المرأة في التنمية والسلام – علياء محمد

 

تعد المرأة اليمنية من أهم العناصر فعالية في المجتمع في مختلف المجالات، ويشكل تعزيز مشاركتها السياسية والدبلوماسية ودعمها أمرًا بالغ الأهمية؛ لتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان تمثيل النساء في جميع المجالات، والاستفادة من خبراتهن وقدرتهن في معالجة مختلف القضايا.

وفي اليمن، تواجه المرأة العديد من العقبات في طريقها للمشاركة الفاعلة في المجال السياسي والدبلوماسي؛ ففي ظل الثقافة المجتمعية السائدة والأعراف والتقاليد، تظل فرص النساء محدودة في الوصول إلى المناصب العليا وتحقيق تمثيل عادل في صنع القرار. ولمعرفة أهمية دورهن في هذا المجال وتعزيزه، ظهرت العديد من منظمات المجتمع المدني التي تعمل على دعم المرأة وتمكينها من أداء دورها بفعالية بوصفها جزءًا مهمًا وعاملًا رئيسيًا في المجتمع. يتناول هذا التقرير دور بعض تلك المنظمات الرائدة في تمكين المرأة.

منظمات مجتمع مدني فعالة في تعزيز دور المرأة

على مدى السنوات الماضية شكلت منظمات المجتمع المدني نقطةَ تحوِّل في بناء البنية التحتية للتنمية والتغيير الاجتماعي في البلاد، وقدمت كثيرًا من البرامج التي أسهمت في دعم المرأة الدبلوماسية في اليمن وتمكينها؛ إذ قدمت الدعم والتدريب اللازم لها بهدف تعزيز مشاركتها في العمل الدبلوماسي وتأثيرها الإيجابي على المجتمعات.

في العام 2017، صُنِّفت اليمن في ذيل القائمة لمؤشر الفجوة بين الجنسين 2017 (المرتبة 144 من أصل 144 دولة). وإزاء هذه الخلفية، سعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في اليمن، وعملت مع شركائها من منظمات المجتمع المدني، إلى معالجة القضايا المرتبطة بعدم المساواة بين الجنسين. ولبَّت الاحتياجات المُلحّة للنساء والفتيات، أبرزها تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي في الاستجابة الإنسانية عن طريق توفير الدعم في مجال بناء القدرات للقادة والشبكات والمجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة بشأن تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي في البرمجة الإنسانية. إضافة إلى ذلك، قدمت برامج تعزز القيادات النسائية ودمجها في عمليات السلام.

إن أحد الأمثلة البارزة على اهتمام منظمات المجتمع المدني في اليمن بتعزيز دور المرأة الدبلوماسية هو مشروع “خطوة سلم، الدفعة الأولى” الذي نفذته مؤسسة تنمية القيادات الشابة، بالشراكة مع منظمة كير العالمية فــي اليمن، خلال الفترة من يونيو 2016 حتى ديسمبر 2018؛ إذ استهدف المشروع عددًا من المنظمات المدنية وقيادات محلية ومجتمعية، وتدريب ما يقارب عن 128 شابًا وشابة (70% من الإناث) في مواضيع تعلقت بعملية بناء السلام والمشاركة المجتمعية والمناصرة وصناعة الأفلام.

وخلال المدة من أكتوبر- نوفمبر 2020، نفذت مؤسسة تنمية القيادات الشابة، مشروع YAC، بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، الذي يهدف إلى دعم المشاركة الفعالة للمرأة اليمنية في عمليات السلام والتأثير على القرارات التي تؤثر على حياتها.

من جانب آخر، دعت المؤسسة إلى عضوية المرأة وقيادتها في الحكومة، داخل المجالس المحلية والأحزاب الوطنية على حد سواء. وأسفرت جهودها، بموافقة ستة من الأحزاب السياسية اليمنية، عن تعزيز عضوية المرأة لديهم، وتشجيع النساء القياديات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وذلك في جدول أعمال تلك الأحزاب، وعمل التغييرات المُوَّصى بها على لوائحها.

وبدورها قدمت مؤسسة “فتيات مأرب”، التي تعد من أهم المنظمات النسوية الفاعلة في مجال السلام، برنامجًا يهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة والشباب في بناء السلام والتنمية الاجتماعية، وضم أكثر من ثلاثين “سفير سلام” من مديريات مختلفة في مأرب، حلّوا أكثر من ثلاثين قضية منذ بداية عام 2020.

لم يقف دور منظمات المجتمع المدني في اليمن على ذلك وحسب، بل سعت عددٌ من المنظمات إلى أكثر من ذلك، تحت شعار (قوتنا – نضالنا- جهودنا)؛ إذ قامت مؤسسة “وجود للأمن الإنساني” بالتعاون مع الشركاء الدوليين الداعمين بتنفيذ قمة نسوية شاملة في 2023، ناقشت فيها كل قضايا المرأة في المجتمع ومنها الجانب السياسي والدبلوماسي.

وبمشاركة أكثر من 200 امرأة من قيادات نسوية مؤثرة، وممثلي المنظمات النسوية والمجتمعية المحلية والدولية، وعدد من الدبلوماسيات اليمنيات والعربيات، وسفيرات لدول أوروبية، هدَفَ مشروع القمة النسوية إلى تعزيز حوار السلام في اليمن بين جميع الأطراف، ومناقشة الملف السياسي في اليمن، وملف الانتهاكات ومستويات العنف ضد النساء وردود فعل المجتمع، وكيفية تقديم الدعم اللازم للمرأة في المجال السياسي والدبلوماسي، والعمل المشرك في تحقيق العدالة الانتقالية ووصول المرأة إلى المواقع القيادية.

في مارس 2019م شكلت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مجموعة أُطلق عليها اسم “مجموعة التسع النسوية”. شملت المجموعة التوافق النسوي اليمني للأمن والسلام، والقمة النسوية اليمنية، وتحالف شركاء السلام، ومؤسسة فتيات مأرب -التي تمثلها في المجموعة حاليًّا صانعات السلام-، ومؤسسة القيادات الشابة وجنوبيات لأجل السلام، وشبكة أصوات السلام النسوية، وشبكة نساء من أجل اليمن وشبكة التضامن النسوي، التي حلت محلها منصة “شباب وعي” بعد انسحابها.

وقد دعت هذه الكيانات إلى تعزيز السلام ومشاركة النساء في مفاوضات السلام، عبر إيصال صوتهم إلى المنابر الدولية، وهدفت هذه التحالفات إلى خلق تضامن نسوي يناهض العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويدعم برامج الحماية المجتمعية وبناء القدرات.

وفي سياق متصل، جدّد مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن وهيئة الأمم المتحدة للمرأة التزامهما بأجندة المرأة والسلام والأمن، وتحت عنوان “معًا، نحن أقوى”، عُززت المشاركة الحقيقية للمرأة اليمنية في بناء السلام، من خلال مشاركة أكثر من خمسين ممثلاً وممثلة عن المنظمات النسوية اليمنية ومنظمات دعم الوساطة وشركاء المسار الثاني، والبعثات الدبلوماسية. جاء ذلك في البيان الصحفي المشترك الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن في العام 2022م

 أثر دور منظمات المجتمع المدني

“يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في تعزيز المساواة بين الجنسين وتعزيز السلام والأمن المستدام”، هذا ما أكد عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2023 في جلسة تبادل المعرفة عبر الإنترنت، التي شارك فيها ممثلون عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، ومركز أبحاث النوع الاجتماعي والسلام والأمن بجامعة موناش، وتحالف المجتمع المدني الأسترالي المعني بالمرأة والسلام والأمن، ومركز أبحاث وتدريب المرأة بجامعة عدن؛ إذ تبادل المشاركون خبراتهم في النهوض بأجندة المرأة والسلام والأمن.

وشدد المشاركون على الدور الإيجابي والحيوي للمجتمع المدني كمحفز للعمل الفعال بشأن المرأة والسلام والأمن، وأكدوا أن منظمات المجتمع المدني في اليمن تلعب أدوارًا محورية في مختلف الجوانب التي تهم المجتمع، أهمها بناء قدرات المدافعين عن حقوق الإنسان، وتيسير الحوارات والشراكات التي تدعو إلى تمكين المرأة في صنع القرار.

وأكد كثيرٌ من المهتمين أن المنظمات نجحت في تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد دعم حقوق المرأة، لا سيما في الجانب السياسي والدبلوماسي، عبر العمل على تشكيل شبكات وتحالفات نسوية تسعى للدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة، وزيادة الوعي بحقوق المرأة عبر عقد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل لتعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى دعم مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي من خلال توفير التدريب والتأهيل اللازمين، وتنفيذ برامج تدريبية في مجالات متنوعة مثل الدبلوماسية والعلاقات العامة والاتصالات، بهدف تطوير مهارات النساء وتعزيز قدراتهنّ.

وفي تقارير بحثية لمنظمات المجتمع المدني في اليمن، تتعلق بقضايا المرأة وتحليل تحدياتها، قدمت الدعم والإرشاد والتوجيه اللازم للمرأة اليمنية في مجال تعزيز الوعي الجندري وتحقيق المساواة بين الجنسين في المجتمع اليمني.

ما تزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل؛ لضمان تمكين المرأة اليمنية بشكل كامل في مجال العمل الدبلوماسي، رغم جهود منظمات المجتمع المدني التي تُمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.