المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبد الحفيظ
شكل حضور المرأة اليمنية في المجال السياسي نقطة تحوُّل فارقة ومؤثرة منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، عبر تدرّجها في مناصب مهمّة في المجال البرلماني، والوظائف العمومية، والحقائب الوزارية والدبلوماسية؛ إذ إنّها دخلت السلك الدبلوماسي منذ أكثر من 20 عامًا، وتألقت أسماء نسائية يمنية برعنَ في تمثيلِ اليمن في العديد من دول العالم؛ ممّا جعل منهنّ قدوة يُحتذى بها، وتلهم الأجيال القادمة من الفتيات للوصول إلى أعلى المناصب وتحقيق طموحاتهنّ.
رغم الإنجازات المذهلة التي حقّقتها المرأة في مجال العمل الدبلوماسي خلال مُدَد زمنية متفاوتة، وبروز أسماء نسائية لامعة في هذا المجال، أثبتت كفاءتها ومهاراتها، فإنّ مرحلة الصراع التي تمرُّ بها اليمن أدّت إلى تراجع نسبة مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، فباتت المناصب الدبلوماسية مهيمنة بشكل كبير على الرجال، ممّا يعدّ تراجعًا واضحًا عن الإنجازات التي حققتها المرأة في هذا المجال.
تطمح نسرين قشيمة (فتاة من تهامة) بأن تكون سفيرة لدى اليمن في إحدى دول العالم، أو على الأقل تعمل في منصب مهم في إحدى السفارات اليمنية، إذ إنّ التهميش الذي وقع على المرأة اليمنية لم يجعلها تشعر باليأس، بل زادها إصرارًا على الاستمرار في إثبات قدرتها على تغيير الواقع الذي حصر المرأة في مجالات معينة دون غيرها.
وتتابع حديثها فتقول: “إنّ المرأة تعدُّ مثل الرجل، لها الحقّ في التطلع نحو تحقيق أهدافها المشروعة في الحصول على مناصب قيادية، رغم ظروف البلاد الصعبة؛ إذ من الواجب إعطاؤها الحق بالتعيين في جميع مرافق مؤسسات الدولة، خاصة في المناصب القيادية والدبلوماسية، والسماح لها بالمشاركة في صنع القرارات”.
تعمل نسرين منذ أن تخرجت من الجامعة في مجال تصوير الأعراس والمناسبات الأخرى، إلى جانب عملها في توثيق المؤتمرات، وقصص النجاح، والتقارير المصورة، وفي تصوير الفيديو كليبات، التي حققت شهرة كبيرة في مدينة الحديدة التي تعيش فيها.
وأضافت: “أنّه بالرغم من نجاحي في مجال التصوير، فإنّني أطمح بأن ألتحق بقسم الاقتصاد والعلوم السياسية، وأن أحصل على منصب دبلوماسي مهم في إحدى السفارات؛ إذ يعدّ هذا الأمر من طموحي الذي كنت أودّ أن أحققه قبل الالتحاق بقسم الفنون الإذاعية والتلفزيونية، في كلية الفنون الجميلة، بجامعة الحديدة، كما أنّ المجتمع وخاصة الأهل رفضوا تحقيق حلمي من أن أخوض المجال الدبلوماسي”.
ليست نسرين وحدّها من تطمح للعمل في هذا المجال المهم والحسّاس، فهناك كثير من الفتيات في مختلف المناطق اليمنية يرغبنَ في دراسة التخصص، والانطلاق لتمثيل اليمن في مختلف البلدان؛ سواء من خلال السفارات أو الوزارات وغيرها.
نسرين وغيرها من الفتيات اللاتي يحملنَ حلم الالتحاق بالمجال الدبلوماسي، انطلقت رغبتهنّ من قصص كثير من النساء اللاتي عملنَ في هذا المجال، وواجهت بإصرارها التحديات والعراقيل كافة، التي تمنع النساء من المشاركة في هذه المجالات، وأثبتت أنّ المرأة تملك الشجاعة والقدرات الكافية التي تؤهلها لمناصب قيادية في البلاد.
أمة العليم السوسوة
تعدُّ أمة العليم السوسوة من الشخصيات التي لعبت دورًا مهمًّا وبارزًا في العديد من المجالات القيادية والسياسية والدبلوماسية، ولها كثير من الإسهامات والإنجازات والمشاركات في مختلف المؤتمرات والمهرجانات والندوات، التي أقيمت في كثير من الدول العربية والدولية.
وُلدت أمة العليم في محافظة تعز غرب اليمن في العام 1958م، وتخرجت من الثانوية العامة عام 1976م، ودرست في كلية الإعلام جامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية عام 1980م، وقد عملت أمة العليم في العديد من المناصب القيادية؛ إذا أصبحت كبير المذيعين في تلفزيون صنعاء عام 1991م، وعُينت وكيل وزارة الإعلام 1997م، ثم عُينت ممثلًا دائمًا لليمن لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في هولندا، ثم سفيرة غير مقيمة لدى مملكة السويد، ثم سفيرة غير مقيمة في مملكة الدنمارك، ثم سفيرة هولندا عام 2000م، وفي مايو 2003م عُيِّنت وزيرة حقوق الإنسان، كأول امرأة تتولى هذا المنصب في اليمن.
وقد شغلت أمة العليم السوسوة منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، والمدير المساعد والمدير الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك في عام 2006م، وفي عام 2014م عُيِّنت مديرًا تنفيذيًّا للجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب المساعدات وإصلاح السياسيات.
أمة العليم السوسوة كانت من النماذج اليمنية النسائية المتميزة التي حققت شهرة واسعة على مستوى اليمن وخارجه، ونجاحات ملموسة على الواقع المجتمعي اليمني؛ إذ قدّمت العديد من البرامج التلفزيونية المؤثرة في مجالات عديدة؛ سياسية وصحية وثقافية وتعليمية، وعملت محاضرة في كلية العلوم السياسية في جامعة صنعاء.
لها العديد من المشاركات العربية والدولية، مثّلت فيها اليمن بشكل مشرّف، خاصة في مهرجان الفيلم الدولي الحادي عشر في موسكو عام 1978م، وتحدّثت باسم اليمن في اللقاء الدولي بمناسبة عقد المرأة والتنمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، نيويورك عام 1983م، وترأست وفد اليمن في اجتماعات اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية في القاهرة عام (1991 – 1995م)، وشاركت في لقاء البرلمانيات الأوروبيات في بروكسيل عام 1992م، وشاركت في المؤتمر السنوي الثاني عشر لصناع القرار في واشنطن عام 2003م، وغيرها من المشاركات العربية والدولية.
وقد حصلت أمة العليم على العديد من الجوائز العربية والدولية، من ضمن تلك الجوائز (جائزة امرأة العام في الشرق الأوسط عام 2003م)، وجائزة (دبليو أفريل هاريمان للديمقراطية عام 2004م)، كما كُرِّمت من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة لجهودها المتميزة في المجال الإعلامي.
جميلة علي رجاء
تتميز جميلة علي رجاء بحملها لقب سفيرة، بعد خدمة 30 عامًا في الحكومة اليمنية؛ كممثلة ومستشارة في السلك الدبلوماسي، وتعدُّ من أبرز النساء اليمنيات العاملات في مجال حقوق المرأة، وُلِدت في محافظة تعز في عام 1958م، وهي أول مذيعة قارئة للأخبار ناطقة باللغة الإنجليزية، إذ إنّها حاصلة على ماجستير في الصحافة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة.
عملت رجاء مستشارة في وزارة الخارجية اليمنية، ومستشارة للبعثات الأجنبية للحكومات الأوروبية والمنظمات الدولية المشاركة بجهود السلام في اليمن، وعملت مساعد للمستشار الإعلامي بالسفارة اليمنية في مصر، وعملت استشارية في محادثات السلام في جنيف والسويد، وعُيِّنت رئيسة المركز الإعلامي اليمني، وعملت مستشارة في مؤتمر المرأة اليمنية وسيطات السلام، كما عملت خبيرة في العديد من المنظمات الدولية أبرزها منظمة العفو الدولية.
شاركت رجاء في العديد من القمم العربية التي أقامتها جامعة الدول العربية مع الوفد اليمني المشارك، كما تعدُّ عضوة مؤسسة في التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، وشاركت في الوفد النسائي المشارك في محادثات الكويت.
رمزية عباس الارياني
تعدُّ رمزية الإرياني أول يمنية دبلوماسية تنظم إلى السلك الدبلوماسي في عام 1979م، إذ إنّها من مواليد محافظة إب عام 1954م، وهي روائية وكاتبة وحقوقية يمنية رائدة.
درست رمزية الإرياني الثانوية العامة في محافظة تعز، والتحقت بجامعة القاهرة في مصر لدراسة الفلسفة، وحصلت على البكالوريوس عام 1977م، والماجستير في الأدب العربي عام 1979م، إلى جانب ذلك لديها العديد من المؤهلات العلمية أبرزها، دبلوم في القيادة السياسية، ودبلوم في إعداد المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية، وليسانس فلسفة واجتماع وعلم نفس من جامعة القاهرة، ودبلوم إدارة من المعهد القومي في صنعاء، وماجستير في الأدب السياسي من جامعة (جواهر لآل نهر) في الهند.
أبرز المناصب التي عملت بها، رئيسة دائرة الجامعة العربية والقرن الإفريقي من 1980م إلى 1981م، ورئيسة دائرة الخليج والجزيرة العربية، ووزير مفوض في السفارة اليمنية في تونس، ووزير مفوض في السفارة اليمنية في واشنطن عام 1997م، ورئيسة دائرة أمريكا الشمالية من 1996م إلى 1997م، بالإضافة إلى منصب رئيس دائرة حقوق المرأة من 2000 إلى 2002.
وضع المرأة الدبلوماسية في الوقت الراهن
كان لليمن عدد قليل من السفيرات في الماضي، إلّا أنّ أدوارهنّ مؤثرة على المستوى المحلي والدولي، وقد واجهنَ كثيرًا من التحديات في دخول السلك الدبلوماسي، تمثلت في نظرة المجتمع النمطية للمرأة بأنّها غير قادرة على تولّي المناصب القيادية، ومع ذلك تمكنت بعض النساء من كسر تلك الحواجز، وتحقيق النجاح في العمل الدبلوماسي.
في الوقت الراهن هناك تعيينات محدودة لسفيرات يمنيات في مختلف دول العالم، رغم نقص الدعم والتمكين، فإنّهنّ شكلنَ نموذجًا مشرفًا للمرأة اليمنية في مواجهة صعوبة الوضع الحالي في اليمن.
تقول حليمة محمد (ناشطة مجتمعية وحقوقية) “إنّ وضع المرأة في السلك الدبلوماسي في الوقت الحالي لا يختلف عن وضعها في باقي القطاعات الأخرى التي تأثرت من الصراع؛ إذ يعد تمثيل النساء مقارنة على ما كان في السابق ضعيفًا جدًا، خاصة في مواقع صنع القرار، ويقتصر دورها في شغل مناصب هامشية إدارية”.
وأضافت: “أنّ المجتمع اليمني لم يشهد منذ سنوات كثيرة وجود النساء كسفير أو نائب سفير، إلّا بأعداد قليلة وغير مؤثرة بالشكل المطلوب، ويقتصر عمل المرأة ملحقية في إدارات عمل المكتبية”.
وترى حليمة في حديثها لـ (صحيفة المرأة في التنمية والسلام) أنّ الصراع في اليمن أثّر بصورة كبيرة على النساء؛ إذ حرمت كثير من المؤهّلات من المشاركة في كل القطاعات، نتيجة الهيمنة الذكورية على صنع القرار والعمل الدبلوماسي، وانفراد توزيع المناصب المهمّة على الرجل.
كما تشير إلى أنّ هناك تجاوزًا لكل الاتفاقيات التي صُودق عليها، بما فيها مخرجات الحوار الوطني الذي أعطى للمرأة الحق في الحصول على نسبة لا تقل عن 30% في المشاركة بكل القطاعات، كما تعرضت المرأة إلى تهميش وإقصاء في المشاركة السياسية خاصة في تشكيل الحكومة؛ إذ لم يُعطَ لها حصة في المشاركة السياسية.
وتقول: “لا بُدَّ من تمكين النساء من اتّخاذ وظائف في مناصب صنع القرار والعمل الدبلوماسي، ومن الضروري استقطاب المؤهّلات عبر اعتماد الكفاءات العلمية والعملية؛ إذ كانت المرأة الدبلوماسية سابقًا تحقق كثيرًا من الإنجازات التي تعود على اليمن بنجاحات وتأثير مشرّف على أرض الواقع”.