.

تحب نسرين الكاميرا، وتعدُّها سلاحها وهوايتها المفضلة التي تسعى جاهدة إلى مواكبة كل جديد يتعلق بها، والاستفادة من نجاح رواد هذا المجال (مجال التصوير) ومهاراتهم؛ بهدف تطوير قدراتها وتعزيز موهبتها.

واجهت نسرين العديد من التحديات منذ بدأت تفكر بالالتحاق بقسم الإذاعة والتلفزيون في جامعتها، إلا أن إصرارها ساعدها على تجاوزها بنجاح. لم يكن والدها موافقًا على دخولها هذا المجال الذي يرى أنه لا يدر دخلاً وأنه مجال غير مهم، واختار لها دراسة الطب البشري.

قالت نسرين: “طاعةً لوالدي ذهبت للتسجيل في قسم الطب البشري ولم أنجح في اختبار القبول، فأخبرته بذلك وقلت له أني سأعود للتسجيل في قسم الإذاعة والتلفزيون فرفض مرة أخرى. لكنَّ أخي كان الداعم والسند لي ووعدني بالوقوف إلى جانبي ودعمي ماديًا، حينها شعرت بأمل أني سأحقق حلمي الذي رافقني منذ الصغر”.

وتضيف: “كان والدي يرى أن التحاقي بهذا القسم مجرد إضاعة للوقت، وأني سأتخرج دون أي فائدةـ ولم يقدم لي أي دعم يذكر، إلا أن نظرته تغيرت بمجرد أن رآني انطلقت في العمل وبدأت
أستفيد ماديًا وحققت نجاحًا كبيرًا يتحدث عنه الآخرون، أدرك حينها أنه كان مخطئًا في تقديره لاختياري هذا التخصص، فسمح لأختي بالالتحاق بالمجال ذاته دون تردد”.

وتتابع: “الإعلام كان طموحي منذ طفولتي، في المدرسة كنت أقدم الإذاعة المدرسية باستمرار، وأشارك في تمثيل المسرحيات التي كنا نعرضها في الاحتفالات وطابور الصباح. كَبُرَ شغفي مع مرور السنوات، وها أنا أحقق كثيرًا من الرغبات التي طالما سعيت إلى تحقيقها”.

عملت نسرين على فتح صفحة على الفيسبوك باسم (نسرين ميديا) واختارت عبارة “عدستي تلتقط إنجازاتكم وذكرياتكم بكل دقة وشغف” شعارًا لها. وشاركت في إنتاج العديد من قصص النجاح لمؤسسات محلية، إلى جانب قيامها بعددٍ من التغطيات الإعلامية، وشاركت كممثلة في العديد من أفلام مشاريع التخرج لمتخرجي قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة، كما شاركت كممثلة في العديد من المسلسلات اليمنية.

عملت نسرين مؤخرًا في إخراج العديد من الأعمال التلفزيونية، ومنها كليبات حاكت الموروث التهامي وعكست الواقع الذي تعيش فيه المرأة التهامية، وخاصة فئة الفتيات الشابات؛ إذ تعاني نساء تهامة من التهميش، وما زلن يجدن صعوبة في انتزاع حقوقهن، مثل الحصول على التعليم، لا سيما في كثير من المناطق الريفية التي تفتقر للبنية التعليمية، إلى جانب انتشار ظاهرة زواج القاصرات وختان الإناث، وفقًا لما تقتنع به نسرين.

وتقول: “لم تتوقف معاناة نساء تهامة وفتياتها عند هذه المشكلات، فالنساء المتعلمات حُرمن أيضًا من نيل حقهن في المناصب الإدارية والوظيفية وفي المشاركة في صنع القرارات. إنهن كغيرهن، لديهن طموحات وأهداف وآمال ولا بد من مساعدتهن لتحقيقها”.

وتضيف: “لم أعد أطمح في أن تتولى النساء في تهامة المناصب الإدارية والقيادية؛ فالرجال أنفسهم في تهامة ما يزالون يعانون من التهميش في كثير من المناصب داخل الدولة إلا نادرًا؛ فكيف للمرأة أن تحصل على هذا الحق، بل إنه أصبح من المستحيلات”.

ترى نسرين أن تمكين المرأة في تهامة يحتاج إلى عدة خطوات، منها تكثيف التوعية بأهمية توليها المناصب والوظائف إلى جانب إلزام الدولة تخصيص نسبة معينة تتعلق بتعيين المرأة في تهامة في المؤسسات الحكومية.

كفاح وإصرار وشراكة

يحكي علوي الحداد -زوج نسرين- قائلًا: “تعرفت على نسرين في الجامعة، حين كنا طلابًا في قسم الإذاعة والتلفزيون. قضينا أربع سنوات معًا، خلال هذه السنوات أثبتت نسرين أنها فتاة قوية وصبورة ومكافحة. عاشت حياة أسرية صعبة جدًا بسبب انفصال والديها وهي ما زالت صغيرة في العمر. كانت تقوم بأعمالٍ أخرى إلى جانب الدراسة؛ لتتمكن من توفير نفقاتها ومستلزماتها، وكان أخوها أنور أكبر داعم لها ومشجعها على الدراسة”.

ويضيف: “أعجبت بنسرين كثيرًا، فهي ذكية واجتماعية وقوية. ورغم كل الظروف والصعوبات التي تواجهها فإن الابتسامة لا تفارق وجهها. بعد التخرج، استطاعت نسرين العمل مع أكثر من جهة حكومية، خاصة في ظل أوضاع تجبر المرأة على البقاء في المنزل، وأثبتت نسرين للجميع أن المرأة قادرة على العمل والنجاح، فهي أم لولدين، ومع ذلك هي إنسانة ناجحة وعملية جدًا”.

يوضح علوي أن لنسرين العديد من الإنجازات الفنية؛ فقد أخرجت برنامج “شعبيات تهامية” على يوتيوب، وشاركت في إخراج العديد من الفيديوكليب، وشاركت في مسلسلات تلفزيونية رمضانية. كما عملت لدى منظمات دولية في الجانب الإعلامي، من ناحية توثيق المشاريع وصناعة قصص النجاح. ويؤكد: “أنا فخور جدًا بنسرين، وأتمنى لها أن تستمر في تحقيق أحلامها وأن تصبح سفيرة إعلامية دولية، وأنا سأظل دائمًا داعمها ومساندًا لها”.

حياتها

تقول نسرين أنه بمجرد مجيء طفلها الثاني (فراس) فإن ضغطًا كبيرًا ألقي عليها بسبب عملها، غير أنها تحاول التغلب على هذا التحدي في أن توفِّق بين دورها في البيت ووظيفتها، ولولا مساعدة إحدى قريباتها في الاهتمام بأبنائها أثناء عملها لتضاعفت معاناتها، وتضيف: “أحمل كل التقدير والاحترام لسِلفتي وردة (زوجة أخِ زوجي)؛ لأنها تقف بجانبي كثيرًا حين أذهب للعمل فيما تهتم هي بأطفالي إلى أن أعود”.

توضح نسرين أن المرأة العاملة تجد صعوبة في التوفيق بين عملها ووظيفتها إلا أنها تحرص أن تعمل بمجهود كبير، وتقول: “انشغالي عن أطفالي أفضل من أن أتركهم يعانون نقص الاحتياجات الحياتية، خاصة مع الظروف المادية القاسية التي تعاني منها كثير من الأسر، وأجبرت المرأة على أن تتحمل فوق طاقتها، لا سيما إذا كانت أُمًّا”.

 وتؤكد في حديثها أن زوجها يخفف من معاناتها في أن توفق بين أسرتها ووظيفتها، ورغم ذلك ما تزال تعاني من عدم قدرتها على الموازنة بين الاهتمام بأطفالها وبعض الأعمال خارج المنزل، وهذا يُولد لديها شعورًا بعدم الرضى أو الارتياح والاستقرار. ومع ذلك فإنها تكافح من أجل توفير حياة كريمة لأطفالها. وهي تطمح إلى أن تدرس العلوم السياسية وأن تكون مسؤولة كبيرة في إحدى الوزارات أو السفارات، وتسعى إلى أن تتولى مناصب مهمة في المستقبل، وإن كان الحاضر لا يشجع على تحقيقه.

قالوا عنها

يتحدث علي مغربي الأهدل -شاعر وكاتب وباحث في مجال اللغة والتاريخ والتراث والموروث الشعبي في تهامة- عن نسرين قائلًا: “أنا شخصيًا أعتز وأفتخر كثيرًا بالأخت الأستاذة نسرين قشيمة، فهي أولاً من بلادي ومنطقتي وعزلتي التي أنتمي إليها، وكلانا من مديرية واحدة، وهذا يمثل بالنسبة لي اعتزازًا وفخرًا”.

ويتابع: “نسرين تمثل في مجالها الثقافي والإعلامي نموذجًا للفتاة التهامية اليمنية الطموحة والمثابرة رغم كل الصعوبات التي تواجهها. وما لفت انتباهي إليها وزادني اعتزازًا بها بشاشتها وأخلاقها وسعيها دائما بخطى واثقة من أجل إبراز ذاتها، وطموحها كفتاة تهامية وإعلامية في رسم تطلعات المرأة اليمنية في المجال الإعلامي والفني والإبداعي”.

ويضيف: “حضورها دائم في الساحة الثقافية في كثير من الأعمال الفنية والإبداعية، وفي دعم المواهب الشابة والوقوف إلى جانبها في إبراز بعض الأعمال. أنا سعيد بقيامها مع الأستاذ علوي الحداد وبقية الطاقم بتصوير العمل الغنائي الثنائي فيديو كليب “عازمولي” الذي كتبتُ كلماته، وقدَّمَه الفنان عبده آل شراعي وسجى أحمد، وكانت نسرين مخرجة للعمل”.

مؤكدًا: “أن العمل يناقش جوانب من معاناة المغترب وحالته وأوضاع أسرته وأطفاله خلال غيابه عنهم ومكابدته الظروف. وللأخت نسرين بصمات وحضور في أعمال فنية وفعاليات ثقافية كثيرة، فأنا أحييها وأحيي كفاحها وثقتها وتطلعاتها وطموحاتها التي تعكس كفاح المرأة التهامية خاصة، واليمنية عامةً، وتطلعاتها وحضورها في ميدان الإبداع والحياة والعمل. تمنياتي لها بالسعادة والنجاح والمزيد من العطاء والإبداع”.

فيما تقول رنا الحبيشي -إعلامية- إن نسرين مصورة مبدعة ومتميزة في عملها، وحديث زبائنها عنها دليل على ذلك، وأنها تحب أن تعطي المعلومة للآخرين، وتقدم المساعدة لأي شخص يطلب منها ذلك دون تردد أو تقصير.

وتضيف: “نسرين فتاة واضحة لا تحب المجاملة، ولا تحتكر المعلومة لها. في أوقات كثيرة استشرت نسرين في أمور عديدة تتعلق بالتصوير ولم تبخل عليّ أبدًا، فقد أعطتني وقتًا كافيًا وشرحت لي أمورًا كثيرة. أحب نسرين كثيرًا فهي زميلة وأخت، وأنا ممتنة لها، ولها كل التقدير والاحترام”.

من جهته يقول محمد الشميري -كاتب-: “الكتابة عن نجاح الفتيات التهاميات أمرٌ جدير بالنشر؛ لتعزيز حضور الأخريات وكسر العزلة والإحباط لديهن. وأعتقد أن هذا ما فعلته نسرين قشمة باقتحامها لمجالات ظلت حكرا على الرجال، أو على وجه الدقة متاح لمن خرجن إلى مدن أخرى مثل العاصمة صنعاء”.

 ويتابع: “من يطَّلع على سيرتها وأعمالها وجرأتها غير المحدودة في التصوير والإخراج والإشراف الفني يدرك أهمية دورها ويثني على مثابرتها ويتأكد من إيجابية النموذج الذي تقدمه”. ويضيف في حديثه أن كثيرًا من المبدعين وصناع النجاح في تهامة لم يستطيعوا تحقيق أحلامهم لعدة ظروف، منها أنهم لم يجدوا فرصًا مناسبة لتحقيق طموحاتهم، وأن كثيرًا من الذين غادروا تهامة استطاعوا تحقيق أهدافهم وحققوا شهرة ونجاحًا.

استطاعت نسرين قشيمة أن تحقق العديد من النجاحات والطموحات، وما زالت تكافح لتصل إلى أعلى مراتب النجاح. حسنُ تعاملها وأخلاقها العالية جعلاها تكسب محبة الآخرين واحترامهم، فكثيرون يتحدثون عن شخصيتها القوية وكرمها غير المحدود في مساعدة الآخرين.