ياسمين عبدالحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
صنفت اليمن بأنها البلد الأسوأ للنساء في العالم، وهذا ما أثبته الواقع بالفعل في مختلف المجالات، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. كما أن المرأة اليمنية تواجه ظروفًا عصيبة متعددة تحاصرها جراء تداعيات الصراع في جميع مناحي الحياة، غير أن السعي والإصرار نحو تحقيق طموحها فرض عليها التفكير في الهجرة خارج البلاد لعدم وجود أي سبل لتحقيقها في الداخل، والبحث على الاستقرار والشعور بالأمان.
انتقلت العديد من النساء إلى دول مختلفة في العالم، بعدما تحولت حياتهن إلى جحيم حقيقي؛ إذ يواجهن تحديات وجودية تهدد حياتهن وكرامتهن نتيجة الصراع، فمهن من فقدت عائلتها، ومنهم حُرمن من التعليم، ومنهن تعرضن للعنف. وباتت المرأة اليمنية في أمس الحاجة إلى الدعم والمساعدة خارج الوطن حين لم تجد غير قرار الهجرة كحل للبحث عن ملاذ آمن وحياة كريمة.
حسب تقديرات حقوقية غير رسمية، وصل عدد اليمنيين في الخارج إلى نحو أربعة ملايين مهاجر ومغترب ولاجئ، من بينهم نساء وأطفال. وهؤلاء لهم دور في التعريف باليمن وبالتحديات التي تمر بها في مختلف الجوانب، وحقيقة المعاناة الإنسانية التي يعيشها أمام المجتمع الدولي، كما أن لهم فاعلية -لا سيما في حال انخراطهم الفعلي في منظمات المجتمع المدني أو عبر وسائل الإعلام- في تكوين رأي عام عالمي مساند للقضية اليمنية بشكل إيجابي، وهم يسعون إلى إيقاف الصراع وتحقيق التنمية والسلام والمصالحة الوطنية.
أهمية دور المؤسسات في المهجر
أولًا علينا معرفة ما تواجهه النساء اليمنيات في بلاد المهجر من تحديات متعددة، التي تشمل اختلاف العادات والتقاليد والقوانين بين اليمن وبلاد المهجر، وصعوبة التواصل والتفاعل في المجتمع الجديد، خاصة في دول أوروبا أو أمريكا. إنهن يواجهن أشكالًا من التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين، ويتعرضن للعنف الأسري والمجتمعي، وهناك صعوبة الحصول على الإقامة أو الجنسية، وأحيانًا صعوبة في إيجاد فرص عمل أو تأمين سبل العيش.
ومن الممكن أن نوضح دور المنظمات في مواجهة هذه التحديات في قيامهن بأدوار حيوية في دعم النساء اليمنيات في بلاد المهجر؛ وذلك من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي عبر توفير برامج تأهيل نفسي وورش عمل للتوعية بحقوق المرأة في دول العالم، وتوفير الدعم القانوني والدعم المادي، والعمل على بناء القدرات، عبر استهداف النساء في دورات تدريبية لتعليم اللغات والمهارات الحياتية، والعمل على ربط النساء اليمنيات ببعضهن بعضًا في المهجر وبالمجتمعات المحلية.
“مبادرة لمار الدولية” أنموذجًا
في عام 2020 تم إطلاق “مبادرة لمار الدولية” بمشاركة العديد من النساء اليمنيات من مختلف دول العالم. وهي تُعنى بقضايا المرأة اليمنية في الخارج، وتعزيز مشاركتها ودورها الفعال في المجتمعات المستضيفة في مختلف المجالات.
تهدف المبادرة إلى تطوير دور المرأة اليمنية المهاجرة وتفعيله كقوة مؤثرة في المجتمع، وتمكينها من الإسهام الفاعل في التنمية المستدامة، وتعزيز حقوقها وحمايتها من كل أشكال العنف، وذلك من خلال توفير برامج متكاملة تدعم قدراتها وتنمي مهارات.
وذكر تقرير صادر عن المبادرة أنها ستعمل على دمج المرأة اليمنية في تنمية المجتمعات المستضيفة، والسعي إلى تحسين مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وتمكينها من استثمار طاقاتها الإبداعية والإنتاجية على نحو أفضل.
ومن أهم الأنشطة التي نفذتها المبادرة الدولية ورشة عمل لدعم النساء اليمنيات في المهجر عام 2020، بمشاركة شخصيات اجتماعية وسياسية وأكاديمية؛ بهدف تسليط الضوء على قضايا المرأة اليمنية المتضررة من الصراع، خاصة أولئك اللائي تعرضن لإشكال مختلفة من العنف واضطررن إلى الهجر خارج البلاد.
ونفذت دورة تدريبية للعديد من اليمنيات في بلاد الغربة، منها ما هو حول الأمن الرقمي، لحماية أنفسهن من أي اختراقات إلكترونية عبر الإنترنت، وكيفية حماية حساباتهن من ذلك الخطر، إلى جانب التعرف على نشأة الأمن السيبراني، وأنواع الجرائم السيبرانية، والفرق بين الأمن المعلوماتي والأمن السيبراني.
وهناك أيضًا نموذج لمبادرة في بلاد المهجر تدعم النساء اليمنيات هي “مبادرة رياحين اليمن” في ماليزيا، التي تقدم الدعم عبر تنفيذ دورات تدريبية وتأهيلية في مجال المهارات الحياتية حتى يتمكن من فتح مشاريع يستطعن من خلالها إعالة أنفسهن وأسرهن.
وقد نفذت المبادرة العديد من البرامج التأهيلية في مجال تجميل السيدات والتطريز وصناعة المعجنات، بالإضافة إلى إقامة ورش تدريبية في مجال التنمية البشرية، وكذلك تنفيذ العديد من الأمسيات والفعاليات التي من شأنها دعم تمكين المرأة اليمنية اقتصاديًا وتنمويًا.
نماذج نسائية
الشاعرة والأديبة اليمنية “سبأ حمزة”، إحدى النساء اليمنيات اللائي غادرن اليمن جراء اندلاع الصراع في البلاد، واتجهت مع أطفالها إلى مصر، ثم إلى تركيا، واستقر بها الحال لاجئةً في هولندا، وحصلت على منحة ممولة من صندوق جامعة “أوتريخت” الهولندية، ومنها استطاعت نيل درجة الماجستير حول دراسات النوع الاجتماعي من الجامعة.
وهناك الناشطة اليمنية الأمريكية “شريفة الخطيب” التي لاقت اهتمامًا من المجتمع المضيف لها؛ إذ تم تكريمها من قبل السفارة الأمريكية لجهودها المبذولة في مناصرة المرأة المسلمة، وذلك من خلال تأسيسها منظمة وطنية تهتم بشؤون المرأة المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب نشاطها في تنفيذ العديد من المبادرات التعليمية والاجتماعية في بلاد المهجر.
الناشطة اليمنية “منى لقمان” ليست ببعيدة عنهن، إذ حصلت على جائزة الشجاعة والقيادة الاستثنائية لصناعة عالم أكثر أمانًا واستقرارًا من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وجامعة جورج تاون عام 2023. ولم تكن هذه الجائزة الوحيدة التي حازت عليها لقمان، فهناك العديد من الجوائز منها جائزة “صانعات السلام في العالم” 2021، وتم اختيارها من قبل معهد جوان كروك للسلام والعدل التابع لجامعة سان دييغو الأمريكية لمنحة زمالة مدتها 12 شهرًا ضمن برنامج صانعات السلام للعام 2021-2020، إلى جانب أربعِ فائزات من دول مختلفة من العالم.
وقد برزت لقمان في المجال الخيري والإنساني وفي جانب تمكين المرأة؛ إذ نفذت عبر “مؤسسة الغذاء من أجل الإنسانية” العديد من المشاريع التنموية في مجال المياه وتعليم الفتاة وغيرها.
آراء النساء في المهجر
مثلما حظيت نساء يمنيات في المهجر بالدعم من المجتمع الدولي، هناك أخريات لم يحصلن على أي دعم يذكر، لا من منظمات دولية ولا من مؤسسات حكومية أو غير حكومية ولا حتى من الجهات المعنية في دولتهن، على الرغم من جهودهن الكبيرة في توصيل رسالة السلام من بلادهن المفخخة بالصراعات إلى العالم، وتحملهن مسؤوليات فوق طاقتهن في بلاد الغربة.
وحول أهمية دعم النساء اليمنيات في الشتات وضرورته، تقول الإعلامية إلهام عامر: “إن تقديم الدعم للمرأة اليمنية في الشتات يعد ضرورة ملحة من خلال تسهيل وإيجاد مصادر رزق لمواجهة تحديات الغربة، وإيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها المرأة، سواء كانت لاجئة أو طالبة أو موظفة. وأيضًا العمل على تعزيز الهوية الوطنية وإقامة فعاليات؛ لتبقى الذاكرة الوطنية حاضرة في الأذهان. ولن يتم ذلك إلا عن طريق مشاركة فعالة ومثمرة للنساء اليمنيات، وهذه الفعاليات تنعكس أيضًا على الأسرة والأطفال الذين يرتبطون بوطنهم وبلادهم الأم”.
تؤكد العديد من التقارير الصحفية أن تمكين المرأة اليمنية المهاجرة اقتصاديًا واجتماعيًا وقانونيًا، وتعزيز دورها في المجتمع، يضمن استثمارها في نشر الثقافة اليمنية وفي عملية إحلال السلام. ولن يتم ذلك إلا عبر توفير برامج متكاملة تدعم قدراتها، وتنمي مهاراتها، وتوفر لها الحماية القانونية والاجتماعية، وتشجع مشاركتها الفاعلة في صنع القرار، وبناء شبكات تواصل قوية مع المنظمات النسائية الدولية، لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في اليمن.