علياء محمدالمرأة في التنمية والسلام

 

في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية المستمرة في اليمن، وعلى الرغم من المعاناة والصعوبات التي واجهتها النساء اليمنيات بسبب التشرد والنزوح الداخلي والتهجير، ظهرت مجموعة من الكيانات النسوية اليمنية النشطة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة.

تلك الأصوات لعبت دورًا محوريًّا في تسليط الضوء على قضايا المرأة داخل الوطن وخارجه، وتمكنت من توظيف قدراتها وخبراتها للمساعدة بشكل فاعل في تعزيز قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وتحقيق المساواة، وحماية حقوق المرأة في ظل الظروف الصعبة التي يمرُّ بها البلد.

لينا الحسني، إحدى النساء اليمنيات المدافعات عن حقوق الإنسان، وعضو في اللجنة التنفيذية للتحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعضوة مؤسسة في شبكة “نحن” للمدافعات عن حقوق الإنسان، والشبكة النسوية للسلام والديمقراطية، بالإضافة إلى كونها عضوة في شبكة التضامن النسوي؛ إذ شكلت لينا أنموذجًا للنساء اليمنيات المدافعات عن حقوق الإنسان في بلاد الشتات، بعد أن أُجبرت على الخروج من بلادها عام 2015م نتيجة تداعيات الصراع.

وتقول في مقالها عن (دور النسويات اليمنيات في بلاد الشتات في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن)، المنشور على موقع (global voice): “على الرغم من انخراطي في المجتمع السويدي، فإن جزءًا أصيلًا مني يبقى يمنيًّا، وينتمي للوطن الذي ولدت، ونشأت، وقضيت معظم حياتي فيه، ولم يدفعني للخروج منه إلا الوضع الأمني والإنساني الصعب”.

وأشارت إلى أنّ الملايين من اليمنيين واليمنيات موجودون في الشتات حول العالم، وذلك نتيجة تدهور الوضع السياسي والأمني في البلد، هنا يأتي دور الكيانات النسوية اليمنية الموجودة في العالم الغربي، التي تعلب دورًا مهمًّا وفاعلًا في رفع الوعي، ومناصرة قضايا المرأة، والعمل على إبراز أصوات مَن لا يستطعنَ إبراز أصواتهنّ بحرية في الداخل اليمني.

“إنّ وجود لينا في السويد، البلد الذي يكفل حرية التعبير والرأي، أتاح لها الفرصة لإيصال الصورة الحقيقية لما يحدث في اليمن في المحافل الدولية العالمية، وخاصة قضايا النساء اللواتي يعانينَ من التحديات والمعاناة المختلفة في اليمن؛ لمجرد كونهنّ نساء”، حسب قولها.

وهناك أيضًا هدى الصراري، محامية وناشطة حقوقية يمنية حاصلة على جائزة (مارتن إينالز)، في العام 2020، التي تُمنح من قبل 10 من أبرز المنظمات الحقوقية حول العالم، للمدافعين والمدافعات عن الحقوق.

 

 

أدوار مهمّة وفعّالة

تقول أوتار شمشير (ناشطة حقوقية): “تلعب الكيانات النسوية اليمنية دورًا مهمًّا في توعية الفئات المجتمعية كافة بقضايا حقوق المرأة والهوية الجندرية على المستوى المحلي والعالمي، وذلك من خلال تنظيم ورش عمل وندوات وحملات إعلامية مؤثرة، كما تسعى الى تغيير المفاهيم القديمة حول دور المرأة داخل المجتمع أو خارجه، والعمل على إبراز الدور الحقيقي والفعّال الذي تقوم به المرأة في مجتمعنا اليمني في مفاوضات السلام والعملية السياسية”.

وأضافت: “تعمل العديد من الكيانات النسوية في مجال المناصرة والضغط؛ من أجل تشريع القوانين التي تدعم حقوق المرأة في اليمن، ومن خلال هذا السياق يمكنها الدخول في حوارات لنقل مفهوم حقوق المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية رغم كل الصعوبات الكبيرة التي تواجهها في الميدان اليمني جراء الصراعات التي تشهدها اليمن منذ عام 2015، ومع ذلك ما زالت بعض المبادراتِ النسويةِ تقدم المساعدةَ النفسية والقانونية للنساء اللاتي يعانين من أي نوع من أنواع العدوان أو التمييز، سواء في شكل مساعدة قانونية أو مساعدة نفسية”.

 

تأثير الكيانات النسوية على الشأن اليمني

شهدت اليمن منذ اندلاع النزاع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وفي سنوات الصراع رُصدت كثيرٌ من الحالات الإنسانية التي تعرضت للانتهاك من فئة النساء والشباب والأطفال داخل الشأن اليمني، وفي ظل هذه الأوضاع لعبت الكيانات النسوية في بلاد الشتات دورًا كبيرًا في توثيق هذه الانتهاكات، وساعدت في إيصال أصوات المظلومين والدفاع عنهم على المستوى الدولي.

ترى قبول العبسي (رئيسة مؤسسة قرار للإعلام) أنّ الكيانات النسوية اليمنية في دول الشتات  عملت في جوانب مختلفة، كما أنّ هناك كيانات عديدة تشكلت من مجموعات نسوية ومنظمات مجتمع مدني وناشطات برز دورهنّ في مجال حقوق الإنسان، وبناء السلام، وتمكين قدرات الشباب في مختلف المجالات، وتعزيز أولويتهم في تعزيز عملية السلام. إضافة إلى ذلك، هناك العديد من هذه الكيانات أو المؤسسات التي تقودها نساء عملنَ على مناصرة قضايا المعتقلين والمختطفين قسرًا، ومن أُفرج عنهم، كما قدّمت لهم كثيرًا من الدعم؛ أهمها برامج الدعم النفسي.

وأضافت: “اشتغلت الكثير من الكيانات النسوية في دول الشتات على ملف المعتقلين والنساء اللواتي سُجِنَّ في بلاد المهجر، وناصرتهنّ، وضغطت على صانعي القرار للإفراج عنهنّ، كما عملت في جانب الإغاثة للنساء داخل بلاد الشتات”.

وأشارت في حديثها إلى أنّ الكيانات والمؤسسات النسوية لعبت دورًا كبيرًا ومحوريًّا في عملية رصد انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في اليمن شمالًا وجنوبًا نتيجة استمرار الصراع، من خلال تسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتردية في اليمن، وعلى الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في تقارير دولية رُفعت في المناصرات الدولية.

وتتابع القول: “نجد كثيرًا من المؤسسات والكيانات النسوية عملت بشكل مركز على أنشطة التمكين الاقتصادي للنساء، واستهدفت فئة النازحين داخل الوطن، وخاصة في المحافظات التي توجد فيها كثير من النساء النازحات، من خلال تنفيذ مشاريع بناء القدرات للنساء والشباب، عن طريق تقديم الدعم لهم لفتح مشاريع صغيرة تساعدهم في التغلب على ظروف الحياة، ونجد كثيرًا من الأنشطة التي مكنت النساء اقتصاديًّا في صناعة البخور وصيانة الموبايلات والخياطة والطبخ، وغيرها من الأنشطة”.

وأفادت أنّ الغرض من جهودهنّ المبذولة الإسهام في انتشال اليمن من الأوضاع المأساوية التي تمر بها، عن طريق تقديم المساعدات والنزول إلى الميدان، ورصد انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة التي تمارس ضد المرأة اليمنية، ومناصرة القضايا الحقوقية، وتحقيق العدالة الانتقالية، والدعوة إلى السلام؛ كونها لم تكن طرفًا أو سببًا في هذا الصراع.

 

تحديات وصعوبات

مع الأدوار البارزة التي استطعت أن تقدمها الكيانات النسوية اليمنية في الشتات في مجال حقوق الإنسان، فإنه ما زال هناك كثير من التحديات والصعوبات التي تقف عائقًا أمام مواصلة عملهنّ واستمرارهنّ في الدفاع عن حقوق الإنسان في اليمن وخارجه.

وحول أهم التحديات والصعوبات التي تواجه الكيانات النسوية في بلاد الشتات تقول شمشير: “تواجه كثير من النساء تحديات كبيرة أثناء تأديتهنّ لعملهنّ؛ منها الوضع الأمني والسياسي والصراع المستمر الدائر في اليمن، إضافة إلى ذلك تؤثر العوائق الاجتماعية والثقافية؛ كالعادات والتقاليد والأفكار النمطية، في التقليل من دور المرأة في عدة جوانب؛ أهمها الجانب السياسي”.

كما أضافت: “أن القيود الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة في اليمن وعدم وجود إطار قانوني قوي يحمي حقوق المرأة ويضمن حصولها على العدالة، يقلل من حصول النساء على فرص اقتصادية متاحة”.

من جانب آخر تؤكد العبسي أنّ الأصوات النسوية اليمنية تواجه عددًا من التحديات، أهمها: شحة تمويلات المجتمع الدولي؛ الأمر الذي يمنعهنّ من القيام بتنفيذ برامج وأنشطة تعزّز قضايا حقوق الإنسان في العالم.

وتقول: “للأسف لا تمتلك بعض من المنظمات الدولية المرونة والعدالة في توزيع المشاريع وتمويلها، وهذا ما نلاحظه في نشاط بعض المؤسسات والكيانات النسوية، مما ينعكس سلبيًّا على استمرارية العمل”.

وأشارت إلى أنّ هناك تحديًّا آخر يرتبط بالعمل في بيئة اليمن؛ فنظرًا للانقسام الذي تعيشه اليمن، تواجه المنظمات والنساء صعوبة في الاستمرار، وتختلف حِدّة هذه الصعوبات ودرجاتها من منطقة إلى أخرى.

 

معالجات مقترحة

تعدُّ قضية تفعيل دور حقوق الإنسان لليمنيات في بلاد المهجر قضية بالغة الأهمية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها اليمن، ولمعالجة هذه التحديات يجب تكوين شبكات تواصل قوية عبر إنشاء منصات تواصل اجتماعي ومجموعات خاصة لتبادل الخبرات والمعلومات والدعم النفسي، والمشاركة في مؤتمرات وورش عمل دورية لمناقشة القضايا التي تواجه اليمنيات في المهجر.

ومن ضمن المعالجات، العمل على تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان لدعم قضايا اليمنيات، ورفع الوعي بحقوق المرأة في بلاد الشتات، وحمايتها من أشكال العنف والتمييز كافة، والعمل على تنفيذ تقارير موثقة عن انتهاكات حقوق الإنسان بحق اليمنيات إلى المنظمات الدولية المعنية، وتقديم الدعم المالي والتقني للمشاريع الصغيرة التي تقودها النساء اليمنيات، وتشجيع النساء اليمنيات على المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية في بلدان المهجر.

تظل أصوات النساء اليمنيات المدافعات عن حقوق الإنسان في الداخل والخارج القوة الدافعة والعجلة المحركة للدفاع عن حقوق الإنسان، على الرغم من التحديات التي تواجهها وتتطلب جهودًا مكثفة لتعزيز هذا الدور، وتحقيق الأهداف على المستويات كافة، من خلال توفير الدعم اللازم للمنظمات النسائية في الشتات، وتمكينهنّ من المشاركة الفعّالة في قضايا حقوق الإنسان.