أفراح بورجي – المرأة في التنمية والسلام
في عالمنا المترابط، تبقى الصحة الإنجابية تحدّيًا عالميًّا تواجه فيه النساء خاصةً عوائق متعددة، تتراوح بين الفقر وعدم المساواة والتمييز الثقافي والديني، وعلى الرغم من الجهود المبذولة على المستوى الدولي، فإنّ العديد من العوامل تحول دون حصول الجميع على الرعاية الصحية والإنجابية التي يستحقونها، وفي حين تسعى الدول لتحقيق توصيات المنظمات الصحية العالمية، تبرز العديد من التحديات على أرض الواقع تحول دون تنفيذ تلك التوصيات.
تسعى العديدُ من المنظمات الداعمة لقطاع الصحة إلى دعم اليمن، عبر وضع إستراتيجيات قائمة على التحليل الدقيق للبيانات المحلية، وتوصيات تتوافق مع الخصوصية الثقافية والديموغرافية للبلد؛ من أجل الإسهام في تجاوز الحواجز والتحديات، وتقديم رعاية إنجابية شاملة للجميع.
قصة (فاطمة حسين) تمثل صورة مؤلمة للواقع الذي تعيشه العديد من الفتيات في المناطق الريفية باليمن؛ إذ إنّ الزواج المبكر والحمل في سنّ المراهقة يشكلان ضغطًا كبيرًا على صحتهنّ الجسدية والنفسية.
وقد أجبرت فاطمة (أربع عشرة سنة) على مواجهة تحديات تتجاوز قدرتها؛ إذ تحمّلت مسؤوليات أسرية وزوجية وهي لا تزال في طور الطفولة، وأثناء الحمل، تضطرّ إلى تأدية واجباتها المنزلية دون معرفة كافية بكيفية العناية بنفسها أو الاستعداد للولادة.
تعبت فاطمة كثيرًا أثناء ولادتها بطفلها الأول؛ إذ وضعت مولودها في المنزل، وليس بالمرفق الصحي الذي يبعد عن عزلتهم كثيرًا من الكيلو مترات، الأمر الذي أدّى إلى فقدان طفلها بسبب ولادتها المتعسرة، وقلة الخدمات الصحية في المنزل، فاطمة ليست الوحيدة في هذا الوضع، إذ تؤدي العزلة الجغرافية، ونقص الخدمات الصحية، والفقر في رفع معدل وفيات الأمهات والأطفال في الريف اليمني.
واقع الصحة الإنجابية
وفي تقرير للأمم المتحدة بعنوان: (ملايين النساء والأمهات حول العالم فقدنَ الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية – 2021م) أوضح أنّ الوضع الحالي يعكس تحديات كبيرة تواجهها النساء حول العالم في مجال الصحة الإنجابية وحقوقهنّ الأساسية؛ إذ فقدت ملايين النساء إمكانية الوصول إلى وسائل منع الحمل والخدمات الأساسية؛ الأمر الذي أدّى إلى زيادة معدلات الحمل غير المخطط له، وقلّل من فرصهنّ في التحكم بحياتهنّ الصحية والإنجابية، وبالإضافة إلى ذلك، أدّى تقييد الوصول إلى الخدمات المخصصة لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى تفاقم معاناة النساء اللاتي يحتجنَ إلى الحماية والدعم، خاصة في أوقات الأزمات والصراعات.
ووفقًا للتقارير، حُرمت نحو 14 مليون امرأة من الوصول إلى وسائل منع الحمل، في حين تواجه أخريات نقصًا كبيرًا في خدمات الرعاية الصحية للأمهات، سواء قبلَ الولادة أو بعدها.
كما أشار التقرير إلى أنه ما زالت العديد من العقبات تعترض الطريق نحو تمتع الأفراد بحقوقهم الصحية والجنسية والإنجابية؛ إذ تتعدد أسباب هذه العقبات وتتجذر في قضايا تاريخية وهيكلية معقدة، فنجد أنّ النظام الأبوي يفرض قيودًا على حقوق النساء في اتّخاذ قراراتهنّ الصحية، ممّا يؤثر في حصولهنّ على الرعاية الصحية الإنجابية التي يحتجنَها.
إلى جانب ذلك، تُسهم عدم المساواة الهيكلية والنظامية، مثل الفقر والتعليم المحدود، في استمرار هذه العوائق؛ إذ تؤثر بشكل أكبر على الفئات المهمشة.
من جانب آخر، أوضح تقرير الأمم المتحدة بعنوان: (اليمن: مع اشتداد الأزمة الإنسانية، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، يوفر صندوق الأمم المتحدة للسكان احتياجات النساء وخاصة النازحات – 2020م). إنّ تصاعد الصراع والأزمات الإنسانية في اليمن تركت آثارًا عميقة على النساء والفتيات، وتدهورت أوضاعهنّ بشكل ملحوظ، كما تآكلت آليات الحماية التي كانت تدعم حقوقهنّ وتوفر لهنّ الحماية من العنف وسوء المعاملة، ومع انعدام الحماية الفعّالة، تتعرض النساء والفتيات لمخاطر متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال.
وقال التقرير: “إنّ الفتيات المشردات أكثر عرضة لفقدان إمكانية الوصول إلى المدارس؛ لأنّ الأُسر ذات الموارد المحدودة تُحرِم تعليمهنّ، ويقدّر أنّ 48% من نساء اليمن أُميات، ولا يزال زواج الأطفال ممارسة شائعة”.
وفي التقرير، قال نيستور أووموهانجي، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن: “تشكل النساء والأطفال ما يقرب من 76% من النازحين في اليمن، ووسط كل هذه المصاعب، ظلت المرأة قوية وصامدة، في معظم الحالات هنّ مَن يتحملنَ عبء إعالة أسرهنَّ”.
من جانبها، أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير لها عن: (الصحة الجنسية والإنجابية) أنّ المفوضية السامية تولي اهتمامًا بالغًا بتوفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ذات الجودة العالية للاجئين والفئات المستضعفة التي ترعاها. وعن طريق التعاون الوثيق مع الحكومات المضيفة والشركاء، تعمل المفوضية على ضمان وصول اللاجئين إلى هذه الخدمات، إضافةً إلى رفع مستوى جودتها بما يتناسب مع احتياجاتهم الخاصة.
وبيّن التقرير أنّ هذا الجهد يتماشى مع الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة، الذي يسعى لتحسين الصحة الإنجابية عالميًّا، بما في ذلك في سياقات اللجوء والعمل الإنساني.
ضرورة ملحة
أكدت منظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان الحاجة الملحة لتوفير خدمات صحية إنجابية منقذة لحياة نساء اليمن، ففي ظل الأزمة الإنسانية المستمرة، يعاني ملايين النساء والفتيات من نقص حادّ في الرعاية الصحية الأساسية، ممّا يعرض حياتهنّ وحياة أطفالهنّ للخطر.
وبحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، أنّ أكثر من مليون امرأة حامل ومرضع تعاني من سوء التغذية الحاد، مما يزيد من خطر الولادات المبكرة والولادات المتعسرة، وتوقف نمو الجنين، وأنّ ما يقارب 144 ألف امرأة يمنية معرضات لمضاعفات أثناء الولادة، مما يؤكد الحاجة الماسة إلى توفير خدمات طبية متخصصة في مجال الصحة الإنجابية.
وأكدت تقارير محلية أنّ اليمنيين يعجزون عن الوصول إلى الخدمات الصحية والحصول عليها، بسبب انهيار الوضع الاقتصادي بفعل الصراع، وأنّ ما يقارب من 50% من وفيات الأطفال بين حديثي الولادة.
في تقرير لمجموعة البنك الدولي – 2022م بعنوان: (رغم الصعوبات الميدانية، خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة تصل اليمنيين الأكثر احتياجًا) أشار إلى “أنّ الصراع في اليمن أدّى إلى وقف تقديم خدمات الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، فضلًا عن تقليص جهود العاملين في مجال الرعاية الصحية ومؤسسات المياه والصرف الصحي؛ لتوفير سبل العون والمساندة العاجلة للأسر من أجل تغذية الأطفال ورعاية صحتهم”.
كما بيّن أنّه منذ بداية الصراع في اليمن في مارس 2015، تعرضت العديد من المستشفيات ومنشآت الرعاية الصحية والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي لأضرار جسيمة، مما أثر بشدة على قدرتها على تقديم خدماتها الأساسية. وحتى المرافق التي لا تزال تعمل تواجه تحديات كبيرة، مثل نقص المياه النظيفة، أو الوقود اللازم للمولدات، أو الإمدادات والمستلزمات الطبية.
وأشار التقرير إلى أنّ منظمة الصحة العالمية عملت على توفير التغذية الخاصة للأمهات والأطفال لتحسين الصحة العامة في المجتمع، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العديد من الأفراد في اليمن؛ إذ حصلت أكثر من 1.3 مليون حامل على الرعاية قبل الولادة، مما يعكس الجهود المبذولة لضمان صحة الأمهات والمواليد.
كما سُجّلت أكثر من 500 ألف حالة ولادة كانت تحت إشراف أطقم رعاية صحية تمَّ تدريبهم في إطار المشروع الطارئ للصحة والتغذية، واستفاد 10 ملايين طفل أو أكثر في تحسين حالاتهم الصحية من هذا المشروع، وحصول 8 ملايين طفل على تطعيمات ضد أمراض يمكن الوقاية منها، وأسهم في تقليل معدلات الأمراض والوفيات بين الأطفال.
آراء ذوي الاختصاص
أشارت القابلة (صالحة محمد) إلى وجود فجوة كبيرة بين البيانات التي تقدّمها التقارير الدولية عن الصحة الإنجابية والواقع المعاش على أرض الواقع، رغم أهمية هذه التقارير في توجيه السياسات الصحية العالمية.
وأوضحت أنّ هذه الفجوة تعود إلى عدّة أسباب، منها اختلاف جودة البيانات المستخدمة في هذه التقارير، التي تعتمد على عوامل مثل: منهجية جمع البيانات، وحجم العينة، ودقة الإحصائيات.
كما لفتت إلى أنّ هذه التقارير غالبًا ما تركز على مؤشرات محددة، مثل معدلات الخصوبة، وتنظيم الأسرة، متجاهلة جوانب أخرى مهمة مثل: الصحة الإنجابية، والعنف ضد المرأة، والصحة النفسية.
وبشكل عام، تؤكد هذه التقارير أهمية توفير خدمات صحية وتغذوية شاملة ومستدامة للأمهات والأطفال في اليمن، خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن، وتبرز الحاجة إلى الاستمرار في دعم هذه الجهود لضمان صحة الأجيال القادمة.