أحمد باجعيمالمرأة في التنمية والسلام

 

لم تكن الهجرة بالنسبة لكثير من النساء اليمنيات مجرد تغيير في المكان؛ بل كانت رحلة تحرر من قيود العادات والتقاليد التي طالما حصرتهن في أدوار محددة. وفي بلدان المهجر، وجدن أنفسهنَّ في بيئة أكثر انفتاحًا وتسامحًا، يحظين بفرص تعليمية ووظيفية متساوية مع الرجال؛ ففي المجالات العلمية والطبية والهندسية، برزت أسماء لنساء يمنيات صرن قدوة لكثير من اليمنيات داخل وطنهن.

كما أصبحت المرأة اليمنية المهاجرة نشطة في العديد من بلدان العالم، خاصة في المجال الدبلوماسي والتجاري والفني والسياسي والعلمي، وغيرها من المجالات التي استطاعت أن يكون لها اسمًا فيها رغم التحديات.

ومع ذلك، تتجلى أهمية تطوير رؤية مستقبلية تركز على كيفية الاستفادة القصوى من قدرات النساء اليمنيات في بلاد الشتات، لتوظيفهن في تعزيز التنمية المستدامة والابتكار داخل الوطن، وكيف يمكن لهذه القوى النسائية أن تكون محركًا لتطوير الاقتصاد المحلي. ويمكن أيضًا الاستفادة من تجاربهن المتنوعة في إثراء مجالات متعددة من الحياة العامة والخاصة، وكيفية خلق رؤية واضحة المعالم تفتح الأبواب أمام فرص جديدة للمرأة اليمنية، سواء في البلاد أو المهجر؛ للإسهام في تحسين الصورة النمطية عن اليمن، والنساء على وجه الخصوص، في مختلف المجالات محليًا وخارجيًا.

 

نماذج نسائية ناجحة

 

عدَّد تقرير لموقع “الجزيرة نت” نماذج نسائية يمنية حققت إنجازات كثيرة دوليًا تحت وصف: “رغم الصراع والعنف.. يمنيات يسجلن إنجازات محلية وعربية وعالمية”؛ إذ أشار التقرير إلى أن هناك الكثير من نساء اليمن اللائي وصلن إلى العالمية بعد نضال وتحديات استطعن تخطيها بكل عزم وقوة، ليثبتن شخصياتهن في دول الشتات. ومن بين هذه النماذج التي ذكرها التقرير عام 2019، المخترعة (دينا المشهري) التي ابتكرت من الأعشاب موادَ تستخدم لعلاج الأورام الناتجة عن تمزق حبال القدم وتكسر العظام؛ إذ تساعد هذه المواد على إكساب الجسم المناعة. كما عملت على استخراج مستحضرات تجميل من عسل النحل، وعملت على ابتكار مركبات كيميائية ذات فعالية في توازن نشاط خلايا الجسم (توازن نسبة الجلكوز في الدم) عام 2015، وابتكار فيتامين (أ) الخاص بتقرحات القرنية 2015، وابتكار مركب كيميائي يعمل على تنشيط خلايا النسيج الكبدي الخامل.

حصلت دينا على زمالة الدكتوراه في البحوث الكيميائية 2017 ISOC، بعدما حصلت على درجة الماجستير في كيمياء نووية من جامعة السلام University of Peace في النمسا عام 2017. ووفقًا للتقرير، لم تكتفِ المشهري بهذه الابتكارات وحسب، بل حصدت العديد من الجوائز والتكريم أبرزها جائزة UNDP للأمم المتحدة للشباب في أكتوبر 2013، وجائزة الويبو لحماية الملكية الفكرية العالمية 2014م كأفضل مخترعة يمنية، والجائزة الكبرى للاتحاد الدولي للمخترعين من دولة ألمانيا، في المؤتمر العالمي للمخترعين الذي أقيم في كوريا الجنوبية في مايو 2014، وكرمتها كوريا الجنوبية بميداليتين، إحداهما ذهبية والأخرى فضية، ودرع التميز لجائزة مجلس الشباب العربي لجامعة الدول العربية 2016، والدرع الخاص بالحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الخارجية 2016م كأفضل مخترع يمني، والميدالية الذهبية لدولة البوسنة والهرسك في الكيمياء الطبية (كيمياء الكبد) 2019، والميدالية الذهبية لمعرض كوريا الدولي للاختراعات الكيميا-طبية 2019م، والجائزة الخاصة بدولة البيرو (كيمياء الكبد) 2019م، وغيرها من الجوائز.

لم تكن دينا بنجاحاتها الوحيدة في بلاد الشتات؛ فالصحفية اليمنية (هديل اليماني) حصلت على جائزة الشجاعة الصحفية من قبل مؤسسة الإعلام النسائي العالمي بولاية نيويورك عام 2017؛ إذ كانت هديل الشخصية النسائية العربية الوحيدة التي حصلت على هذه الجائزة في ذلك العام. وهي تعد نموذجًا للاجتهاد والعمل تحت الضغوط والتحديات.

وسلط التقرير الضوء على قصة نجاح استثنائية للدكتورة (مناهل ثابت)، مبرزًا دورها كأيقونة عالمية في مجال العلوم والاقتصاد، التي تلهم وتدفع إلى التفكير في إمكانيات المرأة اليمنية، حتى في ظل التحديات التي تواجهها؛ فقصتها ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي ملحمة كفاح وتحدٍ، فمن فتاة مصابة بالتوحد، إلى عالمة تمكنت من تخطي كل الصعاب لتصل إلى قمة المجد في عالم المال والأعمال.

تذكرنا قصة حياة د. مناهل أن الإعاقة ليست عائقًا أمام تحقيق الأحلام، وأن الإصرار والعزيمة هما مفتاح النجاح، فقد انتقلت من شابة مصابة بمرض التوحد في صغرها إلى امرأة تلقب بملكة البورصة على مستوى العالم؛ إذ يسمح لها بالتداول في البورصة العالمية (وول ستريت) والعديد من البورصات حول العالم، في وقت لم يسمح إلا لفئة معينة فعل ذلك.

إلى جانب ذلك، تناولت إذاعة “نساء إف إم” الفلسطينية تقريرًا مفصلًا بعنوان: “قصص يمنيات خرجن من ركام النزاع لمنصات التتويج العالمية”، في أكتوبر عام 2021؛ إذ حققت الباحثة اليمنية الدكتورة (إقبال دعقان) بداية عام 2020 لقب أصغر عالم في مجال الكيمياء على مستوى العالم. وهي أستاذ مشارك في مجال الحيوية وعلوم التغذية في جامعة “أغدر” بدولة النرويج، وحاصلة على درجة الدكتوراه عام 2012 من ماليزيا، وحازت على جائزة “باني الجسر الثقافي” من الجامعة النرويجية التي تدرِّس فيها، وقد وُصفت بصاحبة كفاءة ثقافية تستحق الاحتفاء.

أصبحت الدكتورة إقبال من النساء اليمنيات اللاتي انفردن بدورهن الكبير في العلم والتفوق بمجالهن، وحققن ما لم تستطع أي امرأة في أي دولة أخرى تحقيقه؛ وهذه النجاحات عززت روح التفاؤل والأمل لدى النساء في الداخل، والقوة في أن يصبحن مثلهن مستقبلًا.

 

تجليّ النجاحات في الواقع المحلي

في هذا الصدد يرى الأكاديمي والأستاذ في جامعة الريان، رامي العوبثاني، أن المرأة اليمنية حظيت باهتمام ورعاية في الشتات، فأصبحت شريكًا فاعلًا، وحققت نجاحات نوعية علميًا واقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. ويكمن دورها لليمن في دعم الاقتصاد الوطني والخطط التنموية الشاملة، والإسهام في رفع التنافسية إقليميًا وعالميًا.

ويتابع: “في رأيي الشخصي أن للمرأة اليمنية في المهجر دورًا كبيرًا في تعزيز الوعي المجتمعي بطريقة مباشرة وغير مباشرة للنساء في الوطن، وتسهم في بناء القدرات ومهارات النساء والفتيات على مستوى الوطن في كل المجالات، وتوجيه المزيد من النساء والفتيات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

وأضاف العوبثاني أن في المهجر يمكن للمرأة اليمنية خوض مختلف الأمور الاقتصادية التي تتيح لها القدرة على إدارة موارد الأسرة ومصدر دخلها، إضافة إلى العديد من الأمور الاقتصادية كالوصول إلى الأسواق وتوفير فرص عمل لها، والوصول إلى المواقع الاقتصادية المهمة، ومشاركتها في صنع القرارات الاقتصادية، وتعزيز قدرتها على الاستقلالية المالية من خلال كسب المال. ومن الإيجابيات التي تحققها المرأة في بلاد الشتات: تعزيز الوعي والثقافة والمعارف المشبعة في المجال السياسي الذي يعطي لها الحق في المشاركة السياسية والانخراط في العمل السياسي في الحكومات على المستوى المحلي أو الدولي.

واختتم تصريحه بالقول: “يعزز المهجر للمرأة اليمنية القادرة على مواجهة التحديات الحقَّ في المشاركة الاجتماعية خارج نطاق الأسرة. وعلى نطاقٍ أوسع، فإنه يوفر لها فرص الوصول إلى مجموعات واسعة من الخيارات التعليمية؛ مما يسهم في محو أميتها في العديد من المجالات، وهذا بدوره يحسن من صورتها وأدوارها وإنجازاتها في المجتمع. علاوة على ذلك، فإن اليمنية المهاجرة تعزز الرؤية المستقبلية للمرأة اليمنية داخل الوطن، وتنمي طموحها في مختلف المجالات. كما تعد مركز قوة وحماية للنساء المبتدئات للانخراط في المجال المناسب”.

ختامًا، نستطيع القول إن الإنجازات والنجاحات التي حققتها المرأة اليمنية في الشتات تخلق رؤية مستقبلية جيدة عن النساء، على المستوى المحلي والدولي؛ لتحقيق فرص جديدة أمام مستقبلهن، وتُمكِّنُهن من نقل تلك النجاحات إلى وطنهن وتطويرها، لكن ذلك يحتاج إلى بيئة مساعدة على إنجاح المشاريع النسوية. ومن أبرز الاحتياجات: إحلال السلام والاستقرار، ووضع خطط وبرامج وطنية وإستراتيجية تعزز من مكانة المرأة اليمنية، والقضاء على المعوقات سواء الاجتماعية أو غيرها، في سبيل نجاح النساء في البلاد كنجاحهن في دول الشتات، وأن تصبح بلادهن الملاذ الآمن لطموحاتهن، والمساعِدَ في تحقيقها.