هبة محمد – المرأة في التنمية والسلام
في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها النساء في اليمن، تتصدر الإستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالصحة الإنجابية مشهد الرعاية الصحية والتمكين النسوي، هذه الإستراتيجيات ليست مجرد وثائق إدارية، بل تمثل نقطة تحوُّل حيوية في مسار تحسين الحياة الصحية والاجتماعية للنساء اليمنيات.
في هذا السياق المعقد، نتساءل عن كيفية تأثير تلك الإستراتيجيات الوطنية على واقع المرأة في اليمن، وهل تحققت الأهداف المرجوَّة؟
إستراتيجيات الصحة الإنجابية
في اليمن، تم إعداد عدة إستراتيجيات وطنية لتعزيز الصحة الإنجابية بسبب الأهمية البالغة التي تمثلها في تحسين صحة المرأة والأسرة والمجتمع بشكل عام، وفيما يلي بعض الإستراتيجيات الوطنية الرئيسية المتعلقة بالصحة الإنجابية في اليمن.
وعلى مدار السنوات الماضية، قامت الحكومة اليمنية بتنفيذ سياسة صحية شاملة، وضعت عن طريقها إستراتيجيات متعددة ضمن الرؤية الإستراتيجية لليمن 2025م، ممّا أدّى إلى إعداد إستراتيجية الصحة الوطنية 2010-2025م، ومع تزايد معدل النمو السكاني، أصبح لمجال الصحة الإنجابية أولوية في هذه الإستراتيجيات، لذا عمل قطاع السكان على مراجعة الإستراتيجية الوطنية الأولى للصحة الإنجابية وتحديثها (2006-2010م) لتتوافق مع الإستراتيجية الصحية الوطنية.
وقد ذكرت الدكتورة زهراء السوسوة (مختصة النساء والولادة) الإستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، التي تهدف إلى تحسين الصحة الإنجابية، وزيادة الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة، وتشمل التوعية بشأن أهمية تنظيم الأسرة، وتوفير وسائل منع الحمل، وتقديم الخدمات اللازمة في المراكز الصحية لضمان صحة الأم والطفل.
وتُشير إلى أنّ تلك الإستراتيجية تهدف أيضًا لتشجيع النساء على الاستفادة من خدمات تنظيم الأسرة، وتقديم الدعم للراغبين في استخدامها، مع الأخذ في الاعتبار الحساسيات الثقافية والدينية.
وتكمل: “أيضًا هناك البرنامج الوطني لصحة الأمومة والطفولة، الذي يركز على تحسين صحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة، ويوفر خدمات صحية متكاملة تشمل الرعاية قبل الولادة، وخدمات ما بعد الولادة، والتطعيمات، والاهتمام بصحة الطفل، ويسعى إلى تقليل معدلات وفيات الأمهات والأطفال عن طريق الرعاية الصحية الجيدة أثناء الحمل والولادة”.
وأردفت: “نظرًا لأنّ كثيرًا من السكان في اليمن يعيشون في المناطق الريفية النائية، تم تطوير برامج تهدف إلى تعزيز الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية في تلك المناطق، تتضمن هذه البرامج توفير عيادات متنقلة، وتدريب القابلات والممرضات الريفيات، وتقديم خدمات الولادة الآمنة وخدمات تنظيم الأسرة”.
تأثير الإستراتيجيات على واقع المرأة
تقول الدكتورة ميادة فيصل نبيه، ماجستير في الصحة العامة، والدكتوراة في صحة المجتمع، ومستشار المنح والشراكات والأبحاث في المؤسسة الطبية الميدانية: “إنّ الإستراتيجيات الوطنية الخاصة بالصحة الإنجابية في اليمن قد حققت بعض التحسينات، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تحسين وصول النساء إلى خدمات الرعاية الصحية الإنجابية بشكل كافٍ، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد”.
وتعلل ذلك أنّ اليمن يعاني من أزمة إنسانية طويلة الأمد نتيجة النزاع المستمر، ممّا أدّى إلى انهيار النظام الصحي وتدهور الخدمات الصحية بشكل عام، بما في ذلك الصحة الإنجابية.
وتكمل: “على الرغم من وجود إستراتيجيات وطنية تهدف إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية الإنجابية، مثل خطط وزارة الصحة العامة والسكان بالتعاون مع منظمات دولية؛ كصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية، فإنّ التطبيق على أرض الواقع يواجه عدة تحديات”.
من جانبها، تشير الدكتورة زينب البدوي (مسؤولة الصحة الإنجابية بوزارة الصحة) إلى أنّ الإستراتيجية الوطنية لصحة الأم وحديثي الولادة، والإستراتيجية الوطنية للقبالة، تعدّان أول إستراتيجيتينِ تأتيانِ من قبل وزارة الصحة، اللتينِ كان لهما نتائج ملموسة على واقع صحة المرأة.
وذكرت البدوي أنّ تلك الإستراتيجيات عملت على تحسين الوضع رغم الظروف الصعبة التي تمرُّ بها اليمن من نزاعات وانقطاع الرواتب، وتحققت إنجازات كبيرة في عدة مجالات منها: انخفاض معدل وفيات الأمهات من 500 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية في عام 2019م، إلى 183 لكل 100 ألف في عام 2023م.
وأوضحت أيضًا أنّ تلك الإستراتيجيات ساعدت على انخفاض وفيات المواليد من 26 وفاة لكل 1000 ولادة حية إلى 21 لكل 1000 في عام 2022م، فانخفاض الوفيات والأمراض بين الأمهات والمواليد يعدُّ الهدف الأساسي للإدارة العامة لصحة الأُم والوليد وبرنامج القبالة، بجانب التوسع في خدمات الطوارئ التوليدية والوليدية الشاملة والأساسية.
وأفادت -أيضًا- أنّ من الإنجازات الملموسة برنامج القبالة اليمني، الذي يعدُّ أول برنامج وطني يُعنى بالقبالة، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية في الرعاية الأسرية.
صحة الأم والوليد
“لقد تغيّر مسمّى الصحة الإنجابية ليصبح في بعض المحافظات اليمنية (صحة الأُم والوليد)؛ إذ أصبحت أشمل وأوسع مما كانت عليه سابقًا، وأنها من أهم البرامج الصحية التي تعنى بالأُم والوليد الذين يشكلون 70٪ من السكان، وهم الأشد ضعفًا وحاجةً، والأكثر تأثرًا بالوضع العام، وتبدأ الخدمات من مدّة ما قبل الحمل والرعاية إلى أثناء الحمل والولادة الآمنة وما بعد الولادة” وهذا ما تراه الدكتورة زينب البدوي.
وتواصل: “لقد أصبح الآن رعاية النساء ووقايتهنّ من سرطانات الثدي وعنق الرحم من أولويات البرنامج، كما يشمل البرنامج رعاية المولود من يومه الأول حتى ٢٨ يومًا من عمره، كما أنّ تقديم خدمات صحة الأم والوليد ليست فقط مختصرة على الرعاية الصحية الأولية والمجتمع، وإنما تمثل المستويات الثانوية والتخصصية كافة، بما في ذلك الوقاية ومعالجة العقم”.
إحصائيات
ذكر تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في فبراير 2023م، أنّ مع تجمع الحكومات لحشد التمويل للأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن، يبرز دور الصندوق بشكل عاجل في تنفيذ برامج صحية، خاصة في ظل وجود 12.6 مليون امرأة بحاجة إلى خدمات الحماية والصحة الإنجابية المنقذة للحياة؛ إذ أطلق الصندوق نداءً لجمع 70 مليون دولار لضمان استمرار هذه البرامج الحيوية.
وأشار التقرير إلى أنّ اليمن تُعاني من أعلى معدل وفيات بين الأمهات في المنطقة؛ إذ تُجرى أقل من نصف الولادات بمساعدة فرق طبية محترفة، ويقدّم مرفق صحي واحد فقط من بين كل خمسة مرافق خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل، ويعدُّ صندوق الأمم المتحدة للسكان المورد الوحيد لأدوية الصحة الإنجابية الأساسية المنقذة للحياة في البلاد، ويقود توفير خدمات الصحة الإنجابية والحماية للنساء. ولكن إذا لم تتحقق أهداف التمويل اللازمة، فإنّ 93 من المرافق الصحية ستضطر إلى إغلاق أبوابها.
وذكر التقرير أنّ تأثير الأزمة في اليمن على النساء والفتيات أدّت إلى وفاة امرأة واحدة كل ساعتين في اليمن أثناء الولادة لأسباب عادةً يمكن الوقاية منها، وأنّ 5.5 مليون من النساء والفتيات في سنّ الإنجاب بحاجة للوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، و1.5 مليون من النساء الحوامل والمرضعات يعانينَ من سوء التغذية الحاد، و7.1 مليون من النساء بحاجة ماسّة إلى خدمات متعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتعكس هذه الأرقام مدى الأزمة الإنسانية العميقة التي تعاني منها النساء والفتيات في اليمن، ممّا يستدعي جهودًا عاجلة من المجتمع الدولي لضمان حصولهنّ على الرعاية والخدمات الضرورية.
وحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 2023م، تدهورت تغطية التحصين؛ إذ فقدَ 28% من الأطفال دون سنة واحدة التطعيمات الروتينية، ممّا أدّى إلى انتشار العديد من الأمراض المعدية، بما في ذلك الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الدفتيريا والسعال الديكي والحصبة وشلل الأطفال في مختلف المحافظات.
وأوضح التقرير أنّ عدد الأطفال الذين لم يحصلوا على التطعيم في اليمن، ارتفع في السنوات الثلاث الماضية، مما يضع اليمن في المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ إذ بلغ إجمالي عدد الأطفال الذين لديهم نقص في التطعيم 272,000 طفل، منهم 97,000 لم يتم تلقيحهم بالجرعة الثالثة للقاح الثلاثي، و176,000 غير ملقحين بناءً على تغطية الجرعة الأولى للقاح الثلاثي، الخناق والكزاز والسعال الديكي.
تحديات
عن أبرز التحديات التي تعوق تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية الخاصة بالصحة الإنجابية، ذكرت ميادة أنّ البنية التحتية للمرافق الصحية تعرضت للتدمير وأصبحت غير مؤهلة بسبب النزاع، مما حدَّ من قدرة النساء على الوصول إلى الخدمات، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية.
وتكمل: “أيضًا هناك نقص كبير في الموارد المالية اللازمة لتشغيل البرامج الصحية وتنفيذها بشكل فعّال، ممّا يحدّ من إمكانية تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية، ولا تزال العادات والتقاليد المجتمعية تشكل عائقًا أمام النساء للحصول على الرعاية الصحية الإنجابية، في بعض المناطق، تُعدُّ هذه الخدمات من المحرمات، ويكون هناك نقص في الوعي بشأن أهميتها”.
فيما ذكرت البدوي أنّ أحد التحديات الوضع الأمني غير المستقر بسبب الصراعات المستمرة في مختلف المحافظات اليمنية وتداعياتها، وانسحاب الدعم الخارجي بشكل تدريجي، بالإضافة إلى الفجوة الكبيرة في القابلات، وارتفاع نسبة القيصريات غير المبررة، التي شكّلت عبئًا كبيرًا على وزارة الصحة من حيث المخاطر التي تسببها القيصرية.
وأضافت: “أنّ التحديات تشمل أيضًا زيادة نسبة المضاعفات الصحية، مثل الناسور الولادي، نتيجة لمخرجات المعاهد الخاصة بالقبالة لمدة تزيد عن ستة أشهر أو سنة، ممّا شكّل كارثة صحية”.
بشكل عام، تسعى الإستراتيجية التي وضعها قطاع السكان بوزارة الصحة العامة إلى تعزيز الشراكة مع المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات، وزيادة قدرات مكاتب الصحة بالمحافظات، وتعزيز ثقافة الصحة الإنجابية في المدارس والأندية الشبابية، ودعم مراكز الصحة الإنجابية في الجامعات والمرافق الصحية، وتنظيم حملات إعلامية لزيادة الوعي بمزايا الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، وإنشاء نظام إحالة فعّال، وتوسيع خدمات صحة الأم والوليد على المستوى المنزلي والمجتمعي.