المرأة في التنمية والسلام

 

تعرضت فايزة عبد القادر (28 عامًا) من محافظة تعز لسوء معاملة وعنف جسدي ولفظي على يد قابلة صحية في إحدى المراكز الصحية، أثناء عملية ولادتها التي استغرقت أكثر من خمس ساعات، دون السماح لأي فرد من عائلتها بمرافقتها.

تحكي فايزة تجربتها قائلة: “كانت القابلة تعاملني معاملة سيئة، وتتلفظ بألفاظ بذيئة لدرجة أنها تقول لي: “ليش تصيحي الآن، محد قلك تتزوجي وتجي تبكي”، وعندما كنت أسقط على الأرض من شدة المخاض، تتركني دون مساعدة، بل تتلفظ بألفاظ مهينة جعلتني أكره نفسي ذلك اليوم، وأكره المولود وأكره الولادة”.

قصة فائزة لا تقل أهمية عن قصة (أ.ع)، امرأة تبلغ من العمر 30 عامًا من محافظة أبين، لها تجربة ولادة مأساوية في أحد المستشفيات بمدينة عدن، أدّت إلى أضرار نفسية وجسدية جسيمة؛ إذ عوملت في ولادتها الأخيرة معاملة قاسية شملت الشتم، والإهانة، وانتهاك كرامتها، وإجراءات طبية خاطئة تمثلت في دفع البطن بقوة، وتكميمها وربطها بالسرير، وإجراء توسعة لمجرى الولادة بشكل خاطئ، الأمر الذي أدّى إلى مضاعفات صحية تسببت في ظهور الناسور الولادي البولي، الذي تطلب لاحقًا تنفيذ عمليتين جراحيتين لعلاج الضرر في منطقة الرحم.

بعد الولادة، دخلت (أ.ع)، وهي أم لأربعة أطفال، في حالة اكتئاب شديد؛ إذ أصبحت غير قادرة على ممارسة حياتها اليومية الطبيعية، كما أنّها تعاني من ألم مستمر وآثار نفسية جعلتها تميل إلى العزلة، وغير راغبة في التفاعل مع أسرتها، ممَّا أثّر على علاقتها بزوجها وأطفالها.

تُبرز قصة فايزة و (أ.ع) واقعًا صادمًا عن الانتهاكات وسوء المعاملة التي قد تتعرض لها النساء أثناء الولادة في بعض المرافق الصحية، أو على يد عاملات في مجال الولادة، وتعكس هذه الحالة مشكلة أعمق تتعلق بنقص التدريب المهني والإنساني لبعض العاملات الصحيات، وغياب الرقابة الصارمة على جودة الخدمات المقدّمة للنساء في واحدة من أكثر اللحظات حساسية وأهمية في حياتهنّ.

آثارها المدمرة

على الرغم من التقدم الكبير الذي حققه مجال طب النساء والتوليد في مختلف دول العالم واليمن على وجه الخصوص، بما في ذلك توفر تقنيات حديثة تراقب صحة الجنين ومسكنات تخفف آلام المخاض وعمليات قيصرية تنقذ الأرواح، فإنّ الممارسات العنيفة ضد النساء أثناء الولادة ما زالت قائمة.

وقد صنفت منظمة الصحة العالمية ومنظمات حقوقية هذه الانتهاكات ضمن أشكال العنف ضد المرأة، محذرة من آثارها المدمرة على الصحة النفسية والجسدية للنساء، التي تدفع كثيرات منهن إلى التردد أو الامتناع عن طلب الرعاية الطبية قبل الولادة.

وتشمل الانتهاكات التي تتعرض لها النساء أثناء الولادة، الإساءة اللفظية، والاعتداء الجسدي، والإهمال، وعدم احترام خصوصية الحامل وكرامتها، وهذه الممارسات تندرج تحت ما يُعرف بـ (عنف الولادة)، وهو انتهاك مباشر لحقوق المرأة في الحصول على رعاية صحية آمنة وكريمة.

كما تؤدّي هذه الانتهاكات إلى خلق خوف لدى النساء من التوجه للمرافق الصحية، ممَّا يعرض حياتهنّ وحياة أطفالهنّ للخطر، كما تؤثّر تلك الانتهاكات على العديد من النساء؛ إذ يعانين من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة، نتيجة هذه التجارب القاسية.

 

انتهاكًا منهجيًّا لحقوق الإنسان

أكدت خبيرة في الأمم المتحدة دوبرافكا سيمونوفيتش أنّ سوء المعاملة والعنف الذي تتعرض له النساء أثناء الولادة يعد انتهاكًا منهجيًا لحقوق الإنسان، يستمر في التأثير السلبي على حياة النساء حول العالم.

وفي تقريرها المقدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2019م، دعت إلى اتّخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، مؤكدة أنّ من حق المرأة أثناء الولادة الحصول على رعاية كريمة ومحترمة، خالية من العنف وسوء المعاملة.

ومن جانب آخر، كشفت منظمة الصحة العالمية أنّ سوء معاملة النساء أثناء الولادة، سواء عبر الإهمال أو الإساءة اللفظية والجسدية، يشكّل مشكلة عالمية تتطلب اهتمامًا فوريًّا.

وأظهرت الدراسات التي أجرتها المنظمة في العديد من دول العالم أنّ النساء في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية يواجهنَ ممارسات مهينة تؤثّر على سلامتهنّ النفسية والجسدية، وتخلق حاجزًا نفسيًّا يدفعهنَّ للتردد في طلب الرعاية الطبية أثناء الولادة.

وأشارت إلى أنّ ضعف النساء في الولادة وعدم قدرتهنّ على الدفاع عن أنفسهن يجعلهنّ عرضة لانتهاكات، مثل الحرمان من مسكنات الألم، والإهانة وعدم الاحترام، وانتهاك الخصوصية أثناء الولادة.

وأوضحت المنظمة أنّ الإهمال والإساءة أثناء الولادة قد يؤديان إلى مضاعفات خطيرة تهدد حياة الأم والطفل، وتستدعي تدخلًا طبيًّا عاجلًا، وفي كثير من الحالات، يلجأ أطباء القطاع الخاص إلى الولادة القيصرية بِعدِّها خيارًا مربحًا، ممَّا يزيد من الإجراءات الطبية غير الضرورية.

 

الآثار الجانبية

تُخلّف ممارسات عنف التوليد أضرارًا عميقة على الأمهات وأسرهنّ، تتنوع بين آثار نفسية وجسدية قد تمتد على المدى الطويل، ومن الآثار النفسية تتعرض العديد من الأمهات لتجارب قاسية أثناء الولادة تؤدّي إلى تداعيات نفسية خطيرة تشمل اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة شائعة قد تعاني منها الأم نتيجة الإساءات أو الإهمال أثناء الولادة، وكرب ما بعد الصدمة، والخوف والرهبة من الحمل مجددًا.

ولا تقتصر الأضرار على الحالة النفسية فحسب، بل قد تتعرض الأم والطفل لمشاكل صحية خطيرة، مثل عمليات التوسعة دون مبرر طبي، التي تؤدي إلى آلام ومضاعفات تستمر لمدة طويلة، وإصابات الولادة التي قد يتعرض الطفل لأضرار بالرأس أو اختناق أثناء الولادة الطبيعية، وقد تصل أحيانًا إلى وفاة الطفل نتيجة سوء التعامل الطبي.

مخاطر صحية

تسلط الدكتورة منى عبد الرحمن، مختصّة النساء والولادة، الضوء على المخاطر الصحية الناتجة عن عنف التوليد، الذي يتضمن ممارسات طبية غير مبرّرة، وأخطاء تؤثّر سلبًا على صحة المرأة، وأنّ هناك العديد من الحالات المرضية التي تستقبلها تعاني من ضعف التروية الدموية للرحم والمثانة؛ نتيجة الضغط المفرط أثناء الولادة، وتدلي الرحم وهبوط المثانة، وهي مشكلات شائعة ناتجة عن الضغط الخاطئ والتوسعة غير المبررة، ممَّا يستلزم إجراء عمليات تجميلية لاحقة، وتحفيز المخاض في غياب الضرورة الطبية، ممَّا يسبب مضاعفات للأُم.

وتؤكد الدكتورة أنّ ممارسات التكميم، والتقييد الجسدي، والضغط على البطن أثناء الولادة، تعدُّ أخطاءً طبية مرفوضة، وأنّ التشخيص الخاطئ أو القصور في تحديد احتياجات المرأة للولادة القيصرية أو الطبيعية يفاقم هذه المشكلات.

وترى الدكتورة منى أنّ الحد من عنف التوليد يتطلب تدريب الكوادر الطبية على معايير الرعاية الآمنة والمبنية على الدليل الطبي، ورفع الوعي الصحي لدى النساء بحقوقهنّ أثناء الولادة، وفرض الرقابة على المرافق الصحية لضمان تقديم رعاية محترمة وآمنة.

نظرة قانونية

وبحسب ما أوضح به المستشار الدكتور صالح عبدالله المرفدي، عضو المحكمة العليا للجمهورية اليمنية، عن الأخطاء الطبية باليمن في بحث تحليلي نقدي للقانون والواقع اليمني “أنّ مدلول الخطأ الطبي في فقه القانون، لا يقتصر على عمل الطبيب (بمفهومه الضيق)، الذي يعالج المريض بشكل مباشر، وهو ما يعرف بخريج كلية الطب، بل يشمل (المفهوم العام) لكل من يمارس مهنة التطبيب والمهن الصحية الملحقة، كمهن التخدير، والصيدلة، والتمريض، ونحو ذلك من التخصصات المتعارف عليها”.

وقد ذكر الفقه القانوني عدة تعريفات للخطأ الطبي أبرزها: “بأنه الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية، يفترض في كل من يمارس المهنة الإلمام بها، أو كان هذا الخطأ راجعًا إلى الإهمال، أو عدم بذل العناية اللازمة”.

كما نص القانون اليمني رقم 26 لعام 2002م بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية على أنّ الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية ملتزمون بتقديم خدمات طبية وإنسانية متكاملة، واحترام كرامة المرضى.

ويعاقب القانون اليمني على الإهمال الطبي أو سوء المعاملة بموجب قانون العقوبات اليمني رقم (12) لعام 1994م، الذي يجرّم الإهمال المؤدّي إلى أذى جسدي أو وفاة، ويُمكن للمرضى أو ذويهم تقديم شكاوى ضد مقدمي الرعاية الصحية أمام الجهات المختصة، مثل وزارة الصحة، أو القضاء.

you might also like