علياء محمد – المرأة في التنمية والسلام

 

يؤثر الصراع الدائر في اليمن، منذ ما يقارب عشر سنوات، بشكل كبير على كل نواحي الحياة في المجتمعي اليمني، خاصة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وأيضًا التعليمية؛ فقد طال هذا التأثير مجال التعليم العالي والبحث العلمي وألقى بظلاله الثقيلة على واقع المرأة في هذا المجال، وهذا أدى إلى تراجع عدد الطالبات الجامعيات بشكل ملحوظ بسبب تدهور البنية التحتية التعليمية، وتردي الأوضاع الأمنية، وتزايد الصعوبات الاقتصادية.

كما أثَّر الصراع على واقع الأكاديميين والأكاديميات في اليمن، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وتداعيات الصراع الذي ألقى بظلاله الثقيلة على أدائهم العلمي، وأثر سلبًا على جودة التعليم والبحث العلمي في اليمن.

ترى الأكاديمية نادية الكوكباني أن للصراع تأثيرًا بالغًا على واقع التعليم في اليمن بشكل عام، وبشكل خاص على التعليم العالي، وعلى الأكاديميات في الجامعات المختلفة بالذات.

وقالت: “لقد أدى الصراع إلى خلق حالة من عدم الاستقرار؛ الأمر الذي ولَّد بيئة قلقة غير مهيأة لتحقيق أي إنجاز أو تطوير في مجال الأبحاث والدراسات، والاكتفاء بالتحضير لتدريس المواد دون تطويرها أو البحث عن جديد في مختلف التخصصات التي من المفترض أن تواكب المعايير التحديثية العالمية”.

وأضافت أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانقطاع المرتبات أدَّيا إلى تدني مشاركة المرأة الأكاديمية في مجال التعليم العالي بالصورة المشرفة، كما انشغلت بعض الأكاديميات بالبحث عن مصادر رزق لهن ولعائلاتهن؛ ونتيجة لذلك انشغلت الكثير منهن عن التطوير في مجال البحث العلمي أو حتى في القراءة العلمية لمواكبة الجديد.

وأشارت في حديثها إلى أن بعض الأكاديميات تخلين عن بعض متطلبات المواد التخصصية المطلوبة من الطلاب من أبحاث أو نماذج أو نزولات ميدانية وتنفيذ استبيانات علمية، بسبب الحالة المادية الصعبة وتردي الأوضاع الاقتصادية، التي تسببت بعدم القدرة على دفع الاشتراكات أو رسوم نشر الأبحاث العلمية في المجلات العلمية المحكمة.

كما بينت أن القوانين التي تمنع الأكاديميين والأكاديميات من العمل في أكثر من جامعة في ظل الظروف الراهنة في اليمن شكَّلت عبئًا إضافيًا عليهم؛ الأمر الذي دفع العديد منهم إلى البحث عن فرص عمل إضافية؛ إذ قد لا يجد الأكاديميون فرص عمل أخرى مناسبة لخبراتها ومؤهلاتهم، مما يدفعهم إلى البحث عن أي عمل متاح.

في سياق متصل يقول الدكتور خليل الخطيب: “تشهد اليمن أوضاعًا سيئة، وهي كفيلة بظهور عدد من التحديات والصعوبات لكل فئات المجتمع، ومن ضمنهم الأكاديميات اللاتي واجهنا تحديات متنوعة ومستمرة من بداية الالتحاق بالجامعة وحتى على مستوى عملهن”.

 

 انعدام الاستقرار والأمان

أدت الأوضاع الراهنة والصراع القائم في البلاد إلى انعدام الاستقرار في العديد من المناطق اليمنية، وأغلقت الكثير من الجامعات أبوابها وتعطلت دراستها الجامعية لفترات طويلة؛ الأمر الذي أجبر الكثير من الأسر على منع بناتهن من الالتحاق بالجامعات؛ خوفًا على سلامتهن.

تؤكد سمية قائد -باحثة وأكاديمية- أن النساء اليمنيات استطعن تحقيق الريادة في مجال البحث والتطوير العلمي، وأحدثن تغييرات إيجابية في مسيرة العلم والمعرفة على مر السنوات، وأن المشهد العلمي في اليمن قبل اندلاع الصراع كان أكثر نجاحًا في ظل وجود مراكز بحثية متطورة ساعدت في تنفيذ مشاريع علمية رائدة حملت آمالًا كبيرة لتطوير البحث العلمي في اليمن وريادة المرأة فيه.

وأشارت إلى أن الصراع تسبب في تدهور البنية التحتية للمؤسسات العلمية، ونظرًا لذلك تراجع الدعم المالي الخاص بالتعليم العالي وتطويره، وواجهت الباحثات تحديات صعبة بسبب غياب الأمن والاستقرار. إضافة إلى ذلك فقد أدت الأعمال العدائية أثناء الصراع إلى دمار العديد من المختبرات والمراكز البحثية، وعانت مؤسسات البحث العلمي في اليمن من شح التمويل والموارد المادية والبنية التحتية اللازمة لإجراء الأبحاث؛ الأمر الذي أجبر العديد من الأكاديميات والباحثات المميزين الهجرة إلى خارج البلد هروبًا من الأوضاع، مما أضعف القاعدة البحثية في الجامعات والمراكز العلمية في اليمن.

وأوضحت أن الأثر السلبي للصراع لم يقتصر على مجال التعليم العالي فحسب، بل امتد ليشمل البحث العلمي أيضًا، ولُوحظ تراجعٌ ملحوظٌ في مشاركة النساء الباحثات في المؤتمرات والأبحاث العلمية على المستوى الوطني والدولي.

 

النزوح والفقر

تَمُرُّ اليمن بأزمة إنسانية جرَّاء الصراع القائم في البلاد، وأجبرت الكثير من الأسر على النزوح من مناطقها الأصلية إلى مناطق أخرى، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية، الأمر الذي منع الكثير من النساء من الالتحاق بالتعليم العالي.

ووفقًا لعدد من التقارير فقد شهد التعليم العالي تراجعًا وانخفاضًا ملحوظًا بسبب النزوح والفقر؛ إذ اضطرت الكثير من الفتيات إلى ترك الدراسة والخروج إلى سوق العمل المبكر لمساعدة أسرهن في تأمين احتياجاتهم الأساسية.

وقد ذكرت اللجنة الوطنية للمرأة في تقريرها، الصادر في العام 2022م، عن وضع المرأة اليمنية أن آثار الصراع امتدت لتطال الطلاب بشكل عام والطالبات بشكل خاص، من حيث عملية مواصلة تعليمهم.

وأشار التقرير إلى أن مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة كانت الأوسع والأكثر تضررًا نتيجة حركة النزوح الواسعة للمواطنين وصعوبة المواصلات وغلاء الأسعار وتقلص فرص الدخـل وانعدامها. كما أن الصراع أثَّر سلبًا على قطاع التعليم بمراحله كافة، وفاقم من وضعه السيئ بشـكل واسـع وغير مسبوق، نتيجة الاختلالات ونقاط الضعف التي كانـت قائمـة من قبل في قطـاع التعليـم العالي بمختلف مراحله ومستوياته.

مروى ناصر، إحدى الطالبات الجامعيات التي لم تستطع إكمال دراستها نتيجة النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية لأسرتها، تقول: “أدى الصراع إلى حرماني من إكمال تعليمي العالي؛ نظرًا لعدم قدرة أسرتي على تحمل تكاليف دراستي”.

وأضافت: “في ظل الأزمة الإنسانية الخانقة التي تشهدها اليمن، يتراجع دور التعليم العالي، خاصة بالنسبة للفتيات. ومع تزايد معدلات النزوح والفقر، باتت الأسر عاجزة عن توفير تكاليف الدراسة الجامعية، مما يحرم الكثير من الفتيات من تحقيق طموحاتهن الأكاديمية”.

وأشارت إلى أن الأزمة الاقتصادية أيضًا أجبرت الكثير من الأُسر على تزويج بناتهن في سن مبكرة لتخفيف العبء الاقتصادي عليهم؛ مما حرم الكثير من الفتيات من فرصة إكمال تعليمهن الجامعي، كما اختارت الكثير من الفتيات البحث عن أعمال لمساعدة أسرهن ورفع مستوى دخلهن.

 

حلول ومعالجات

نظرًا لما تلعبه المرأة اليمنية من دور بارز في مختلف مجالات وتخصصات التعليم العالي في ظل الأوضاع الراهنة، غير أنها ما زالت بحاجة إلى دعم أكبر لتمكينها وتحقيق طموحاتها العلمية، عبر تضافر جميع الجهود الحكومية والمجتمعية لحماية حقها في التعليم، وتوفير البيئة المناسبة لتمكينها وتحقيق طموحاتها العلمية.

ولن يتم ذلك إلا من خلال تنفيذ برامج وإستراتيجيات تعمل على تحسين البنية التحتية للجامعات والمراكز البحثية في اليمن، وصيانة المباني والمرافق التعليمية وتطويرها لتواكب المعايير الحديثة، وإقامة ورش عمل مجهزة بالمعدات والتقنيات المتطورة. إضافة إلى ذلك يجب تعزيز الموارد البشرية لتستمر العملية التعليمية والبحثية، وذلك من خلال:

  • تنفيذ برامج تطويرية وتدريبية لأعضاء هيئة التدريس والباحثين، والباحثات على وجه الخصوص.
  • تعزيز التعاون الدولي والتبادل الأكاديمي؛ لنقل المعرفة والخبرات وجذب الكفاءات العلمية والأكاديمية المتميزة، خاصة من النساء.
  • تطوير البرامج والمناهج الأكاديمية وتحديثها؛ لتواكب التطورات العلمية والتقنية الحديثة.

ويعد التمويل والدعم المالي لمؤسسات التعليم العالي من أهم خطوات النهوض بمجال التعليم العالي للنساء، وذلك عن طريق تخصيص ميزانية خاصة للتعليم العالي والبحث العلمي من قبل الحكومة، وتشجيع القطاع الخاص على الإسهام في تمويل المشاريع البحثية والابتكارية والتعاون في ربط البحوث بالاحتياجات التنموية، والعمل على البحث عن تمويلات خارجية من خلال المنظمات الدولية والجهات المانحة. إن تنفيذ هذه الخطوات بشكل متكامل سيساعد على تعزيز البنية التحتية، وعلى توفير الموارد اللازمة لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، وضمان حصول المرأة اليمنية على فرص تعليمية أكثر.

 

you might also like