ياسمين عبدالحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
تمكنت المرأة اليمنية من اقتحام العديد من المجالات كان يعتقد أنها حكر على الرجال، بل أثبتت عن طريق التجارب التي خاضتها في مختلف المجالات بأنّها قادرة على تحقيق الإنجازات في شتّى المجالات العلمية والتقنية، وأنّها تمتلك الإرادة والعزيمة اللازمتين لتجاوز كل الصعاب والتحديات المجتمعية والاقتصادية وغيرها.
وقد أسهمت مؤسسات التعليم العالي اليمنية على مرِّ السنوات في تمكين المرأة وتعزيز دورها الأكاديمي بفتح آفاق جديدة أمامها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة، مما يؤكد تطلعات المرأة اليمنية للمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعها.
إلى جانب ذلك سعت العديد من الجامعات والكليات والمعاهد إلى إقامة الورش والدورات والأمسيات في العديد من التخصصات والمجالات التي تمنح الفتيات الملتحقات العديد من المهارات والمعارف في شتى المجالات العلمية والفنية، وتسهم في تنمية قدراتهنّ ومهاراتهنّ.
في مايو 2024م اختتمت ورشة مراجعة وإقرار وثيقتي مواصفات برنامجي الماجستير في قسم الرياضيات والفيزياء بكلية التربية بجامعة الحديدة، التي تحرص الجامعة على تطوير هذه التخصصات والارتقاء بالعملية التعليمية، وتأهيل كادر متمكن في جميع المجالات العلمية، ومنها الرياضيات والفيزياء، وغيرها من المجالات التي تهتم الجامعة بتطويرها والارتقاء بها.
في فبراير من العام 2018م وقّعت كلية الهندسة جامعة الحديدة اتفاقية توظيف عشرة من الطلاب المتفوقين في قسم هندسة الصناعات الغذائية، من بينهم خمس طالبات كموظفات في مطاحن البحر الأحمر في المدينة.
مجال العلوم والتكنولوجيا
يعدُّ مركز العلوم والتكنولوجيا في جامعة عدن أحد جسور العطاء بين الجامعة والمجتمع؛ إذ تأسس مركز العلوم والتكنولوجيا بجامعة عدن عام 1997م، ليؤدي دورًا محوريًّا في ربط الأوساط الأكاديمية بالاحتياجات المجتمعية، وذلك تحت قيادة الدكتورة رخصانة محمد إسماعيل، الحاصلة على دكتوراه في تكنولوجيا البتروكيماويات.
ويعمل المركز على استثمار الخبرات العلمية لأعضاء هيئة التدريس من رجال ونساء في خدمة المجتمع، فعن طريق بناء شراكات مع المؤسسات الإنتاجية والخدمية، يسعى المركز إلى توجيه البحوث العلمية نحو حل المشكلات الملحة التي تواجه المجتمع اليمني، وتحويل النتائج البحثية إلى تطبيقات عملية تُسهم في التنمية المستدامة.
كما يسعى المركز إلى ربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع اليمني، عن طريق إجراء دراسات وبحوث في مجالات حيوية؛ مثل الزراعة والمياه والطاقة، والاستفادة من الخبرات المحلية لتطوير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه البلاد، ويعمل على ترجمة المعرفة العلمية إلى واقع ملموس عن طريق تنفيذ مشاريع بحثية تخدم التنمية المستدامة في اليمن.
ويقوم المركز بإجراء بحوث علمية تطبيقية في مجالات متنوعة، مع التركيز على الأولويات الوطنية؛ مثل الأمن الغذائي والطاقة المتجددة، وبناء شراكات مع مؤسسات علمية دولية لتبادل الخبرات والمعارف، والاستفادة من أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية، ويسعى إلى نقل التكنولوجيا الحديثة إلى القطاع الصناعي والزراعي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، ونشر الوعي العلمي والتكنولوجي بين أفراد المجتمع، وتشجيع ثقافة البحث العلمي والابتكار.
وعلى الرغم من وجود مثل هذه المراكز في بعض الجامعات اليمنية، فإنّ عملية التدريب في مجال العلوم والتكنولوجيا ما زالت ضعيفة كغيرها من المجالات العلمية الأخرى، ولم تحظَ الطالبات والخريجات من الفتيات بنوع من الاهتمام لتطوير مهاراتهنّ؛ ليصبحنَ رائداتٍ في هذا المجال، وعن طريق التواصل مع مختصّين وطلاب في مجال العلوم والتكنولوجيا في مختلف المدن اليمنية أكدوا أنّ هناك قصورًا في تنفيذ أي نوع من هذه الأنشطة.
كما أوضح بعضهم أنّ كثيرًا من الطلاب والطالبات في مجال العلوم والتكنولوجيا يضطرون للالتحاق بدورات وورش تدريبية؛ سواء أكانت مباشرة أم عن بعد، التي تنفذها بعض المبادرات والمؤسسات والمراكز التدريبية المحلية والدولية، والتي تعدُّ فرصتهم الوحيد لتطوير مهاراتهم في هذا المجال المهم، الذي يفترض أن يجد اهتمامًا من قبل التعليم العالي.
وكانت سيدة الأعمال مينا سالم قد تحدثت في تقرير لصحيفة “المرأة في التنمية والسلام” عن نسب النساء اليمنيات العاملات في مجال التكنولوجيا بقولها: “نسبة النساء اليمنيات العاملات في مجال التكنولوجيا ضئيلة ومنخفضة للغاية، ويعود ذلك إلى بعض العوامل؛ مثل الثقافة المجتمعية، ونقص التعليم والتدريب، والتمييز ضد المرأة، والصورة النمطية للمرأة ووضعها في قالب معين، كذلك صعوبة الوصول إلى فرص العمل، وانعدام الأمن والاستقرار”.
وعند تأمل بعض نتائج الطلاب المقبولين في كلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات بالنظام العام للعام الجامعي2020-2021 م، وجدنا أنّ عدد المقبولين في الكلية من الطالبات يشكل أقل من %30 من عدد الطلاب من الذكور.
مجال الرياضيات
الدكتورة مناهل عبد الرحمن ثابت إحدى كبار العباقرة على مستوى العالم، نالت لقب عبقرية العام 2013م في قاموس العباقرة لتكون أول عربية يمنية تنال هذا اللقب، ولها إنجازات علمية في مجال الرياضيات والفيزياء، الأمر الذي جعلها تسجل اسمها كعالم بين أشهر علماء بريطانيا على لوحة شرف الجمعية الملكية البريطانية للعلوم الطبية ضمن كوكبة من العلماء في مجلس اللوردات البريطاني.
وتعدُّ الدكتورة مناهل نموذجًا يُحتذى به للمرأة الأكاديمية التي تخصصت في مجال الرياضيات والفيزياء لتصبح من أشهر نساء العالم في هذا المجال، وتُعطي دافعًا قويًا لباقي النساء في اليمن الخوض في تطوير مداركهنّ العلمية في مجال الدراسات العليا متحدّين الصعوبات والمعوقات كافة.
يقول أحمد يوسف (قسم رياضيات): “لم أسمع من قبلُ ولا من بعدُ قيام دورة أو نشاط في الجامعة لتعزيز المرأة في مجال الرياضيات، ولم يحصل الخريجون والخريجات من قسم الرياضيات على أي اهتمام، وحاليًا أكثر الخريجات من الفتيات يقبعنَ في البيوت لعدم وجود فرص عمل أو اهتمام في تعزيز دورهنّ في خدمة المجتمع في هذا المجال؛ إذ أُصبنَ بالإحباط وفقدنَ الأمل في أن يحصلنَ على عمل مناسب”.
مؤكدًا أنّ الإقبال على دراسة الرياضيات من قِبَل الفتيات أصبح قليلًا، أو يكاد يختفي؛ لأنّ عدد الخريجين والخريجات بات كبيرًا، وكثير منهنّ لم يحصلنَ على فرص عمل في مجالهنّ، ولم يحظينَ بأي اهتمام.
وأشار إلى أنّ الفتيات سواء الطالبات أو الخريجات في مجال الرياضيات يحتجنَ لتعزيز مشاركتهنّ في هذا المجال إلى دورات تدريبية وأنشطة متنوعة لصقل مهاراتهنّ في عملية الحسابات والحساب الذهني، وبذلك نحن بحاجة إلى إقامة مراكز تأهيل وتدريب لرواد هذا المجال ذكورًا وإناثًا.
ولا يختلف رأي رحاب مختار جراد (وكيلة حصرية لأكاديمية التعليم المبدع في اليمن)، عمّا قاله أحمد، إذ تؤكد أنّه لا توجد أي ورش تدريبية أو استهداف من قبل جهات معنية لتطوير مهارات خريجي قسم الرياضيات والاستفادة منهم إطلاقًا.
وقالت: “هناك كثير من المبدعين والمبدعات في مجال الرياضيات والفيزياء قد يكونون عباقرة، فقط يحتاجون فرصة للتمكين واستثمارهم في خدمة المجتمع؛ كون مجالاتهم تتعلق بالمهارات الدماغية بشكل أكبر”.
وتواصل حديثها: “أنا شخصيًّا كخريجة قسم رياضيات استطعت أن أطوّر من قدراتي بدراسة مهارات وعلوم مهمة وجديدة ودخيلة على بلادنا، ودراسة كثير من العلوم المرتبطة بالرياضيات والمهارات والقدرات؛ منها الحساب الذهني و”الفيدا ماث” ومكعب روبك، وما زلتُ أطمح إلى دراسة أكثر من مجال متعلق بتخصصي في بحر الرياضيات الكبير والواسع، لذا أؤكد دومًا أن كل خريجة من قسم الرياضات يجب أن تسعى إلى البحث عن العلوم الأخرى المتعلقة بمجال الرياضيات، لتنمية مهاراتها مستقبلًا”.
كما تؤكد أنّ هناك كثيرًا من الفتيات يمتلكنَ ذكاءً خارقًا في مجال الرياضيات، يجب العمل على تشجيعهنّ بإعطائهن المزيد من الدورات المتعلقة بتخصصهنّ في مختلف الأنواع والأشكال، وتشجيهنّ عبر إتاحة الفرصة لهنّ لإكمال دراساتهنّ العليا في مجالهنّ، ليتمكّنّ من إثراء المكتبة العلمية بأفكارهنّ الجديدة، بما تحمل من مستجدات طرأت في السنوات الأخيرة، كذلك تسهيل المعلومات للجيل القادم، وبما يتوافق مع المرحلة والتقدم العلمي.
وترى أنّ العمل على توفير مختبر خاص بالرياضيات تُحاكى فيه دروسُ الرياضيات والدوال والتفاضل والتكامل؛ ليسهل فهمها وتطبيقها في الحياة الواقعية بعيدًا عن الكلام النظري والحل التجريدي، سيساعد الطالبات على تطوير مداركهنّ أكثر.
مجال الهندسة
قصة المهندسة إجلال الكوماني، الشابة اليمنية التي تحدّت التقاليد، واختارت طريق الهندسة المدنية، بعد تفوقها في الدراسة الثانوية، قررت إجلال الالتحاق بكلية الهندسة رغم تشجيع عائلتها على دراسة الطب، وتمكنت من التغلب على التحديات وتخرجت بتفوق.
ولم تتوقف طموحات إجلال عند هذا الحد، فقد توجهت إلى العمل الميداني لتطبيق ما تعلمته، متغلبة على اعتراضات المجتمع، وتعدُّ قصة إجلال مثالًا ملهمًا للشابات اليمنيات، وتثبت أنّ الإرادة والعزيمة قادرتان على تحقيق المستحيل.
تقول الكوماني: “إنه لا توجد أي دورات أو ورش أو فعاليات تنفذها كليات الهندسة تستهدف الفتيات في مجال الهندسة بمختلف تخصصاته، وقد طورت نفسي بنفسي”.
وأشارت إلى أنّ الجهات الحكومية لا تستهدف الفتيات العاملات في مجال الهندسة المدنية أو حتى تشجعهنّ، كما تقوم باستبعادهنّ من فرص المشاركة في ورش أو دورات تدريبية خاصة للمهندسين.
ولكن مع كل تلك التحديات واجهت إجلال كثيرًا من الصعوبات الاجتماعية والنظرة النمطية، وأثبتت جدارتها في مجال الهندسة الذي كان حكرًا على الرجال؛ لكونه يعتمد على العمل الميداني أكثر.
الكوماني (خريجة كلية الهندسة المدنية جامعة ذمار، 2020-2021م)، فرضت نفسها عبر مشاركتها في العديد من التدريبات لدى مكتب الأشغال العامة، كما نفذت العديد من المشاريع الهندسية؛ مثل مشروع شمال المستشفى العام، ومشروع أمام البنك التجاري، ومشروع أمام كلية الطب، ومشروع صيانة الشوارع الداخلية وترميمها لمدينة ذمار، وعملت مديرة الشؤون الفنية، ومديرة التكلفة، ومديرة مشروع صيانة خط رداع وترميمه.
وتقول الكوماني في حديثها لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام): “دخولي مجال الهندسة المدنية لم يكن من أجل كسب المال بقدر ما هو حلم وأريده أن يتحقق، وحاليًا لديَّ أهداف مستقبلية تتمثل في أن أكمل دراستي في الخارج خاصة في الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه في مجال الطرق والجسور)، كما أطمح أن أكون من الرائدات في مجال الهندسة المدنية في اليمن”.