المرأة في التنمية والسلام – هبة محمد

تعدُّ المرأة الريفية في اليمن واحدة من الفئات الأكثر تأثّرًا وتحمُّلًا للصعوبات التي تمرُّ بها في حياتها اليومية، التي تجبرها على مواجهة العديد من العقبات؛ إذ تعيش النساء في ظروف قاسية وضغوط متعددة وحياة مليئة بالتحديات، يتعرضنَ فيها للتهميش والتمييز والعنف المستمر، فيجدنَ أنفسهنّ عالقات في رحلة مؤلمة تقيّد حركتهنّ وتحرمهنّ من المشاركة في مختلف جوانب الحياة، وتكون حياتهنّ ما بين الصمود والآلام، وتنطوي على تحديات كبيرة ومعاناة جسدية ونفسية لا تنتهي.

 واقع المرأة الريفية بين الفقر وتعدد المسؤوليات

تتعرض المرأة الريفية في اليمن لأشكال متعددة من العنف، بدءًا من العنف الجسدي والنفسي، وصولًا إلى التمييز والتهميش في المجتمع وسوق العمل، كما تتعرض للإذلال والتجاهل، وتعيش في ظروف اقتصادية صعبة تفتقر إلى الفرص والدعم الكافي، وعلى الرغم من قوة إرادتهنّ وصمودهنّ، فإنهنّ يعانينَ في صمتٍ، ويعِشنَ وسط آلام لا يدركها كثيرون.

تقول شادية العراسي (إحدى النساء الريفيات في عزلة عراس، مديرية يريم، محافظة إب): “المرأة الريفية كغيرها من النساء اليمنيات تتعرض للعنف المجتمعي؛ إذ تعيش واقعًا مريرًا على مدى سنوات طويلة ضمن معتقدات تكون جاحدة على واقع حياتها في الريف، وزاد من بشاعة ذلك الوضع الاقتصادي المتردي لدى كثير من الأسر الريفية وانتشار الفقر، ممّا جعل المرأة الريفية تحمل على عاتقها مواجهة شبحي الفقر والعنف”.

شادية أسست العديد من المشاريع التنموية في عزلتها، وساعدت على التخفيف من أعباء المرأة الريفية، تتحدث عن واقع المرأة اليمنية في الريف بقولها: “تناضل المرأة الريفية بصمت وتكافح في وجه الحياة القاسية والظروف الصعبة؛ إذ مع كل إشراقة شمس الصباح تقوم مبكرة لتهيئة الطعام لأطفالها وزوجها، ثم تنطلق إلى حظيرة المواشي لتعتني بها، وتجول بين الأراضي الزراعية، وتسقي النباتات وترعى الثمار بعناية فائقة، فهي تدرك أنّ الزراعة مصدر رزقها ورزق أسرتها الوحيد، ثم تعود للمنزل لتكمل مهامها الاعتيادية”.

وأوضحت العراسي أنّ المرأة الريفية تعدُّ المحور الأساسي للحياة الريفية في المجتمع اليمني، فالجميع يعتمد عليها في معظم الأعمال الحيوية؛ إذ تحمل على عاتقها مسؤولية تربية المواشي والدواجن، والعناية بالزراعة، وتوفير ما يلزم لأسرتها من غذاء وملبس.

وتكمل العراسي: “تواصل المرأة الريفية رحلتها على مدار الأيام والأشهر والسنوات، لتتحمل الحياة القاسية والكادحة، وتواجه تحديات الطقس القاسي، ونقص الموارد والخدمات الأساسية، وتتعرض للتمييز والظلم، ومع ذلك تبقى قوية ومقاومة؛ لإيمانها بقيمة عملها ودورها في بناء المجتمع”.

وتشير شادية العراسي إلى أنّ العامل الرئيسي الذي جعل المرأة الريفية في حلقة من العنف والألم والكفاح هو الفقر والظروف المعيشية الصعبة التي خلفت وراءها عنفًا آخر على النساء الريفيات؛ إذ خلفت مشاكل نفسية وجسدية في ذلك الجسد الضعيف المتهالك من جميع الأطراف، وأيضًا ظهور حالات انتحار كثيرة للفتيات في عمر الزهور؛ نتيجة للحياة الريفية الخالية من معالم الأمان والاستقرار، والمليئة بجحيم العنف.

وحسب العراسي فإنّ هناك 95٪ من النساء الريفيات بحاجة ضرورية للحماية الصحية والغذائية والأمان، أمام تلك الثقافة الريفية التي تجعل المرأة مجرد خادم للرجل لا أكثر، ومجردة من الحقوق الإنسانية والاجتماعية، وتستسلم للعنف الموجه لها الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتها اليومية، أمام غياب الجهات المختصة لإيقاف ذلك الظلم الذي تتعرض له النساء الريفيات يوميًّا.

وتأسف العراسي لواقع المرأة الريفية الذي وصفته بأنّه واقع مليء بالصعوبات وخالٍ من أبسط الحقوق المتعارف عليها، وعلى الرغم من وجود عدد من المنظمات النسائية الداعية لإيقاف رحلة التعنيف ضدها، فإنّ تلك الجهود المحلية والدولية ــــ حسب ما قالت ـــــ غير كافية، فالمرأة الريفية بحاجة إلى جهود حقيقية ودعم متواصل للوقوف معها وانتزاع الظلم عنها.

وحسب النشرة؛ المستجدات الاقتصادية لوزارة التخطيط والتعاون الدولي قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية، في إبريل 2021م، أنّ نسبة الفقر وصل إلى 72% بين الأسر التي تترأسها النساء على مستوى الريف، في حين نسبة الفقر بين الأسر التي تترأسها النساء بلغ ما يقارب 20,1% على مستوى الحضر.

المرأة الريفية والعنف المنزلي

عن واقع حال المرأة الريفية في إحدى القرى اليمنية، تشاركنا الحديث هيفاء الشويع (إحدى النساء الريفيات في محافظة إب، مديرية السّدة، قرية سوق الثلوث) بالقول: “تعاني المرأة الريفية في عزلة وادي الحجاج في قرية سوق الثلوث من حالة نفسية صعبة بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها؛ إذ تدهورت الحالة النفسية والصحية لنساء المنطقة بسبب الفقر، ممّا يؤدي إلى تدهور الأوضاع الحياتية والمعيشية والصحية كافة إلى أقصى الحدود”.

وتكمل: “يؤثر العمل الشاق والظروف المعيشية الصعبة على وضع المرأة الريفية الصحي بدرجة كبيرة، خاصة المرأة الحامل التي تواجه مشاكل صحية، مثل الإجهاض المتكرر نتيجة حمل الأغراض الثقيلة، ممّا يعرض حياة الجنين للخطر، وتورم القدمين بسبب جلب المياه من مناطق بعيدة خارج القرية، وانزلاق العمود بسبب حمل الأشياء الثقيلة على الرأس، الأمر الذي يؤدي إلى آلام في الظهر والرقبة”.

وذكرت هيفاء الشويع جوانب عديدة للعنف المنزلي الذي تواجهه المرأة، فمثلًا تنطلق المرأة الريفية منذ صلاة الفجر حتى الثامنة صباحًا تحمل ماءً بوزن خمسين لترًا على رأسها لتوفير المياه للبيت عدة مرات، كما تتعرض إلى عنف جنسي يتمثل في اعتداء الرجل على زوجته دون مراعاة وضعها الصحي، وتتعرض أيضًا إلى عنف جسدي من قبل ربّ الأسرة عليها وعلى أبنائه، وهجرهم بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي نتج عنه حالات الانتحار المتكررة في المنطقة.

وتذكر الشويع أشكال العنف على المرأة الريفية التي تتضمن حرمانها من التعليم، وغصبها على الزواج في سنٍّ مبكر دون قيد أو شرط، وهذا يؤثر على صحتها النفسية، ويعوق تحقيق طموحاتها. مبينة أنّه مع كلِّ ذلك العنف الموجه نحوها تظل المرأة الريفية امرأة عظيمة وجبارة ومنتجة، تتحمل مسؤولية الزراعة وتربية المواشي ورعاية الأسرة، وتسهم في زيادة دخل الأسرة بفضل جهودها المستمرة في العمل الريفي.

وأكّدت على ضرورة تنفيذ مشروع مياه يلبي احتياجات القرية، ويسهم في التخفيف من معاناة النساء من جلبه من أماكن بعيدة، بالإضافة إلى تنمية اقتصاديّة تساعد القرية في تربية المواشي، وتنفيذ برامج في الخياطة موجه للنساء الريفيات؛ إذ إنّ هناك مشاريع ناجحة في مناطق ريفية أخرى، حقّقت نجاحًا ملموسًا، وساعدت في تخفيف مظاهر العنف الذي تواجهه المرأة.

فيما تشارك من جانبها خولة الشرفي (رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في محافظة إب) بالقول: “تعاني النساء الريفيات من أعمال العنف بشكل عام؛ إذ تتجلى الظاهرة في العديد من الجوانب، منها ضعف الخدمات الأساسية في مختلف المجالات، مثل الرعاية الصحية والتعليم والعدالة، وغالبًا ما يضطررنَ للعمل ليلًا ونهارًا دون أجر مقابل القيام بمهام المنزل ورعاية الأطفال وتلبية احتياجات المنزل، مثل حمل الماء، وجلب الحطب من أماكن بعيدة”.

وأضافت: “أنّ النساء الريفيات ما زِلنَ يواجهنَ عنفًا فيما يتعلق بالزراعة؛ إذ يكون استغلالهنّ في زراعة الأراضي والعمل فيها، التي تعدُّ من الأعمال الشاقة على النساء، دون أن يكون لهنّ حقٌّ في التحكم في عملية البيع والشراء وتحديد الأسعار، وبالتالي يجدنَ أنفسهنَّ يعملنَ بجهد شاقٍّ، ويتنازلنَ عن حقوقهنّ الاقتصادية وحتى الصحية والنفسية”.

تحدّيات المرأة الريفية

تقول العراسي: “تواجه المرأة الريفية تحديات عديدة تنبع من الضغوطات التي تأتي من الأسرة والمجتمع الذي تعيش فيه؛ إذ تعاني النساء في البيئة الريفية من التمييز والتفرقة بين الأنثى والذكر، ويُعددْنَ ضعيفات غير قادرات على المساعدة بنفس القدر الذي يمكن أن يسهم به الرجل، ويُحتجزنَ في أدوار تقليدية محدودة تقيّد حركتهنّ وفرصهنّ في التطور والنجاح”.

كما توضح العراسي أنّ المرأة الريفية تواجه حرمانًا من الميراث؛ إذ يُمنح الأبناء الذكور من الممتلكات والثروات حصصًا أكبر ممّا حدده الشرع على حساب الإناث، وهذا التمييز يؤثر على قدرتها على تحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي، ويزيد من الفجوة الحاصلة في المجتمع الريفي.

كما أشارت إلى أنّ المرأة تتحمل المسؤولية الكاملة في إدارة المنزل والأرض الزراعية وتربية الأطفال، عندما يضطرُّ ربُّ الأسرة في البيئة الريفية إلى الخروج للبحث عن العمل أو الهجرة خارج البلد، الأمر الذي يضاعف من مهامها في تلبية احتياجات الأسرة والحفاظ على استدامة الحياة اليومية، ويضع على عاتقها ضغوطًا كبيرة تقيّدها من استغلال أيّ فرص أخرى ممكن أن تستفيد منها في تطوير ذاتها، مثل التعليم أو فرصة عمل.

ونوّهت إلى أنّ قلة الوعي الصحي وفرص التعليم تعدُّ تحديات إضافية تواجه المرأة الريفية، نظرًا لتحديات الحياة اليومية، ونتيجة قلة الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية تعاني النساء في البيئة الريفية من نقص في المعرفة الكاملة والتوعية بمجال الصحة والتطورات الحديثة، ممّا يؤثر سلبًا على حياتهنّ الصحية وفرصهنّ في التقدم.

ثقافة الإنكار والتهميش

في المجتمع اليمني، وخاصة في المناطق الريفية، لا تزال هناك ثقافة تُنكر وتُهمش وجود النساء وتمنعهنّ من التعبير عن آرائهنّ، تلك الثقافة تُنتج ارتفاعًا في نسبة الأُمية والجهل، وتزيد من فرض العادات والتقاليد التقييدية التي تقلِّل من قيمة المرأة أمام نفسها وأمام الآخرين.

تشير الكاتبة والباحثة الاجتماعية خوله العزّي إلى أنّ التربية في الأرياف تجعل الرجال يعتقدونَ أنّهم يعرفون ما هو مناسب وأفضل للمرأة، الأمر الذي جعلهم متحكمين بهنّ، ممّا أدّى إلى حرمانهنّ من حقهنّ في اتّخاذ القرارات، وقلَّص دورهنّ في بناء مجتمع يقوم على المشاركة المتساوية والعادلة التي أصبحت غائبة.

وترى الباحثة العزّي أنّ تعزيز قوة المرأة الريفية وتثقيفها يعدّان مفتاحًا لتحقيق المساواة بين الجنسين في المجتمع الريفي، ومكافحة العنف، من خلال تعليم المرأة الريفية حقوقها في مختلف المجالات، وفوائد مشاركتها الفعّالة في صنع القرار.

كما تؤكد على ضرورة العمل المشترك مع الجهات كافة في اتّخاذ القرارات المناسبة لتمكين المرأة من حقّها في مختلف المجالات بشكل مستقل ودون تسلُّط الرجل؛ إذ يعدُّ تثقيف المرأة وتعزيز قوتها وثقافة المساواة بين الجنسين جوهريًّا لبناء مجتمع يعتمد على المشاركة المتساوية في مختلف مناحي الحياة.

التوصيات

إنّ العنف ضد المرأة الريفية في اليمن يعدُّ مشكلة خطيرة تتطلب اهتمامًا وتدخلًا عاجلًا؛ إذ يعيش ملايين النساء في أرياف اليمن معرضات لتحديات متعددة وعنفٍ يهدِّد حقوقهنّ وكرامتهنّ الإنسانية، ومن الضروري التحرك بسرعة لحماية المرأة الريفية ودعمها وتوفير الظروف الملائمة لحياة كريمة وآمنة لها.

توصي الشرفي بضرورة تحسين التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة الريفية في اليمن، وضمان تنفيذها بشكل صارم، وأن تكون هناك عقوبات رادعة للمعتدين، وآليات فعّالة لتقديم العدالة للضحايا، وتوفير برامج شاملة تدعم المرأة الريفية وتحميها من العنف، وإنشاء أماكن آمنة ومراكز استشارية ودوريات أمنية مخصصة للمرأة في المناطق الريفية.

من جانبها أكدت العزي على ضرورة تعزيز الوعي في المجتمع بأنواع العنف الذي يمكن أن تواجهه المرأة الريفية وآثاره السلبية عليها وعلى المجتمع، ويمكن ذلك من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية تستهدف المجتمع المحلي والقروي.

وتوصي أيضًا بتعزيز فرص التعليم للمرأة الريفية، وتوفير برامج تمكين اقتصادي تُسهم في تحسين وضعها الاقتصادي، من خلال توفير التدريب المهني والدعم المالي والفرص العملية، ودعم برامج القيادات وتطويره، وتمكين المرأة الريفية من الإسهام بشكل فعّال في العمل السياسي والاقتصادي.

وتُشير الشرفي إلى ضرورة إجراء المزيد من البحوث والدراسات لفهم أعمق لحجم العنف وأشكاله ضد المرأة الريفية في اليمن، ويجب أن تراقب الجهات المعنية الوضع الحالي، وتُقيّم السياسات والبرامج التي تُسهم في حل مشاكل المرأة الريفية، كما توصي بالتحرك الجاد لمعالجة الأسباب المباشرة لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، لضمان الحصول على الغذاء الكافي، وضمان تحسين مستويات المعيشة في الحياة الريفية.