علياء محمد المرأة في التنمية والسلام

 

تعد المشاركة السياسية للنساء عنصرًا أساسيًا من عناصر الديمقراطيات القوية والمستدامة. ولا يقتصر دور النساء في المجال السياسي على التمثيل فقط، وإنما تلعب أدوارًا حيوية وفعالة في تشكيل السياسات والإستراتيجيات الوطنية العامة، ونسج الحياة السياسية ذاتها في البلد.

في اليمن، لم تكن مشاركة المرأة سياسيًا بالأمر السهل على مر السنوات، ولم تصل إلى ما هي عليه الآن إلا بعد أن واجهت العديد من المراحل الصعبة؛ إذ واجهت فيها عددًا من التحديات والعوائق الأمنية والاجتماعية؛ لتفرض دورها في الحياة السياسية.

وفي ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد، تمكنت الكثير من النساء اليمنيات من الانخراط بشكل كبير في الحياة السياسية والاجتماعية داخل البلد وخارجها، بمختلف الأشكال والمراحل. كما شكلت المشاركة السياسية للنساء اليمنيات في بلاد الشتات أحد الجوانب المهمة لفهم واقع المرأة اليمنية وتطلعاتها المستقبلية لواقع البلد في الداخل، وذلك من خلال إسهامهن في تمثيل قضايا المجتمع اليمني وإيصال مطالبه في الساحة السياسية والمحافل الدولية في بلدان المهجر.

يهدف هذا التقرير إلى استكشاف هذه التجربة، والوقوف على أبرز ما قدمته المرأة اليمنية من أدوار سياسية في بلاد الشتات، وأهم التحديات والصعوبات التي واجهتها.

 

أدوار قيادية

ترى ليلى الثور (ناشطة سياسية) أن الدور النسائي السياسي لا يقل أهمية عن دور الرجال؛ إذ يعد دورًا تكميلي، ولذلك على المجتمع التوقف عن التعامل معه بندية والتقليل من كفاءة المرأة السياسية بشكل غير منطقي أو عقلاني.

وتقول: “هنالك الكثير من الأدوار القيادية التي تقوم بها المرأة اليمنية بشكل عام، وعلى الرغم من محاولات فصل هذا الدور الذي تقوم به النساء في الداخل عن الدور في الخارج فإنها مكملة لبعضها بعضا، فالجميع يعمل لصالح الوطن، وبما يخدم القضية الوطنية القائمة على العدالة والمساواة”.

وأضافت: “دائمًا ما نجد القيادات النسائية في كل المكونات السياسية والمدنية تطالب بالسلام وتبحث عن تقريب وجهات النظر المبنية على رؤية المواطن واحتياجاته، بعكس ما يتم من قبل الأطراف الذين يبحثون عن مصالحهم كمرتكز لأي عملية سلام، وهذا يعد السبب في استمرار عملية التقاسم، فبدلًا من تغليب المصالح الوطنية يتضح الإصرار من الأطراف المؤثرة على إقصاء القيادات النسائية من القيام بأي دور سياسي أو المشاركة في عملية السلام”.

وتؤكد في حديثها أن المرأة اليمنية استطاعت أن تشغل عددًا من المناصب القيادية في الجانب السياسي سابقًا وحاليًا، على الرغم من موجات الإقصاء المستمرة لمشاركاتها، سواء في داخل الوطن أو خارجه.

 

واقع المشهد السياسي لليمنيات في اليمن

تواجه المرأة اليمنية في الوطن الأصل تحديات كبيرة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والتمثيل الحقيقي. فعلى الرغم من وجود تشريعات تكفل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، فإن الواقع العملي يختلف كثيرًا، ولا تزال هناك العديد من العقبات الاجتماعية والثقافية التي تحد من وصولها إلى مراكز صنع القرار.

وفي نظرة ثاقبة عن واقع المشاركة السياسية للمرأة اليمنية داخل البلاد، أوضحت الباحثة سمية أحمد الحسام في مقالتها البحثية “التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة” أن المرأة اليمنية لم تنل حقوقها الكاملة في المشاركة السياسية محليًا، على الرغم من تصديق اليمن على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي تكفل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما أقرَّ مؤتمر الحوار الوطني بمنح المرأة اليمنية 30% على الأقل في مختلف الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المحلية، وفي مختلف مواقع صنع القرار.

 

وأضافت في مقالتها البحثية أن للنموذج السياسي في اليمن ظروفه الخاصة، التي تختلف كليًا عن البلدان الأخرى، واستطاعت المرأة فيها أن تتبوأ مراكز سياسية مهمة، كما أسهمت بشكل فعال في صناعة القرار في العديد من المراحل.

وبهذا الخصوص تؤكد ليلي الثور أنه “منذ بداية الصراع في اليمن اختلفت جميع الأطراف في كل القضايا الوطنية الإنسانية وغيرها، فيما اتفقوا على محاربة أي دور أو مشاركة نسائية في المجال السياسي، وتم إقصاء النساء من مراكز صنع القرار والمشاركة في عمليات السلام؛ إذ لم نعد نجد نساء يشغلن مناصب وزيرات مثلًا”.

وأضافت أن جميع المناصب التي تقلدتها المرأة حتى الآن مناصب ثانوية، أقصاها تعيين ما يقارب ثلاث سفيرات، فيما تم إقصائهن من المشاركة الحقيقية في بناء الدولة ووضع الإستراتيجيات التي تُعنى ببناء الدولة ومؤسساتها من قبل كل الأطراف.

 

تجارب وأنشطة سياسية في المهجر

شهدت اليمن في السنوات الأخيرة تزايدًا في أعداد النساء اليمنيات المهاجرات إلى بلدان مختلفة بدافع الهروب من الصراعات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها اليمن. وأثبتت النساء اليمنيات في بلاد المهجر قدرتهن على الإسهام في الحياة السياسية، وتمثيل مصالح مجتمعاتهن؛ إذ أفسحت بيئات الهجرة المجال أمام العديد من النساء اليمنيات لتقلُّدِ مواقع قيادية وسياسية بارزة، مستفيدات من حرية الحركة والتعبير والمشاركة التي وفرتها لهن تلك البيئات مقارنة بالواقع داخل اليمن؛ الأمر الذي مكّنهن من تعزيز مشاركتهن السياسية وإحداث تأثير ملموس على ضوء مشاركتهن في الفعاليات والاجتماعات والمؤتمرات والاجتماعات الدولية.

واختلفت تجربة هؤلاء النساء في بيئات المهجر، فمنهن من نجحن في التكيُّف والانخراط في المجتمعات المضيفة، واستطعن المشاركة في الحراك السياسي والاحتجاجي ضد الأوضاع الصعبة في اليمن، ومنهن من واجهن تحديات متعددة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

 

من جانب آخر تنوعت أشكال المشاركة السياسية للنساء اليمنيات في بلاد الشتات، وتتراوح بين المشاركة في الأحزاب والتنظيمات السياسية، والترشح للمناصب السياسية، والنشاط في المنظمات المدنية والحقوقية، والمشاركة في الحراك السياسي والاحتجاجي.

رنا غانم سياسية يمنية وناشطة حقوقية، وأحد أعضاء الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والنائب الثاني لرئاسة فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني، وعضوة في شبكة التضامن النسوي. وهي تعد من النساء اليمنيات اللاتي برز دورهن السياسي خارج اليمن، من خلال تمثيل قضايا مجتمعها اليمني على المستويات المحلية والدولية، ومشاركتها في إعداد عدد من الدراسات والأبحاث وأوراق العمل في المجال الحقوقي والسياسي في العام 2016.

كانت رنا أحد أعضاء الفريق الاستشاري للوفد الحكومي في محادثات السلام اليمنية التي عُقدت في الكويت. وفي العام 2018، كانت المرأة الوحيدة في الوفد الذي مثَّل الحكومة في مباحثات السلام في مشاورات جنيف وستوكهولم برئاسة مكتب مبعوث الأمم المتحدة.

في سياق متصل، أكدت ليلى الثور أن النساء اليمنيات في بلاد الشتات قدمن أدوارًا فعالة ومحاولات مستمرة لإيقاف الصراع، على كل الأصعدة السياسية. وأضافت: “على الرغم من الإقصاء المتعمد فإن النساء في بلاد المهجر يعملن بكل جهد لإيصال صوت المواطنين بكل فئاتهم لكل المحافل الدولية (سواء المدنية أو السياسية) من خلال اللقاءات والمؤتمرات في مختلف دول العالم. كما يعملن على تحليل عملية السلام بشكل مستمر، وإطلاق العديد من المبادرات الوطنية الخالصة وإطلاق الحملات للضغط على الأطراف للجنوح إلى السلام وتقديم التنازلات لبعضهم بعضا، من خلال إيجاد الحلول لكل القضايا والمعوقات التي تواجه عملية السلام”.

 

تحديات وصعوبات

تشير ليلى إلى أن المرأة اليمنية في بلاد المهجر ما تزال تواجه تحديات عديدة رغم المكاسب التي حققتها والأدوار التي قدمتها في المجال السياسي، أبرزها التحديات الثقافية، والمعايير الاجتماعية، والقيام بمحاولات تشويه عمل المرأة في المجال السياسي، بالإضافة إلى رفض الأطراف السياسية مشاركتها في مراكز صنع القرار، والتقليل من قدرات القيادات النسائية السياسية والحزبية ومحاولات تحجيم دورها في المناصب والأدوار الثانوية تحت مختلف الحجج والتعليلات؛ خوفًا على مصالحهم، ولوجود أصوات قوية تطالب بالمصالح الوطنية.

مضيفة: “يشكل الانقسام السياسي والفكري داخل المجتمع اليمني في المهجر عقبةً أمام توحيد الجهود والمطالب السياسية للنساء اليمنيات. ومن جانب آخر، فإن غياب القوانين الداعمة الصريحة التي تدعم مشاركة المرأة سياسيًا يحد ُّمن فرصها في المشاركة في المجال السياسي”.

 

مبادرات وآليات لتعزيز دور المرأة السياسية في اليمن

تؤكد تجارب المشاركة السياسية الناجحة للنساء اليمنيات في بلاد الشتات على إمكانية تحقيق نجاحات ملموسة للمرأة اليمنية في المجال السياسي؛ وعليه يجب أن تتكاثف الجهود لتقديم برامج دعم مجتمعية وسياسية تسهم في تعزيز دور المرأة سياسيًا، من خلال توفير بيئة داعمة وظروف مواتية، وسنِّ قوانين وسياسات تكفل المساواة بين الجنسين في المجال السياسي، وتعزز مشاركة المرأة. إضافة إلى ذلك، يجب أن يقدم التمويل والدعم اللازمين لإقامة برامج تدريبية وتأهيلية للنساء السياسيات؛ لتطوير مهاراتهن القيادية والسياسية.

 

you might also like