المرأة في التنمية والسلام – حنان حسين

يُعدّ الصراع في اليمن من أشدّ الصراعات تعقيدًا في العالم؛ إذ أدّى إلى تفاقم جميع مظاهر التمييز ضدّ النساء اليمنيات، وباتت المرأة في اليمن تعاني من ظروف قاسية تُهدد حياتها وحقوقها الإنسانية الأساسية بشكل مباشر.

أم علي (فضّلت عدم ذكر اسمها)، تقطن في أحد أرياف صنعاء، برفقة طفليها ووالدتها بعد وفاة زوجها العائل الرسمي للعائلة، وهي واحدة من نساء كُثُر واجهتهنَّ مهمة توفير حياة كريمة لأسرتها.

تتحدث أمّ علي بحرقة قائلة: “أقطع مسافة شاسعة كي أذهب للعمل في أحد المنازل لتوفير لقمة العيش لعائلتي بعد انقطاع الراتب الذي كان يسدُّ رمق طلبات أطفالي وأمي”.

وتضيف: “الصراع لم يخلّف إلَّا كل ما هو سلبي في حياتنا، فلم نعرف الحاجة إلا في مدّة النزاع المسلح الذي اضطرَّنا للذهاب إلى القرية والمكوث مؤقتًا في منزلنا القديم، وهناك واجهنا الجوع، الذي اضطرنا إلى تفضيل الرجوع للمدينة ومواجهة الصعاب بالبحث عن عمل لإعالتهم”.

“أطفالي لا يزالون تحت سنّ الدراسة، وأمي تحتاج للعلاج بشكل دوري، الأمر بالنسبة لي يعدُّ أكبر تحدٍّ أوجهه؛ إذ يجعلني استمر بالعمل رغم كل الظروف”.. هكذا تنساب منها الكلمات رفقة الدموع التي تنزف من على وجنتيها”.

أم علي ليست سوى نموذج للعديد من النساء اليمنيات اللاتي وقفنَ وحيدات في وجه الصراع والنزاع المسلح، كدرع حماية لأنفسهنّ ولمن حولهنّ، وكُنَّ نموذجًا للتّفاني والتضحية والإيثار، فضلًا عن القوة والصلابة رغم هشاشة أروحهنّ أمام هذه الآفة الخطيرة والمدمرة.

إحصائيات

تقول منظمة الأمم المتحدة في أحد منشوراتها في عام 2023م: إنّ اليمن تمرُّ بإحدى أشد الأزمات الإنسانية حول العالم؛ إذ إنّ هناك الملايين من اليمنيين يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات.

وبحسب تصريح لممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن (نيستور أووموهانغي) نشره على صفحة الفيسبوك: “فإنّ النساء والأطفال يشكلون ما يقرب من 76 % من النازحين في اليمن، ووسط كل المصاعب، بقيت المرأة قوية ومرنة في معظم الحالات، وإنّهنّ هنّ اللواتي يتحملنَ عبء إعالة أسرهنّ”.

كما يفيد صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ في صنعاء وعدن وحجة ما يقرب من 800000 نازح هم من النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 إلى 49 عامًا، وبحسب التقرير فإنّهنّ معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما أنّ النساء في اليمن هنّ المعيلات الرئيسيات لثلث الأسر التي نزحت عن مناطقها ومنازلها بسبب الصراع.

هذا ونشر (UNFPA) تقريرًا بعنوان: ” تفشي العنف ضد النساء والفتيات وسط الصراع المستمر في اليمن” في شهر مارس من العام 2023م، تحدث أنّ النساء والأطفال يشكلون ثلاثة أرباع من إجمالي الـ 4,5 مليون نازح في اليمن، كما تعول النساء تقريبًا 26 % من العائلات النازحة، وعلى الرغم من ذلك تستمر سلوكيات التمييز ضد النساء في إعاقة قدرة النساء على دعم أنفسهنّ وعائلاتهنّ، كما حد نظام المحرم من قدرة النساء العاملات في المجال الإنساني على تقديم الدعم والمساعدات الضرورية.

وأوضح التقرير أنّ هناك ما يقارب 12,6 مليونًا من النساء بحاجة إلى خدمات منقذة للحياة في الصحة الإنجابية والحماية، وأنّ نحو 7,1 ملايين من النساء في اليمن بحاجة إلى وصول عاجل إلى الخدمات التي تقي من العنف القائم على النوع الاجتماعي أو تعالجه، إلا أنّ هذه الخدمات ما تزال محدودة للغاية أو غائبة كليًّا في بعض المناطق.

كما أظهر بيان عن المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) جاء بالتزامن مع حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، أن هناك أرقامًا مقلقة تبين تصاعدًا في الانتهاكات ضد النساء من قبل أطراف النزاع في اليمن خلال سنوات الصراع، وقد سُجِّلت أكثر من 5000 حالة انتهاك حتى نهاية 2022

فيما كشفت دراسة لمنظمة كير العالمية 2023، أن نسبة النساء المعنَّفات في اليمن تزداد يومًا بعد آخر، فقد وصلت النسبة منذ بداية الصراع إلى ما يقارب من %63، وهناك أكثر من 60000 امرأة يمنية معرضة لخطر العنف الجسدي والنفسي، وغيره من أشكال العنف والتعنيف.

ارتفاع نسبة العنف

ندى الصوملي (مختصة اجتماعية) تتحدث عن أسباب العنف بقولها: “نسب العنف كبيرة خلال الصراع وما قبله، ولكنه توسع في مدّة النزاع لأسباب كثيرة؛ منها: الفقر وتدني مستوى المعيشة، والبطالة، وقلة الوعي، وانخفاض نسبة التعليم، والتفرقة العنصرية بين الذكر والأنثى، والصراعات المسلحة، وحدوث جو من المشاحنات والتوتر يحرض عن العنف بشكل كبير”.

وتضيف ندى: “قد يكون اختلاف المستوى الثقافي والتعليمي والاجتماعي بين الزوجين يسبب فجوة عميقة، تدفع إلى حدوث تصادم وشجار وعنف من قبل أحدهم ضد الآخر”.

وتعتقد جمالة القاضي (من اتحاد نساء اليمن) أنّ ارتفاع نسبة المشاحنات يعود إلى ضعف الجانب الاقتصادي لرب الأسرة، ومع ذلك فإنّ أكثر من 85% تقريبًا لا يضربون نساءهم؛ لأنّ المرأة اليمنية مكرمة في بيتها لدى زوجها وأهلها، ومن يمد يده عليها نسبة قليلة جدًا؛ لأسباب معينة، منها أن يكون الرجل فقيرًا ويواجهه استفزاز، أو أن يكون مريضًا نفسيًّا”.

صور العنف

ترى ندى الصوملي أنّ أنواع العنف عديدة، ومنها العنف المنزلي؛ إذ من الممكن أن نجد الأب يعنف ابنته لفظيًّا فقط كونها فتاة.

في حين تقول جمالة القاضي من اتحاد نساء اليمن: “إنّ العنف يعدّ كلمة كبيرة للغاية، فتعريف العنف في نظر الناس القتل والضرب والسحل، في حين العنف له أنواع كثيرة ومتعددة، منها منح الفتيات حقوقًا أكثر من المسموح؛ ممَّا يمنحها إحساسًا كبيرًا بالذات، وهذا ما يدفعها للتمرد ويعرضها للعنف من أهلها”.

وتضيف: “هناك عنف قد يواجهه الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، غير العنف الجسدي والضرب؛ إذ إنّ هناك عنفًا نفسيًّا وعاطفيًّا، مثلًا من الزوج لزوجته كالهجران والتنمر اللفظي والاستفزاز، والحرمان المادي، والحرمان من التعليم، بالإضافة إلى عدم حصول الطفل على حقوقه في الرعاية والاهتمام، وحرمان الأنثى حقها من الميراث، وعدم تقدير الإخوة لأخواتهم بعد وفاة الوالدين، وغيرها من أشكال العنف”.

ويرى باحثون أنّ العنف ينقسم إلى عدة أنواع؛ منه العنف الاجتماعي الذي تتعرض فيه النساء للتهميش والتمييز في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، والعمل، والمشاركة السياسية، والعنف الجسدي؛ كالضرب والاعتداء والقتل، والعنف النفسي؛ كالتعرض لمشاعر الخوف، والقلق، والاكتئاب، والصدمة النفسية، بالإضافة إلى العنف الاقتصادي؛ كفقد النساء لمصدر رزقهنّ بسبب الصراع، ممّا يؤدي إلى تفاقم الفقر والاعتماد على المساعدات.

وتشير ندى إلى ذلك بقولها: “هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي حددت نسب تعرض النساء للعنف في المدن والأرياف، ولاحظت أنّ في الأرياف كانت نسبة العنف ضد الفتيات أكثر؛ لأنّ المجتمعات الريفية لديها عشوائية ومحدودية في الوعي والتفكير، وتمسكهم بالعادات والتقاليد الجاهلة أكثر وأكبر من المدن”.

الآثار السلبية

أمام جملة التداعيات والآثار السلبية المترتبة عن العنف، ترى ندى الصوملي أنّ الأضرار تشمل عدة نواحٍ؛ منها أضرار اجتماعية واقتصادية وتنموية وجسدية وعقلية، وممكن في مراحل متأخرة يصل بها إلى التسبب بالإعاقة أو الوفاة، وأنّ العنف يحدث للفتاة منذ ودلاتها إلى وصولها للشيخوخة، فهناك عوائل حتى الآن عندما ترى المولود فتاة تتضجر؛ بسبب عقم التفكير وقلة الوعي لدى بعضهم”.

توصيات ومعالجات

وتوصي جمالة القاضي بجملة من التحولات والمعالجات، لعلّ أهمها الحرص على أهمية الحفاظ على القيم المجتمعية السوية تجاه النساء واحترامهنّ وتقديرهنّ، وعلى توعية الشباب أنّ المرأة لها قيمتها في المجتمع يجب عدم تجاوز الحدود والاعتداء عليها.

ومن بين الحملات التوعوية تقول جمالة: “ينبغي الإشارة إلى أنّ المرأة أساس المجتمع، فإن صلُح حالها صلح المجتمع ككل، وفي حال سكون وضع النساء تهدأ كل جوانب الحياة بمختلف فئتها، لذا وجب تعليمها وتأهيلها ومنحها فرصًا اقتصادية، والحصول على خدمات تعدُّ من حقِّها دون وجود محرم لها وقيود اجتماعية، والحرص على تعزيز دور النساء في المجتمع والتوعية بأهميتها خاصة أثناء الصراع الذي تمرُّ به البلاد”.

وتؤكد على أهمية تسهيل الحصول على تراخيص لأعمالهنّ التجارية، وتنظيم العملية الاقتصادية لأعمالهنّ اليدوية، والحرص على دعمهنّ، وعمل عدة معارض لعرض منتوجاتهنّ اليدوية باختلافها؛ بهدف دعمهنّ اقتصاديًّا لمنحهنَّ مكانة اجتماعية واقتصادية تمنع تعرضهنّ لأيّ شكل من أشكال العنف والتمييز.

وترى ندى الصوملي أنّ الواجب المجتمعي يكمن في وجوب تصحيح الممارسات الخاطئة تجاه المرأة وتقويمها، عبر تسهيل حصولها على حقوقها المادية والمعنوية لردع المعفنين بشكل قانوني، ودعمها وحمايتها عن طريق سنّ قوانين وتشريعات تحميها، وتطوير نهج وقائي قانوني لحماية النساء من جميع أشكال العنف، وفرض عقاب قانونيّ وشرعيّ على من يعنف امرأة”.

وتضيف: “العمل على الاهتمام بقطاع التعليم والقطاع التربوية والسلوكي؛ كون تدني مستوى التعليم يفرز إشكاليات أخرى كالبطالة وصعوبة الحصول على فرص عمل، ونشر الوعي بقضايا النساء اللاتي تعرضنَ للعنف، إلى جانب أهمية تدريب النساء والحرص على تقوية مهاراتهنّ؛ لتحقيق استقلال مادي، ومواجهة الظروف الصعبة”.

يُلقي الصراع في اليمن -ككارثة إنسانية- بظلاله وضلاله على جميع فئات المجتمع، وخاصة على النساء والفتيات. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنّ المرأة اليمنية أثبتت قدرتها على الصمود والمقاومة، وشاركت بفعالية في جهود السلام وإعادة الإعمار، كما تشير المعطيات والشواهد في الواقع اليمني اليوم.