هبة محمدالمرأة في التنمية والسلام

 

في بيئات الشتات المختلفة، تتلاقى القصص وتحديات نساء اليمن اللواتي يعشِنَ بين آمال الدعم الرسمي المنشود وواقع الإهمال القاسي. تلك النساء القويات يواجهنَ تحديات فريدة في بيئات جديدة، تتطلب منهنّ الصمود والبحث عن الدعم والتأييد لمواجهة العقبات التي تعترض طريقهنّ. سيتناول هذا التقرير واقع النساء اليمنيات في الشتات؛ إذ يتناول الفجوة بين الآمال المتعلقة بالدعم الرسمي والواقع القاسي للإهمال الذي يعانينَ منه.

 

الجهات الرسمية وأدوارها الغائبة

في بيئات الشتات اليمني، تتجلى أهمية الجهات الرسمية ودورها المحوري في توجيه حياة الجالية اليمنية المنتشرة عبر العالم وتنظيمها، ومع ذلك تظهر صورة واضحة لغياب هذه الجهات وانعدام دورها الملموس في تقديم الخدمات والدعم اللازم للمهاجرين، ويعكس هذا الفراغ الواضح تحديات كبيرة تواجه اليمنيين في الشتات، ممّا يستدعي إعادة النظر في دور الجهات الرسمية، وضرورة تفعيلها بشكل يلبي احتياجات الجالية اليمنية في الخارج وتطلعاتها.

تقول الناشطة والصحفية وداد البدوي: “في بيئة الشتات اليمني، يتضح جليًّا غياب الجهات الرسمية اليمنية عن تقديم الخدمات للرجال والنساء على حد سواء في دول الشتات، ويصطدم الأفراد أحيانًا بصعوبات في الحصول على الوثائق الرسمية في السفارات؛ إذ تتباين مستويات التعاون بين السفارات، ففي حين تكون بعضها متعاونة، تجد أخرى غير متعاونة”.

وتكمل: “تتجاهل الحكومة العديد من اليمنيين واليمنيات الذين تقدموا بطلب لجوء إلى الدول الأوروبية؛ إذ يفقدون اهتمامهم بالسفارات اليمنية بمجرد الحصول على جنسيات الدول التي يعيشون فيها، ونتيجة لذلك تفتقر الحكومة لتقديم الخدمات أو التسهيلات لليمنيين؛ إذ لا تمتلك السفارات القدرة على تقديم الدعم اللازم، باستثناء توكيلات معينة أو وثائق رسمية”.

من جهتها أيضًا شاركتنا الحديث الدكتورة رجاء المصعبي (رئيسة جمعية حقوق الإنسان): “للأسف تبقى الجهات الرسمية في اليمن غائبة عن تقديم أي دعم أو خدمات فعّالة، كما أنّ دور السفارات اليمنية في الخارج يكاد يكون منعدمًا؛ إذ لا تقدم أي خدمات تستحق الذكر للمهاجرين اليمنيين، سواء الرجال أو النساء”.

وتشير إلى أنّ هذا الإهمال المؤسف من قبل الجهات الرسمية تجاه احتياجات المواطنين اليمنيين ومطالبهم في الداخل والخارج يعدُّ أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمع اليمني في الوقت الراهن، فالافتقار إلى الخدمات الأساسية والدعم المؤسسي قد أثّر بشكل كبير على معيشة الناس وقدرتهم على التعافي من الأزمات المتلاحقة.

وأنهت حديثها بالقول: “نأمَلُ أن تتحرك الجهات الرسمية بشكل عاجل لاستعادة دورها في خدمة المواطنين، وخاصة المرأة، وتقديم الدعم اللازم لهم سواء داخل البلاد أو خارجها، فذلك أمر ضروري لتمكين اليمنيين والنهوض بأوضاعهم المتردية في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهونها”.

 

تمكين النساء اليمنيات في الشتات

تقول الإعلامية إيمان راجح (رئيسة اللجنة الإعلامية بمصر): “يقوم ممثلو وزارة الخارجية بتقديم مجموعة من الإجراءات والتسهيلات التي تهدف إلى تمكين النساء اليمنيات ودعمهنّ في بيئات الشتات، وتعد الوزارة جهة تولي اهتمامًا كبيرًا بشأن قضايا المرأة، ويظهر ذلك من خلال توقيع اليمن وموافقتها على معظم الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، ومن بين تلك الاتفاقيات المهمة، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، بالإضافة إلى اتفاقيات ومواثيق أخرى تهدف إلى حماية حقوق المرأة وتعزيزها”.

وتتابع: “تشير المخرجات السابقة إلى ضرورة تأكيد حقوق المرأة اليمنية على جميع الأصعدة سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، وتتضمن حقوقها الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والضمان الاجتماعي، فضلًا عن الرعاية اللازمة. وتشمل حقوقها أيضًا المطالبة بالمساواة وعدم التمييز والعنف ضدها، بالإضافة إلى الفرصة لتولي الأدوار القيادية والمشاركة الفاعلة والكاملة في صنع القرار على قدم المساواة في جميع المجالات”.

وبالنسبة للإستراتيجيات التي تتعلق بتمكين النساء في الشتات أشارت راجح بالقول: “يتضمن التركيز على إستراتيجيات تمكين النساء في بيئات الشتات تحقيق أهداف تعزيز مشاركتهنّ على جميع المستويات في مواقع صنع القرار، تلك الإستراتيجيات تهدف إلى تعزيز القدرات القيادية للنساء، وتعزيز الوعي بحقوقهنّ، وتشجيع مشاركتهنّ في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي”.

وتفيد أنّ تلك الإستراتيجيات تشمل توفير التدريب والتأهيل، وتعزيز الوعي بحقوق المرأة، وتشجيع إنشاء منصات لمشاركتهنّ في صنع القرار، وبالتالي يتعين على الجهات المعنية تبني سياسات تشجع على المساواة وتنفيذها، وتعزيز دور المرأة في عمليات اتخاذ القرارات على الصعيدين المحلي والعالمي.

 

الدعم المالي والجهات المسؤولة

تقول راجح: “توفير الدعم المالي والمنح للنساء اليمنيات في بيئات الشتات يعدُّ أمرًا بالغ الأهمية؛ إذ يلعب دورًا حيويًّا في حياتهنّ من عدة جوانب؛ يساعد الدعم المالي في تمكين المرأة من متابعة التعليم وتطوير مهاراتها، سواء من خلال المنح الدراسية أو القروض الطلابية، مما يسهم في تعزيز فرص نجاحها في سوق العمل”.

وتضيف: “تحتاج المرأة اليمنية إلى الرعاية الاجتماعية، وهنا يكون الدعم المالي حاسمًا لتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية، وتحسين نوعية حياتها، ومع ذلك ما زالت المرأة اليمنية في الواقع تواجه صعوبات في توفير احتياجاتها الأساسية في بيئات الشتات”.

وتوضح في سياق حديثها أنّ الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات الضرورية للنساء اليمنيات في بيئات الشتات غالبًا ما تكون منظمات المجتمع المدني، التي تلعب دورًا رئيسيًّا في تقديم الدعم والرعاية للنساء اللواتي يعِشنَ في بيئات الشتات، وتعمل هذه المنظمات على تقديم الدعم المالي والاجتماعي الضروري لمساعدة النساء على تحقيق استقلالهنّ، وتحسين ظروف حياتهنّ.

ولتحسين واقع المرأة اليمنية المهاجرة تقول نائب رئيس مكتب العدالة في القاهرة رائدة الذبحاني: “من الضروري عمل إحصائية للنساء في الشتات، وعمل دراسات حالة عن واقع كل امرأة، وتقييم الاحتياجات، ومعالجة تلك الاحتياجات عبر التدخل العاجل من المجتمع الدولي من منظمات وحكومات، وخلق فرص العمل والتعلم أكثر، والعمل على إشراك المرأة في صنع القرار السياسي والسلام، وتحقيق التنمية من خلال الاتصال مع الجهات الرسمية للبلاد ومع هيئات المرأة لتشكيل تحالفات في المهجر”.

في السياق نفسه ترى سحر اللوذعي (فنانة تشكيلية يمنية متميزة تنظم معارض فنية في أمريكا وغيرها من الدول) أنّ دور السفارات ووزارات الخارجية في دعم الفنون عادة ما يعتمد الدعم المقدم على مستوى الفن على اهتمام الشخصيات الرسمية، فإذا كان السفير مهتمًا بالفنون التشكيلية، فقد يتلقى الفنان دعمًا واسعًا، أما إذا كان السفير غير مهتم أو غير مدرك لأهمية الفن، فقد لا يحظى الفنان بالدعم المطلوب.

وتتابع: “تعاني الفنون من نقص التمويل بسبب نقص الموارد والإمكانيات، ويفتقر بعض السفراء إلى رواتب في بعض البلدان، ومن الجدير بالذكر أن وجود ملحق ثقافي في السفارات يمكن أن يسهم في تعزيز الفعاليات الثقافية والفنية، ولكن يجب أن يكون له تأثير فعّال”.

وتضيف: “على الرغم من أهمية الدعم المعنوي فإن الفنانين يحتاجون إلى دعم مالي؛ لأنّ معظم الجهود ذاتية والتكاليف باهظة، وبعض السفراء يقدّمون الدعم من خلال حضورهم للمعارض الفنية، وهناك أيضًا سفراء يهتمون ويقدّمون الدعم المعنوي والمادي، ولكن ما زلنا نبحث عن ممولين أجانب لدعم هذه الفعاليات والمعارض التشكيلية”.

في هذا السياق الحساس، يتعاظم الدور الذي يجب أن تلعبه الجهات الرسمية في تقديم الدعم والخدمات لليمنيين المغتربين، نساء ورجالًا، مما يعزز من تماسك هذه الجالية المعرضة للعديد من التحديات والصعوبات في بيئات الشتات.

you might also like