حنان حسينالمرأة في التنمية والسلام

 

لطالما واجهت المرأة اليمنية صعوبات جمة في ممارسة الرياضة، بدءًا من القيود الاجتماعية ووصولًا إلى نقص الدعم والمرافق. ومع ذلك، تحدت العديد من الفتيات هذه العقبات، وناضلن من أجل تحقيق شغفهن الرياضي، ليُصبحن نجمات لامعات في سماء الرياضة اليمنية، وحصلن على مكانة رياضية مرموقة تمكنهن من التربع على عرش أفضل اللاعبات في اليمن.

هناك العديد من النماذج لفتيات نافسن بقوة على مختلف الأصعدة، محليًا ودوليًا، يتم الإشارة إليهن بالبنان، وأصبحن قصصَ نجاحٍ ملهمة تسطر بأحرف من ذهب في القطاع الرياضي اليمني.

في هذا التقرير سنعرض عددًا منهن، كقصص ناجحة أسهمن في إعطاء المرأة مكانة في الجانب الرياضي في اليمن، وأثبتن قدرتهن في التغلب على الصعاب، وتحقيق إنجازات استثنائية، ليُصبحن قدوة، وعلامة فارقة في نجاحات القطاع الرياضي في اليمن.

 

“هديل الريمي”.. لاعبة كارتيه

هديل عدنان الريمي، كابتن ولاعبة كارتيه، درست بكالوريوس تربية بدنية. بدأت في المجال الرياضي منذ نعومة أظافرها؛ إذ مارست الألعاب القتالية بتشجيع وإشراف من والدها الكابتن عدنان الريمي، مؤسس لعبة الكاراتيه في اليمن ومدربها المخضرم.

منذ بداية مسيرتها الرياضية، واجهت هديل نظرة المجتمع الضيقة التي حصرت الرياضة في الرجال فقط؛ لكن هذا لم يثنها عن التمسك بشغفها، واندفعت للعمل بجد واجتهاد لتحقيق إنجازات تُثبت جدارة المرأة في المجال الرياضي.

شاركت هديل في العديد من البطولات المحلية والدولية، وحازت على ميداليات وشهادات تقديرية عديدة. لم تكتفِ بذلك، فسعت إلى تطوير مهاراتها من خلال المشاركة في دورات تدريبية مع خبراء دوليين.

مثابرتها وإصرارها آتيا ثمارًا على أرض الواقع، فقد حصلت هديل على كأس أفضل لاعبة كاراتيه يمنية، وأصبحت أول لاعبة تحصل على الحزام الأسود في رياضة الكاراتيه في اليمن، بعد مشاركتها في عدة مباريات ومسابقات.

تخطت هديل حدود التميز لتصبح أيقونة رياضية استثنائية؛ إذ لم تكتفِ بلقب “نجمة المنتخب الوطني اليمني للكاراتيه” و”بطلة الجمهورية اليمنية للعبة الكاراتيه” لعشر سنوات متتالية وحسب، بل تحدت نفسها والمجتمع ونظرته القاصرة وخاضت غمار منافسات جديدة في مجالات رياضية أخرى، وحازت على عدة ألقاب وأوسمة؛ إذ حصلت على لقب “بطلة الجمهورية في كرة الطائرة” لعامين متتاليين، ولقب “بطلة الجمهورية في كرة السلة” لعامين متتاليين أيضًا، وكذلك “بطلة الجمهورية للجمباز” لـثماني سنوات.

لم تتوقف طموحات هديل عند الإنجازات الفردية، بل سعت إل الإسهام في تطوير رياضة المرأة في اليمن، فتولت منصب رئيسة القطاع النسوي في فرع الاتحاد العام اليمني للكاراتيه بأمانة العاصمة منذ عام 2005م، وهي تواصل عطاءها حتى يومنا هذا؛ إذ تعمل كمدربة لقسم الأطفال والسيدات في معهد صنعاء للكاراتيه.

وبالنسبة لوجهة نظرها عن وضع الرياضة حاليًا، ترى هديل أنه هناك اختلافات، تقول: “كانت الرياضة النسائية قبل سنوات قد بدأت تتوسع، لكنها في هذه الفترة عادت إلى درجة الصفر من حيث إيقاف البطولات وإغلاق المراكز النسائية الحكومية”.

تُدرك هديل التحديات التي تواجهها الرياضة النسائية في اليمن بسبب الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد، وتُقر بانعدام الدعم للقطاع الرياضي بسبب الأوضاع الراهنة، لكن إيمانها بأهمية الرياضة لا يتزعزع، إذ تقول: “على الرغم من كل التحديات لكنني أشجع الرياضة للنساء؛ لأنها تُعد علاجًا وصحة وقوة للبدن، بالإضافة إلى كونها من أساسيات الحياة مهما كان مجتمعنا غير متقبل لهذا الجانب”.

وترى هديل أن الرياضة ضرورية لصحة المرأة ولبناء مجتمع قوي، فهي تُعزز الثقة بالنفس وتساعد على تطوير المهارات وتحفز على الإبداع، قبل أن تكون وسيلة تسلية وترفيه.

 

“ريم المصري”.. لاعبة جودو

ريم عبد الله عتيق المصري من محافظة ذمار، لاعبة المنتخب الوطني للجودو، وأول لاعبة تحقق الميدالية الذهبية في لعبة الجودو على المستوى العربي، لتصبح أول لاعبة يمنية تُتوج بهذا اللقب المرموق.

ولدت ريم في عائلة رياضية عريقة، فوالدها الكابتن عبد الله عتيق، مدرب كرة القدم الشهير الذي قاد العديد من الأندية والمنتخبات الوطنية. نشأت ريم على حب الرياضة منذ صغرها، ودرست بكالوريوس تربية بدنية، وحازت على الترتيب الأولى على دفعتها في الجامعة، وبدأت بممارسة الرياضة منذ أن كان عمرها 13 ربيعًا.

تتحدث ريم عن بدايتها قائلة: “كانت بدايتي في كرة الطائرة مع الفريق المدرسي لمجمع الحمزة التربوي بمحافظة تعز، وبعدها انتقلنا إلى محافظة صنعاء، وهناك تغير مساري الرياضي بشكل جذري”.

وجدت ريم نفسها منجذبة لرياضة الجودو؛ إذ رافقت شقيقتها الكبرى غادة إلى تدريباتها، فأُعجبت بأسلوب المدربة الروسية وشغفها باللعبة. لم تتردد ريم في الانضمام إلى الاتحاد العام لرياضة المرأة، لتبدأ رحلة مليئة بالإنجازات والتحديات.

تقول ريم: “رغم صغر سني تم اختياري للمشاركة في بطولة الشابات للجودو في سوريا، وحصلت على جائزة أفضل وأصغر لاعبة في البطولة حينها”.

لم تتوقف إنجازات ريم عند هذا الحد، ففي البطولة العربية للجودو التي أقيمت في اليمن، حققت إنجازًا تاريخيًا بحصولها على المركز الأول؛ لتصبح أول لاعبة يمنية تفوز بالميدالية الذهبية في بطولة عربية. مواصلةً حكاية نجاحها، ومتذكرة بفخر واعتزاز التكريمات والأوسمة التي حصلت عليها، لأنها تُعد شهادة على إصرارها ومثابرتها في تحقيق أهدافها الرياضية.

تتحدث ريم باعتزاز عن دعم عائلتها اللامتناهي لها، وبالأخص والدها (الداعم الأول) لها، الأمر الذي ولَّد لديها الثقة بالنفس وعدم الانجرار للنظرة القاصرة من المجتمع، على الرغم من أنها من قبيلة يمنية منغلقة ومحافظة للغاية (حسب وصفها). ومع ذلك، واجهت ريم كل العوائق بثقة بالنفس وإيمان عميق أن رياضتها ليست خطأ بل إنجازًا يفتخر به.

انطلقت ريم في رحلة رياضية احترافية؛ إذ شاركت في اثنتي عشرة بطولة دولية للجودو، وحصدت العديد من الجوائز والأوسمة والميداليات؛ لتُثبت قدرتها على التميز والتألق في هذا المجال.

ومن أبرز إنجازاتها خلال مسيرتها الرياضية حصولها على خمس ميداليات فضية، وخمس ميداليات برونزية، كما تم تقييمها كأفضل وأصغر لاعبة في بطولة الشابات للجودو في سوريا حينها، وحازت على لقب أول يمنية تحقق الميدالية الذهبية في لعبة الجودو على المستوى العربي.

ولم تقتصر إبداعات ريم على رياضة الجودو فقط، بل شاركت أيضًا في العديد من البطولات المحلية في ألعاب متنوعة مثل التنس والشطرنج وكرة اليد، مُثبتة قدرتها على النجاح في مختلف المجالات الرياضية.

واجهت ريم العديد من الصعوبات خلال مسيرتها الرياضية، كان أبرزها تعرُّضها لإصابة في كتفها أجبرتها على التوقف عن اللعب. لكن ريم لم تستسلم لهذا العائق، واتخذت قراراً شجاعاً بتحويل شغفها بالرياضة إلى مسار مهني جديد؛ إذ توجهت إلى كلية التربية الرياضية في جامعة صنعاء، وأكملت دراستها وعملت فيها معيدةً.

شغلت ريم العديد من المناصب المهمة في المجال الرياضي، منها أمين عام فرع الأمانة للاتحاد العام لرياضة المرأة، ومسؤولة الأنشطة النسائية في الاتحاد العام للجوجيتسو، ومشرفة ومدربة لمنتخب فتيات ألعاب القوى، وإدارية في العديد من المنتخبات الرياضية النسائية، وحاليًا تعمل معيدةً في الجامعة، إلى جانب عملها معلمةَ رياضة في إحدى المدارس.

حصلت ريم على درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف عن رسالتها الموسومة بـ”تأثير برنامج رياضي على السمات الشخصية لدى جانحي دار التوجيه الاجتماعي بأمانة العاصمة”، في العام 2023م.

ترى ريم أن لدى المرأة أحلامًا وطموحات عديدة، لذلك يجب على كل فتاة أن تسعى خلف حلمها وتتمسك به لتحقيقه، وفي الوقت ذاته يجب عليها الحفاظ على حشمتها ودينها وأخلاقها القيمة.

 

رائدات في الرياضة اليمنية

برزت الفارسة اليمنية أحلام السياغي كواحدة من ألمع نجوم رياضة الفروسية في اليمن، حاصدةً العديد من الإنجازات والبطولات التي وضعتها في مقدمة الفارسات على مستوى الوطن العربي.

لكن مسيرة أحلام لم تخلُ من تحديات، ففي خضم استعدادها للمشاركة في إحدى البطولات، تعرضت لحادث مروع سقطت فيه من على ظهر الحصان، مما أدى إلى إصابتها بشرخ في الحوض وتضرر فقرتين من العمود الفقري، ولم تتلقَ أي دعم رسمي، مما جعلها تبتعد عن هذا المجال بشكل نهائي وتلتحق بالمجال الإعلامي.

 

هناك الكثير من الفتيات الرياضيات اللاتي برزن من أمثال: سهام عامر، ندى الأهدل، أروى آدم، وغيرهن من اللاعبات المحترفات في الساحة الرياضية اليمنية باختلاف ألعابها.

وتعد هذه القصص مجرد أمثلة قليلة لرائدات يمنيات ملهمات في الرياضة، حققن إنجازات عظيمة على الرغم من التحديات التي واجهنها، وأثبتن أن إصرارهن وشغفهن بالرياضة يُلهم الأجيال القادمة من الفتيات اليمنيات لمتابعة أحلامهن دون قيود، وأن يسهمن في تغيير الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع اليمني، والمشاركة بفعالية في بناء مستقبل أفضل لليمن.

 

you might also like