حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

على الرغم من التقدم الذي أحرزته المرأة اليمنية في السنوات الأخيرة، فإنّها ما تزال تواجه تحديات كبيرة في سبيل نيل حقها بشكل كامل، بما في ذلك حق العمل في القطاع الحكومي؛ فهي لا تزال تجابه تمييزًا واسع النطاق في سوق العمل، بما في ذلك قلة فرص العمل المتاحة لها، وانخفاض الأجور، وعدم المساواة في المعاملة، وغيرها من الصعوبات، لكن هل النظرة المجتمعية تنظر لها بشكل عادل، وتضمن حقها في البناء والتنمية؟!

تقارير وإحصائيات

في تقرير نشرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ذُكر فيه أنّ وضع النساء والفتيات في اليمن صعب للغاية، وقد أضاف الصراع طبقات من الضعف الذي تعاني منه النساء والفتيات، وزاد من حدة عدم المساواة القائمة بين الجنسين.

هذا وصنف مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2014م مشاركة المرأة الاقتصادية وتمكينها السياسي في اليمن في المرتبة 138 من بين 142 بلدًا، وفي عام 2017م، صنف اليمن في ذيل القائمة لمؤشر الفجوة بين الجنسين 2017م (144 من أصل 144 دولة).

كما لخص تقرير بحثي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، أنّه في العام 2015م، انخفضت عمالة الذكور بشكل عام بنسبة %11، في حين انخفضت عمالة الإناث بنسبة %28، وتفاوتت هذه الأرقام على الصعيد المحلي، ففي حين انخفضت عمالة النساء في صنعاء بنسبة %43، بسبب تضرر القطاعات الحكومية والخاصة، ارتفع عدد النساء العاملات في عدن بنسبة %11.

وكان حضور المرأة وقيادتها في المجال الحكومي منخفضًا للغاية؛ إذ تسجل المرأة اليمنية أدنى المستويات من المشاركة في العمل الرسمي مدفوع الأجر، كما ارتفعت معدلات تعرض النساء لمختلف شكال العنف، بما في ذلك الزواج القسري والمبكر، وذلك حسب تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

وجه نظر مجتمعية

يرى بعض أفراد المجتمع أنّ المرأة اليمنية تتمتع بالمهارات والقدرات اللازمة للعمل في أي منصب حكومي، وأنّ اشتراكها في الأيدي العاملة مهم لرفد الاقتصاد اليمني، كما يجادلون بأن مشاركة المرأة في الحياة العامة يساعد في تحسين المجتمع بكامله.

في حين يرى بعضهم الآخر أنّ عمل المرأة في القطاع الحكومي يتعارض مع دورها الأساسي كأُم وزوجة وربة منزل لها حقوق وواجبات تجاه الزوج والعائلة أولًا، كما يؤكدون أن عملها يؤدي إلى تفكك الأسرة وظهور العديد من المآسي الاجتماعية.

ألحان الشيباني -ناشطة- تتحدث عن أهمية دور المرأة في العمل الحكومي، قائلة: “أنا لي نظرة إيجابية ومحفزة للمرأة العاملة في القطاع الحكومي، كونها تعدُّ شريكة الرجل في كل أمور الحياة سوءًا على الصعيد المجتمعي أو المهني”.

وتضيف: “لذلك يجب على المجتمع أن يتقبل المرأة مثلها مثل الرجل في القطاع الحكومي والخاص، ويجب إعطاؤها حقها الكامل لممارسة عملها ضمن الحقوق والوجبات التي كفلها لها القانون، بعدِّه سيؤثر إيجابيًا على المجتمع بشكل عام، والقطاع الذي تعمل فيه بشكل خاص؛ كونها أكثر استيعابًا وتحفظًا للمهام التي توكل إليها”.

الفروق الإيجابية والسلبية

شيماء أحمد، مختصة تقارير طبية في مستشفى حكومي، تتحدث قائلة: “من وجهة نظري أنّ القطاع الحكومي يحتوي على موظفين من مختلف الشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية والجنسيات، وهناك نوعية لديها جهل ثقافي رغم المناصب، فيجد أنّ المرأة التي تعمل في العمل الحكومي المفتوح والواسع متاحة للتواصل وبناء علاقات، لذلك نجد أنّ المرأة تهمش؛ لأنّ المجتمع ينظر إليها بشكل سيّئ، بعدِّها خرجت لسوق العمل، ولكن في القطاع الخاص رُبما تجد أشخاصًا مثقفين ولديهم وعي معين يقدر جهد المرأة ويدعمها، بل هناك مؤسسات تمنح النساء مناصب وامتيازات”.

أمل فؤاد -مديرة في إحدى القطاعات المصرفية- تتحدث عن الفوارق بين إيجابيات وسلبيات العمل في الدوائر الحكومية بقولها: “قصر مدة الدوام قد يتسبب للنساء بعدم الراحة لإنهاء المهام، لكنه يعدُّ أهم ميزة في العمل الحكومي، كذلك خفة الأعمال الموكلة للموظف، ويتميز العمل الخاص في مؤسسات عملاقة واحترافية، رغم ساعات الدوام الطويلة، أنّها تضمن للموظف، سواء أكان رجلًا أو امرأة، حقوقًا كاملة وامتيازات ومكافآت”.

وتوضح أمل قائلة: “أمّا بالنسبة للسلبيات التي يركّز عليها المجتمع، خاصة بالنسبة للنساء، هي طبيعة الأعمال في القطاعات الحكومية التي تتطلب بذل جهودٍ إضافية تمتد إلى وقت المساء، أو تقام في مجلس (القات) الخاصة بالرجال غالبًا، كذلك احتكار الرجل للمناصب والحقوق، لذا نرى تهميش دور المرأة في الدوائر الحكومية”.

وتضيف: “في العمل الحكومي تكون الحقوق على قدر المنصب والامتياز للموظف؛ فهناك بعض النساء عملنَ لسنوات كثيرة ولم يحصلنَ على حقوقهنّ بشكل منصف، وأُخريات حصلنَ عليها باجتهادهنّ وسعيهنّ، ولكن بشكل أسرع، رُبَّما هناك دور للوساطات والمحسوبيات، ورُبَّما ذكاء وحنكة”.

المرأة واستحقاق التحاقها بالوظيفة العامة

عن مدى استحقاق النساء للعمل في القطاع الحكومي ترى ألحان الشيباني أنها كبيرة؛ إذ تقول: “استحقاق النساء للعمل في القطاع العام يعدُّ كبيرًا للغاية ومهمًّا، وإعطاؤها حقَّها في تولي تلك الوظائف أو المهام يحقق كثيرًا من الإنجازات لتلك المؤسسات، لالتزامها في تنفيذ جميع مهامها وعملها”.

وتؤكد أنّ المرأة تستحق أن تكون في القطاع الحكومي؛ كون القانون أعطاها الحق التام في ذلك، وأن تمارس عملها، وتحصل على الترقيات في المناصب التي تشغلها”.

وتردف: “في الوضع الراهن للبلاد نستطيع القول أنّ الامتيازات قلّت في بعض القطاعات الحكومية، ولا توجد إلا في القطاعات الخاصة؛ وذلك بسبب تداعيات الصراع الذي أدّى إلى توقف عمل الخدمة المدنية في توظيف موظفين جُدد، أو عمل الترقيات اللازمة والرفع من الدرجات الوظيفية، ممّا جعل المرأة تبحث عن فرصة في القطاع الخاص؛ كونها أكثر إنصافًا من الوظيفة الحكومية، وأحيانًا تترك عملها الحكومي بشكل نهائي”.

وفاء عوض -موظفة في إحدى الوزارات الحكومية- تشير إلى أنّ النساء يعوّل عليهنّ الكثير؛ بسبب توفّر عدة مهارات عملية لديهن، قائلة: “المرأة تعمل في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ولدى بعضهنّ مناصب؛ كونهنّ موضع ثقة، ولأنهنّ ملتزمات ومخلصات في أعمالهن، ويخول عليهنّ الكثير، كما أنّهنّ على مستوى عالٍ من الدقة والمسؤولية”.

 

تأثير وجود المرأة

شيماء أحمد، تتحدث عن التأثير الذي يحدثه وجود النساء في القطاع العام، بقولها: “تأثير المرأة في القطاع العام كبير؛ إذ يعملن دون أي رشوة قد يطلبها الرجل بمسمى (حق القات)، أو نسب من إنجاز الأعمال للمستفيد، كما نجد نساءً كُثر في مؤسسات حكومية يعملنَ بإخلاص وتفانٍ، ويساعدنَ دون أي مقابل أو معرقلات”.

ألحان الشيباني ترى أنّ تأثير المرأة مهمّ وجذري، خاصة في هذا الوضع الصعب الذي تمر به اليمن؛ إذ استندت المرأة في مدّة الصراع على نفسها كثيرًا، ما جعلها أكثر قوة وشجاعة، وتقول: “هناك مهام كانت محصورة على الأُم وعلى نطاق أسرتها، أما حاليًا فهناك دور للمرأة مؤثر في المجتمع، فنجد الشيخة، وفي بعض الأحياء تسمى (العاقلة)”.

وتضيف ألحان: “لا ننسى أنّ اللجنة المجتمعية والناشطة أصبحت قوية في المجتمع بشكل كبير للغاية، وأيضًا لها الكلمة المسموعة، وهنالك نماذج كثيرة نفخر بها، ونجد احتواء ودعمًا من المجتمع للمرأة بشكل واسع، ومساندة وعونًا لها”.

أثبتت الدراسات أنّ عمل المرأة في القطاع الحكومي له كثير من التأثير الإيجابي على الأسرة والمجتمع، فالمرأة العاملة تُسهم في توفير دخل إضافي للعائلة؛ ممّا يساعد على تحسين مستوى المعيشة، كما أنها تكون قدوة حسنة لأطفالها، وتساعد على تحسين وضع المرأة في المجتمع بشكل عام.

التحديات والصعوبات

من أبرز التحديات التي واجهت النساء اليمنيات في سوق العمل بشكل عام كانت الآثار المرتبطة بالصراع المسلح وآثاره العنيفة، فقد ذكرت العديد من الدراسات والأبحاث أنّ الصراع أثر على القوى العاملة من النساء أكثر من الرجال.

نجلاء حسين -معلمة- ترى أنّ أبرز التحديات التي قد تواجه النساء في القطاع الحكومي عدم القدرة على الموازنة بين العمل والحياة الأسرية؛ إذ تواجه النساء في اليمن صعوبة في الموازنة، خاصة في ظل نقص خدمات رعاية الأطفال، مع عدم القدرة على الدفع؛ لقلة الأجوار المالية التي تدفع للمعلمات”.

وتضيف نجلاء بقولها: “كوني في منطقة بعيدة عن المواصلات، تعدُّ صعوبة الوصول إلى وسائل النقل من أكبر التحديات التي أعاني منها، خاصة في المناطق البعيدة والريفية، وهذا يجعل من الصعب علينا الوصول إلى أماكن أعمالنا بسهولة ويسر”.

هذا ويرى المختصون أنّ المرأة قد تواجه كثيرًا من التمييز والتحيزات في سوق العمل اليمني، وهذا يخلّف كثيرًا من البطالة وقلة فرص العمل للنساء، وقلة الرواتب والأجور المالية، وقد تدخل كل تلك التحديات تحت عدم المساواة بين الجنسين.

رفض المجتمع

تتحدث ألحان الشيباني أنّ هناك عدة أسباب لرفض التحاق النساء بالوظيفة العامة، منها أولًا: العادات والتقاليد الاجتماعية، التي يفرضها المجتمع على المرأة بشكل عام، وكذلك علماء الدين وتشديدهم على تحريم اختلاطها بالرجل، وثانيًا: تميزها ونجاحها والتزامها وتقديمها الأفضل أكثر من الرجل، وهذا ما يجعلها تُحارب وتُمنع من الظهور على حساب الرجل.

ومن جملة التحديات التي قد تواجهها النساء ما ذكرته ألحان؛ الوضع الراهن للبلد شكَّلَ تحدِّيًا كبيرًا، سواء أكان مكان العمل قريبًا أم بعيدًا، والأصعب الوضع المادي الشحيح الذي يحبط المرأة في مواصلة عملها في القطاع الحكومي.

شيماء أحمد توضح أنّ رفض وجود المرأة في المرافق الحكومية غالبًا ما يكون من الأهل، بسبب نماذج واجهها ربُّ الأسرة جعلته يخشى أن تكون ابنته بهذا الشكل، لكن في الدوائر والقطاع والمجتمع قد يوجد من يدعم وجود المرأة في العمل؛ لأنّها أسرع وأكثر حرصًا من الرجل.

ما تزال بعض الأعراف والتقاليد في اليمن تمنع المرأة من العمل خارج المنزل، خاصة في الوظائف الحكومية، وهناك مجموعة منهنّ لا تحظى بدعم من أسرهنّ؛ ممّا يجعل من الصعب عليهنّ التوفيق بين العمل والحياة الأسرية.

 

تهميش وحقوق

شيماء أحمد تذكر أبرز التحديات التي توجه النساء في الدوائر العامة، بقولها: “زميلتي تعمل في الإيرادات منذ أكثر من عشرين عامًا، ولم تترقَ إلَّا قبل مدّة وجيزة، وفي منصب لم ينصفها، فنجد أنّ حقوق المرأة مسلوبة، لا تتحصل على ترقيات أو علاوات، وإن وُجدت بالكاد تذكر”.

وتضيف: “لي أكثر من ثلاث سنوات لم أُمنح مسمًى وظيفيًّا سوى متطوعة، فلم أُمنح أيَّ عقد أو اعترافًا رسميًّا بتثبيتي، رغم سنوات الخدمة التي قضيتها في عملي”.

وتتحدث عن جانب الحقوق والامتيازات في القطاع الحكومي، قائلة: “هناك فروق كبيرة في الرواتب والأجور بين الرجال والنساء، فعند مطالبة المرأة بحقها ومقارنتها بعمل زميلها الرجل يخبرونها أنّه رجل ولديه التزامات وعائلة ومسؤوليات تجعله مستحقًا، أما المرأة تُهمش، فلا يرون أنّها تستحق أي زيادات مادية؛ لأنّها لا تتحمل أي مسؤولية”.

 

المعالجات

ترى ألحان الشيباني أنّ هناك معالجات ظهرت أخيرًا بشكل طفيف جدًّا، وأنّ التمكين لوجود المرأة في القطاع العام يعدُّ موجودًا، لكن أصبحت العديد من النساء اليمنيات عاملات في مشاريع وقطاعات خاصة، ليس فقط في القطاع الحكومي، هنا لا ننسى دور المنظمات في مساعدتهنّ ودعمهنّ لتمكينهنّ اقتصاديًّا.

وتضيف: “نتطلع إلى تسليط الضوء على دور المرأة في القطاع الحكومي، وإعطائها الحق الكامل من الامتيازات والمكافئات والترقيات؛ لتشجيعها وجعلها محافظة على عملها”.

شيماء أحمد تعتقد أنّ أبرز المعالجات قد تكمن في تنظيم الهيكل الإداري للمرافق، ومنح الوظائف للأشخاص المستحقين بغض النظر عن كونه رجلًا أو امرأة، وقس على ذلك بقية الحقوق والامتيازات، التي تسهم في دعم المرأة في القطاع العام، ومنع احتكار الرجل للمناصب.

هذا ويقترح عدد من الخبراء والمختصين أنّه يجب فرض قوانين لحماية المرأة من التمييز في سوق العمل، وضمان نيلها نفس الحقوق والفرص التي يحصل عليها الرجل، ومن أبرز الحلول معالجة العادات المغلوطة، ونشر التوعية المجتمعية بأهمية مشاركة المرأة في القوى العاملة، ومنح النساء كثيرًا من الدعم والتمكين في أعمالهنّ؛ لكي يعملنَ بثقة واحترافية.

you might also like