حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

تواجه المرأة اليمنية، كغيرها من نساء العالم، تحديات جمّة في سبيل نيل حقوقها كاملة، لا سيما في مجال العمل الحكومي، ويزداد الأمر تعقيدًا في ظل الصراع الدائر في اليمن منذ أعوام، وهذا ما يُعوق حصولها على كامل حقوقها؛ ومنها عدم تحقيق المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات والوظائف، بما في ذلك القطاع الحكومي.

 

تاريخ نضالي للمرأة اليمنية

طالما لعبت المرأة اليمنية دورًا مهمًّا في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك العمل في المؤسسات الحكومية، وإذا عُدنا بالتاريخ إلى الوراء، نجد العديد من الأمثلة لنساء يمنيات برزنَ في مختلف المجالات، وشغلنَ مناصب قيادية مهمّة.

فقد عُيّنت أمة العليم السوسوة كأول سفيرة في العام 1991م، وبعد ذلك في العام 2001م عُيّنت أول امرأة في منصب وزير الدولة لحقوق الإنسان (وهيبة فارع)، وفي سنة 2002م كذلك تقلدت امرأة أخرى المنصب ذاته.

كما نُصِّبت أول امرأة في منصب حكومي، لتكون وكيل وزارة الإعلام، عام 1997م (أَمَة العليم السوسوة)، وأعلن رئيس وزراء اليمن حينها عبد الكريم الإرياني سنة 1998م أنّ على كل وزارة تعيين امرأة برتبة مدير عام.

وقامت الحكومة ممثلة برئيس الجمهورية حينها ورئيس الوزراء بدعم المرأة وزيادة حضورها في الجانب الحكومي، والإدلاء بالكثير من التصريحات الإعلامية، التي تؤيد المرأة وحقَّها في المشاركة والتنمية وتطوير وضع المرأة بشكل عام في المجتمع.

فقبل الوحدة كان نصف القضاة تقريبًا في جنوب اليمن من النساء، ومنذ توحيد الشمال والجنوب، أثرت العادات والتقاليد المحافظة بشكل كبير على عملية إعادة تكليف القاضيات بأعمال إدارية وكتابية، وحاليًا هناك عدد محدود من القاضيات في عدن، وكذلك في صنعاء، لكن نطاق عملهنّ ما زال مقننًا ومحدودًا.

أهم البنود القانونية ضمن الدستور

تنص المادة 42 لقانون العمل رقم 5 لعام 1995م، على أن “تتساوى المرأة مع الرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون أي تمييز، كما يجب تحقيق التكافؤ بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقي والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية، ولا يعتبر في حكم التمييز ما تقتضيه مواصفات العمل أو المهنة”.

هذا ويضمن القانون اليمني لعموم المواطنين الحق في المشاركة في الحياة الاقتصادية للبلاد، ورغم ذلك، فإنّ الكثير من الجوانب التشريعية اليمنية ما زالت لا تحتكم للاتفاقيات ولا الأحكام القانونية بشكل منصف.

تتحدث المحامية لميس الحامدي، عن أبرز البنود القانونية في الدستور اليمني الذي تضمن الأسس الاجتماعية والثقافية التي كفلت لكل مواطن العمل، بقولها: المادة رقم 29 من الدستور اليمني “العمل حق وشرف وضرورة لتطوير المجتمع، ولكل مواطن الحق فـي ممارسـة العمل الذي يخـتاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجـوز فرض أيِّ عمل جبرًا على المواطنين إلا بمقتضى قانون، ولأداء خـدمة عامـة، وبمقابل أجـر عادل، وينظم القانون العمل النقابـي والمهني والعلاقة بين العمال وأصحـاب العمل”.

وتكمل حديثها: “وضعت مادة (58) للمواطنين في عموم الجمهورية -بما لا يتعارض مع نصوص الدستور- بضمان الحق في تنظيم أنفسهم سيـاسيًّا ومهنيًّا ونقابيًّا، ومنحتهم الحق فـي تكوين المنظمـات العلميـة والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنيـة بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق، كما تتخذ جـميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كل الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسيـة والنقابيـة والثقافيـة والعلميـة والاجتماعيـة”.

القانون وإنصاف المرأة

في العام 1984م، في تاريخ 30 مايو صادقت اليمن على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مع كثير من الدول، ومنها اتفاقية العمل اللائق والآمن، التي صادقت عليها اليمن عام 2010م، وعليها تُلزم الدولة بتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة للجميع، دون تمييز.

فُرضت بعض القرارات الدولية من أجل النساء وضمان حقها في المجالات كافة، وفي كل القطاعات الحكومية والخاصة، وكذلك المواثيق الدولية والبنود التي وضعها الدستور اليمني وعمل بها.

في هذا السياق تتحدث لميس الحامدي عن أبرز القوانين والقرارات الدولية؛ إذ تقول: “المواثيق الدولية أوضحت حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل، من خلال المادة رقم 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة السادسة والعاشرة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة11  من اتفاقية القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة (سيدو)”.

وتضيف: “تلزم الدول جميع الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل؛ لكي تكفل لها، باعتبار المساواة بين الرجل والمرأة كما هي الحقوق، كما تقرر تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، ضمانًا لحقها الفعلي في العمل”.

وتتابع: “تركز اتفاقيات منظمة العمل الدولية على حقوق المرأة العاملة ومساواتها بالرجل في الأجور في الأعمال القيمة، وفي الفرص والمعاملة للعمال من الجنسين الذين لديهم أعباء عائلية”.

“أصدرت منظمة العمل العربية منذ تأسيسها عام 1965م اتفاقيات وتوصيات بشأن الحد الأدنى من الحقوق التي يتعين على الدول العربية توفيرها للعمال، وكانت أول اتفاقية بشأن المرأة العاملة الاتفاقية رقم 5 لسنة 1976م، التي نصت على مساواة المرأة والرجل في كل تشريعات العمل في القطاعات كافة، ومساواة المرأة والرجل في الشروط وظروف العمل والأجور، وحقوق المرأة العاملة أثناء الحمل والوضع وتربية الأطفال”. كما أكدت الحامدي في حديثها على أهم القرارات الدولية التي اتُّخذت لإعطاء المرأة حقها في العمل الحكومي.

التكاليف والإجازات

تعدُّ أيام الإجازات ونسبة التكاليف من الأمور التي لا تفرق بين الرجل والمرأة، خاصة في الأيام الرسمية، تعطى الإجازات بشكل عام دون استثناء، لكن هناك عدة إجازات تطلبها المرأة لحاجتها؛ منها إجازة الوضع وغيرها.

توضح لميس الحامدي أنّ القانون لم يمنح المرأة أيّ تكليفات منصفة، لكنه منحها إجازات كامتياز بقولها: “القانون لم يمنح المرأة أي تكاليف بشكل منصف، أمّا من ناحية الإجازات، فقد منح قانون العمل اليمني المرأة درجة استثنائية في حالة واحدة وهي حالة وفاة زوج المرأة العاملة”.

وتضيف لميس أنّ المادة رقم (87) نصت على “أنّ المرأة العاملة تمنح إجازة مدفوعة الأجر لمدة أربعين يومًا في حالة وفاة الزوج، يبدأ احتسابها من تاريخ الوفاة، ويجوز لها الحصول على إجازة دون أجر لمدة لا تزيد على تسعين يومًا؛ لتكملة مدّة العدة إذا رغبت في ذلك”.

وتؤكد لميس أنّ القانون أجحف بحق المرأة بشكل كبير؛ إذ إنّ الأصل تتحصل المرأة العاملة على أجر كامل طول مدّة العدة الشرعية للوفاة. هذا وحدد قانون العمل إجازة أمومة لمدة 60 يومًا بأجر كامل، كما وفر القانون ساعات عمل أقل للمرأة الموظفة، سواء أكانت حاملًا أم مرضعًا.

تحديات وحلول

أجمع خبراء وباحثون على أبرز التحديات التي واجهت وما زالت تجابه المرأة في حقها القانوني، وأبرزها عدم تطبيق القوانين واللوائح بشكل كامل في كثير من الأحيان، كذلك تواجه المرأة العاملة في القطاع الحكومي بعض الصعوبات، مثل التمييز في بعض الأعمال ما بينها وبين زميلها الرجل، وهذا ينتج عنه وجود فجوة كبيرة في الأجور بين الرجال والنساء في بعض الوظائف.

وفي إطار المعالجات تقول لميس الحامدي: “هناك مجموعة من الإصلاحات التي من الممكن القيام بها لمنح النساء حماية قانونية واجتماعية لضمن حقهنّ في القطاع العام، منها إعادة صياغة بعض القوانيين لتتماشي مع التغيرات الراهنة، وكذلك إعطاء فرص أكبر للنساء لتتولى القيادة والمهام في مختلف المجالات والتخصصات، والعمل المشترك على وقف تهميش المرأة بشكل عام عن طريق التوعية، والتعريف بأهمية دورها في المجالات العملية كافة في المجتمع”.

ويرى مجموعة من الباحثين أنّه لا بُدَّ من القيام بعدّة معالجات؛ منها تعزيز الوعي بالقوانين واللوائح التي تحمي حقوق المرأة العاملة في القطاع الحكومي، وكذلك مراجعة القوانين واللوائح لضمان ملاءمتها للمعايير الدولية، كما يجب تطبيق القوانين واللوائح بشكل حازم، والعمل على دعم برامج تمكين المرأة في العمل، والأهم من هذا معالجة التحديات التي تواجهها المرأة العاملة في القطاع الحكومي.

حماية حقوق النساء في مجالات الحياة كافة، بما في ذلك القطاع الحكومي؛ إذ يعدّ ركيزة حيوية تضمن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في اليمن، وتتكفل التشريعات اليمنية، بدءًا من الدستور والقوانين النافذة، إلى حماية حقوق المرأة العاملة في القطاعات المختلفة، وأهمها القطاع العام، فهل تضمن المرأة حقها في المساواة والعدالة في المجالات كافة مستقبلًا؟

you might also like