بلقيس: إنّ الدعم القانوني يعدُّ مفتاح تمكين المرأة اليمنية، ويفتح أمامها آفاقًا جديدة

المرأة في التنمية والسلام

 

«يكمن دور المرأة اليمنية العاملة في المجال الدبلوماسي في قدرتها على تقديم منظور متوازن ومتعدد الأبعاد للقضايا المتعلقة بالسلام والأمن، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها اليمن في الوقت الراهن؛ إذ إنّ للمرأة القدرة على التمثيل والتعبير عن مختلف الأصوات والمصالح في المجتمع اليمني، متجاوزة الانتماءات القبلية والعرقية والحزبية».. هذا ما أكدته المستشارة في وزارة الخارجية اليمنية الأستاذة بلقيس الزوم.

وأشارت في لقاء خاص لصحيفة «المرأة في التنمية والسلام» إلى أنّ بناء السلام الحقيقي والتنموي يعتمد بشكل كامل على العمل الدبلوماسي بأشكاله كافة (الدبلوماسية، والاقتصادية، والدفاعية، والسياسية، والعلمية، والثقافية، والاجتماعية، وغيرها)؛ إذ إنّ المجال الدبلوماسي كان حكرًا للرجال في مُدد طويلة؛ الأمر الذي جعله ناقصًا راكدًا وسطحيًّا، ولكن عندما سُمح للمرأة اليمنية بالمشاركة في هذا المجال اكتسب صفة المرونة والصبر والموازنة.

وذكرت أنّه في ظل الظروف الصعبة التي يمرُّ بها اليمن، تبرز أهمية دور المرأة الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى، خاصة في عملية بناء السلام؛ إذ تمتلك قدرة هائلة على تقديم منظور متوازن ومتعدد الأبعاد للقضايا المتعلقة بالسلام والأمن، وتتمتع بقدرة فريدة على التمثيل الحقيقي والتعبير عن مختلف الأصوات والمصالح في المجتمع اليمني.

وأضافت: «أنّ هذه المميزات مكنتها من لعب دور محوري في بناء جسور التواصل بين الأطراف المختلفة والمتنازعة، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، ونظرًا لقدرتها على تعزيز الحوار والتفاهم المشترك، فإنّ إشراك المرأة بشكل عملي لا شكلي في المفاوضات ومحادثات السلام القائمة يُعدُّ أمرًا حتميًّا لتحقيق سلام عادل ومستدام».

تمكين قدرات قيادية نسائية في تحقيق السّلام

لا يقتصر دور المرأة اليمنية في عملية السّلام على بناء جسور التواصل بين الأطراف المتنازعة فحسب، بل يتطلب أيضًا تمكينها وتطوير قدراتها لتصبح قائدة فاعلة في تحقيق السلام.

هنا توضح المستشارة بلقيس أنّ رحلة التمكين تبدأ عبر توعية المرأة لذاتها، وفهم دورها المحوري في عملية السلام، وتشمل هذه الخطوة تعزيز قدراتها القانونية والسياسية عبر البرامج التدريبية وورش العمل التي تُساعدها على فهم مبادئ القانون الدولي وآليات الوساطة، وتسليح نفسها بالمعرفة في مجالات السياسة والوساطة والتمثيل الدولي، وفهم طبيعة النزاعات وعملية المفاوضات، كما تعدُّ معرفة القانون عنصرًا مهمًّا في تحقيق السلام والأمن، واستثمارًا ضروريًّا في مستقبل اليمن وتحقيق السلام العادل والمستدام.

وحول تجربة المستشارة بلقيس في المجال الدبلوماسي تقول: «لقد أُتيحت لي فرصة كبيرة لدخولي السلك الدبلوماسي والقنصلي بدعمٍ من عائلتي ومحيطي القريب، الذين وجدتُ منهم التشجيع، وأسهموا في تذليل العقبات، وفتح أبواب جديدة أمامي جعلني مستعدة لمواجهة المجتمع إلى حد ما؛ إذ يبدأ إسهام المرأة في عملية بناء السلام من الدائرة الضيقة (العائلة)، لتمتد وتشمل الدائرة الموسعة (المجتمع)؛ الأمر الذي ساعدني في تعزيز مهارات الحوار والتفاهم بين مختلف فئات المجتمع».

المرأة اليمنية ورحلة البحث عن الذات

شهدت المرأة اليمنية بعد ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر تحولات جذرية في مختلف مجالات الحياة، لكنها واجهت أيضًا العديد من العقبات، ما جعل مسارها أشبه برحلة بحث عن الذات؛ إذ تميزت مرحلة السبعينيات والثمانينيات بانفتاح نسبي على العالم الخارجي، وتوسع فرص التعليم والعمل أمام النساء.

كما برزت في هذه المدّة شخصيات نسائية رائدة أسهمت في إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية، وفي مرحلة التسعينيات وبداية الألفية الثانية شهدت تراجعًا في بعض المكتسبات التي حققتها المرأة في المرحلة السابقة؛ بسبب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، وازدياد حِدّة الصراعات الداخلية، أمّا في المرحلة الراهنة فهناك إصرار في تجدد آمال المرأة اليمنية في تحقيق المزيد من التقدم والحرية، والمطالبة بمساواة كاملة مع الرجال في جميع المجالات.

هنا تضيف المستشارة بلقيس: «أنّ الدعم القانوني يعدُّ مفتاح تمكين المرأة اليمنية؛ إذ لعبت ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر دورًا محوريًّا في تمكين المرأة اليمنية، وفتحتا أمامها آفاقًا جديدة، كالالتحاق بالتعليم في مختلف المستويات والتخصصات على حدٍّ سواء مع الرجل، ممّا مكّنها من الانخراط في الحياة العامة، والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشاركة في صناعة التغيير في البلاد».

وأشارت إلى أهم المكاسب التي حققتها المرأة خلال هذه المدّة، التي تتمثل في المشاركة السياسية؛ إذ أصبحت المرأة تشغل منصب النائبة البرلمانية، والسفيرة، والوزيرة، والقاضية، والدخول بقوة ومنافسة في الوظيفة العامة، فقد أصبحت المرأة تعمل معلمة، وطبيبة، ومهندسة، وفي مجال الأمن كشرطية.

وبحسب رأي المستشارة التي ترى أنّه منذ قيام الجمهورية اليمنية، حظيت المرأة اليمنية بدعم كبير من خلال التشريعات والقوانين التي كفلت حقوقها بشكلٍ كامل، وتعدُّ قوانين الجنسية، وقانون العمل والأجور، وقانون التقاعد، من أهم الأمثلة على هذه القوانين التي رسخت بقوة مبدأ المساواة بين الجنسين، ودعمت حقوق المرأة بشكل عام.

وبيّنت أنّه لم تقتصر إنجازات اليمن في مجال تمكين المرأة على المستوى الوطني فحسب، بل امتدّت لتشمل المستوى الدولي أيضًا؛ إذ كانت بلادنا سبّاقة في صياغة القوانين مقارنة بالدول العربية الأخرى، كما كانت اليمن من أوائل الدول العربية التي صادقت على جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المساواة والدعم للمرأة.

المرأة الدبلوماسية والتحديات

على الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة اليمنية في المجالات كافة، وخاصة في المجال الدبلوماسي، فإنّها ما زالت تواجه العديد من التحديات؛ إذ تستعرض المستشارة بلقيس الزوم أهم التحديات، وتتمثل في:

1 – السلطات الدبلوماسية التي يمارسها القادة على أعلى مستويات الدولة تظل في الغالب حكرًا على الرجال، في حين تُحصر أدوار المرأة الدبلوماسية غالبًا في الديكور البروتوكولي، دون إتاحة الفرصة لها للمشاركة الفعلية في صنع القرار، والتأثير على السياسات الخارجية.

2 – عدم تطبيق القانون، وتفعيل الحقوق المنصوص عليها التي كفلت للمرأة اليمنية حقوقها بشكل فعلي وعلى أرض الواقع، وعدم تطبيق نظام الكوتا 30٪، الذي يعدُّ أهمّ مخرج من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، كما تُواجه المرأة اليمنية أيضًا تنكرًا من قبل بعض الجهات لتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تُعنى بحقوق المرأة، وقرارات مجلس الأمن، خصوصًا القرار 1325 الذي أقرَّ بدور المرأة بوصفها طرفًا فاعلًا في منع النزاعات وحلها على قدم المساواة مع الرجل.

3 – نقص التمثيل، قد تواجه المرأة تحديات في الحصول على تمثيل كافٍ في المناصب القيادية والمرموقة في مجال الدبلوماسية؛ بسبب المحاصصة الحزبية والانتماءات القبلية.

4 – تُعدُّ التحديات الثقافية والاجتماعية من أبرز العوائق التي تواجهها المرأة اليمنية بشكل عام، والمرأة العاملة في المجال الدبلوماسي بشكل خاص، والتي تقلل من فرصها في التقدم المهني، وخاصة في فرص دخولها المجال الدبلوماسي، أو لعْب دور فعّال في حال تمكنت من دخوله.

5 – التحديات الأمنية، الظروف الأمنية الصعبة في اليمن فاقمت من هذه التحديات؛ إذ تواجه المرأة الدبلوماسية خطر التعرض للأمن والسلامة الشخصية بشكل أكبر من نظيرها الرجل، فالمعروف أنّ المرأة اليمنية تكافح بقوة للتنقل والعمل والسفر في أوقات السلم والأمن، ولكن الأمر ازداد، وأصبح أشبه بالمعاناة الحقيقية، وعائقًا أساسيًّا في وقت النزاعات.

توصيات لتفعيل دور المرأة الدبلوماسية

ولمعالجة تلك التحديات ذكرت المستشارة بلقيس الزوم لصحفية «المرأة في التنمية والسلام» عددًا من التوصيات التي تساعد في تعزيز مشاركة المرأة العاملة في المجال الدبلوماسي في عمليات المفاوضات وبناء السلام الشامل في اليمن، وتشمل الآتي:

1 – تمكين المرأة من القيادة والمشاركة الفعّالة في عمليات السلام، والوساطة في النزاعات على الصعيد المحلي والوطني، الذي يعدّ أمرًا ضروريًّا لتحقيق سلامٍ مستدامٍ وعادلٍ.

إذ تذكر المستشارة أنّ هناك أدلة قوية تُشير إلى أنّ مشاركة المرأة النشطة في مفاوضات السّلام لها تأثير إيجابي على استدامة السلام وجودته، والأدلة كثيرة على مشاركة النساء اليمنيات في المفاوضات بشأن تأمين ممرات على خطوط المواجهة على الصعيد المحلي، التي أدّت إلى عقد اتفاقات لوقف إطلاق النار وإدارة الموارد.

كما أوضحت أنّه لا تقتصر مشاركةُ المرأةِ في عملية السلام على المشاركةِ في المفاوضات فقط، بل يجب أن تشمل جميع مراحل عملية السلام، بدءًا من مرحلة ما قبل التفاوض، مرورًا بمرحلة الإعداد للمفاوضات، وصولًا إلى مرحلة ما بعد الاتفاق، وغالبًا ما تلعب المرأة دورًا محوريًّا في مرحلة ما قبل التفاوض؛ من خلال التواصل مع أطراف النزاع، وبناء الثقة؛ لكونهنّ لا يشكلنَ تهديدًا من خلال موقفهنّ المحايد.

2 – تشجيع إدماج المرأة في العمليات السياسية والانتخابية والحوكمة الوطنية، وفي هياكل قطاع الأمن، وعمليات السلام لتحقيق التنمية المستدامة وبناء المستقبل، عبر المشاركة في مراقبات تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار، وإدارة النزاعات ومنعها.

3 – يعدُّ رفع قدرات معارف جميع الأفراد، بدءًا من صناع القرار والشرطيين والعسكريين والسياسيين، حول أهمية مشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام – خطوةً أساسيةً لتحقيق سلام مستدام، وتوفير الاستشارات الإستراتيجية للقيادات العليا حول التقدم في المساواة بين الجنسين، وتفعيل مبدأ المراقبة، وضمان المساءلة، والامتثال من قبل جميع الأفراد.

4 – مواصلة العمل على تأهيل المرأة بشكل عام والدبلوماسية بشكل خاص، الذي يعدُّ أمرًا ضروريًّا لمشاركتها الفعّالة في بناء السلام؛ إذ غالبًا ما تستخدم حجة عدم وجود الكادر النسويِ المؤهل سببًا لعدم وصول المرأة إلى أماكن اتخاذ القرار، لذا يجب على الدولة دعم الكوادر النسائية الموجودة حاليًا عمليًّا وعلميًّا، ووضع سياسات عملية ممنهجة لتوفير التدريب على مهارات التفاوض، وأدوات المناصرة، وجماعات الضغط، وأدوات حل النزاع، وتحليل النزاع، والتواصل الفعّال للنساء في مناطق النزاع.

5 – العمل على تطبيق القانون والدستور اليمني الذي أنصف المرأة، وأعطاها حقها الأساس الصلب لمواصلة نهضتها ومشاركتها في المجالات كافة على المستوى الوطني، والالتزام بالمعاهدات الموقعة من قبل بلادنا، وتزكية قرارات مجلس الأمن الداعمة للمرأة وتسهيلها، وأهمها القرار التاريخي 1325، وتفعيل أحد أهمِّ مخرجات الحوار الوطني، المتمثل في نظام الكوتا.

وتقول المستشارة بلقيس الزوم: «إنّ دعم وصول النساء إلى مناصب صنع القرار، لن يتم إلا عبر الجلوس والتفاوض الجاد مع من هم اليوم على رأس القرار السياسي في اليمن، ومحاوله إقناعهم أنّ اليمن ليست ملكية خاصة للرجال فقط، وإنما للنساء أيضًا؛ بعدِّهنّ شريكات في الوطن، وإن لم يكن لهنَّ وجود فعلي في صنع القرارات تصبح تلك السياسات غير قانونية».

كما أكّدت على أهمية العمل على إقناع القادة أنّ المرأة اليمنية خرجت منذ سنوات من لعب دور الضحية، وأنّ لها الحق اليوم في أن تقرر وتخطط وتنسق وتتواصل، وتُمثل اليمن في كل المحافل الدولية، للسعي في تحقيق السلام الدائم.