ياسمين عبدالحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
أدّى الصراع في اليمن إلى تدهور البنية التحتية للقطاع الصحي في مختلف المحافظات اليمنية، ونتيجة لذلك فإنّ كثيرًا من اليمنيين يعانون من شحة الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، بما فيها خدمات الصحة الانجابية في كثير من المناطق اليمنية، لا سيّما في الأرياف والمناطق النائية.
تروي ميادة منصور (24 سنة) تجربة فقْد والدتها التي رحلت قبل أكثر من خمس عشرة سنة أثناء ولادتها لأحد أشقائها في إحدى قرى محافظة تعز، وتتذكر بمرارة كيف كانت والدتها تعاني من نقص الرعاية الصحية والموارد؛ إذ عاشوا في منطقة تعاني من شح المرافق الصحية، وغياب الكوادر المتخصصة بالصحة الإنجابية.
تقول ميادة لصحيفة المرأة في التنمية والسلام: “عانينا من الفقر كثيرًا، وكان أبي، الذي يعمل بالزراعة الموسمية، يجد صعوبة في تلبية احتياجاتنا الأساسية، ولم نكن نستطيع الذهاب للمدينة من أجل العلاج، وكانت أمي تعاني من سوء التغذية وفقر الدم، ما جعلها تعاني في كل مرة كانت تحمل فيها”.
تشير إلى أنّ الطبيب الوحيد في المنطقة حذّر والدتها من مخاطر الحمل نظرًا لضعف صحتها، لكن عدم توفر الخدمات الصحية، من رعاية أو أدوية، كان يشكل تحدّيًا كبيرًا.
وتُكمل: “في اليوم الثاني من ولادة أمي، فارقت الحياة؛ بسبب نزيف حادّ لم يتوفر له العلاج، كما تُوفّيَ الرضيع بعد يومين، لعدم تلقيه العناية الكافية بسبب نقص الخدمات الصحية”.
تجسّد قصة ميادة معاناة العديد من النساء في المناطق الريفية اليمنية؛ إذ أدّى الفقر وضعف الرعاية الصحية في تعريض حياة الأمهات وأطفالهنّ للخطر.
الحاجة إلى الصحة الإنجابية
يشير تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان بعنوان: (الصحة الإنجابية) إلى حاجة أكثر من ستة ملايين من الفتيات والنساء اليمنيات في سنّ الحمل إلى خدمات الصحة الإنجابية.
ويبرز التقرير أنّ سوء التغذية الذي يعصف بكثير من النساء بسبب الفقر المستمر والصراع أدّى إلى زيادة الحاجة لهذه الخدمات، كما يشير إلى أنّ أكثر من مليون امرأة حامل في اليمن يعانين من سوء التغذية، ممَّا يزيد من احتمالية إنجاب أطفال يعانون من أمراض وتشوهات، وخاصةً التقزم.
ويُحذّر التقرير أيضًا من المخاطر التي تواجه النساء أثناء الولادة؛ إذ يواجه ما يقارب 114,000 امرأة خطر التعرض لمضاعفات خطيرة أثناء الولادة، وذلك بسبب نقص الدعم الصحي.
ويُضيف أنّ التحديات التي تواجه المرافق الصحية في اليمن تسهم في تعقيد الوضع؛ فكثير من هذه المرافق تعمل جزئيًّا فقط، ويقدّم ثلثها فقط خدمات الصحة الإنجابية؛ نتيجة نقص الكوادر الطبية، وتوقف رواتب العاملين، وهجرة عدد منهم للخارج بسبب الصراع، بالإضافة إلى نقص المعدات الطبية، وتضرر البنية التحتية نتيجة التدمير.
الإستراتيجية الوطنية
يحتاج اليمن إلى تنفيذ حلول شاملة تدعم المرأة والطفل، بما يشمل تحسين خدمات الصحة الإنجابية وفقًا لما تناولته الإستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية التي أصدرها المجلس الوطني للسكان في 2 أغسطس 2012م، بعنوان: (الإستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية.. هل تنقذ اليمن من خطر الانفجار السكاني؟).
وقد سلطت الإستراتيجية الضوء على أهمية توفير خدمات الصحة الإنجابية للأسر اليمنية بغض النظر عن وضعها الاقتصادي أو الاجتماعي، وتضمنت تزويد الأزواج بوسائل تنظيم الأسرة بهدف المباعدة بين الولادات؛ للإسهام في خفض النمو السكاني المتسارع في البلاد.
ودعت إلى تقديم رعاية صحية شاملة للنساء الحوامل والأمهات والأطفال حديثي الولادة لضمان سلامتهنّ وسلامة الأطفال.
رؤى ومقترحات
أجرت (صحيفة المرأة في التنمية والسلام) مقابلة مع العديد من المتخصصين في مجال الصحة الإنجابية للخروج برؤية مستقبلية ومقترحات تسهم في تعزيز خدمات الصحة الإنجابية في اليمن، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها بلادنا.
صباح حسين الظافري، رئيسة الجمعية الوطنية للقابلات في صنعاء، تؤكد أهمية تصميم برامج تدريبية شاملة للقابلات، الذي يعدُّ خطوة أساسية لتحسين خدمات الصحة الإنجابية، ويجب أن تكون هذه البرامج مبنية على معايير الممارسة الدولية، وتوفير مدّة تدريبية مناسبة تشمل الجوانب النظرية والعملية، كما تشمل المقترحات أيضًا إدماج محاور متعلقة بالصحة النفسية والاجتماعية للنساء ومهارات التواصل، وتقديم دورات تدريبية تنشيطية للقابلات بشكل دوري لتحديث مهاراتهنّ.
وتوضح أنّ البطالة بين القابلات المؤهلات تشكل تحدّيًا كبيرًا في تحسين خدمات رعاية الأم والطفل؛ إذ يجب على الحكومة والمرافق الصحية توفير فرص عمل للقابلات، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية التي تعاني من نقص الخدمات الصحية. وتقترح تقديم حوافز مالية للقابلات للعمل في هذه المناطق، ممَّا يعزز من حضورهنّ وخدماتهنّ في المجتمعات المحتاجة.
وترى أنّ رفع الوعي المجتمعي بدور القابلات يتطلب تنظيم حملات توعويّة تشمل ورش عمل ومحاضرات، وتأسيس مراكز صحية نموذجية تديرها القابلات في عواصم المحافظات، وتدعو إلى تشجيع القابلات العاطلات عن العمل على فتح عيادات خاصة في المناطق النائية لتوفير خدمات صحية عاجلة في أوقات الطوارئ، ممَّا يُسهم في تحسين صحة الأمهات والأطفال بشكل مباشر.
وتشدّد في حديثها على أهمية تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والهيئات المحلية لتحسين برامج الصحة الإنجابية وتطويرها؛ إذ تسهم هذه الشراكات في دعم جهود الحكومة والمجتمع.
وتشير الظافري إلى ضرورة إنشاء قاعدة بيانات مركزية تشمل معلومات عن القابلات، وتوزيع الخدمات، وأعداد النساء الحوامل في كل منطقة. هذه البيانات، حسب رؤيتها، ستساعد في التخطيط الفعّال وتوزيع الموارد، كما يجب أن يتضمن النظام آليات لرصد جودة الخدمات المقدمة وتقييمها، والعمل على تحسينها بناءً على النتائج، ممَّا يُمكّن من تحديد نقاط القوة والضعف في النظام الصحي لتوجيه الجهود بشكل أفضل.
وتضيف: “أنّ التشريعات التنظيمية ضرورية لضمان جودة الخدمات الصحية؛ إذ يجب تطوير قوانين تنظم مهنة القبالة وتضمن حقوق القابلات، وتضع معايير واضحة للممارسة، كما يجب توحيد معايير ترخيص مزاولة المهنة لمنع غير المؤهلين من العمل في هذا المجال، ممَّا سيسهم في رفع جودة الرعاية الصحية، ويعزز ثقة المجتمع بخدمات القبالة.
وفي ختام حديثها، أكدت الظافري أهمية إنشاء مراكز تقدّم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء الحوامل والأمهات الجدد، خاصةً اللاتي يعانين من تحديات صحية ونفسية؛ مثل الناسور الولادي، وتوفر هذه المراكز الدعم اللازم للنساء للتعامل مع التحديات النفسية والاجتماعية التي قد تواجههنّ، ممَّا يسهم في تعزيز الصحة النفسية والجسدية للأمهات والأطفال على حدٍّ سواء.
إنشاء مراكز طوارئ توليدية
من جانبه، يؤكد محمد سالم زغيفي، نائب مدير مركز القطابا الصحي في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، إلى أنّ من أهم الخدمات التي يحتاجها المجتمع اليمني إنشاء مراكز طوارئ توليدية مجهزة بغرف عمليات، وقسم حاضنات، وكوادر مؤهلة تعمل على مدار 24 ساعة؛ لتقديم الرعاية الصحية للأمهات والأطفال بشكل مستمر.
ويشير إلى أهمية تأهيل قابلات مجتمعيات وتدريبهنّ للقيام بزيارات ميدانية إلى المنازل؛ إذ يقدمنَ الرعاية الصحية للحوامل والمرضعات وتوعيتهنّ وتزويدهنّ بمستلزمات الصحة الإنجابية، مثل عُدد الولادة، ومستلزمات الأطفال، والناموسيات للحماية من الأمراض.
كما يرى زغيفي ضرورة دعم أقسام الصحة الإنجابية في المراكز والوحدات الصحية القائمة حاليًا، عبر تزويدها بالأدوية، ومواد تغذية خاصة للحوامل والمرضعات، وحقائب نظافة، وناموسيات، بالإضافة إلى توفير مستلزمات أخرى تساعد الأمهات والأطفال على الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، وتكثيف برامج التثقيف الصحي للأم والطفل عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتخصيص برنامج يومي أو أسبوعي يركز على قضايا رعاية الأم والطفل.
ويؤكد على أهمية التنسيق بين مكاتب الصحة، والسلطة المحلية، ومنظمات المجتمع المدني لدعم الحوامل والمرضعات، وتوجيه اهتمام أكبر لهذه الفئة المهمّة.
وتقدم الدكتورة مها عبده (طبيبة نساء وولادة) رؤى مستقبلية لتحسين خدمات الصحة الإنجابية في اليمن، منها ضمان توفير الأدوية والمعدات المنقذة للحياة في المراكز الصحية، وتوفير فرق طبية وعيادات متنقلة لتغطية الاحتياجات الصحية في المناطق المختلفة.
كما تدعو إلى تخطيط برامج توعوية فعّالة وتنفيذها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتؤكد ضرورة تحديد احتياجات وسائل تنظيم الأسرة وتعميمها في النظام الصحي، إضافة إلى تطوير برامج تدريبية وتدريب مدربي المحافظات بالتنسيق مع الإدارات المعنية في وزارة الصحة.
من جهة أخرى، ترى وفاء إبراهيم، وهي قابلة، أنّ التحديات الاقتصادية تحول دون اهتمام النساء بصحتهنّ الإنجابية، خاصة في مُدد الحمل والولادة، مشيرةً إلى أهمية وجود عيادات تقدّم خدمات الصحة الإنجابية في المناطق البعيدة عن مراكز المدن لتسهيل وصول النساء دون معاناة.
وتوضح أنّ الأسر الفقيرة في المناطق النائية تواجه صعوبة في الوصول إلى المرافق الصحية، ما يؤدي إلى ارتفاع النمو السكاني وانعدام المباعدة بين المواليد، وتؤكد ضرورة توفير أطباء متخصصين لتقديم الاستشارات المجانية وتوفير وسائل تنظيم الأسرة، ممَّا يشجع النساء الحوامل وأطفالهنّ الرضع على زيارة المراكز الصحية.
وتؤكد أهمية تسهيل وصول المنظمات العاملة في مجال الصحة الإنجابية إلى المناطق التي تعاني من نقص الخدمات، وخاصة المناطق التي تتأثر بالعادات والتقاليد التي تعوق حصول النساء على الرعاية الصحية، وعلى ضرورة إعادة بناء المرافق الصحية التي تعرضت للتدمير جراء الصراع في اليمن، لضمان حصول النساء على خدمات الصحة الإنجابية في هذه المناطق.
في ظل التحديات التي يواجهها اليمن، تأتي أهمية تعزيز الرعاية الصحية للأم والطفل بعدّها حجر الزاوية لصحة المجتمع، وهذه الحاجة الملحة تتطلب جهودًا جماعية وتنسيقًا شاملًا بين الحكومة، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المحلي؛ إذ يمكن للتكاتف بين هذه الأطراف أن يدعم ويعزّز تقديم الخدمات الصحية.
وبتطبيق الحلول والمقترحات المبتكرة، مثل تدريب القابلات وتأهيلهنّ، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية الأساسية حتى في المناطق النائية، يمكن تحقيق تحسن كبير في صحة الأمهات والأطفال، ممَّا يضمن حصولهنّ على الرعاية اللازمة، وإنّ استثمارنا في دعم القابلات ليس فقط استثمارًا في صحة المرأة، بل هو إسهام مباشرة في رفاهية الأسرة وتقدُّم المجتمع ككل.