المرأة في التنمية والسلام – حنان حسين
يُلقي الصراع الدائر في اليمن منذ سنوات عدة بظلاله القاتمة على مناحي الحياة كافة في المجتمع اليمني، بما في ذلك على قطاع الأعمال، لا سيّما على سيدات الأعمال اللواتي يواجهنَ تحديات استثنائية تعوق عملهنّ وتُهدد استدامة مشاريعهنّ؛ إذ أفضى الصراع إلى توسع دائرة التحديات، التي تتثمل في ضغوط اقتصادية وتشغيلية ومخاطر اجتماعية وثقافية، وعلى الرغم من هذه التحديات، تُظهر سيدات الأعمال اليمنيات صمودًا وإصرارًا كبيرينِ، في مواصلة عملهنّ بجد لضمان استدامة مشاريعهنّ على أرض الواقع.
تتبوأ سيدات الأعمال في اليمن مكانة محورية في مسيرة بناء السلام وصياغة القرارات، لقدرتهنّ الفريدة على تحفيز التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل جديدة، ودمج الفئات المهمشة، وتعزيز الحوار والمشاركة المجتمعية بشكل شامل.
إسهامات سيدات الأعمال
منال الثور -عضو مجلس إدارة سيدات الأعمال- تقول: “ظهرت المرأة اليمنية في العديد من مجالات الحياة؛ سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أو اجتماعية؛ إذ استطاعت أن تجسد نموذجًا للصمود والمثابرة، وأثبتت قدرتها على المشاركة الفعّالة في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال الاقتصادي؛ عبر تقديمها العديد من البرامج والمشاريع الاقتصادية الوطنية التي لها دور مهم في التخفيف من الفقر والبطالة ومسيرة التنمية الوطنية”.
من جانبها تقول زعفران المهنا، رئيس دائرة المرأة للمهارات النسائية: “ريادة الأعمال النسائية اليمنية لعبت دورًا حيويًّا في التنمية المستدامة في البلد؛ إذ لها تأثيرات إيجابية على الصعيد الوطني في الاقتصاد وسط كل تلك المرحلة الصعبة التي مرت بها اليمن، وكذلك على التنمية الاجتماعية؛ لأنها قدمت نموذجًا فريدًا، أسهمت فيه على الأقل في محيطها بتقليل نسبة الفقر، وتوفير فرص عمل متنوعة، بتعاون مع أفراد أسرتها وجيرانها”.
وتضيف زعفران: “أسهمت المرأة اليمنية بابتكار أفكار ومهارات جديدة، وأثبت من خلالها أنّها قادرة على خلق التطور والتغيير في داخل المجتمعات وفي أحلك الظروف، لذا برزت المرأة اليمنية من خلال مشاريع ريادية متنوعة؛ بدءًا من المشاريع المنزلية إلى المشاريع الصغيرة ثُمَّ المتوسطة ثُمَّ الكبيرة”.
رائدات الأعمال وبناء السلام
يعدُّ وجود النساء في مجال ريادة الأعمال وصناعة القرار ذا أهمية كبرى؛ إذ إنّهنّ يسعين بجهود حثيثة للدفع بعجلة التنمية والاقتصاد إلى خدمة الشعب والوطن.
توضح منال الثور أنّ لسيدات الأعمال دورًا مهمًّا جدًّا في عملية تحقيق السلام، خاصة أنهنّ يمتلكنَ رؤية أكثر مرونة وشمولية من خلال البرامج والمشاريع الوطنية التي تعزز من عملية بناء السلام، وتسهم في إشراكهنّ في صناعة القرار.
كما بينت أنّ رائدة الأعمال اليمنية أثبتت قوتها وجدارتها في إيجاد الحلول لمعظم المشاكل التي تواجه اليمن، وخاصة الاقتصادية؛ من خلال طرح مجموعة من الأفكار والمشاريع التي تساعد واقع الأسر اليمنية، وتحسن من مستوى معيشتهم.
ومن جانبها تضيف زعفران المهنا: “أنّ وصول المرأة بجهودها وقبولها التحدي ودعمها المتواصل لتعزيز الأمن والاستقرار في البلد – يعدُّ أمرًا حاسمًا وأساسيًّا لنجاح هدفها في تحقيق السلام، فالنساء يشكلنَ 50٪ من سكان اليمن إذا لم يكن أكثر، ولذلك يجب أن يكنّ جزءًا من الحل، بل إنّ استبعادهنَّ كفيل باستمرار الفجوات بعد جميع المشاكل التي مررنَ بها”.
كما تقول: “تعدُّ آلية إدماج النساء في مرحلة التحدي، ودعم الأمن والاستقرار في اليمن خطوةً مهمّة لتعزيز مشاركتهنّ في بناء السلام على جميع المستويات، وفرصة فريدة لتعزيز التزامات اليمن لمعالجة مسألة محدودية مشاركة المرأة في مرحلة تحقيق السلام”.
دور جوهري
ترى زعفران المهنا أنّ دور المرأة جوهري ومهم في مختلف الجوانب، خاصة في مرحلة بناء السلام الشامل؛ إذ أنّ حضور النساء، وخاصة سيدات الأعمال في هذا الجانب، يعدُّ أمرًا بالغ الأهمية، فوجودهنَّ يعدُّ كأهمية وجود الرجل، فهما جزآن محوريان مترابطان في تلك المرحلة، التي تتمثل في مرحلة “التحدي لدعم الأمن والاستقرار”. مبينة أنّ المرأة اليمنية تعدُّ نصف المجتمع والمربية والمعلمة للنصف الآخر، فالأخذ بصوتها أمرٌ ضروريٌّ.
منغصات ومشاكل
تواجه سيدات الأعمال في اليمن العديد من المشاكل التي تعوق جهودهنّ في تحقيق السلام، والتي تتمثل في انعدام الأمن، الذي يعوق قدرتهنّ في عملية التنقل بحريّة، وممارسة أعمالهنّ وتطويرها بصورة تخدم البلد اقتصاديًّا وسياسيًّا، بالإضافة إلى نقص الموارد وتدهور البنية التحتية الأساسية، كما أنّ العادات والتقاليد ما زالت تعوق مشاركة المرأة في الأعمال الاقتصادية بكل حرّية؛ عبر المعاملة التمييزية من قبل بعض العملاء والموردين؛ الأمر الذي يؤثر على قدرتها في المشاركة في صنع القرار على المستويات المحلية والدولية.
في الإطار ذاته، تؤكد منال الثور أنّ عدم إشراك سيدات الأعمال في المفاوضات المتعلقة بتحقيق السلام الشامل بالذات في الملف الاقتصادي، وعدم استيعاب دورهنّ المهم في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار – يعد خطأً فادحًا، له تداعيات سلبية على عملية السلام ومرحلة التعافي والإعمار.
المعالجات والحلول
هناك مجموعة من التوصيات والمعالجات التي تدفع بسيدات الأعمال للتقدم والقيام بأعمالهنّ في ريادة الأعمال وبناء السلام بفعالية كبيرة، منها ما ذكرتها منال بقولها: “هناك مجموعة من المقترحات من وجهة نظري؛ تتمثل في تسليط الضوء على البرامج والمقترحات المقدمة من سيدات الأعمال بما يخص مرحلة بناء السلام والتعافي والإعمار، من جانب اقتصادي، ضرورة إشراكهنّ في مفاوضات السلام وصناعة القرار الاقتصادي، وتبني المشاريع القائمة على تحقيق أهداف التنمية الشاملة المستدامة”.
زعفران تتحدث عن المعالجات المقترحة من وجهة نظرها، وتقول: “نحتاج لورش عصف ذهني، ولقاءات تشاورية للخروج بتوصيات من داخل المجتمعات النسائية التي قبلت التحدي، ودخلت إلى عالم ريادة الأعمال من خلال مشاريعها الصغيرة أو المتوسطة، وحتى نصبح أكثر دقة علينا العمل على الخروج برؤية واضحة ومحددة، ومعرفة ما هي التحديات سواء التشريعية أو المجتمعية أو الإعلامية، وحلها”.
كما تضيف زعفران أنه يجب تنفيذ دورات تدريبية مختصة في كيفية إعداد خطط وبرامج بناء السلام خاصة لسيدات الأعمال، وكذلك توفير فرص الاستثمار والدعم المادي، وغيرها من أشكال الدعم التي تحتاجها رائدات الأعمال في اليمن.
ما تزال المشاريع الخاصة بسيدات الأعمال في اليمن تشهد تطورًا مستمرًا وملحوظًا حتى مع الصعوبات والعقبات المجتمعية والصراعات القائمة في البلد، وتظل المرأة قادرة على المواجهة والتصدي والبدء من نقطة الصفر دائمًا؛ لأنّها تملك أفكارًا تتجدد باستمرار، وإبداعًا لا حدود له؛ الأمر سينعكس إيجابيًا لو تمَّ استهدافهنّ في عملية تحقيق السلام الشامل. فهل سنرى في المستقبل القريب مجتمعات أكثر سلامًا واستدامة؟ وهل سيزيد عدد النساء المشاركات في مشاريع تساعد في بناء السلام وصناعة القرار؟!