ياسمين عبد الحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
تعدُّ النساء في اليمن أكثر الفئات تضررًا من الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات؛ إذ تؤكد تقارير أممية صادمة أنّ اليمن باتت أسوأ مكان في العالم للعيش فيه بالنسبة للنساء، وهو ما يعكس الواقع المأساوي الذي تعيشه المرأة اليمنية على مختلف الأصعدة في جميع المحافظات والمناطق اليمنية.
تواجه المرأة اليمنية، وخاصة الموظفات الحكوميات، صراعًا من نوع آخر، تخوض فيها معركة شرسة من أجل البقاء والعيش بكرامة، في ظل ظروف قاسية تهدد حياتها ومستقبلها، خاصة مع تدمير المنشآت الحكومية، وانقطاع رواتبهنّ، وارتفاع أسعار متطلبات الحياة، وانعدام الوظائف، وعدم وجود الأمان، الذي يهدد حياتهنّ، وتقييد الحريات التي بسببها باتت المرأة عاجزة عن التنقل والبحث عن مكان أفضل وحياة كريمة.
موظفات تضررْن من الصراع
تروي لنا جميلة علي -معلمة من مدينة الحديدة- قصة معاناة الآلاف من النساء اليمنيات اللواتي أجبرهنّ الصراع الدائر في البلاد على النزوح من منازلهنّ، والبحث عن الأمان في مناطق أخرى.
اضطرت جميلة إلى النزوح من مدينة الحديدة إلى إحدى مديريات مدينة تعز، بعدما توقف راتبها وزاد حدة الصراع في المدينة؛ ممّا أدّى إلى تدهور ظروفها المعيشية وظروف أسرتها.
تتحدث جميلة إلى صحيفة (المرأة في التنمية والسلام) قائلة: “حاصرتنا المعاناة من كل ناحية، وتوقف راتبي مع بقية المعلمات والمعلمين الحكوميين في المدينة، كما نزح كثير من أصحاب المشاريع، وأغلقت العديد من المؤسسات الخاصة، ولم تكن هناك فرصة للبحث عن عمل آخر أستطيع من خلاله توفير حياة كريمة لأطفالي، خاصة أنّ ظروفنا المعيشية تدهورت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأزمات الوقود، لذا قررت البحث عن مكان يعدُّ أفضل حالًا من الحديدة، خاصة أنّ زوجي توقف راتبه، كونه موظفًا حكوميًّا هو الآخر”.
وتضيف: “ليس وحدنا أنا وزوجي تضررنا جراء الصراع الذي أدّى إلى انقطاع رواتبنا وتدهور الوضع المعيشي لنا، بل هناك العديد من الموظفين في المدينة فرّوا هروبًا من تداعيات الصراع، الذي أثّر بشكل كبير على الحياة المعيشية خاصة لنا الموظفين في القطاع الحكومي؛ إذ تفرقنا جميعًا ونزحنا بين المدن اليمنية بحثًا عن عمل مناسب يضمن لنا حياة كريمة، وإن كان في مجال غير مجالنا، أهم شيء يسدُّ من رمق أطفالنا”.
تركت جميلة منزلها الذي خسرت من أجله كثيرًا من المال، وكذلك ما كان بحوزتها من مجوهرات؛ إذ كان هذا المنزل رمزًا لاستقرارها وأمانها ومستقبل أفضل لأطفالها، إلّا أن ويلات الصراع لم تُبقِ مكانًا لحلمها الجميل، الأمر الذي أجبرها إلى مغادرة منزلها مع أطفالها، ولم تفقد جميلة الأمل، فمع كل خطوة على طريق النزوح، كانت تدعو أن يصلح حال البلاد، وأن تعود إلى منزلها في وقت قريب.
تقول جميلة: “نزحت إلى قريتي في ريف تعز بسبب الصراع، وهناك بقيت ما يقارب ثمانية أشهر، ومع بدء الحكومة بصرف مرتبات الموظفين، قررت العودة إلى مدينة تعز، آملة في تحسين ظروفي المعيشية، وبدأت التدريس في إحدى مدارس تعز، لكن الراتب الذي أتحصل عليه لم يكن كافيًا لتغطية احتياجاتي الأساسية؛ إذ كان لا يزيد عن سبعين ألف ريال، فهو لا يكفي لإيجار البيت الذي كان بمبلغ تسعين ألف ريال، فضلاً عن الالتزامات الأخرى مثل الماء والكهرباء ومصروفات الأولاد وغيرها، لذلك، قررت البحث عن عمل إضافي في مدرسة أهلية؛ لتلبية احتياجاتي الأساسية وتحسين ظروف حياتي”.
وتُضيف: “الغرض من التدريس في مدرسة أهلية توفير تعليم جيد لأبنائي بها، وبذلك أكون قد استطعت دفع رسوم الدراسة مقابل التدريس، وبقية المصروفات التي عجزت عن دفعها اضطررت البحث عن عمل آخر كمشروع يسدُّ باقي احتياجات أُسرتي”.
استأجرت جميلة بوفية المدرسة التي كانت تعمل بها، وقامت بتأثيثها وتزويدها بالمواد الغذائية من أجبان وبسكويت، ومن الخبز والعصائر وغيرها، كما عيّنت إحدى النساء للعمل بها مقابل أجر شهري، ورغم تلك المحاولات التي تخوضها جميلة لسدّ كل ما تحتاجه الأسرة، فإنّها ما زالت عاجزة عن تغطية كل متطلبات الحياة، بسبب الغلاء الذي تشهده مناطق البلاد.
المعاناة التي خلفها الصراع ويتحمل تبعاتها المواطن، رافقت جميلة إلى الأماكن التي ذهبت إليها بعد انقطاع راتبها، وهذا الحال تعيشه كثير من المعلمات اللواتي نزحنَ إلى مناطق كثيرة، وبسبب عجزهنّ عن البحث عن بدائل لسد ما تحتاجه أسرهن، أُصِبن بالإحباط، وأخريات بأمراض نفسية؛ منها الاكتئاب والخوف المرضي وغيرها.
تُشير العديد من النساء العاملات في القطاع الحكومي إلى أنّ الصراع أثّر على حياتهنّ الأسرية بشكل كبير، فهناك مَن اضطررنَ إلى تسريح أطفالهنّ من التعليم؛ لأجل البحث عن عمل، وتحمل المسؤولية مبكرًا حتى لا يجوع هو وإخوته، بعدما عجزت الأم عن توفير ما يحتاجونه بعد فقدان كثير من أرباب الأسر أعمالهم ورواتبهم.
أزمة في الرواتب
تروي أيضًا المعلمة سمر أحمد، معلمة في إحدى المدارس الأهلية في محافظة الحديدة إنّ هناك العديد من الموظفات في القطاع الحكومي اضطررنَ للعمل في أعمال مؤقتة، مثل بيع المثلجات من المنازل، أو تجهيز الملابس النسائية، أو بيع الوجبات المختلفة في المنتزهات والحدائق، وفي الأسواق، حتى ينقذنَ أنفسهنَّ وأسرهنَّ من الجوع والتشرد والضياع.
وتتساءل؛ “كيف سيكون وضع معلمة مثلًا تتقاضى راتبين فقط في السنة؟! أي تستطيع الحصول عليها أربع مرات في العام الواحد، نصف راتب قبل رمضان، والنصف الآخر في عيد الفطر، أما الراتب الثاني يصرف على دفعتين في بداية العام وفي عيد الأضحى”.
يرى محمد عابد المدير التنفيذي لمؤسسة ضمير للحقوق والحريات من محافظة شبوة، جنوب البلاد، أنّ المرأة اليمنية العاملة في القطاع الحكومي تواجه العديد من المعاناة خاصة انخفاض الرواتب، وانقطاعها في العديد من المحافظات اليمنية نتيجة الصراع، الذي صاحب تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لدى كثير من الأسر، وتدهور العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وأضاف لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام): “أنّ من تداعيات الصراعات السلبية التي أثرت على المرأة العاملة في القطاع الحكومي، أنّها لم تستطع الوصول إلى مقر عملها بسبب الأوضاع الأمنية في كثير من المناطق اليمنية، مما تسبب في عدم ممارسة نشاطها في العمل الحكومي بشكله المعتاد مسبقًا”.
تداعيات موجة النزوح
نجت محافظة المهرة الواقعة في الجزء الشرقي لليمن من ويلات الصراع الدائر في العديد من محافظات البلاد، بسبب الموقع الجغرافي للمحافظة الذي أبعدها عن خطوط الصراع المباشر الذي شهدته كثير من المحافظات في البلاد، وحافظ على استقرارها نسبيًّا. ومع ذلك، لم تكن المهرة بمنأى عن تأثيرات الصراع، فقد طالت هذه التأثيرات حياة المرأة المهرية بطرق غير مباشرة.
وتمثلت تلك التأثيرات في ازدياد معدلات البطالة، وذلك مع تدفق النازحين من المحافظات المتضررة إلى المهرة؛ ممّا أدّى إلى ازدياد معدلات البطالة، وصعوبة الحصول على فرص عمل للنساء، وارتفاع أسعار السلع، نتيجة انقطاع طرق النقل بسبب الصراع، وتراجع الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، بالإضافة إلى ازدياد معدلات العنف ضد المرأة، خاصة العنف الأسري، بسبب الضغوطات الاقتصادية والنفسية التي نتجت عن الصراع.
تواجه نور عبد العزيز مكي، الناشطة الاجتماعية والثقافية من محافظة المهرة، تحديات كبيرة في ظل موجة النزوح التي تشهدها المحافظة منذ بدء الصراع في اليمن، وتعدُّ هذه الموجة، التي طالت النساء بشكل خاص، تهديدًا مباشرًا لفرص المرأة المهرية في الحصول على المناصب والوظائف؛ ممّا يعوق تقدمها وتمكينها في المجتمع، ويخلق منافسة غير عادلة على الوظائف المتاحة، وتضطر المرأة المهرية للتنافس مع النازحات على فرص محدودة؛ ممّا يقلل من حظوظها في الحصول على وظيفة مناسبة.
وأوضحت أن هناك توافدًا لنساء يمتلكن خبرات ومؤهلات تفوق ما تمتلكه المرأة المهرية؛ لذا فرصهنّ في إيجاد وظائف عامة أو خاصة قوية جدًا مقارنة بالمرأة المهرية، لذا تُستوعب النازحات على حساب المرأة المهرية التي لم تجد فرصة للتعلم والمعرفة بشكل أفضل.
معالجات تخفف من معاناة المرأة العاملة
طالبَ محمد عابد الجهاتَ الحكومية باتّخاذ خطوات وإجراءات ملموسة تعزز المساواة بين الجنسين في المؤسسات الحكومية، عبر ضمان فرص متساوية للرجال والنساء في التوظيف والترقية والتدريب، ومنح المرأة حقوقها كافة، منها: منحها إجازات مراعاة لطبيعتها ودورها في تربية أبنائها، وتوفير رعاية صحية مناسبة، خاصة خلال مدّة الحمل والولادة، بالإضافة إلى خلق وعي مجتمعي حول تمكين المرأة في الدوائر الحكومية، وإسهامها في التنمية، وتشجيع مشاركتها في الفعاليات والأنشطة العامة، ومنحها الحق في صنع القرارات، وتمكينها في المناصب القيادية.
من جهته يرى الصحفي والناشط الحقوقي من محافظة الحديدة كمال الشاوش أنّ الصراع في اليمن أثّر بشكل كبير على المرأة في القطاع الحكومي؛ إذ اتّضح من خلال عزم كثير من النساء العاملات في المؤسسات التابعة للدولة إلى فتح مشاريع خاصة بهنّ، بسبب انقطاع الرواتب، ومحاربتهنّ في مقرات عملهنّ في محافظات مختلفة، إضافة إلى التحاق كثير منهنّ في أعمال مختلفة، وتخليهنّ عن وظائفهنّ الحكومية.
وحول الحلول التي من شأنها تحسين وضع المرأة العاملة في القطاع الحكومي؛ يقول الشاوش: “إنّ مشاركة المرأة اليمنية في أي تفاوض يجري بين الأطراف المتصارعة سوف يمكنها من إيصال صوتها ومطالبها؛ الأمر الذي سينعكس أثره على خطة السلام والتنمية، وإنّ تغييب تمثيل النساء في المفاوضات السياسية يعدُّ أحد أهم تأثيرات الصراع على دور المرأة في القطاع الحكومي”.
كما يضيف: “ومن الحلول أيضًا نقل الموظفات إداريًا من المؤسسات التي تعاني من أزمة مالية إلى مؤسسات أخرى قادرة على دفع رواتبهنّ، كما يطلب من المنظمات الدولية العاملة في الشأن الإنساني، التي تعمل في مجال تنمية المرأة – تقديم المساعدة للموظفات الحكوميات من خلال دفع رواتبهنّ بشكل مباشر، أو من خلال دعم المؤسسات الحكومية التي تعاني من نقص السيولة، وهنّ قلائل مقارنة بالعاملات في القطاع الخاص”.
إنّ أزمة رواتب الموظفات الحكوميات التي تأثرت بسبب الصراع تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار الأسر والمجتمعات في اليمن، وهناك مناشدات مجتمعية موجهة إلى جميع الجهات المعنية للعمل معًا لمعالجة هذه الأزمة بشكل عاجل.