ياسمين عبدالحفيظ – المرأة في التنمية والسلام
في إحدى حلقات برنامج (خليك فهيم)، الذي كان يُبث على قناة يمن شباب في شهر رمضان، سُلِّط الضوءُ على موضوع غذاء الأطفال الرضع؛ إذ تناولت الحلقة حالة أُمّ قامت بإطعام طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاثة أشهر بعض الأطعمة، ممَّا أثّر سلبًا على صحته؛ إذ ظل يبكي طوال الليل.
واستدعى ذلك والد الطفل إلى اصطحابه للطبيب، الذي أوضح له أنّ إطعام الطفل قبل أن يتجاوز عمره خمسة أشهر يعدُّ عادة غير صحية، وقد سلطت هذه الحلقة الضوء على أهمية التوعية بشأن التغذية السليمة للأطفال الرضع، خاصة في مرحلة مبكرة من حياتهم، ممَّا يسهم في تعزيز الوعي الصحي في المجتمع، ويعزز من صحة الأطفال ونموهم السليم.
أخبر الطبيب الأبوين أنّ الطفل في هذه السن تكون إنزيماته غير قابلة لهضم الطعام الصلب، حتى وإن تم عصره، وأنّ الطفل في الأشهر الأولى من حياته بحاجة فقط إلى حليب الأم، الذي يعدُّ كافيًا لتغذيته ونموه، ولا يحتاج حتى إلى الماء.
لم تكن الأم تدرك خطورة إطعامها لطفلها الرضيع، وذلك بسبب نقص الوعي لديها بشأن التغذية السليمة للأطفال الرضع، فقد قدّمت له وجبات، مثل البطاطا المقلية وبعض الخضار، معتقدةً أنّ الحليب وحده لا يكفي، وهذا التصرّف أدّى إلى إصابة الطفل بانتفاخات ومشاكل هضمية نتيجة صعوبة هضم الطعام الذي تناوله، ممَّا يستدعي ضرورة توعية الأمهات بأهمية التغذية السليمة، واتباع الإرشادات الصحية في تغذية أطفالهنّ.
أهمية الإعلام
في العديد من المجتمعات، تلعب وسائل الإعلام دورًا حيويًّا في تناول القضايا الاجتماعية؛ إذ تعدُّ منبرًا مهمًا لتوعية الناس وتثقيفهم والتأثير عليهم، ومع التطور التكنولوجي، أصبحت وسائل الإعلام من أسهل الطرق للوصول إلى المعلومات، ممَّا يمكّن الناس من الاطلاع عليها في أي مكان وزمان دون جهد أو تكلفة.
كما تعدُّ الصحة الإنجابية من القضايا المهمة التي تحظى باهتمام كبير من قِبل وسائل الإعلام المختلفة في كثير من دول العالم، فالصحة الإنجابية ترتبط بشكل مباشر بحياة العديد من النساء والأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية صحية شاملة، وهذه الرعاية لن تتحقق إلا بالتوعية والتثقيف المجتمعي، وهو ما يمكن تحقيقه عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، التي تسهم في نشر المعرفة، وتعزيز الفهم بأهمية هذه القضايا الحيوية.
في وسائل الإعلام اليمنية، يبدو أنّ تسليط الضوء على جانب الصحة الإنجابية يكاد يكون مغيّبًا، على الرغم من وجود بعض البرامج الصحية الإذاعية أو التلفزيونية التي تناولت هذه القضية، فإنّ تناولها لا يشكل المساحة الكافية التي من شأنها أن تحدث توعية مجتمعية فعّالة، كما لم تسهم بشكل كافٍ في تغيير تفكير المجتمع وثقافته تجاه هذه القضايا الحيوية.
الإعلام والتوعية بشأن الصحة الانجابية
تشير إشراق العطاب، وهي إعلامية ومقدمة برامج صحية إلى أهمية دور الإعلام في التوعية الصحية في اليمن؛ إلى إسهام الإعلام في رفع الوعي الصحي لدى كثير من الناس بشأن الأمراض المنتشرة، موضحًا ماهيتها وسبل الوقاية منها، وإمكانية علاج العديد من هذه الأمراض إذا تمت المتابعة والمعاينة بشكل مبكر.
وتضيف العطاب: “يوفر الإعلام المعلومات الموثوقة قدر الإمكان؛ إذ يسهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة بشأن الصحة بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية للنساء، فالكثير من النساء يتلقينَ المعلومات بشكل خاطئ من وحي تجارب قريناتهنّ”.
وتتابع حديثها لصحيفة (المرأة في التنمية والسلام) “أنّ اللجوء لحلول غير صحية قد يسهم في تفاقم المشكلة”. وتضيف: “أنّه من المهم تسليط الضوء على القضايا الصحية ومناقشتها في وسائل الإعلام، على أمل تحفيز الجهات الحكومية لتحسين تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين”.
كما ترى أنّ أهمية الإعلام في التوعية بقضايا الصحة الإنجابية تكمن في كونه يساعد في تشجيع إمكانية الحوار المجتمعي بشأن هذه القضايا، ممَّا يسمح بمناقشتها والبحث عن حلول فعّالة.
من جهته، يقول بسام غبر، وهو مدرب في مجال الصحافة: “إنّ وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي العام في المجتمع، وتعدّ قضايا الصحة الإنجابية جزءًا أساسيًا ومهمًا يجب تناولها في هذه الوسائل، كونها تساعد على بناء فهم الجمهور لهذه المسائل”.
ويضيف في حديثه: “يجب أن تتطلب التغطية الإعلامية لهذه القضايا إلمامًا واعيًا بالمصطلحات والمفاهيم الأساسية، بالإضافة إلى الممارسات والموجهات المتعلقة بها”. ويشير غبر إلى أهمية الاستناد على خبراء في المجال الصحي، وتشخيص طبي موثوق للعلاج، ممَّا يعزز من مصداقية المعلومات المقدمة، ويضمن فعّالية التوعية الصحية.
ويرى أن توجه وسائل الإعلام نحو تخصيص مساحات لتغطية قضايا الصحة الإنجابية ينبع من المسؤولية المجتمعية لهذه الوسائل؛ إذ يجب عليها التنبه لمثل هذه القضايا عبر التوعية ورفع الوعي لدى الجمهور.
ويقول: “لا تقتصر المادة الإعلامية المتعلقة بهذه القضايا فقط على التوعية، بل يجب أن تشمل أيضًا تغطية إخبارية وقصصًا فعلية لوضع الحلول، ممَّا يسهم في رفع مستوى الوعي العام”.
كما يؤكد أن قضايا الصحة الإنجابية تتطلب الاستناد إلى خبراء ومختصين، ويجب أن تكون التغطية مستندة إلى معايير مختلفة عن بقية التغطيات؛ إذ يتعين أن تقدّم محتوى صحفيًّا وإعلاميًّا يستند إلى حقائق وأدلة علمية وطبية، وأنّ ذلك يتطلب جهدًا كبيرًا من الصحفيين والإعلاميين لتقديم تغطية إعلامية جيدة ومسؤولة تعالج قضايا الصحة الإنجابية بشكل شامل وفعّال.
فيما يقول الصحفي عدي الدخيني: “إنّ الإعلام يلعب دورًا حيويًّا وله تأثير قوي في المجتمع، خاصة أهمية دوره في عملية التوعية بشأن قضايا الصحة بشكل عام، والصحة الإنجابية بشكل خاص، خاصة في اليمن”.
ويُضيف: “يجب على الصحفي أو الإعلامي ووسائل الإعلام نشر المعلومات المهمة التي ستفيد المجتمع، مع ضرورة أن تكون هذه المعلومات دقيقة بشأن الصحة الإنجابية، بما في ذلك التثقيف بشأن طرق تنظيم الأسرة، والأمراض المعدية جنسيًّا، والأمراض الوراثية مثل السكري، وأمراض القلب، والفشل الكُلوي، ومرض الثلاسيميا، بالإضافة إلى رعاية الأم والطفل”.
ويواصل حديثه قائلًا: “يمكن للإعلام أن يسهم أيضًا في تغيير المفاهيم الخاطئة والعادات الضارة المرتبطة بالصحة الإنجابية، وتعزيز الحوار والنقاش بشأن هذه القضية المهمة، ممَّا يساعد في إزالة الوصمة المرتبطة بها، ويشجع الأفراد على التعبير عن مخاوفهم واحتياجاتهم، كما يمكنه دعم السياسات الصحية عبر الضغط على صنّاع القرار لتبني سياسات تدعم الصحة الإنجابية، وتسليط الضوء على القضايا والاحتياجات المجتمعية، وتمكين النساء من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهنّ الإنجابية”.
ويرى أنّ ذلك يعزز حقوق النساء، ويدعم مكانتهنّ في المجتمع، وذلك عبر توفير الموارد المتاحة، مثل خدمات الرعاية الصحية، ممَّا يساعد في تحسين الوصول إلى هذه الخدمات، والتصدي للأزمات في ظل الأوضاع الإنسانية التي تمرُّ بها العديد من الأسر.
ويؤكد أنّ الإعلام يمكن أن يلعب دورًا أساسيًّا في توعية المجتمعات بشأن كيفية التعامل مع التحديات الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، ويعدُّ أداة قوية يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الصحي في المجتمع، ممَّا يؤدي إلى تعزيز الوعي المجتمعي، وتحسين جودة الحياة.
التحديات التي تواجه وسائل الإعلام
يقول محمد عبد الوهاب الشيباني، رئيس تحرير منصة خيوط الإعلامية: “إنّ التحديات التي تواجه وسائل الإعلام اليمنية، وخصوصًا الوسائل المستقلة، لا تقتصر على موضوع بعينه، فالوضع الحالي، الذي فرض تضييقًا على العمل الصحفي بفعل الصراع وارتداداته، جعل من البحث والاستقصاء الصحفي في قضايا المجتمع المختلفة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، مغامرة حقيقية”.
ويتابع: “التعتيم وحجب المعلومات والتضييق تحول دون وصول الصحافيين إلى المعلومات الدقيقة والشفافة، ويمكن القياس أيضًا على مسألة التوعية بموضوعات الصحة الإنجابية، حينما يتداخل ويشتبك الاجتماعي والثقافي بالسياسي، ممَّا يجعل من مقاربة مثل هذا الموضوع في المجتمعات الريفية والمعزولة تحديًّا حقيقيًا أمام الصحافيين”.
من جانبها، تشير إشراق العطاب إلى أنّ هناك تحديات عدة تواجه وسائل الإعلام اليمنية في تناول القضايا الصحية، وخاصة الصحة الإنجابية، ومن أبرز هذه التحديات هو الافتقار إلى الموارد التي من شأنها تكثيف الحديث عن الأمور الصحية التي يحتاجها المجتمع بشكل ملح جدًّا، كما أنّ الوضع الأمني والسياسي الذي تعيشه البلاد يؤثر سلبًا على تغطية القضايا الصحية بشكل كامل، ويجعل الحصول على إحصائيات دقيقة بشأن بعض الأمراض أمرًا صعبًا، بل يتطلب الأمر أحيانًا التكتم على المعلومات في حال حدوث جائحة.
وتتابع القول: “الوصمة الاجتماعية تجعل من الصعب تناول مواضيع معينة، خصوصًا تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية، وتحرج كثيرًا من النساء من الإفصاح عن المشكلات الصحية التي تواجههنّ؛ بسبب قيود المجتمع والعادات المفروضة عليهنّ”.
وتشير العطاب إلى تحدٍّ آخر يتمثل في انتشار المعلومات المضللة بشأن العديد من الأمراض وطرق علاجها بشكل غير صحي وغير قانوني، مثل لجوء بعض الناس إلى الأطباء غير المؤهلين، أو استخدام الأعشاب التي قد تسبب أضرارًا مستقبلية، كما تتناول بعض المجتمعات الطب الشعبي في علاج أمراض مختلفة، مثل الكسور والإصابات، ممَّا قد يؤدي إلى تفاقم بعض الأمراض بشكل كبير.
وأكدت العطاب أنّ الإعلام يمثل أداة مهمة وقوية لتعزيز الوعي الصحي في اليمن، نظرًا لمتابعة شريحة كبيرة من الناس لوسائل الإعلام، خصوصًا القنوات اليمنية، وأنّ الأمر يحتاج إلى وعي أكبر في تحقيق استدامة، وهذا الوعي لن يأتي إلّا عن طريق تكثيف البرامج الطبية والحملات التوعوية، والفلاشات الصحية، ولا بُدّ من دعم حكومي وخاص لمواجهة هذه التحديات الحالية.